• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
قراءات

فرص وتحديات ترشح رون ديسانتيس للانتخابات الرئاسية الأمريكية


أعلن حاكم ولاية فلوريدا رون ديسانتيس، يوم 24 مايو 2023، ترشحه للانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، وهو أمر كان متوقعاً عقب فوزه الساحق بإعادة انتخابه حاكماً للولاية في نوفمبر الماضي، ليكون أقوى المرشحين الجمهوريين الذين سينافسون الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي لا يزال يتمتع بقوة مهيمنة داخل الحزب الجمهوري للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية.

وقد مهَّد ديسانتيس لترشُّحه بإصدار كتابه الذي حمل عنوان “الشجاعة لتكون حراً: مخطط فلوريدا لإحياء أمريكا” في 28 فبراير الماضي، الذي يدور حول نشأته، وسنوات دراسته الجامعية، وخدمته العسكرية في العراق، والسنوات التي قضاها حاكماً لولاية فلوريدا، وزياراته الخارجية إلى عدد من الدول الحليفة للولايات المتحدة (اليابان، وكوريا الجنوبية، وإسرائيل، وبريطانيا)، في محاولةٍ لإظهار قدراته الدبلوماسية والسياسية، بجانب النجاحات الداخلية التي حقَّقها أثناء توليه منصب حاكم فلوريدا، التي تعهَّد بجعلها مختبراً للأفكار المحافظة، ليخلق زخماً لقرار ترشحه للانتخابات القادمة.

نقاط القوة

يمتلك حاكم ولاية فلوريدا العديد من نقاط القوة التي من شأنها أن تعزز فرصه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، والتي تجعله المنافس الجمهوري الأشرس للرئيس دونالد ترامب منذ إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2016. وتتمثل أبرز مصادر قوة ديسانتيس فيما يلي:

1– وجود بصمة قوية محافِظة لديسانتيس بفلوريدا: سيكون سجل ديسانتيس بصفته حاكماً لولاية فلوريدا محور حملته للانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، والانتخابات الرئاسية العامة بعد فوزه بترشيح الحزب؛ حيث دافع عن القضايا المحافِظة منذ فوزه الساحق وإعادة انتخابه لمنصب حاكم الولاية في نوفمبر الماضي؛ فقد أقر هو والهيئة التشريعية في فلوريدا قوانين مثيرة للجدل، كحظر الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل، ووسَّعوا استخدام عقوبة الإعدام، وسمحوا لسكان الولاية بحمل أسلحة مخفية دون تصريح، والتعليم المحدود حول الهوية الجنسية والتوجه الجنسي، وهي القوانين التي نالت استحسان المحافظين، وغضب العديد من الديمقراطيين، بما في ذلك الأمريكيون من أصول أفريقية، والمثليون، والطلاب، وأنصار حقوق الإجهاض في فلوريدا. ويجادل ديسانتيس بأن مخطط فلوريدا الذي صاغه يمكن أن يكون نموذجاً لإعادة تشكيل الولايات المتحدة الأمريكية في صورةٍ محافِظة، وخاصةً فيما يتعلق بالقضايا الاجتماعية.

2- امتلاك ديسانتيس مقومات هزيمة بايدن: يري تيار داخل الحزب الجمهوري أن ديسانتيس المرشح الجمهوري الأوفر حظاً للفوز على الرئيس جو بايدن الساعي إلى الفوز بفترة رئاسية ثانية في الانتخابات الرئاسية لعام 2024؛ نظراً إلى أنه أصغر سناً (44 عاماً) من بايدن الذي يُعَد أكبر مرشح للانتخابات الرئاسية الأمريكية في التاريخ الأمريكي؛ حيث سيكون عمره إذا فاز بالسباق الانتخابي من جديد نحو 82 عاماً، لينهي فترته الثانية وهو في سن 86 عاماً، وهو الأمر الذي سيؤثر على قدراته الذهنية والصحية، وعلى مدى قدرته على القيام بمهامه الرئاسية.

