• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05

نفذت حركة الشباب المجاهدين، في 9 يونيو الجاري (2023)، هجوماً إرهابيّاً على فندق Pearl Beach المطل على شاطئ ليدو في مديرية عبد العزيز بالعاصمة الصومالية مقديشو؛ ما أسفر عن مقتل نحو 15 شخصاً؛ بينهم عسكريون ومدنيون، وبما في ذلك منفذو الهجوم الإرهابي البالغ عددهم خمسة مسلحين؛ وذلك قبل أن تتدخل القوات الحكومية في إنهاء الحصار على الفندق عقب عملية أمنية استمرت زهاء 7 ساعات.

ويكشف هذا الهجوم الإرهابي عن تصعيد الحركة هجماتها الإرهابية على مدار الشهور الماضية ضد بعض الأهداف المدنية والعسكرية الصومالية، بالرغم من استمرار العملية العسكرية الشاملة التي أطلقها الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود عقب توليه السلطة في مايو 2022 للقضاء على تهديدات الحركة في أنحاء الصومال، وهو ما يعكس دلالات عدة فيما يتعلق بالإخفاق الحكومي في احتواء مخاطر الحركة نهائيّاً. وفي الوقت ذاته، استمرت تهديدات حركة الشباب في الداخل الصومالي، وربما توسع نشاطها إلى دول الجوار الإقليمي؛ ما يهدد أمن واستقرار القرن الأفريقي.

مؤشرات دالة

تكشف عدد من المؤشرات عن تصاعد نشاط حركة الشباب المجاهدين في الداخل الصومالي ومحيطه الإقليمي خلال الفترة الأخيرة، ويتمثل أبرزها فيما يلي:

1. استهداف المناطق المُحصَّنة أمنيّاً: عادةً ما تشن الحركة هجماتها الإرهابية في المناطق المحصنة أمنيّاً أو ما تُعرَف بالثكنات العسكرية، بهدف إحراج الحكومة الفيدرالية وشركائها الدوليين؛ إذ يستهدف عناصر الحركة المسؤولين الحكوميين في عدد من الفنادق بالعاصمة مقديشو، رغبةً في الانتقام منهم؛ بسبب اعتقاد قادة الحركة بضلوع هؤلاء المسؤولين في الحرب ضد الشريعة الإسلامية وفي نهب أموال المسلمين في الصومال.

2. اتساع رقعة سيطرة الحركة: لا تزال حركة الشباب تسيطر على مناطق كاملة في وسط وجنوب البلاد، مثل محافظة جوبا الوسطى في ولاية جوبالاند التي تضم بعض المدن الاستراتيجية، مثل جلب وبؤالي وساكو، كما تسيطر الحركة على معظم المناطق في الريف بمحافظتي باي وبكول بولاية جنوب غرب الصومال؛ وذلك بالرغم من استمرار العملية العسكرية الشاملة التي ينفذها الجيش الصومالي وشركاؤه المحليون والدوليون منذ سبتمبر 2022 في أنحاء البلاد، في إشارةٍ إلى قدرة الحركة على الحفاظ على مكتسباتها الاستراتيجية في الداخل الصومالي.

3. هجمات متلاحقة ضد قوات حفظ السلام الأفريقية: تعمل الحركة على توسيع رقعة عملياتها الإرهابية ضد القوات الأفريقية لحفظ السلام (أتميس)، في محاولةٍ لإجبار الحكومات الأفريقية على سحب قواتها من الصومال، تمهيداً للانقضاض على السلطة في البلاد؛ فقد استهدفت عناصر الحركة في 26 مايو 20233 قاعدة عسكرية تضم قوات أوغندية تابعة لأتميس بمدينة بولو مرير جنوب مقديشو بإقليم شبيلي السفلى؛ ما أسفر عن مقتل نحو 54 جنديّاً أوغنديّاً بحسب البيانات الرسمية الأوغندية، وسط مزاعم من الحركة بمقتل 137 جنديّاً، وهو واحد من أسوأ الهجمات الإرهابية التي شنتها الحركة ضد قوات حفظ السلام الأفريقية في السنوات الأخيرة. وفي 7 يونيو الجاري هاجمت الحركة قاعدة عسكرية للقوات الإثيوبية بسيارتَين مفخختَين في بلدة دولو بإقليم غدو بولاية جوبالاند قبل أن تنجح القوات في إحباط الهجوم.

4. سقوط أعداد كبيرة من الضحايا في الهجمات: فقد اعتبر تقرير للأمم المتحدة صادر في فبراير 2023 أن عام 2022 هو الأكثر دموية؛ حيث شهد سقوط أكبر عدد من المدنيين في الصومال منذ عام 2017 بسبب هجمات حركة الشباب التي أسهمت – بجانب عوامل أخرى – في نزوح أكثر من مليون صومالي داخل البلاد. وقد سجلت بعثة الأمم المتحدة في البلاد خلال الفترة بين سبتمبر 2022 وفبراير 2023 سقوط نحو 1059 قتيلاً، كما تصاعد عنف الحركة في العام الماضي؛ حيث شاركت في أكثر من 2400 حادث إرهابي بدافع سياسي، بينما استهدفت المدنيين في أكثر من 1700 حادث إرهابي، بزيادة قدرها 19% و41% على التوالي، مقارنةً بأرقام عام 2021 بحسب تقارير دولية.

