يناقش مسؤول أمريكي رفيع المستوى مشهد التهديد الحالي، ودور مكافحة الإرهاب في مجال الأمن القومي الأوسع نطاقاً في الولايات المتحدة، وجهود وزارة الأمن الداخلي الأمريكي لمنع التطرف العنيف.
في 17 أيار/مايو، عقد "معهد واشنطن" منتدى سياسي افتراضياً مع نيكولاس راسموسن، منسق مكافحة الإرهاب في "وزارة الأمن الداخلي" الأمريكية. وفيما يلي ملخص المقررة لملاحظاته.
يبدو مشهد التهديدات الحالي - سواء على الصعيد العالمي أو هنا في الولايات المتحدة - أكثر تعقيداً وانقساماً وتغيّراً من أي وقت مضى في التاريخ الحديث. وخلال العقدين الماضيين، نجحت الولايات المتحدة في شل قدرة المنظمات الإرهابية الأجنبية، على غرار تنظيميْ "الدولة الإسلامية" و"القاعدة"، على شنّ هجمات مدمرة في الخارج. وقد تحقق ذلك بفضل الاستخدام المكثف للموارد والأفراد من أجل استهداف قدرات هذه الجماعات وتعطيلها. لكن شبح التهديدات الإرهابية لا يزال مخيماً. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تمكنت من الحدّ من قدرة الإرهابيين على تنفيذ العمليات في الخارج، إلا أن عدد الأفراد الذين يعتنقون الأيديولوجيا الجهادية حول العالم لم يتراجع. لذلك، من الضروري مواصلة بذل جهود حثيثة لمكافحة الإرهاب بهدف وقف نشاط المنظمات الإرهابية الأجنبية العابر للحدود الوطنية. ويتضمن جزء من هذه العملية إعادة المواطنين الأمريكيين من معكسرات الاعتقال مثل "مخيم الهول" في سوريا إلى بلادهم، لأنه من منطلق إدارة المخاطر تُعد إعادتهم أقل خطراً على الأمن القومي الأمريكي من إبقاء الأمور كما هي عليه. ومن المهم أيضاً النظر في الأنشطة غير القانونية التي تقوم بها الدول الراعية للإرهاب، ولا سيما إيران، وباستعدادها لشن عمليات في الولايات المتحدة. وتشمل الحالات البارزة في هذا المجال اتهام أحد المسؤولين في "الحرس الثوري الإيراني" بالتخطيط لاغتيال مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون.
ومع ذلك، يبقى الخطر الإرهابي الأكبر المحدق بالولايات المتحدة هو ذلك الذي يأتي من التطرف العنيف المحلي الذي ازداد حجماً وفتكاً وتعقيداً خلال السنوات القليلة الماضية. فتنوع الأيديولوجيات المتطرفة يسجل ارتفاعاً قياسياً، مما يجعل التصدي لهذا التهديد صعباً للغاية. ويستخدم المتطرفون العُنف لفرض أجنداتهم وترويج مظالمهم عبر شبكة الإنترنت وخارجها. علاوةً على ذلك، لا يقتصر تهديد التطرف العنيف المحلي على المدن الرئيسية أو ضواحيها، خلافاً لما حدث خلال فترة ما بعد هجمات 11 أيلول/سبتمبر عندما تركزت الهجمات عموماً في المدن الكبرى. وفي المقابل، تبدو جميع البيئات عرضةً لخطر التطرف، علماً أن التطرف الإلكتروني يُعد أيضاً وجهاً من أوجه التهديد. وعلى الرغم من أن شركات التكنولوجيا قادرة على التصدي للمحتوى الذي تنشره المنظمات الأجنبية - المصنّفة إرهابية - عبر الإنترنت، إلّا أنه يصعب عليها التحكم بالمحتوى عندما يكون المتطرفون غير مصنّفين. وفي هذا الإطار، تتعاون وزارة الأمن الوطني الأمريكي مع عدة وكالات وشركات تكنولوجيا لتطوير الأدوات الأكثر فعالية للتصدي للتطرف عبر الإنترنت.
