• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
مقالات مترجمة

يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تجنب صراعاً عسكرياً أوسع نطاقاً وتلقى دعماً في استطلاعات الرأي، ولكن أمامه مرحلة خطيرة.

في 13 أيار/مايو، توصلت إسرائيل و”حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، بوساطة مصر وبمشاركة الولايات المتحدة وقطر، في أعقاب عملية إسرائيلية سريعة استهدفت غزة وعُرفت باسم “الدرع والسهم”. وتعيد هذه الحملة الإسرائيلية إلى الذاكرة ما حصل في آب/أغسطس عام 2022 حين واجهت حكومة يائير لابيد “حركة الجهاد الإسلامي” لفترة قصيرة. وفي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت إسرائيل تأمل أن ألا تنضم حركة “حماس” الأكبر حجماً والأقوى سياسياً والأفضل تسليحاً إلى المعركة.   

الجوانب العملياتية للأزمة

تفتقر “حركة الجهاد الإسلامي” في فلسطين، وهي أحد وكلاء إيران، إلى التأييد الشعبي الواسع النطاق الذي تتمتع به “حماس” في غزة، كما لا تتمتع صواريخها بالقدرة الفتاكة أو بالمدى اللذين يميزان صواريخ “حماس”. ولكن على الرغم من قيودها العسكرية، نجحت في بين 9 و13 أيار/مايو في إطلاق 1469 صاروخاً على مناطق مدنية إسرائيلية، رغم أن خُمسها تقريباً سقط في غزة. كما تمكنت “حركة الجهاد” من إطلاق بضعة صواريخ وصلت إلى ضواحي تل أبيب الجنوبية وإلى مستوطنة في الضفة الغربية بالقرب من القدس. 

يُذكر أن نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي “القبة الحديدية” اعترض 95.6 في المائة من الصواريخ التي استهدفت مدنيين إسرائيليين، ومع ذلك قُتلت إسرائيلية في مبنى سكني في رحوفوت فضلاً عن عامل من غزة في الأراضي الإسرائيلية. وتشير التقارير إلى أن إسرائيل أرجأت مرتين بدء العملية وسط مخاوف من تعرّض مدنيين للقتل. وفي المحصلة، أسفرت العملية عن مقتل 33 فلسطينياً في غزة، بمن فيهم عشرة مدنيين أبرياء في الجولة الأولى من الضربات الجوية، وفقاً للجيش الإسرائيلي الذي أوضح أن معظم الضحايا كانوا من المقاتلين وبعضهم سقط نتيجة إخفاق “حركة الجهاد” في إطلاق الصواريخ.  

وأعلن الجيش الإسرائيلي عن تحقيق نجاح تكتيكي عن طريق قتل ثلاثة من قادة عمليات “حركة الجهاد الإسلامي” خلال الضربات الأولى في 9 أيار/مايو، بالإضافةً إلى ثلاثة مقاتلين آخرين رفيعي المستوى بعد ذلك. وفي خطوة إيجابية لمنظومة الدفاع الصاروخي المتعددة المستويات، اختبر الجيش الإسرائيلي نظام “ديفيد سلينغ” المتوسط المدى للمرة الأولى في أرض المعركة، وأسقط صاروخاً كان متجهاً إلى تل أبيب. أما في السياق الأوسع نطاقاً، فكانت إسرائيل تردّ على الهجمات الصاروخية التي شنتها “حركة الجهاد” على مدن إسرائيلية بعد وفاة خضر عدنان المنتمي إلى الحركة في الثاني من أيار/مايو جراء إضرابه عن الطعام وهو قيد الاعتقال في إسرائيل. وبالمثل، عبّر مسؤولو الدفاع الإسرائيليون عن مخاوفهم من تعزيز الحركة قدرتها على إنتاج الصواريخ في مدينة جنين في الضفة الغربية.     

وكما حدث في آب/أغسطس 2022، أفادت التقارير أن “حماس” لم تستجب للدعوات الملحة من إيران للمشاركة في القتال، ووصل بها الأمر في هذه الجولة من القتال إلى حدّ رفض إيواء عملاء “حركة الجهاد الإسلامي” وإرفاقهم بمقاتلين من قبلها كدروع. وبدلاً من ذلك، واصلت حماس” تطبيق سياستها المتمثلة في الحفاظ على الهدوء في غزة من أجل إحكام سيطرتها وتحقيق مكاسب اقتصادية (أي الحفاظ على وصول أقلية من الفلسطينيين إلى وظائف ذات رواتب أعلى في إسرائيل)، وسط التركيز على عملياتها ضدّ إسرائيل في الضفة الغربية.    

