• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42

بدأت مناورة بيروقراطية هادئة من قبل حكومة نتنياهو في نقل السيطرة على الأراضي المحتلة من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية في انتهاك للقانون الدولي.

ناقش مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 22 تشرين الثاني \نوفمبر 1967 قرارًا من شأنه أن يصبح أهم توجيه للمجتمع الدولي بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ خطة تقسيم فلسطين عام 1947. تعلق النقاش بنتائج حرب العام 1967 التي انتصرت فيها إسرائيل على جيرانها العرب، واستولت على الضفة الغربية وشرق القدس من الأردن وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء من مصر، ومرتفعات الجولان من سوريا.

قال وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك أبا إيبان في مجلس الأمن: "سنحترم ونحافظ بشكل كامل على الوضع المتجسد في اتفاقيات وقف إطلاق النار حتى تخلفه معاهدات السلام بين إسرائيل والدول العربية لإنهاء حالة الحرب". لم يكن إيبان دقيقًا تمامًا، فعندما أدلى بتصريحه، كانت إسرائيل قد طبقت بالفعل قانونها على شرق القدس من جانب واحد. وفعلت الشيء نفسه بعد 15 عامًا من خلال ضم مرتفعات الجولان رسميًا. وعلى مدى نصف القرن الماضي، من شأن التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية أن يعمق السيطرة الإسرائيلية ويجعل الانسحاب العسكري يبدو غير مرجح على نحو متزايد. (أعادت إسرائيل شبه جزيرة سيناء إلى مصر كجزء من معاهدة السلام لعام 1979).

مع ذلك، وبغض النظر عن الخطاب الدبلوماسي الغامض، فإن خطاب إيبان حدد موقف إسرائيل الرسمي بشأن الضفة الغربية للسنوات الخمسين المقبلة: كان الوضع النهائي للأراضي المحتلة يتحدد في محادثات الوساطة. هذا، حتى سنوات قليلة مضت - عندما بدأ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الدفع علانية بسياسة الضم من جانب واحد. كانت المناورة البيروقراطية الأخيرة داخل حكومته اليمينية المتطرفة الجديدة قد جعلت الضم رسميًا من خلال البدء بعملية نقل العديد من السلطات المشرفة على الضفة الغربية من القادة العسكريين إلى القادة المدنيين في انتهاك للقانون الدولي.

منذ البداية، سعت إسرائيل إلى تكريس سيادتها الأحادية الجانب في الضفة الغربية. لعقود من الزمان، وبينما كانت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة تتحدث بلطف إلى العالم حول وضع الأراضي المحتلة المستقبلي الذي يتم حله من خلال المفاوضات، فإن ممارسات الدولة على الأرض تروي قصة مختلفة تمامًا.

بموجب القانون الدولي، تعتبر سلطة الاحتلال إدارية مؤقتة، وليست دولة ذات سيادة على الأراضي التي تحتلها. وهذا يعني أنها ملزمة بالحفاظ على حالة الإقليم قبل الاستيلاء قدر الإمكان. لكن إسرائيل فعلت العكس في الضفة الغربية، فقد تصرفت بصفتها دولة ذات سيادة من خلال تسخير أراضي الأرض ومواردها في خدمة مشروع استيطاني ضخم، ومعظمه في شكل مستوطنات إسرائيلية.

منذ العام 1967، قامت إسرائيل ببناء أكثر من 130 مستوطنة (وساعدت في بناء حوالي 140 بؤرة استيطانية) في الضفة الغربية. واليوم، يعيش 700000 مستوطن إسرائيلي في المنطقة، حوالي 230.000 منهم في شرق القدس وفقًا لمنظمة السلام الآن، وهي منظمة إسرائيلية غير حكومية حيث أعمل كمستشار قانوني. والمستوطنون الإسرائيليون الذين يتمتعون بحقوق مدنية وسياسية كاملة، ويرتبطون ارتباطًا وثيقًا بالبنية التحتية والموارد الإسرائيلية، يقيمون جنبًا إلى جنب مع ملايين الفلسطينيين الخاضعين للحكم العسكري الإسرائيلي، وليس لديهم مطلقًا رأي في كيفية حكمهم. وشبّهت العديد من المنظمات غير الحكومية الإسرائيلية والدولية هذا النظام المتشعب بالفصل العنصري. (قمت بتأليف أول تقرير لمجموعة إسرائيلية كهذه - يش دين - في العام 2020).

تعتبر قوانين الحرب الدولية، وكذلك النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (ICC) نقل السكان المدنيين لدولة محتلة إلى الأراضي المحتلة جريمة حرب. جنبًا إلى جنب مع الحظر المفروض على عمليات النقل القسري داخل إقليم وترحيل الأشخاص المحتلين إلى خارج أراضيهم؛ وقد وجهت المحكمة الجنائية الدولية لائحة اتهام ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بهذا الأخير - تم تصميم هذا الحظر لضمان عدم قيام القوة المحتلة بهندسة الأراضي المحتلة ديموغرافيًا. لكن من الواضح أن إسرائيل فعلت ذلك، وهي تخطط الآن للتصعيد من خلال المزيد من التوسع الاستيطاني.

