• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
قراءات

لماذا تهتم الولايات المتحدة بتعميق شراكتها الأمنية مع بابوا غينيا الجديدة؟


في وقت تسعى فيه واشنطن جاهدةً لمواجهة النفوذ الصيني المتزايد في منطقة الهندو–باسيفيك، وقَّعت بابوا غينيا الجديدة اتفاقاً دفاعياً مع الولايات المتحدة لتتمكن القوات الأمريكية بموجبه من الوصول إلى موانئ البلاد ومطاراتها. وعلى خلفية ذلك الاتفاق، أكد وزير الخارجية الأمريكي “أنتوني بلينكن” أن واشنطن تعمل على ضمان أمن منطقة المحيط الهادئ، وأنها تعمل على تعميق الشراكة مع دول المنطقة، هو ما أثار تساؤلات عن الدوافع الأمريكية لتعزيز علاقتها مع تلك الدولة ودلالات ذلك، وخاصةً أن مثل هذا التوجه الأمريكي قد تقابله ردود فعل غاضبة من جانب بكين.

مظاهر التقارب

تستدعي الشراكة الأمنية بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة عدداً من الجوانب الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1تكثيف اللقاءات الثنائية: التقى “بلينكن” رئيس وزراء بابوا غينيا الجديدة “جيمس مارب” على هامش قمة الولايات المتحدة ودول جزر المحيط الهادئ في عاصمة البلاد “بورت موريسبي”، وقد ناقش كلاهما التنمية الاقتصادية، وسبل مجابهة أزمة المناخ، ودور الولايات المتحدة في المنطقة، ونفوذ الصين المتزايد؛ وذلك من بين قضايا أخرى، كما جدد “بلينكن” دعوة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” كي يحضر “مارب” إلى واشنطن في وقت لاحق من العام الجاري لحضور قمة منتدى جزر المحيط الهادئ الأمريكية الثانية.

2التوقيع على اتفاق دفاعي بين الدولتين: وقَّعت الولايات المتحدة اتفاقية تعاون دفاعي وبحري مع بابوا غينيا الجديدة، وبموجبها ستتمكن القوات الأمريكية من الوصول إلى موانئ البلاد ومطاراتها؛ إذ يتمثل الهدف من تلك الاتفاقية في تعزيز التعاون الأمني، وتقوية العلاقات الثنائية بين الجانبين، وتحسين القوة الدفاعية لبابوا غينيا الجديدة؛ ما يزيد الاستقرار والأمن في المنطقة، كما تم التوقيع على اتفاقية أخرى تسمح لخفر السواحل الأمريكي بالقيام بدوريات في المنطقة الاقتصادية لبابوا غينيا الجديدة تحت إشراف المسؤولين المحليين باستخدام أنظمة أمن الأقمار الصناعية الأمريكية؛ ما يسهم في مراقبة المياه الإقليمية وحماية الموارد الطبيعية، لا سيما مصايد الأسماك من الصيد غير القانوني.

3زيادة المساعدات الإنسانية الأمريكية: من المقرر أن تتلقى بابوا غينيا الجديدة 32 مليون دولار في صورة مساعدات مالية إنمائية أمريكية، على أن يخصص 25 مليون دولار منها لمكافحة تغير المناخ؛ إذ تخطط الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتعزيز قدرة بابوا غينيا الجديدة على الوصول إلى الطاقة المتجددة وأنظمة المياه والصرف الصحي، ودعم الحلول القائمة على الطبيعة، وحماية التنوع البيولوجي في البلاد.

وفي السياق ذاته، تعهدت الولايات المتحدة بتعزيز شراكتها الأمنية والاقتصادية مع بابوا غينيا الجديدة، فضلاً عن تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة من خلال خطط عمل تهدف إلى توفير أكثر من 45 مليون دولار في صورة برامج جديدة تخفف آثار تغير المناخ، وتتصدى للجريمة العابرة للحدود، وتُحسِّن الصحة العامة. كما التزمت الولايات المتحدة بالعمل مع الكونجرس لتوفير مبلغ إضافي قدره 10 ملايين دولار لتنفيذ استراتيجية منع الصراع وتعزيز الاستقرار (SPCPS) في بابوا غينيا الجديدة. وستشكل الولايات المتحدة مجموعة عمل معها (تشمل مكتب المساعدة الإنسانية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، ووزارة الدفاع الأمريكية) لدعم الشراكة بين الدولتين في مجال مواجهة الكوارث.