ولو استمر القتال لفترة أطول، لواجهت “حماس” صعوبة في البقاء على الحياد، لا سيما نظراً إلى رمزية “يوم القدس” الذي يصادف في 19 أيار/مايو ويخلّد انتصار إسرائيل في حرب عام 1967. وتشكل المسيرة السنوية المزمع أن تمرّ في الحيّ الإسلامي في البلدة القديمة في مدينة القدس تحدياً أمنياً، إلا أن إسرائيل رفضت الاستجابة لطلبات إدارة بايدن بتغيير المسار. وبالفعل، لم تشهد المسيرة أي حوادث خطيرة العام الماضي، ولكن في هذا العام تفيد بعض التقارير أن وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير الذي يترأس حزب “عوتسما يهوديت” (أو “العظمة اليهودية”) المتطرف، يعتزم المشاركة في المسيرة. ووفقاً لذلك، قد تجد “حماس” التي تعتبر نفسها الحامية الفلسطينية للقدس، صعوبة في البقاء على الحياد في ظل هذه الظروف.        

وفي هذا السياق، أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها ثلاث شبكات تلفزيونية إسرائيلية في 14 أيار/مايو أن ما يقرب من 60 في المائة من الإسرائيليين كانوا راضين عن الإجراءات الأمنية المتخذة ضد “حركة الجهاد الإسلامي”. ولكنهم في الوقت نفسه لم يعتبروا أن هذه الحملة تشكل نقطة تحوّل. وكشف استطلاع أجرته “القناة 13” أن 53 في المائة من المستطلعين يعتقدون أنها مسألة “أشهر” قبل حصول مواجهة أخرى في غزة، في حين رأى 17 في المائة فقط أنه سيمر عام قبل حدوث ذلك. وعموماً، عجز محللون عسكريون تمت مقابلتهم على شاشات التلفزيون، وحتى التحليلات المتفائلة نسبياً، عن تقديم تطمينات بالتوصل إلى حل طويل الأمد للتوترات في غزة.

نتنياهو ينفض عنه الغبار

نظراً إلى الدعم الشعبي العام للعمليات العسكرية القصيرة والمركزة، لم تكن الضربة التي تلقاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مفاجئة. ومع ذلك، احتاج الزعيم الإسرائيلي إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه عقب الضجة التي أحدثتها الإصلاحات القضائية المثيرة للجدل التي اقترحتها حكومته. فائتلافه بدأ يخسر شعبيته بسرعة كبيرة بحلول أواخر آذار/مارس وسط الغضب الشعبي من الإقالة المفاجئة لوزير الدفاع يوآف غالانت، بعد أن دعا إلى وقف خطط الإصلاح. ونتيجةً لذلك، خرج مئات الآلاف من الإسرائيليين إلى الشوارع احتجاجاً، كما دعا “الاتحاد العام لنقابات العمال الإسرائيلية” (“الهستدروت”)، إلى إضرابات واسعة النطاق. ومقابل هذه التطورات، وجد نتنياهو نفسه مضطراً إلى العدول عن موقفه، معلناً عن دعمه لإجراء محادثات للتوصل إلى حلّ وسط برعاية الرئيس إسحاق هرتسوغ.    

وقد أبلغ مساعدو نتنياهو المراسلين الصحفيين بعيداً عن الأنظار أن رئيس الوزراء لا يريد تقديم أي تشريع أحادي مثير للجدل خلال دورة الكنيست في الربيع والصيف، بالنظر إلى أنه قد يعرقل إقرار الميزانية المعدّة لعامين قبل نهاية الشهر. (بموجب القانون، يتم حل حكومة إسرائيل إذا لم تمرر الميزانية بحلول 29 أيار/مايو). ولا شك أن العناصر اليمينية المتطرفة في كتلة نتنياهو سترى الموعد النهائي لإقرار الميزانية فرصة لانتهاج استراتيجية حافة الهاوية في مختلف القضايا. وقد يتمحور الخلاف في المقام الأول حول التغييرات الكبيرة المقترحة في تمويل المجتمع اليهودي الأرثوذكسي المتطرف، بما في ذلك زيادة المساعدة للمؤسسات التعليمية التي تستثني المواد الأساسية مثل الرياضيات واللغة الإنكليزية. وسترى الحركة المناهضة للإصلاحات في ذلك سبباً جوهرياً لمعارضتها التغييرات الشاملة التي تحاول الحكومة إجراءها، ومن المؤكد أن الزيادة الحادة في الإعانات ستثير الاستياء من جديد. ثانياً، سيهدد مؤيدو الإصلاحات مثل رئيس “لجنة الدستور والعدالة والقانون” في الكنيست، سيمحا روثمان، بعرض التشريع خلال مناقشة الميزانية في حال فشل المحادثات التي يجريها الرئيس هرستوغ.