5. تمدد نشاط الحركة للجوار الإقليمي: لا تكتفي الحركة بشن هجمات إرهابية في الداخل الصومالي، بل يمتد نشاطها إلى بعض دول الجوار، لا سيما كينيا وإثيوبيا؛ فقد تورط عناصر الحركة في هجوم إرهابي بعبوة ناسفة في 8 يونيو الجاري بمقاطعة مانديرا شمال كينيا الواقعة على الحدود الصومالية الكينية؛ ما أسفر عن إصابة سبعة شرطيين كينيين.

أهداف التنظيم

تتجدد دوافع حركة الشباب المجاهدين في الاستمرار والتوسع ومقاومة محاولات الحكومة السيطرة عليها واحتوائها. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الدوافع في المرحلة الراهنة على النحو التالي:

1. الضغط على النظام الحاكم: تسعى الحركة، من خلال تكثيف عملياتها الإرهابية في الداخل الصومالي، إلى تشتيت انتباه الحكومة الفيدرالية عن إصرارها على ملاحقة عناصر الحركة وتجفيف منابع تمويلها، وهو ما حققت فيه خطوات جيدة خلال الفترة الأخيرة، بما يهدد بنقص التمويل الذي يؤثر بدوره على استمرار عمليات الحركة في البلاد، فضلاً عن تماسك الحركة داخليّاً ومكانتها على الصعيدين الداخلي والإقليمي.

يُضَاف إلى ذلك ممارسة الحركة المزيد من الضغوط على القوات الحكومية لكي تخفق أمنيّاً، خاصةً أنها ستتولى المسؤولية الأمنية عقب انسحاب تدريجي لنحو 2000 جندي من بعثة أتميس بحلول نهاية يونيو الجاري، وفقاً لقرارَي مجلس الأمن الدولي 2628 و2670، اللذين يراهما البعض أنهما يمثلان نقطة تحول مهمة في المشهد الأمني الصومالي.

2. تقويض العملية العسكرية الشاملة: تحاول الحركة إظهار عدم تأثرها بالحرب الشاملة التي أعلنتها الحكومة الفيدرالية عليها منذ عدة أشهر، في محاولة لنشر روح اليأس والإحباط في نفوس الجنود الصوماليين والقوات الأفريقية في البلاد، لا سيما مع اقتراب موعد بدء المرحلة الثانية من الحرب الصومالية على حركة الشباب في مناطق نفوذها بوسط وجنوب البلاد، بالرغم من عدم قدرة الحكومة الصومالية على التمسك بالمناطق المحررة وتحقيق الاستقرار فيها، إضافةً إلى نجاح الجيش الصومالي في تكبيد الحركة المزيد من الخسائر البشرية، خاصةً بعدما نفذت قواته عمليتين عسكريتين ضد حركة الشباب في أوائل يونيو الجاري في إقليم شبيلي السفلى بالقرب من العاصمة مقديشو؛ ما أسفر عن مقتل أكثر من 60 مسلحاً.

3. بث مشاعر الإحباط داخل المجتمع الصومالي: تحاول الحركة توتير العلاقة بين الحكومة الفيدرالية والشعب الصومالي من خلال إضعاف ثقة الصوماليين بقدرة الجيش الصومالي على احتواء مخاطر حركة الشباب، وهو ما قد يهدد باضطرابات داخلية في المشهد الصومالي تمثل فرصة جيدة للحركة لتعزيز نفوذها هناك، كما تستهدف الحركة بث اليأس لدى قطاع كبير من النخبة في بعض دول الجوار، بعدم قدرة الصومال على استعادة استقرارها، حتى إن هناك أصوات بدأت تطالب باستنساخ النموذج الطالباني في الصومال، خاصةً بعد الهجوم الأخير على القوات الأوغندية في البلاد.

4. استعراض القدرات التكتيكية للتنظيم: تسعى الحركة إلى إبراز قدراتها النوعية في الداخل الصومالي ومحيطه الإقليمي، في محاولةٍ لاستمرار تصدُّرها المشهد الراديكالي في شرق أفريقيا، الذي يعزز بدوره مكانتها على الصعيد الدولي، حتى تستطيع الحصول على تمويلات مالية ودعم لوجستي من تنظيم القاعدة، والذي ينعكس إيجابيّاً في قدرتها على التعبئة وانضمام المزيد من العناصر والموالين الجدد إلى الحركة خلال الفترة المقبلة.

