• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
مقالات مترجمة

لماذا يتصاعد نفوذ القوى المتوسطة في الجنوب العالمي؟


نشر موقع “فورين بوليسي”، مقالاً لـ”كليف كوبشان” رئيس مجموعة أوراسيا البحثية في واشنطن، بعنوان “6 دول متأرجحة ستُقرر مستقبل الجغرافيا السياسية”. تناول المقال الدور العالمي المتنامي لست قوى رئيسية في الجنوب العالمي، وهي البرازيل والهند وإندونيسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا، وهي الدول التي وصفها المقال بـ”الدول المتأرجحة”. ويرى المقال أن هذه الدول نجحت في تعظيم استفادتها من المنافسة والمواجهة التي تُميِّز العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، على نحوٍ يساعدها على تعزيز نفوذها ومضاعفة تأثيرها في الشؤون الدولية.

مصادر قوة

أشار المقال إلى أن هناك جملةً من العوامل التي يُمكن في إطارها فهم أسباب تصاعد النفوذ العالمي للقوى المتوسطة في الجنوب العالمي، وهي:

1القدرة على تبني سياسات مستقلة عن القوى العظمى: تتمتع القوى “المتوسطة المتأرجحة” بفاعلية أكبر اليوم من أي وقت مضى منذ الحرب العالمية الثانية، حتى وإن كانت على درجة أقل من القوتين العالميتين الكبيرتين: الولايات المتحدة الأمريكية والصين. ولكن على عكس دول فرنسا وألمانيا واليابان وروسيا وكوريا الجنوبية، التي تمثل القوى المتوسطة في شمال العالم، والمتحالفة على نطاق واسع مع الولايات المتحدة؛ فإن القوى المتوسطة الست الرئيسية المتأرجحة في الجنوب العالمي: البرازيل والهند وإندونيسيا والسعودية وجنوب أفريقيا وتركيا، ليست متوافقةً تماماً مع أيٍّ من القوتَين العظميَين؛ فهي – من ثم – أكثر استقلالاً في سبيل خلق ديناميكيات قوة جديدة خاصة بها، خصوصاً أن هذه الدول الست، جميعها أعضاء في مجموعة العشرين، ولها دور نشِط في كلٍّ من الجغرافيا السياسية والجيواقتصادية.

2الاستفادة من المنافسة بين الولايات المتحدة والصين: من الأمور التي تضاعف دور وتأثير “القوى المتأرجحة” في الجنوب العالمي، هو استفادتها من المنافسة والمواجهة التي تُميِّز العلاقات القائمة بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما يساعدها على تعزيز نفوذها ومضاعَفة تأثيرها في الشؤون الدولية؛ إذ تريد كل قوة عظمى أن تتماشى الدولُ المتأرجحةُ معها؛ ما يخلق فرصاً لهذه الدول للمناورة وتحقيق أقصى استفادة ممكنة من علاقتها بالقوتين العالميتين. وعلى سبيل المثال، ازدادت قوة الهند ونفوذها كثيراً منذ انضمامها إلى الحوار الأمني الرباعي، وهو أهم جهد تقوده الولايات المتحدة لتحقيق التوازن مع الصين، في حين استفادت البرازيل وإندونيسيا من حرص الصين على إبرام صفقات بشأن المعادن المهمة، وخاصةً الليثيوم والنيكل والألومنيوم، من دون أن يؤثر مثل هذا الانحياز الوقتي نحو الولايات المتحدة أو الصين بشأن قضية معينة في توازن الولاءات العامة للدول المتأرجحة.

3تعزيز الدول المتوسطة من مكانتها التجارية في العالم: مع تنامي حدة الخلافات بين الولايات المتحدة والصين، وتأثيرها على سلاسل التوريد وحركة التجارة العالمية، يدفع ذلك إلى أن تصبح بعض الدول المتأرجحة في الجنوب العالمي مراكز أكثر أهميةً للتجارة الإقليمية. وتُعتبَر الهند أفضل مثالٍ على ذلك؛ حيث تقوم بعض الشركات الأمريكية بإنشاء وتوجيه سلاسل التوريد الجديدة هناك، كما أصبحت أسواق الطاقة أكثر إقليميةً؛ ما يعود بالفائدة على السعودية. وبالمثل، فإن العاصمة السعودية الرياض تبرز باعتبارها مركزاً ماليّاً إقليميّاً، كما يؤكد صندوق النقد الدولي (IMF) أن العالم يتفكك، ومن المنطقي أن تلعب القوى المتوسطة الإقليمية في العالم المتشرذم دوراً مهمّاً بدرجة متزايدة.

4تحرُّر قوى الجنوب العالمي من الارتباطات الأيديولوجية: تمثل الدول المتأرجحة الست اليوم في الجنوب، جهات فاعلة مستقلة تماماً، لا يمكن اعتبارها مجرد تجسيد جديد لحركة عدم الانحياز، أو التجمعات الأخرى التي يهيمن عليها الجنوب العالمي، مثل G–77 أو “بريكس” (التي تضم البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب أفريقيا)؛ فالدول في مثل هذه المجموعات تتقارب أيديولوجيّاً أو تنطوي على بعض هذا النوع من التقارب، وهو ما لا ترتبط به الدول الست المتأرجحة اليوم؛ ليساعد غياب التقارب الأيديولوجي على تحرير هذه الدول من اتباع نهج معاملات متشدد في السياسة الخارجية، وهو الأمر الذي يؤدي بدوره إلى زيادة تأثيرها الكلي على الشؤون الدولية.

