أعلن مرشح تحالف “الأجداد” القومي اليميني “سنان أوغان” يوم 22 مايو 2023 الذي حصل على (5.2% بواقع 2.8 مليون ناخب) في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية بالبلاد؛ دعمه للرئيس التركي مرشح تحالف “الشعب” رجب طيب أردوغان في جولة الإعادة، وأكد أن هذا في صالح الدولة التركية، وأنه لم يشترط الحصول على أي مناصب وزارية في المقابل؛ ما يعزز فرص الأخير للفوز بعدما حصل في الجولة الأولى على (49.5%). وإذا دعمته الكتلة التصويتية “لأوغان” فإنه سيضمن أكثر من (51%) من الأصوات اللازمة للفوز؛ هذا بينما تستمر الحملات الانتخابية لجولة الإعادة بشكل مكثف قبل بدء الصمت الانتخابي عشية يوم التصويت المقرر في 28 مايو الحالي، مع توقعات بتصاعد دور “أوغان” السياسي بعد قراره الأخير.
فاعل مؤثر
يعد “سنان أوغان” (55 عاماً) أكاديميّاً متميزاً؛ فهو ينتمي إلى أسرة تركية مسلمة تعود أصولها إلى أذربيجان، وحصل على بكالوريوس الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة مرمرة، ثم درجتي الماجستير والدكتوراه في جامعة موسكو للعلاقات الدولية، ويتحدث اللغتين الروسية والإنجليزية، وعمل نائب بالجامعة الاقتصادية بأذربيجان، ثم أسس مركز العلاقات الدولية والتحليل الاستراتيجي (TÜRKSAM)بتركيا، وله العديد من الكتب والمقالات المنشورة، وحصل على تكريمات وجوائز لتميزه الأكاديمي، وقد بدأ نشاطه السياسي بالانضمام إلى حزب “الحركة القومية” برئاسة “دولت بهجلي”، وفي عام 2011 انتُخب “أوغان” لأول مرة نائباً بالبرلمان التركي عن مدينة “إغدير” مسقط رأسه، ثم في عام 2015 ثار خلاف بينه وبين “بهجلي” إثر رفضه التحالف بين حزب “الحركة القومية” و”العدالة والتنمية” الحاكم آنذاك. وفي عام 2017 انشق عن الحزب ولم ينضم إلى أي حزب جديد، ثم أحدث مفاجأةً بفوزه بالمركز الثالث في الانتخابات الرئاسية الحالية، وهو الأمر الذي له عدد من الأبعاد، كما يلي:
1– تبني “أوغان” الأتاتوركية القومية: رغم أنه ينحدر من أسرة مهاجرة، فإن “أوغان” يتبنى أفكاراً قومية معادية للأجانب، ويدعو إلى ترحيل كافة اللاجئين من تركيا، وكان له عدد من الوعود الانتخابية تتضمن (إلغاء النظام الرئاسي والعودة إلى النظام البرلماني، وحل المشاكل الديموغرافية بالبلاد، وتأمين عودة آمنة للاجئين لا سيما السوريين، وتشكيل اقتصاد إنتاجي ودعم قطاع الزراعة، والوصول إلى الاكتفاء الذاتي غذائيّاً، وتحقيق العدالة والدفاع عن حقوق الإنسان)، فضلاً عن إصراره على محاربة التنظيمات الإرهابية، لا سيما “حزب العمال الكردستاني” الكردي الذي يناصبه العداء. وهذه التوجهات ساهمت في استقطاب الكتلة التصويتية “القومية المحافظة”، لا سيما من مدن وسط الأناضول للتصويت لصالح “أوغان”، وبهذا يسعى “أوغان” ليصبح زعيماً جديداً للقوميين المحافظين خلفاً “لدولت بهجلي” الذي يُلقَّب بـ”أبو القوميين” في تركيا.