5. الحفاظ على التماسك الداخلي للحركة: تواصل الحركة نشاطها بكثافة خلال الفترة الأخيرة من أجل توجيه رسالتين مهمتين؛ أولاهما: تحذير إلى عناصر الحركة من الانشقاق، خاصةً بعدما أوضحت تقارير مؤخراً انشقاق بعض العناصر المنتمية إلى الحركة، وهو ما يهدد تماسك بنائها الداخلي. وثانيتهما: توجُّه الحركة إلى المجتمع الدولي أنها لا تزال قادرة على الاستمرار والتكيف والمواجهة والتهديد برغم محاولات القضاء عليها، وهو ما يعزز نفوذها ومكانتها في المشهد الجهادي على الصعيدَين الأفريقي والعالمي.

6. تهديد دول الجوار الإقليمي: وذلك بهدف الضغط عليها وإجبارها على سحب قواتها المنضوية تحت لواء بعثة (أتميس) لحفظ السلام في الصومال، وعدم مساعدة الحكومة الصومالية في مواجهة إرهاب الحركة. لا سيما بعدما أعلنت كل من إثيوبيا وكينيا مؤخراً مشاركة قوات عسكرية منهما في المرحلة الثانية من الحرب الشاملة ضد الحركة في البلاد، فيما أعلنت الحكومة الأوغندية استمرار قواتها ضمن بعثة (أتميس) لاستعادة الاستقرار للصومال، بالرغم من الهجوم الإرهابي للحركة في مايو الماضي الذي أسقط أعداداً كبيرة من القوات الأوغندية، إضافةً إلى استضافة أوغندا عدداً من الجنود الصوماليين بهدف تلقِّي تدريب عسكري في قاعدة عسكرية بمنطقة كيروهورا الأوغندية.

وفي سياق متصل، يعد التصعيد العملياتي للحركة في الداخل الصومالي بمنزلة رسالة واضحة إلى القوى الدولية الساعية إلى لعب دور بارز في مكافحة الإرهاب بالصومال بعدم التفكير في الانخراط هناك، خاصةً بعدما أعلنت موسكو استعدادها لإمداد الجيش الصومالي بالمساعدات العسكرية، وتدريب القوات الأمنية الصومالية لمواجهة الإرهاب، وسط تنبؤات باحتمال انخراط قوات فاجنر الأمنية الروسية في الحرب على حركة الشباب خلال المرحلة المقبلة.

تداعيات محتملة

يحمل تصعيد نشاط حركة الشباب المجاهدين جملة من التداعيات المحتملة على المشهدين الصومالي والإقليمي خلال الفترة المقبلة؛ فمن المحتمل أن تتزايد قدرة الحركة على تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية ضد أهداف استراتيجية في البلاد، واستهداف المزيد من القوات الأفريقية ضمن بعثة أتميس لحفظ السلام، بينما قد تتعقد الصعوبات والتحديات التي تواجه الحكومة الفيدرالية في حربها على الحركة، خاصةً في ظل الشكوى من نقص التمويل، الذي يهدد بدوره المكتسبات الاستراتيجية التي حققتها القوات الحكومية خلال الفترة السابقة؛ ما دفع أحد مسؤولي الاتحاد الأفريقي إلى التحذير بأن البطء في تقديم المساعدات المالية التي تقدر بنحو 90 مليون دولار لأتميس في غضون عامين، قد يؤدي إلى سيطرة الحركة على الدولة في الصومال؛ ما يعيد إلى الأذهان نموذج طالبان في أفغانستان، وهو ما ينعكس سلباً على استقرار منطقة القرن الأفريقي التي قد تتزايد مهدداتها الأمنية خلال المرحلة المقبلة؛ ما يعني استمرار مجلس الأمن الدولي في التمسك بحظر الأسلحة على الدولة الصومالية، المفروض منذ عام 1992، وهو ما يصب في مصلحة الحركة التي لا ترغب في تغليب ميزان القوة العسكرية لصالح النظام الصومالي على حسابها.

وإجمالاً، لا تزال حركة الشباب المجاهدين تشكل تهديداً متنامياً للاستقرار في الصومال والمنطقة، على نحو يجعل الحديث عن احتواء الحركة وإضعاف قدراتها القتالية والبشرية في المدى المنظور أمراً غير واقعي، خاصةً في ضوء افتقار الحكومة الصومالية إلى استراتيجية شاملة لتحقيق الاستقرار في البلاد على المديَين القصير والمتوسط، بما في ذلك الحفاظ على مكتسبات العملية العسكرية الشاملة الجارية حاليّاً في مناطق انتشار عناصر الحركة بوسط وجنوب البلاد، وهو ما يجعل الصومال مسرحاً للتدخل الأجنبي من جانب القوى الدولية الطامحة إلى تعزيز نفوذها في القرن الأفريقي، التي يتهدَّد مستقبلها بمزيد من حالة العسكرة، وما يترتب عليها من زعزعة للاستقرار الإقليمي هناك.