5محورية دور القوى المتوسطة في سياسات المناخ الدولية: تستمد الدول المتأرجحة باقتصاداتها الكبيرة والمتنامية، نفوذها كذلك من سياسات المناخ الدولية؛ فلا يمكن أن يكون هناك حل لتحديات التلوث وتأثيرات المناخ دون مشاركة هذه الدول التي لا تزال تعتمد على أسواق الكربون بدرجة متزايدة؛ إذ تحتاج السياسات المتعلقة بإزالة الغابات وإزالة الكربون إلى مشاركة بنَّاءة من قبل الدول المتأرجحة، مثل البرازيل وإندونيسيا بشأن إزالة الغابات، والهند وإندونيسيا بشأن إزالة الكربون، كما تركز شراكة انتقال الطاقة العادلة على إيجاد حلول إبداعية لتمويل أهداف المناخ، مع كون جنوب أفريقيا وإندونيسيا أول المُتلقِّين للتمويل.

6إضعاف القوى المتوسطة العقوبات الغربية على روسيا: في ظل تعدد عوامل قوتها وتأثيرها على النحو السابق الإشارة إليه، كان للقوى المتأرجحة الست تأثير في إضعاف آلة العقوبات الغربية على روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا؛ إذ رفضت منذ البداية الانصياع للمطالبات الغربية بتقديم المساعدات العسكرية الغربية لأوكرانيا، وفرض العقوبات المقابلة على روسيا؛ لاعتبار تلك القوى أن الحرب تؤثر على الأمن الأوروبي فقط لا على الأمن العالمي، وأن العقوبات لا تعزز مصالحها الوطنية في التنمية، وخفض الديون، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، ومجالات أخرى. ومع ذلك كان أهم تأثير لهذه الدول هو تقويضها في بعض الحالات للعقوبات الغربية على روسيا، وحفاظها في المقابل على علاقاتها التجارية مع موسكو. وربما يتجسد المثال البارز على ذلك في دور تركيا التي تعد واحدة من عدة دول متورطة في نقل كميات كبيرة من المواد ذات الاستخدام المزدوج إلى روسيا، منتهكةً بذلك روح العقوبات الغربية المفروضة عليها، لتفرض الولايات المتحدة بالفعل عقوبات على أربع شركات تركية.

7لعب القوى المتوسطة دوراً رائداً في مبادرات السلام العالمي: إن النفوذ المتزايد الذي تكتسبه القوى المتوسطة المتأرجحة في الجنوب العالمي واضح أيضاً في مبادرات الوساطة الخاصة بها؛ فقد كان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مفاوضاً رئيسيّاً بشأن صفقات الحبوب، وشارك في محادثات السلام في بداية الحرب الأوكرانية، وهو في وضع جيد لتسهيل المحادثات المستقبلية إذا اختارت الأطراف المتحاربة ذلك، كما تقدم الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بمبادرته الخاصة؛ ما يضع هذه الدول في وضع جيد للتوسط مستقبلاً في صراعات أخرى. وتحتل الهند على وجه الخصوص مكانة عالية؛ لأسباب ليس أقلها أنها تُسهم بالفعل بنسبة 8% من قوات حفظ السلام النشطة التابعة للأمم المتحدة، كما تنشط إندونيسيا وجنوب أفريقيا باعتبارهما وسيطَيْن، ويساهمان مساهمةً بارزةً في قوات حفظ سلام.

وقد اتخذ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مايو الماضي، خطوات نادرة وغير متوقعة بزيارته إلى جدة بالمملكة العربية السعودية؛ حيث قضى نحو أسبوع كامل هناك، بجانب زيارته إلى هيروشيما باليابان؛ حيث عُقدت قمة مجموعة السبع التي استضافت مجموعة من القوى المتوسطة، خصوصاً من الجنوب العالمي. وقد استهدف الرئيس الأوكراني كسب دعم دول البرازيل والهند وإندونيسيا والمملكة العربية السعودية لبلاده، لا سيما أن هذه الدول، مع غيرها من الدول الرائدة في الجنوب العالمي، تتمتع بقوة أكبر من أي وقت مضى.

آراء مشككة

وختاماً، أشار المقال إلى وجود بعض الآراء المشككة في مدى القوة الفعلية للدول المتأرجحة، التي تدعم وجهة نظرها بمبررات اقتصادية وسياسية وتكنولوجية، لكن المقال أكد أن الدول الستة قادرة على اكتساب المزيد من النفوذ العالمي، مضيفاً أن هذا الواقع يفرض على الولايات المتحدة أن تُطوِّر استراتيجية دبلوماسية جيدة الصياغة؛ ليس فقط تجاه كلٍّ من الدول الست الرئيسية، بل تجاه الجنوب العالمي على نطاق أوسع؛ لمنع حدوث ضعف كبير في موقف الولايات المتحدة في ميزان القوى العالمي، خاصةً بعد المواقف التي أبدتها هذه القوى في الحرب الروسية الأوكرانية، واستقلال مواقفها إزاء المنافسة مع الصين.