ومع ذلك، فإن الكلمات والتصريحات لها أهمية خاصة في كل من العلاقات الدولية والقانون الدولي. لذلك على الرغم من الأدلة الوفيرة والقاطعة على أن إسرائيل تمارس سيادتها في الضفة الغربية، في غياب إعلان رسمي بالضم - ومع وجود الأرض رسميًا تحت قيادة عسكرية، وليست مدنية - فالعالم لم يتعامل مع ممارسات إسرائيل على أنها انتهاك للمبادئ الأساسية للقانون الدولي: حظر الضم الأحادي الجانب للأراضي المحتلة بالقوة.

 بدأت الفجوة بين كلمات إسرائيل وأفعالها في الضفة الغربية تتغير في العام 2017، عندما بدأ مسؤولون في حكومة نتنياهو آنذاك مناقشة خطط ضم المنطقة من جانب واحد. في كانون الأول \ديسمبر من ذاك العام، مرر حزب الليكود الحاكم بزعامة نتنياهو قرارًا يطلب من نائبيه متابعة ضم الضفة الغربية بالكامل. لكن كان من الواضح لأولئك الذين صوتوا لصالح القرار أنه لا يتمتع إلا بوضع إعلاني، ولا يمكن تنفيذه على الفور بسبب الاعتراضات الدولية.

وفي الفترة التي سبقت انتخابات إسرائيل لعام 2019، وظهور ما سمي بـ "صفقة القرن" للرئيس دونالد ترامب التي نصت على ضم إسرائيلي جزئي للضفة الغربية أعلن نتنياهو في مقابلات إعلامية أنه سيعزز التطبيق "التدريجي" للسيادة الإسرائيلية على الأرض. وقال نتنياهو إنه ناقش الولايات المتحدة "الضم بالموافقة" مع إدارة ترامب.

كرر نتنياهو هذه الرسائل مرات عديدة منذ ذاك الحين. وتذكر الحكومة الجديدة التي شكلها العام الماضي مع أحزاب المستوطنين المتطرفة في بيانها "حق الشعب اليهودي الحصري على كامل أرض إسرائيل". وجاء اتفاق الائتلاف بين الليكود والحزب الصهيوني الديني المتشدد بزعامة وزير المالية بتسلئيل سموتريتش أكثر تحديدًا، إذ ينص على أن "رئيس الوزراء سيعمل على صياغة وتعزيز سياسة تُطبَّق بموجبها السيادة على يهودا والسامرة". (يهودا والسامرة هي الأسماء التوراتية للمناطق التي تتألف منها الضفة الغربية وعادة ما يستخدمها اليمين الإسرائيلي).

وهذه هي خلفية قرار حكومة نتنياهو الأخير تغيير هيكل حكم الضفة الغربية الرسمي عبر نقل العديد من السلطات الإدارية من القيادة العسكرية إلى القيادة المدنية. وتحركاتها تبدد أي شكوك متبقية بأن إسرائيل في صدد عملية ضم الضفة الغربية بالكامل بحكم القانون. وفي أواخر شباط \فبراير وقع سموتريش - المذعور من المثليين ومناصري التفوق اليهودي - اتفاقية مع وزير الدفاع يوآف غالانت لنقل عدد من السلطات الحكومية في الضفة الغربية من قائد المنطقة العسكري إلى سموتريتش. (بالإضافة إلى عمله كوزير للمالية، فإن سموتريتش هو وزير الدفاع أيضًا). وتم الاتفاق على هذه الخطوة في اتفاق الائتلاف بين الليكود والحزب الصهيوني الديني.

صحيح أن سموتريتش لم يتولَ السلطة الكاملة، لكن النقل يغير هيكل النظام الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكل كبير: للمرة الأولى، وُضعت العديد من السلطات الإدارية في الأراضي المحتلة في أيدي مدني. وقد عينت هذه الخطوة سموتريش حاكمًا فعليًا للضفة الغربية. ووفقًا للاتفاقية، سيعين سموتريتش (المشار إليه باسم "الوزير داخل وزارة الدفاع") مدنيين في مناصب رسمية في الحكومة العسكرية، مثل منصب نائب رئيس الإدارة المدنية الذي تم إنشاؤه حديثًا، والوكالة العسكرية المسؤولة الشؤون المدنية للمستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية؛ كما سيعين مستشارين قانونيين لهؤلاء المسؤولين. علاوة على ذلك، سيكون سموتريش هو المسؤول الوحيد عن تصميم الكثير من سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية: قضايا مثل تخصيص الأراضي والتخطيط والبناء في معظم المناطق خارج المدن والقرى الفلسطينية، وتطبيق القانون على البناء غير القانوني وتطبيق الذي يقوم به الفلسطينيون والإسرائيليون، والبنية التحتية، وتوزيع المياه؛ وأكثر من ذلك بكثير تقع كلها الآن ضمن اختصاص سموتريش.