2– إبداء الانفتاح على المرشحين في جولة الإعادة: أحدث “أوغان” مفاجأة في مارس 2023 بتمكنه من جمع 100 ألف توقيع مكَّنته من اعتماد أوراق ترشحه للرئاسة من قِبل الهيئة العليا للانتخابات التركية، ثم قَبِل الترشح عن تحالف “الأجداد” الذي أسَّسه رئيس حزب النصر القومي اليميني المتشدد “أوميت أوزداغ”. وتوقَّع “أوغان” أن الانتخابات لن تحسم من الجولة الأولى، وأنه سيخوض الجولة الثانية، كما أن النسبة التي حصل عليها تفوق كل توقعات استطلاعات الرأي التي رجحت حصوله على (2–3%) من الأصوات فقط، بيد أنه تجاوز (5%). وغداة الإعلان عن فوز “أوغان” بالمركز الثالث في الجولة الأولى بالانتخابات الرئاسية التركية، عقد الأخير مؤتمراً صحفيّاً موسعاً في أنقرة، وأبدى سعادته بالنتائج، وأكد أن “القوميين الأتراك والكماليين سيكونون محددات جولة الإعادة”، وأرجع ارتفاع نسبة التصويت له عن المتوقع إلى أن “قوميين أتراكاً وشباباً يعتبروننا أكثر ثقافةً وسئموا من الوجوه السياسية القديمة”.
كما أبدى أنه “منفتح على الحوار مع المرشحَين اللذَين سيخوضان جولة الإعادة، وهما (أردوغان، وأوغلو)، وأكد أنه سيتخذ قراره بعد إجراء محادثات مباشرة معهما”، ونفى دعمه أيَّ مرشح حتى اليوم، وأكد معارضته “أي منظَّمة إرهابية” في إشارةٍ إلى حزب “الشعوب الديمقراطي” الداعم “لأوغلو”.
3– طرح مطالب متشددة للتفاوض مع مرشحي الرئاسة: يمكن وصف الشروط التي حددها “أوغان” لإعلان دعمه أي مرشح في جولة الإعادة بأنها “متشددة”؛ حيث أكد: “لن نكون شركاء بالمجان، ولدينا مطالب مثل الوزارات”، وربما يطلب الحصول على منصب نائب الرئيس أيضاً، وهذا لا يتناسب مع حجم كتلته التصويتية. ووصف “أوغان” دوره في الانتخابات بالمحوري؛ لأنه “منع أردوغان من إلقاء خطاب الانتصار من شرفته”، واستمر في انتقاد “أوغلو”؛ لأنه “تجاهل القوة الحقيقية لتيار اليمين في تركيا”، وفشل في كسب ثقة الشعب، وأوضح أنه سيعلن عن المرشح الذي سيدعمه قبل الصمت الانتخابي المقرر في 27 مايو الحالي، وأكد ثقته بأنه سيُقنع كتلته التصويتية البالغة نحو (2.8 مليون ناخب) بالتصويت لصالحه.
4– مساعي القوى المتنافسة للتحالف مع “أوغان”: فور الإعلان عن نتائج الانتخابات، سارع معسكرا “أردوغان” و”أوغلو” للتواصل مع “أوغان”؛ لتهنئته بالأصوات التي حصل عليها وإقناعه بدعم أيٍّ منهما. وتلقى “أوغان” مكالمة هاتفية من نائب رئيس حزب “العدالة والتنمية” “بن علي يلدرم”، كما أوضح القيادي بالحزب “نعمان كورتولموش” أنه يعتقد أن أنصار أوغان سيصوتون لصالح “أردوغان”؛ لتوافق أفكارهم السياسية، كما أوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية “إبراهيم كالين” أن “أوغان موقفه متقارب مع تحالف الجمهور الحاكم، وقد أدار حملة انتخابية. لا ندري من سيختار أوغان لدعمه في الجولة الثانية، لكنه أظهر بوضوح من يجب علينا التصدي له عندما يتعلق الأمر بمصالح البلاد”، ويقصد رفض التنظيمات الإرهابية التي يتهم “أوغلو” بدعمها، وهي “حزب العمال الكردستاني”.
