يناقش زعيم المعارضة ووزير الدفاع السابق بيني غانتس التحديات السياسية الداخلية التي تواجهها إسرائيل والعوامل التي تدعو إلى التحرك ضد البرنامج النووي الإيراني واحتمالات التطبيع مع المملكة العربية السعودية وغيرها من المسائل.
عقد معهد واشنطن في 6 حزيران/يونيو منتدى سياسات افتراضيًا مع بيني غانتس بإدارة روبرت ساتلوف وديفيد ماكوفسكي. شغل غانتس، رئيس حزب "الوحدة الوطنية" الإسرائيلي، منصب وزير الدفاع بين عامَي 2020 و2022 ومنصب رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي سابقًا.
ملاحظة: هذا المقال هو ملخص لملاحظات غانتس أعدّه المقرر وليس نص المقابلة، ولا يجوز بالتالي اقتباس أي من محتوى النص أدناه باعتباره أقوالًا حرفية. يمكن مشاهدة فيديو اللقاء أعلاه للاطلاع على تعليقات الجنرال المباشرة.
بيني غانتس
تواجه إسرائيل حاليًا خمسة تحديات رئيسية، أولها تداعيات حرب أوكرانيا التي أثّرت في الاقتصاد العالمي وطالت عمليات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، بالإضافة إلى ما خلفته من انعكاسات على علاقة روسيا الاستراتيجية بإيران، وإلى حد ما بالصين، من دون تجاهل معاناة الشعب الأوكراني أيضًا. وينطوي التحدي الثاني على المسألة الإيرانية، إذ وجدت طهران بتصدير الطائرات بدون طيار إلى روسيا مسارًا مجديًا للتحايل على العقوبات الدولية واكتساب خبرة تشغيلية وتكنولوجية. أما التحدي الثالث فيتمثل بالحفاظ على الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك التصدي لقدرة إيران على تقويض النظام الإقليمي. وفي هذا الإطار، تبدو نتائج المحادثات الأخيرة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية مبهمة، إلا أن توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام ما زال ممكنًا. ويأتي رابعًا الوضع الداخلي في إسرائيل، إذ يجب الحفاظ على دولة ديمقراطية ثابتة ومؤسسات قوية. وأخيرًا يقوم التحدي الخامس على ضرورة إحراز تقدم على صعيد القضية الفلسطينية حيثما أمكن.
تحتل إسرائيل في الذكرى السنوية الخامسة والسبعين لتأسيسها الصدارة بين دول الشرق الأوسط، لا سيما من حيث قوة اقتصادها الذي يلي اقتصاد المملكة العربية السعودية وقوة جيشها ومجتمعها النابض بالحياة. ولكن على الرغم من هذه الإنجازات، لن تختفي المسائل الأمنية التي تواجهها إسرائيل، وعليها إذًا أن تبقى أقوى قوة إقليمية مهما يحدث في المستقبل.
وفي هذا الإطار، يجب أولًا التشديد على أن المسألة الإيرانية تشكل تحديًا عالميًا قبل أن يكون إقليميًا، ما يعني أنها لا تشكل تهديدًا لإسرائيل وحدها. فأعمال إيران تطال منطقة الشرق الأوسط بأكملها، وكذلك أمريكا الجنوبية وأفريقيا ومناطق أخرى.
لذلك، سيتعين على إسرائيل اتخاذ إجراءات عند الضرورة للتصدي لبرنامج إيران النووي، بمشاركة الولايات المتحدة أم لا، مع العلم أن واشنطن ستتفهم ذلك. ولا داعٍ لشن عملية مباشرة ضد البرنامج لكن موعد التحرك بات قريبًا، لا سيما وأن الفترة الزمنية التي تفصل إيران عن بلوغ مستوى خطيرًا من تخصيب اليورانيوم تتقلّص ولا يمكن السماح لها بالتقدم أكثر في مجال التخصيب. ومع أن إسرائيل لا تحبذ التصعيد نحو حرب إقليمية، يجب النظر في ذلك كخيار حقيقي، مع الإشارة إلى أن الدول كافة لها مصلحة في التنسيق بشأن هذه المسألة، ومن الأفضل التوصل إلى حلّ من دون جرّ المنطقة إلى حرب.
ستحدث مشكلة بالتأكيد إذا بلغ الإيرانيون قدرة التخصيب بنسبة 90 في المئة. فما إن يتجاوزوا هذه العتبة، سيتمكنون من توزيع المواد والتقنيات النووية إلى مواقع سرية وسيصعب بالتالي على إسرائيل وحلفائها وقف البرنامج. تدرك إسرائيل أنه في حال بلغت إيران نسبة 90 في المئة، ستحظى "بغطاء ردع" يزودها بالحماية للمناورة في المنطقة من دون تداعيات، وهذا ما يجب أن تدركه جميع الجهات الفاعلة بدورها. ولذلك يجب النظر في أي إجراءات تحد من الخطر الذي يطرحه التخصيب بنسبة 90 في المئة.