دور مكافحة الإرهاب في مشهد الأمن القومي الأوسع نطاقاً
في وقت تواجه فيه الولايات المتحدة صعوبة في ترتيب أولوياتها على صعيد الأمن القومي وتنخفض فيه ميزانيات الحكومة، لم يعد المسؤولون يملكون سوى موارد وأدوات محدودة وعدداً قليلاً من العناصر لمحاربة التطرف. ونتيجة تراجع الموارد التي يمكن نشرها في الخطوط المتقدمة وتراجع اهتمام الحكومة الأمريكية بالموضوع، أصبحت استراتيجية مكافحة الإرهاب تركز بشكل أكبر على إدارة المخاطر والتخفيف من حدتها، الأمر الذي يمارس ضغوطاً هائلة على المجتمع الاستخباراتي لكي يرصد المؤشرات على بروز تهديدات إرهابية وإشارات التنبيه إليها. على الولايات المتحدة التعاون مع الشركاء الدوليين والانخراط في جهود بناء القدرات للاستجابة بفعالية لبيئة التهديدات السائدة حالياً على الرغم من تراجع الموضوع على سلّم الأولويات محلياً.
ومع تراجع الاهتمام بمكافحة الإرهاب، يزداد التركيز على أمن الحدود باعتباره خط الدفاع الأخير لمنع دخول أفراد قد يشكلون خطراً أمنياً. وفي هذا الإطار، أعدت وزارة الأمن الوطني الأمريكية قائمة مفصّلة بالجهات التي يجب مراقبتها وتحدّثها باستمرار لمنع الإرهابيين من السفر إلى الولايات المتحدة وضمان أمن الحدود، علماً بأن هامش الخطأ في استراتيجية دفاعية مماثلة لمكافحة الإرهاب أدنى بكثير.
منع التطرف العنيف
يُعتبر العمل الوقائي والاستباقي من أهم الأدوات التي تستخدمها الوزارة لمنع انتشار الراديكالية والتطرف العنيف، ولا سيما عند مواجهة التهديدات المتنامية للتطرف المحلي. ويتمثل دور الوزارة، التي تملك خبرة أكثر من 20 عاماً في محاربة التطرف، في التعاون مع المجتمعات الضعيفة وتوفير الموارد لتطوير عوامل وقائية ومنع التطرف العنيف. ويعكس ذلك نهجاً يقوم على الحفاظ على السلامة العامة ويساهم في تذليل الحواجز أمام التواصل. ومن المهم أن تتجنب الحكومة إضفاء طابع أمني على هذه المحادثات إذ من شأن ذلك أن يخلق ديناميكية تقوم على مبدأ "نحن أو هم" ويمنع إحراز أي تقدّم. ففي نهاية المطاف، يكمن الهدف في تسخير قدرات وموارد الحكومة الفدرالية لتمكين المجتمعات لكي تتولى بنفسها العمل الوقائي والاستباقي.
وفي إطار الاستراتيجية الوطنية الأخيرة لمكافحة الإرهاب المحلي، تلعب وزارة الأمن الوطني دوراً أساسياً في الوقاية، والاستثمار في تدابير السلامة والأمن في مرافق المجتمع، وتوفير برامج التدريب والمنح، للسماح للمجتمعات بضمان أمنها بنفسها والحدّ من التأثيرات المحتملة للهجمات الإرهابية. ويتمثل الجزء الأصعب من جهود الوقاية في قابلية توسيع نطاقها. فالولايات المتحدة شاسعة ومتنوعة، لذا فإن جهود منع الإرهاب ستكون مختلفة في كل مدينة. ولتوفير أفضل الموارد والمعلومات إلى العاملين على الأرض في أرجاء البلاد كافة، أطلقت الوزارة مؤخراً الموقع الإلكتروني Prevention Resource Finder (أداة إيجاد موارد الوقاية)، وهو مستودع شامل عبر الإنترنت للموارد الحكومية الفدرالية لمنع أي أعمال إرهابية وعنف موجه. كما أنها بصدد تطوير تطبيق على الهاتف المحمول يعرض معلومات استخباراتية في وقتها الفعلي صادرة عن الحكومة الفدرالية لوكالات إنفاذ القانون المحلية. وترمي هذه الأداة إلى توفير تدفق مستمر للمعلومات والحفاظ على الروابط مع وكالات إنفاذ القانون المحلية وتحويل المعلومات السرية إلى معلومات استخباراتية مفيدة. وأخيراً، لضمان أن تكون جهود وزارة الأمن الداخلي فعالة ومرتكزة على البيانات، على الحكومة الأمريكية الاستمثار في بحوث قائمة على الأدلة واستخدام المقاييس والتقييم. فمحاربة العنف الموجه والإرهاب المحلي مشكلة يواجهها المجتمع ككل وتتطلب بالتالي نهجاً يشمل المجتمع بأسره.