4الإعلان عن حوار استراتيجي محتمل: من المرتقب الإعلان عن حوار استراتيجي بين الجانبين بهدف تعميق العلاقات الدبلوماسية والأمنية، ومناقشة الدور الذي تلعبه البرامج الرئيسية المشتركة – بما في ذلك استراتيجية منع الصراع وتعزيز الاستقرار – في ترسيخ علاقات استراتيجية مشتركة، وتعزيز قدرة المجتمع على منع العنف والتخفيف من حدته والاستجابة له، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، وآليات دعم النمو الاقتصادي المستدام والعادل، وتحسين نظم العدالة، وإضفاء الطابع المهني على القوات الأمنية.

5توفير معدات عسكرية متقدمة: في 19 مايو 2023، زودت وزارة الدفاع الأمريكية قوة دفاع بابوا غينيا الجديدة (PNGDF) – لا سيما القوات المنتشرة على الحدود والقوات الأمنية المحلية – بمعدات حماية شخصية (PPE) تُقدَّر بنحو 5.4 مليون دولار. وقد شملت تلك المعدات خوذات وسترات واقية مضادة للرصاص بألواح مدرعة، وأخرى لحماية الكوع والركبة والعين، كما تعتزم وزارة الدفاع الأمريكية تقديم 7 ملايين دولار أمريكي إلى قوة دفاع بابوا غينيا الجديدة؛ بهدف توفير السيولة الكافية لمشترياتها اللازمة للاحتفال بالعيد الخمسين لاستقلالها.

6توقيع اتفاقية لمكافحة الأنشطة البحرية العابرة للحدود: في 22 مايو 2023، وقَّع “بلينكن” اتفاقية ثنائية لمكافحة النشاط البحري العابر للحدود الوطنية من خلال العمليات البحرية المشتركة، وبموجبها يمكن استخدام برنامج (Shiprider) التابع لخفر السواحل الأمريكي للانخراط في شراكة استراتيجية تؤهل بابوا غينيا الجديدة في مجال الحوكمة البحرية. والجدير بالذكر أن هذه الاتفاقية ستساعد في مكافحة الصيد غير القانوني وغير المُبلَّغ عنه وغير المُنظَّم، من خلال سد الثغرات التي تقوض جهود الإنقاذ العالمية؛ ما يكفل تحسين التعاون والتنسيق والتشغيل البيني وبناء القدرات البحرية الشاملة للبلاد.

7دعم برنامج الجريمة المنظمة العابرة للحدود: تخطط الولايات المتحدة لتقديم 4 ملايين دولار لدعم قدرة بابوا غينيا الجديدة على معالجة الفساد وغسيل الأموال الناجمَين عن الجريمة المنظمة العابرة للحدود. ومن المقرر أن يوفر هذا البرنامج (المُموَّل من قِبل مكتب مكافحة المخدرات وإنفاذ القانون التابع لوزارة الخارجية الأمريكية) المساعدة الفنية والخدمات الاستشارية لتمكين سلطات البلاد من إجراء تحقيقات وملاحقات قضائية واسترداد الأصول وإعادة استثمار عائدات الجريمة.