وعلى الرغم من المخاوف الإقليمية بشأن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، لم تغادر الولايات المتحدة المنطقة. فقد التحقت إسرائيل مؤخرًا بمنطقة عمليات القيادة المركزية الأمريكية ووقعت على اتفاقيات إبراهام، كما أن الولايات المتحدة ما زالت تملك أصولًا كثيرة ونفوذًا كبيرًا في المنطقة. ومع ذلك، من المهم جدًا أن تكرس الولايات المتحدة المزيد من الاهتمام الاستراتيجي للشرق الأوسط، وتجدر الإشارة هنا إلى أن الرئيس بايدن اتخذ خطوات مهمة في هذا المجال، كما أن العالم العربي لا يزال مهتمًا في الحفاظ على علاقة مع الغرب، وتحديدًا الولايات المتحدة.
في إسرائيل، سيدعم حزب "الوحدة الوطنية" جهود أي جهة من المعارضة لتوسيع نطاق اتفاقيات إبراهام، على الرغم من عدم انعقاد اجتماعات رفيعة المستوى بين المسؤولين الإسرائيليين والعرب. بالإضافة إلى ذلك، يؤيد الحزب إبرام اتفاقية تطبيع مع المملكة العربية السعودية، وتجلى هذا التأييد في سياسات وزارة الدفاع لترويج اتفاقيات إبراهام في عهد حكومة "بينيت ولابيد".
من المفترض أن المملكة العربية السعودية مهتمة بالتطبيع لأسباب تتعلق بالمصالح المشتركة في مجالات الأمن والاقتصاد والطاقة. وقد تضغط أيضًا في إطار اتفاقية التطبيع من أجل إحداث تغيير في القضية الفلسطينية.
ونظرًا لأن اتفاقية من هذا النوع قد تتضمن جانبًا نوويًا مدنيًا للسعوديين، تجدر الإشارة إلى أنه يتعين على إسرائيل حماية مبدأ التفوق العسكري النوعي وتعزيزه. لذلك، يجب على واشنطن مواصلة دعم إسرائيل في تفوقها العسكري النوعي، علمًا أن البلدَين سيستفيدان من مناقشة التفوق العسكري النوعي بمعناه العريض، بما في ذلك جوانبه التقنية. لم تطلب إسرائيل يومًا من الولايات المتحدة أن تقاتل عنها، إلا أن قدرتها على الحفاظ على مكانتها في المنطقة مرهون بصون مبدأ التفوق العسكري النوعي.
وفي ما يتعلق بالوضع السياسي داخل إسرائيل، إن الانضمام إلى تحالف رئيس الوزراء نتنياهو غير وارد، مع أن حزب "الوحدة الوطنية" سيواصل دعم سياسات الحكومة الإيجابية مثل توسيع نطاق اتفاقيات إبراهام ومنع إيران من التحول إلى قوة نووية عسكرية. فقد انقضى السبب الأساسي للانضمام إلى حكومة الوحدة السابقة، وهو ضمان الأمن والاستقرار خلال أزمة كوفيد-19، كما أن الطريقة التي حلّ فيها نتنياهو الحكومة شكلت خيانة للثقة.
لن يترك حدودًا لسلطة الحكومة.
في المستقبل، لا يجوز المساس بديمقراطية إسرائيل وتسييس نظامها القضائي. فإذا ضعف النظام القضائي لن يلجم الحكومة وسلطتها ومن المهم حلّ هذه المسألة. يوافق معظم الإسرائيليين على 70-80 في المئة من المسائل، إلا أن المتطرفين من جانبي الطيف السياسي يقوضون الوحدة المحتملة. ولحل هذه الأزمة، يجب على إسرائيل تجنب تسييس النظام القضائي ومنع المزاعم الأيديولوجية المتشددة من تحديد السياسة الوطنية والتوصل إلى تسوية مفيدة للجانبين بشأن الإصلاحات القضائية. ومن المهم أيضًا التأكيد على تأثير هذه المسألة في علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة والغرب، إذ قد تتغير المصالح المشتركة ولكن ليس القيم المشتركة.
ولا يقتصر الأمر على التغلب على الانقسامات فحسب، بل يجب أيضًا على إسرائيل أن تعطي الأولوية لخمس مسائل هي دفع عجلة التعليم وتطوير البنية التحتية في الجليل والنقب وتعزيز النظام القانوني وضمان نظام رعاية عادل والحفاظ على الأمن القومي. وأيضًا، يجب أن تتضمن الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الوطنية الاعتراف بأن مجتمع المتدينين المتشددين يخضع لتحول صامت من جيل إلى جيل نحو اعتماد وجهات نظر أكثر إيجابية تجاه المشاركة في القوى العاملة.
وفي ما يخص دور وزير المالية، بتسلإيل سموتريش، في سياسة الضفة الغربية، قدم نتنياهو تنازلات غير ضرورية للمتشددين في ائتلافه وقوض سلم القيادة في إدارة الضفة الغربية وفشل في ضمان سلطة فلسطينية مستقرة. ولا بدّ لإسرائيل من أن تحرص على تعزيز السلطة الفلسطينية لمنع نمو التشدد.
تعكس استطلاعات الرأي الأخيرة صورة مستقبلية إيجابية لحزب "الوحدة الوطنية"، ولكن أولوياته لا تزال على حالها. من المهم السعي إلى تحقيق الوحدة مع تقبل التنوع في إسرائيل ورفض التطرف واحترام المدارس الفكرية التقليدية والتحررية. إن الشعب الإسرائيلي يسعى الآن إلى استعادة الحياة الطبيعية.