في المقابل أجرى “كمال كليجدار أوغلو” اتصالاً هاتفيّاً “بأوغان”، ووُصفت المحادثات بينهما بأنها “إيجابية جدّاً”، كما عقد رئيس حزب المستقبل المتحالف مع “أوغلو” رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق “أحمد داوود أوغلو”، اجتماعاً مع “أوغان” يوم 18 مايو 2023 لإقناعه بالانضمام إلى تحالف الأمة المعارض ودعم “أوغلو”.
5– الإعلان عن تقديم الدعم لأردوغان: أجرىقام “أردوغان” زيارة مفاجئة إلى “أوغان” في مكتبه عشية إعلان الأخير دعمه له، وهذا يشير إلى حدوث توافق سياسي بينهما ستظهر معالمه بعد النتائج النهائية للانتخابات. ولا يمكن القول إن “أوغان” كان يقف على مسافة واحدة من مرشحَي جولة الإعادة؛ لأنه كان يميل إلى “أردوغان” وفقاً لأفكار كلٍّ منهما، ولا يوجد نقاط خلاف بينهما سوى الإدارة الاقتصادية للبلاد، وهذه يمكن معالجتها. ورفض “أوغان” لوجود حزب “هدى بار” (ينتمي إلى الأكراد المحافظين) بتحالف “أردوغان”، ويمكن للأخير التخلي عنه لأنه يمثل (1%) فقط من الأصوات، أما “أوغان” فلديه (5%)، كما يمكن تقديم امتيازات ومناصب وزارية “لأوغان” في الحكومة الجديدة، بل إن النقطة الرئيسية بينهما تتعلق بالاتفاق على مكافحة التنظيمات الإرهابية وترحيل اللاجئين، وهذا تعهد “أردوغان” بحدوثه بالتنسيق مع الحكومة السورية.
كما أن “أوغان” يرغب في تزعُّم التيار القومي الأتاتوركي بالبلاد بخلافة “دولت بهجلي” (80 عاماً ويُلقَّب بـ”أبو القوميين”) رئيس حزب “الحركة القومية” المتحالف مع “أردوغان”، وربما يدعم الأخير “أوغان” لتحقيق ذلك بعد انتهاء الحياة السياسية “لبهجلي”؛ هذا فضلاً عن إمكانية تحالف “أوغان” مع “أردوغان” في البرلمان ليعزز كتلته الداعمة له، وهذا سيضمن له الحصول على مناصب وزارية.
6– تزايد الخلافات بين “أوغان” و”أوغلو”: أعلن مرشح تحالف الأمة المعارض “كمال أوغلو” أنه سيعيد (10 ملايين لاجئ) إلى بلادهم، ولعل هذه هي نقطة الاتفاق الوحيدة بينه وبين “أوغان”. والخلاف الجوهري بينهما يتعلق بالتحالف مع المنظمات التي يعتبرها أوغان إرهابية، وهي “حزب الشعوب الديمقراطي الكردي” الذي يعد الجناح السياسي “لحزب العمال الكردستاني” المصنف تنظيماً إرهابيّاً بتركيا. ويتخذ “أوغان” موقفاً متشدداً ومُعادياً للأكراد، وأعلن أنه “لن يدعم مرشح المعارضة (كمال كليجدار أوغلو) إلا إذا تنازل عن تأييد الأحزاب الكردية”؛ ولذا فإن التحالف بينهما كان سيؤدي إلى خسارة الأصوات الكردية الداعمة “لأوغلو” بولايات جنوب البلاد (نحو 8–10%)، كما أن الأحزاب المشاركة في تحالف “الأمة” المعارض رفضت تقديم تنازلات “لأوغان”، خاصةً رئيسة حزب “الجيد” ذي التوجه القومي “ميرال أكشينار”؛ لأن “أوغان” يعد منافساً لها.
