مع انعقاد جلسة ثانية من جلسات التفاوض بين لبنان وإسرائيل بشأن ترسيم الحدود، تكون هذه المُفاوضات قد بدأت فعليًا، باعتبار أنّ الأولى السابقة التي كانت قد انعقدت في 14 من الشهر الحالي كانت بروتوكوليّة وتنظيميّة، بينما الجلسة الجديدة مُخصّصة للدُخول في تفاصيل الملفّ. وبالتالي، الأنظار مَشدودة نحو مقرّ قوّات الأمم المُتحدة في الناقورة لمعرفة اتجاه الأمور. فهل يُمكن التفاؤل بقُرب الوُصول إلى اتفاق ترسيم للحدود برًا وبحرًا؟.
الإجابة المُباشرة والسريعة لهذا السؤال هي بكل بساطة: كلا! والأسباب مُتعدّدة، وهي تبدأ بأنّ المُفاوضات تتمّ مع دولة عدوّة وليس مع دولة صديقة، وتمرّ بأنّ الملفّ يُعتبر مُتشعّبًا ومُعقّدًا ويتضمّن الكثير من الوثائق المُتناقضة، ولا تنتهي عند حساسيّة الوضع الداخلي اللبناني وتأثير "حزب الله" غير المُباشر على هذا الملفّ الإستراتيجي، في ظلّ إصرار لبنان على رفض توقيع أيّ اتفاق قد يُفهم منه أنّه خُطوة أولى نحو التطبيع مع إسرائيل، خاصة في ظلّ تقدّم العديد من الدول العربيّة خُطوات كبيرة في هذا الاتجاه. وبالتالي، كل التقديرات والتوقّعات تتحدّث عن فترة زمنيّة لا تقلّ عن ستة أشهر، وربّما تمتد لسنوات في حال تراجع الاهتمام الأميركي بالملفّ، خاصة أنّ جلسات التفاوض ستُعقد بوتيرة مُتباعدة نسبيًا، وتحديدًا بمعدّل جلسة كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع. لكن وبغضّ النظر عن الفترة الزمنيّة التي ستستغرقها عمليّة الترسيم، وكذلك بغضّ النظر عن المُعطيات الداخليّة والخارجيّة التي قد تدخل على الخط في المُستقبل، لتؤثّر سلبًا أم إيجابًا في هذا الملف، لا بُدّ من استعراض أبرز الأسس التي ينطلق منها الوفد اللبناني المُفاوض.
وفي هذا السياق، سيُحاول الوفد اللبناني–بحسب المَعلومات المُتوفّرة، تجاوز الخط المُعلن في العام 2011 والذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة الجُغرافيّة امتدادًا إلى النقطة الجُغرافية الرقم 23 لرفع المساحة الجغرافية التي يُطالب بها من 860 كيلومترًا مربّعًا إلى أكثر من 2000 كيلومتر مربّع. وهذا الأمر مُمكن من خلال الإصرار على اعتماد الخطّ الحُدودي البرّي الذي وضعه الجيش اللبنانيالذي ينطلق من النقطة التي تمّ الانطلاق منها في العام 1923لترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين آنذاك، وجرى تثبيتها في اتفاق خطّ الهدنة في العام 1949 بعد قيام الكيان الإسرائيلي. وسيلجأ الوفد اللبناني إلى تقديم كل ما يَملكه من وثائق ومُستندات دَوليّة مُعترف بها رسميًا للتشديد على حقّه بما يُطالب به، خاصة أنّ من شأن النجاح في اعتماد خطّ الهدنة الذي استخدم أيضًا كدليل من جانب الأمم المتحدة لرسم ما يُسمّى "الخطّ الأزرق" بشكل رقمي بعد انسحاب اسرائيل من الجنوب في العام 2000، أن يُؤمّن للبنان ما لا يقلّ عن 1300 كيلومتر مربّع إضافيًا مُقارنة بالمساحة السابقة المُتنازع عليها والبالغة 860 كيلومترًا مربعًا فقط.
في المُقابل، من المُتوقّع أن يتحجّج الوفد الإسرائيلي الذي يملك بطبيعة الحال خرائط خاصة به بإصدار مجلس النواب اللبنانيالقانون الرقم 163 الذي تمّ على أساسه وضع المرسوم رقم 6433 وإيداعه لدى الأمم المُتحدة في العام 2011، وذلك بعد أن كان لبنان قد وافق على اعتماد النقطة رقم واحد في العام 2006، والنقطة رقم 23 في العام 2008، وذلك لرفض اعتماد خط الهدنة السابق كنقطة انطلاق للمُفاوضات. ومن المُرتقب أيضًا أن يُحاول الوفد الإسرائيلي اعتماد اقتراح المُوفد الأميركي السابق فريديرك هوف بشأن ترسيم الحدود لتقليل المساحة التي سيحصل عليها لبنان في نهاية المطاف، مع التذكير أنّ هوف كان قد اقترح في مرحلة سابقة خطًا وسطيًا يعترف بالخلاف اللبناني–الإسرائيلي على مساحة 860 كيلومترًا مربّعًا فقط، ويدعو إلى منح اللبنانيّين 58 في المئة من إجمالي هذه المساحة، وبمنح الإسرائيليّين 42 في المئة منها بطبيعة الحال، وهو ما رفضه لبنان في حينه.
في الختام، الأكيد أنّ المُفاوضات لن تكون سهلة، خاصة أنها ستتناول ترسيمًا بريًا وبحريًا في ظلّ تداخل كبير بينهما، على أمل أن يلعب الراعي الأميركي دورًا وسطيًا مُساعدًا وليس دورًا مُنحازًا وضاغطًا، وعلى أمل أيضًا أن يكون الهدف الإسرائيلي تحضير الأرضيّة لتحقيق مكاسب اقتصادية عبر استخراج المواد الأوليّة في البحر، وليس فرض تفاهمات أمنيّة على لبنان، وإلا فإنّ المُفاوضات القائمة لن تصل إلى أيّ نتيجة!.