وكذلك ترامب الذي يهمين على الحزب الجمهوري متقدم في السن أيضاً؛ حيث يبلغ حاليّاً 76 عاماً، بجانب خضوعه لتحقيقات جنائية متعددة، منها تقديمه 130 ألف دولار لإسكات نجمة الأفلام الإباحية ستورمي دانيالز قبل الانتخابات الرئاسية لعام 2016؛ من أجل إخفاء علاقة مفترضة خارج نطاق الزواج. وتوجد تساؤلات مُثارة كذلك بشأن إذا ما كان قد حاول بأسلوب غير قانوني قلب هزيمته في الانتخابات الرئاسية لعام 2020 في ولاية جورجيا، التي فاز فيها جو بايدن بفارق ضئيل، وطريقة تعامله مع وثائق حكومية سرية بعد ترك منصبه. وكذلك يخضع ترامب لتحقيق يُجريه القضاء الفيدرالي لدوره في اقتحام أنصاره مبنى الكونجرس الأمريكي في 6 يناير 2021، بينما كان المشرعون يصادقون على فوز المرشح الديمقراطي في انتخابات 2020.

3– الرصيد الضخم من الأموال لحملة ديسانتيس: يدخل ديسانتيس الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري ولديه فائض كبير من الأموال الموجودة لدى حملة إعادة انتخابه لمنصب حاكم ولاية فلوريدا، وهو المنصب الذي فاز به خلالها في نوفمبر الماضي، وهي الأموال التي تقدر بأكثر من 80 مليون دولار، ويمكن تحويلها لحملته الانتخابية الرئاسية. وقد جمعت لجنة العمل السياسي الداعمة له نحو 40 مليون دولار، بالإضافة إلى التزامات المانحين بعشرات الملايين الأخرى، وفقاً لأشخاص مطلعين على جمع الأموال لحملة ترشحه للانتخابات الرئاسية لعام 2024.

4– الاقتراب من الفوز في أول ولايتين انتخابيتين: لتعزيز فرص فوز ديسانتيس ببطاقة الحزب الجمهوري للانتخابات الرئاسية القادمة، فإن عليه تحقيق انتصارات في أول ولايتين للانتخابات التمهيدية للحزب، وهما أيوا ونيوهامبشاير، مع تجميع الناخبين الجمهوريين المناهضين لترامب خلفه. ويرى المستشارون والحلفاء لحاكم فلوريدا أن النصر في ولاية أيوا المحافظة اجتماعيّاً أمر لا بد منه. وخلال رحلته الأخيرة للولاية، أعلن ديسانتيس حصوله على تأييد أكثر من 36 مشرعاً بالولاية، وهو الرقم الأكبر الذي يحصل عليه أي مرشح جمهوري حتى الآن. ويعتقد المستشارون لديسانتيس أنه بحاجة إلى الفوز بالمركز الثاني على الأقل في نيو هامبشاير الأكثر اعتدالاً.

معوقات عديدة

رغم امتلاك ديسانتيس العديد من نقاط القوة التي تعزز فرصه في الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، فإن هناك العديد من المعوقات التي ستواجه حملته الانتخابية خلال الفترة القادمة، ومن أبرزها:

1– تزايد الانتقادات الجمهورية لأفكار ديسانتيس: بعد ستة أشهر فقط من نجاحاته في فلوريدا، بدا أن ديسانتيس يواجه بعض المشكلات التي قد تؤثر في طموحه السياسي؛ حيث وُجهت إليه العديد من الانتقادات التي اعتبرته “انعزاليّاً”؛ لرفضه الحرب في أوكرانيا باعتبارها – من وجهة نظره – مجرد “نزاع إقليمي”، وكذلك اعتباره “مناهضاً” للشركات بسبب خوضه المعارك ضد شركة “ديزني”، و”متطرفاً” لتوقيعه حظراً على الإجهاض بعد ستة أسابيع من الحمل. وانفصل حاكم فلوريدا، بشكل حاد عن القيادات الجمهورية المؤثرة داخل الحزب التي تضغط لمزيد من الدعم الأمريكي لأوكرانيا للدفاع عن نفسها ضد العمليات العسكرية الروسية الممتدة منذ 24 فبراير 2022.