 وتعمل بعض بنود الاتفاقية على تشويش عملية نقل الصلاحيات من خلال تقديم الحاكم الفعلي باعتباره تابعًا لوزير الدفاع. لكن وزير الدفاع سيكون له حق النقض في الحالات القصوى فقط - مثل عمليات الهدم الواسعة النطاق في المناطق الفلسطينية - وفي كلتا الحالتين، ستتجاوز هذه القرارات القائد العسكري. ولا يخفي سموتريش حقيقة أنه ينوي توسيع سلطات الحكومة الإسرائيلية لتشمل المستوطنات من خلال تفكيك الإدارة المدنية بالكامل، الأمر الذي من شأنه أن يمنح السلطات الإسرائيلية سلطة مباشرة على الضفة الغربية.

وينص الاتفاق أيضًا على أن الحاكم الفعلي سيعمل على توسيع النظام القانوني المزدوج في الضفة الغربية من خلال السماح بتطبيق تشريع الكنيست بالكامل على المستوطنين الإسرائيليين، بينما يظل الفلسطينيون خاضعين للقانون العسكري. وسيتم تكليف المستشارين القانونيين بصياغة أوامر عسكرية من شأنها تطبيق التشريعات الإسرائيلية رسميًا على المستوطنين، وهي عملية يطلق عليها اسم "التوجيه" لأن القانون العسكري يوجه قانون الكنيست إلى الأراضي المحتلة.

 ينص القانون الدولي على أن القوة المحتلة - إسرائيل في هذه الحالة - يجب أن تعزز مصالح الأراضي المحتلة أثناء احتلالها المؤقت. ومن خلال نقل السلطات الإدارية في الضفة الغربية من الجيش إلى وزير إسرائيلي والخدمة المدنية، تتنازل إسرائيل عن هذا الواجب ليس في ممارساتها فقط - كما فعلت منذ فترة طويلة - ولكن على الورق أيضًا. وذلك لأن موظفي الخدمة العامة الإسرائيليين ملزمون ومدربون على تعزيز المصالح الإسرائيلية وحدها.

إن صمت العالم في مواجهة هذه التطورات هو تجسيد خطير بشكل خاص لاستثنائية إسرائيل في الساحة الدولية. إن لامبالاة الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى تجاه النظام القانوني الإسرائيلي المتغير في الضفة الغربية له عواقب وخيمة في الحياة الواقعية على الفلسطينيين الواقعين تحت الاحتلال. لكن خطأ المجتمع الدولي الفادح ليس بالشيء الجديد. لقد كانت سمة - وليست خللًا - للنظام منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي. كما أن صمت الغرب يقوض سلامته في حربه ضد التوسع الروسي في أوكرانيا. ويعد حظر الضم الأحادي الجانب للأراضي المحتلة مبدأً أساسياً للنظام القائم على قواعد ما بعد الحرب العالمية الثانية. إن الفشل في تحميل إسرائيل المسؤولية لا يقوض مصداقية الغرب فحسب، بل له تأثير مزعزع للاستقرار على كامل النظام الدولي. ومنح نتنياهو تصريحًا مجانيًا يمنح المجتمع الدولي القادة الآخرين ذوي الميول التوسعية - مثل بوتين - وصفة لكيفية الاستيلاء على الأراضي بالقوة من دون عواقب.

إن الطريق السريع إلى الضم القانوني هو إعلان رسمي وعام، كما فعل بوتين عندما ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014. لكن الضم لا ينطوي بالضرورة على الأبهة والاحتفال. يمكن أن يحدث ذلك في مكاتب مملة من دون نوافذ ومن خلال إجراءات إدارية وبيروقراطية تبدو كئيبة.

يتطلب فضح ضم إسرائيل تكبير الصورة. وهذا ما يفشل المجتمع الدولي في القيام به ، ولهذا السبب لم يؤد انتهاك إسرائيل الوقح للقانون الدولي إلى إثارة الغضب الذي يستحقه. وعلّق الخطاب الدولي حول النسخة الاحتفالية الرسمية للضم - ضم بوتين الذي قوبل بتوبيخ وعقوبات بحق. لكن العالم لا يعرف كيف يتعامل مع تكتيكات نتنياهو.

وعلى الرغم من أن نقل حقيبة وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى سموتريتش يرقى إلى مستوى ضم قانوني للضفة الغربية - وهو خطوة خطيرة نحو ترسيخ الفصل العنصري داخل المنطقة، غير أنه لم يكن مصحوبًا ببيان كبير.