عوامل مفسرة

يمكن تفسير حرص الولايات المتحدة على الدخول في شراكة استراتيجية مع بابوا غينيا الجديدة في ضوء عدد من العوامل يمكن الوقوف على أبرزها في النقاط التالية:

1الرد على اتفاق الصين وجزر سليمان: في العام الماضي، وقعت جزر سليمان المجاورة اتفاقاً أمنياً مع الصين، وهي خطوة أثارت قلق عدد واسع من الدول، لا سيما أستراليا ونيوزيلندا والولايات المتحدة، وحتَّمت على الأخيرة تكثيف جهودها في المنطقة، حتى إنها فتحت سفارات لها في جزر سليمان وتونجا، وأحيت جهود المتطوعين في فيلق السلام، وشجَّعت الاستثمار التجاري. وعليه، فإنه بعد عام من توقيع تلك الاتفاقية ذات التداعيات الأمنية الإقليمية الواسعة، تبرز أهمية التقارب بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة، الذي يهدف في المقام الأول إلى ردع أي تحركات رامية إلى إنشاء وجود عسكري صيني دائم في جزر سليمان.

2احتواء نفوذ بكين: تخشى الولايات المتحدة من أن يؤدي ازدياد النفوذ العسكري الصيني في منطقة الهندو–باسيفيك إلى تطويق منشآتها في جوام، وتعقيد الدفاع عن تايوان إذا تصاعد الصراع مع الصين. وعلى الرغم من غياب الإشارة الواضحة إلى الصين في اتفاق التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة، فإنها تعد مضموناً مهماً، وسبباً مباشراً في تعميق العلاقات بين الدولتين، في ظل تجدد اهتمام الولايات المتحدة بالمنطقة من ناحية، وتزايد حدة الصراع الأمريكي–الصيني من ناحية ثانية، وتسارع عمليات التحديث البحري الصيني من ناحية ثالثة، ورغبة الولايات المتحدة في الحد من نفوذ الصين في المنطقة من ناحية رابعة.

3تزايد أهمية المنطقة الاستراتيجية: تتمتع بابوا غينيا الجديدة بموقع استراتيجي بالقرب من طرق التجارة المؤدية إلى أستراليا واليابان، ولا تَخفَى مخاوف واشنطن ونيودلهي من محاولات الصين استمالة الدول الصغيرة بحوافز دبلوماسية ومالية؛ إذ تضم تلك المنطقة بوجه عام عدة دول وأقاليم وجزر قليلة السكان، وإن لعب موقعها دوراً حاسماً في معارك الحرب العالمية الثانية. وفي هذا الإطار، أكد “بلينكن”، قبيل توقيع الاتفاق الأمني مع بابوا غينيا الجديدة، أن واشنطن تعمل لضمان أمن المنطقة من خلال تعزيز إمكانات الولايات المتحدة العسكرية فيها، وإن أثار ذلك مخاوف بشأن خطوط المواءمة التي يُعاد رسمها في المنطقة.

4مكافحة التهديدات الأمنية: من شأن التعاون الأمني بين الولايات المتحدة وبابوا غينيا الجديدة أن يُمكِّن واشنطن من التحرك في مياه البلاد مقابل الاستفادة من الأقمار الصناعية الأمريكية لمجابهة الأنشطة غير القانونية في أعالي البحار، كما أنه يستبق أي نزاعات حدودية محتملة في المستقبل من خلال بناء قدرات بابوا غينيا الجديدة الدفاعية، من خلال التدريبات الإنسانية المشتركة، وتدريب قواتها المسلحة باعتبارها أكبر دولة في جزر المحيط الهادئ، وهي عضو في منظمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ.

ختاماً، تُعارِض الصين إقحام أي دولة جزرية في حلقات دائرية من المناورات الجيو–سياسية، كما تعارض بعض الأصوات الداخلية في بابوا غينيا الجديدة الشراكة الأمنية مع الولايات المتحدة؛ تخوفاً من تعاظم سلطات القوات الأمريكية في بعض المناطق السيادية، والسماح للطائرات والمركبات والسفن التي تديرها واشنطن بالتحرك بحرية داخل أراضيها ومياهها الإقليمية من ناحية، وتقديم بعض التنازلات الاستراتيجية مقابل صفقات مالية من ناحية ثانية، بيد أن تلك الأصوات المعارضة إنما تعكس خطورة التنافس الاستراتيجي بين عدد من القوى الدولية في المنطقة، على نحو ينذر بتحولات جذرية محتملة في موازين القوى الدولية مدفوعة بالصراع بين الصين والولايات المتحدة.