ويبدو أن استطلاعات الرأي التي أجرتها كل من “كان“و”قناة 12” و “قناة 13” في 14 أيار/مايو قد رسمت مساراً سياسياً لنتنياهو. فبحلول أواخر نيسان/أبريل، أظهرت الاستطلاعات أن حصة “حزب الليكود” الذي يترأسه رئيس الوزراء ستتراجع من 32 إلى 20 مقعداً في حال إجراء الانتخابات في ذلك الوقت. لكن الوضع تغير في منتصف أيار/مايو، وبدا أن حزب نتنياهو استعاد سبعة أو ثمانية من المقاعد التي كان قد خسرها. وإذا أُجريت الانتخابات اليوم، قد تفوز كتلة بقيادة رئيس حزب “الوحدة الوطنية” بحكم الواقع، بيني غانتس، بثلاثة إلى سبعة مقاعد. وقد أدهشت قوة غانتس المحللين الذين افترضوا، بعد إجراء خمس جولات انتخابية في أكثر من ثلاث سنوات بقليل، أن المعركة السياسية ستنحصر بين مجموعة صغيرة من الناخبين المؤيدين لليمين غير المتطرف. ولكن عندما بلغ التأييد لنتنياهو أدنى مستواه في انتخابات نيسان/أبريل، بدت حظوظ غانتس مرتفعة كثيراً. علاوةُ على ذلك، وعلى الرغم من عدم فوز هذا الأخير في الانتخابات الوطنية السابقة، إلّا أنه حظي باحترام الشعب باعتباره شخصية موحِدة تسعى إلى تجنب الحرب الثقافية الناجمة عن الإصلاحات القضائية.

ويدرك نتنياهو أن المشكلة القضائية هي بمثابة خط أمان لا يمكنه المساس به، وأن ارتباطه بالشخصيات السياسية المتطرفة مثل بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير العدل ياريف ليفين، الذين اعتُبروا مؤخراً أنهم قادرون على التغلب عليه، يضعفه بنظر الشعب. وفي المقابل، من شأن أي صراع عسكري أن يربط رئيس الوزراء بقادة عسكريين أكثر براغماتية ودقة وقد يعزز حظوظه السياسية.

الخاتمة

على نتنياهو أن يخوض الآن غمار المجازفة السياسية. فمن جهة، سيحاول عدم إثارة غضب قاعدة الائتلاف الأيديولوجية، وذلك من خلال الإشارة إلى أنه تم تأجيل الإصلاحات فقط – ولم يتمّ إلغاؤها – أو أن هرتسوغ قادر على التوسط للتوصل إلى حل وسط مناسب يقبل به اليمين. لكن المحتجين المناهضين للإصلاحات لا يثقون بنتنياهو ويعتقدون أن القضية قد تأجلت فقط وقد يتمّ طرحها وتنفيذها في أي وقت. وبالتالي، ستستمر الاحتجاجات. ومن جهة أخرى، سيحاول رئيس الوزراء أن يبلّغ إدارة بايدن برغبته في التعاون للتصدي لإيران وتوطيد العلاقات مع السعودية، وهما أمران يتطلبان استشارات مسبقة بين القادة في المكتب البيضاوي. وفي غضون ذلك، يترقب المستثمرون بروز إشارة واضحة من رئيس الوزراء سواء إلى إلغاء الإصلاحات القضائية أو التوصل إلى حل وسط معقول، لكن نتنياهو قد يعمد إلى عدم توضيح الأمور على أمل أن تتلاشى القضية أو تفقد قوتها السياسية.