وقد قال ديسانتيس في 13 مارس الماضي إن حماية حدود أوكرانيا ليست مصلحة أمريكية حيوية، وإنه يجب على صانعي السياسات بدلاً من ذلك تركيز الاهتمام على الداخل الأمريكي. وقد أثار هذا التصريح انتقادات العديد من الصقور الجمهوريين، والعديد من المشرعين الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي، ومنهم ماركو روبيو السيناتور الجمهوري عن ولاية ديسانتيس (فلوريدا) بلجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ، وزعيم الأقلية الجمهورية في المجلس السيناتور ميتش ماكونيل، والسيناتور ليندسي جراهام، والنائبة الجمهورية السابقة من وايومنج “ليز تشيني”.

2– استغلال ترامب تأخُّر إعلان ترشح ديسانتيس: سمح تأخير إعلان حاكم فلوريدا ترشُّحه للانتخابات الرئاسية لأشهر، بعد فوزه الساحق بإعادة انتخابه حاكماً للولاية، للرئيس السابق ترامب لانتقاده حتى قبل أن يعلن عن ترشحه للانتخابات الرئاسية رسمياً، وانتقاد إدارته لفلوريدا، وتأمين تأييد العديد من مشرعي ولاية فلوريدا في الكونجرس. وقد انتقد ترامب ديسانتيس لدعمه مشاريع القوانين الجمهورية السابقة في الكونجرس؛ لتقليص دعم الحكومة جزئيّاً عن طريق خفض الرعاية الطبية والضمان الاجتماعي. وقد سبق أن حذر ترامب ديسانتيس من الترشح للانتخابات القادمة؛ لرؤيته أن ذلك سيضر بالحزب الجمهوري، كما هدد بالإفصاح عن معلومات خاصة بحاكم فلوريدا دون تقديم تفاصيل.

3- امتلاك ترامب خبرات انتخابية واسعة النطاق: رغم النظر إلى ترامب أحياناً باعتباره مرشحاً مُستضعَفاً بسبب مزاعمه بأن انتخابات 2020 قد سُرقت، وحظره على وسائل التواصل الاجتماعي، مع العديد من المشكلات القانونية التي واجهها خلال ذلك، لكنه تمكن من تصحيح عثراته مبكراً، من خلال حملة انتخابية جديدة أكثر احترافاً عن تلك التي أطلقها في السابق، وغلب عليها السمة العائلية في الأساس؛ وذلك فضلاً عن تمتُّع ترامب في تلك الآونة بخبرة أكثر بكثير عن ذي قبل؛ فهذه هي ثالث مرة يترشح فيها للرئاسة (الرابعة إذا حُسبت حملته الفاشلة مع حزب الإصلاح في عام 2000). أما خصومه الجمهوريون فيخوضون السباق للمرة الأولى.

4- تقدم ترامب على ديسانتيس في استطلاعات الرأي: تُظهر أغلب استطلاعات الرأي تفوق الرئيس الأمريكي السابق على حاكم ولاية فلوريدا؛ حيث أظهر متوسط نتائج استطلاع FiveThirtyEight أن ترامب يحظى بدعم ما يقرب من 55% من الناخبين الجمهوريين الأساسيين، وهي نسبة مرتفعة بأكثر من 30 نقطة مئوية عن متوسط دعم الناخبين الجمهوريين لديسانتيس. وقد كشفت نتائج استطلاع مركز هارفارد للدراسات السياسية الأمريكية (CAPS) ومركز “هاريس”، تقدُّم تأييد الناخبين الجمهوريين للرئيس الأمريكي السابق؛ حيث حصل على دعم 58% من ناخبي الحزب. ويمثل هذا زيادةً ملحوظةً قدرها 42 نقطة مئوية منذ بداية العام. وفي المقابل انخفضت نسبة تأييد حاكم ولاية فلوريدا إلى 16%، بانخفاض 4 نقاط مئوية عن الاستطلاع السابق.