محددات التأثير
بالطبع سيؤثر قرار “أوغان” على نتائج جولة إعادة التصويت بالانتخابات الرئاسية التركية، ولكن يظل هذا التأثير مرتبطاً بعدد من المحددات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1– قدرة “أوغان” على حشد الأصوات: بالرغم من أن دعم “أوغان” “لأردوغان” سيضمن للأخير نسبة 5% إضافية من الأصوات – وهي نسبة توفر له الحصول على أغلبية مريحة تمكنه من الفوز بالانتخابات في جولة الإعادة بأكثر من (53%) – فإن هذا الأمر يتوقف على قدرة “أوغان” على حشد واستقطاب أصوات الأقلية “الأذرية” الممثلة لـ(10%) تقريباً من عدد السكان؛ نظراً إلى أنه ينحدر من أسرة أذربيجانية، وكذلك استقطاب الأصوات القومية من أحزاب تحالف “الأمة” المعارض، وهي أصوات (الشعب الجمهوري، الجيد)؛ ما يعزز فرص فوز “أردوغان” التي أصبحت شبه مؤكدة.
2– فرص “أوغلو” في استقطاب التيارات المحافظة والقومية: رغم تراجع فرص فوز مرشح تحالف “الأمة” المعارِض “كمال كليجدار أوغلو”، في الفوز بجولة الإعادة/ لا سيما أنه حصل على (45%) فقط في الجولة الأولى، فإن ذلك قد يتحقق إذا نجحت حملاته الانتخابية في استقطاب التيارات المحافظة والقومية التي أيدت “أردوغان”، خاصةً من محافظات الأناضول ووسط البلاد، وهو الأمر الذي سيكون له أثر مضاد لدور “أوغان”، وربما يقوض أثر دعم “أوغان” لأردوغان.
3– القراءة الخاطئة لطبيعة الكتلة التصويتية لأوغان: قد تؤدي القراءة الخاطئة لطبيعة الكتلة التصويتية لأوغان إلى تداعيات سلبية على حدود فرص “أوغان” في التأثير على مشهد جولة الإعادة. وفي هذا الصدد، تذهب بعض التقديرات إلى أن هناك تضخيماً لدور “أوغان” في جولة الإعادة؛ فنسبة التصويت التي حصل عليها في الجولة الأولى – وتجاوزت (5%) – لا تمثل حقيقة كتلته التصويتية؛ لأنها أقل من ذلك، وهناك عدد من الناخبين صوَّتوا له رفضاً لكل من “أردوغان” و”أوغلو”؛ أي أنه “تصويت بالرفض”، وهذه الكتلة ربما تمتنع عن المشاركة في الجولة الثانية للانتخابات التي من المتوقع أن تنخفض نسبة المشاركة فيها عن الجولة الأولى، كما أن هذه النسبة يعود بعضها إلى أنصار المرشح المنسحب من السباق الانتخابي “محرم أنجه”؛ حيث إن كتلته من العلمانيين ربما تمتنع عن المشاركة في جولة الإعادة أيضاً؛ ولذا فإن دعم “أوغان” ربما لا يضمن فوز “أردوغان”، بيد أن هذا احتمال مستبعد.
مما سبق، نرى أن “سنان أوغان” طرح اسمه بقوة على المشهد الانتخابي التركي، ونسبة الأصوات التي حصل عليها تؤكد تصاعد التيارات القومية بالبلاد وحدة الاستقطاب التي صاحبت الانتخابات؛ ولذا سيكون له دور في ترجيح اسم الفائز بالانتخابات الرئاسية، كما سيكون من قيادات التيار القومي التركي، وسيؤثر في المشهد السياسي بالبلاد، لا سيما حال إجراء انتخابات برلمانية مبكرة.