5- تداعيات الإطار المنظم للانتخابات التمهيدية: فعلى عكس الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، التي يتم فيها تقسيم أصوات الولاية عادةً بين المرشحين بما يتناسب مع حصتهم في التصويت؛ تتبع العديد من الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري نظامَ “الفائز يحصل على كل شيء”، وهذا يمكن أن يُحوِّل تقدماً محدوداً نسبيّاً من حيث حصة التصويت، إلى هيمنة ساحقة للمندوبين التابعين للمرشح الحائز على أكثر الأصوات، وهو نظام يصب غالباً لصالح ترامب، الذي شجَّع الولايات على تبني هذا النظام لاختيار المرشحين للانتخابات عندما كان رئيساً، ومع قواعد أخرى تساعد المرشح الأوفر حظّاً.

6- سخرية البعض من مواقف ديسانتيس: كانت تعابير وجه حاكم ولاية فلوريدا غير العادية خلال المؤتمرات الصحفية محل سخرية العديد من الناخبين الأمريكيين؛ حيث وجدها الكثيرون مزعجةً وغريبةً. وقد انتشرت صور لديسانتيس وهو يضحك أو يفتح فمه بشكل كبير بطريقة غريبة عبر الإنترنت خلال الأشهر الماضية. وقد تحول إعلان ترشحه خلال بث مباشر على موقع تويتر إلى مادة للسخرية على شبكات التواصل الاجتماعي؛ بسبب أعطال فنية؛ حيث انقطع الصوت لفترات طويلة خلال بث المقابلة مع مالك تويتر إيلون ماسك، ووصفها خصومه السياسيون ووسائل إعلام أمريكية بالكارثة.

وقد حاول ديسانتيس وفريقه تجاوز البداية الفوضوية التي شهدتها حملته الانتخابية في مقابلتين: الأولى مع قناة فوكس نيوز، والثانية على البرنامج الإذاعي “The Mark Levin Show” مع المذيع المحافظ مارك ليفين، وتصوير البداية المتعثرة على تويتر دليلاً على الحماس الجماهيري لترشحه للرئاسة. وقد قال المتحدث باسم حملة ديسانتيس الانتخابية برايان جريفين، على تويتر، إن الحماس بشأن ترشح حاكم فلوريدا أدى فعليّاً إلى تعطل الإنترنت.

7- تجنُّب ديسانتيس توجيه انتقادات لترامب: تجنَّب حاكم فلوريدا، في إعلان ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، واللقاءات التلفزيونية والإذاعية اللاحقة، توجيه انتقادات لمنافسه الأقوى للفوز ببطاقة الحزب الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب؛ حيث لم يذكر اسمه مباشرةً في أيٍّ من اللقاءات الثلاثة التي أجراها. ولكن جاءت انتقاداته له بأسلوب غير مباشر. وفي المقابل، انتقد ديسانتيس المسؤولين الفيدراليين الذين عيَّنهم ترامب؛ حيث وجَّه انتقادات إلى رئيس المجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم بأول؛ لمساهمته في ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى مستويات غير مسبوقة منذ أربعة عقود. وقد تعهَّد بإقالة كريستوفر راي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية، الذي عيَّنه ترامب في اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض في حال فوزه في الانتخابات الرئاسية القادمة.

لحظة حاسمة

وختاماً، يأتي ترشُّح رون ديسانتيس حاكم ولاية فلوريدا للانتخابات الرئاسية لعام 2024 في لحظة حاسمة للحزب الجمهوري، الذي يجب عليه الاختيار بين الاصطفاف وراء الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي خسر السباق الانتخابي السابق، ويواصل تصريحاته بأنه قد شابها التزوير، واحتمالات توجيه تهم جنائية له قبل موعد الانتخابات المقرر لها في نوفمبر من العام القادم، أو الاتحاد حول منافس جديد أكثر شباباً يمكنه تجاوز ترامب في الانتخابات التمهيدية للحزب، ولديه مقومات تُمكِّنه من هزيمة الرئيس جو بايدن الساعي للفوز بفترة رئاسية ثانية، وهزيمة سياساته الليبرالية.