• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
قراءات

تهديدات الأمن البحري في أفريقيا وتأثيرها على المصالح المصرية


برز الأمن البحري، ولاسيما في ظل عالم مترابط ومعولم بشكل بالغ التعقيد، كمسألة حاسمة ترتبط بالمصالح العليا للدول في جميع أنحاء العالم. وقد تمت صياغة هذا المفهوم في البداية في التسعينيات من القرن الماضي بحيث أصبح يمثل واحدًا من أهم الإضافات إلى مفردات الأمن الدولي. وللوقوف على أهمية الموضوع يكفي الإشارة إلى أن قيمة الصناعة البحرية الأفريقية أو «الاقتصاد الأزرق»، تقدر من حيث الثروة السمكية، والمعادن، والمحروقات، والسياحة، والتجارة من قبل 38 دولة ساحلية وست جزر، بحوالي تريليون دولار أمريكي سنويًا. إلى جانب هذه الإمكانات الاقتصادية فإن أكثر من 90 % من الصادرات والواردات الأفريقية يتم نقلها عن طريق المياه، وفي حين أن هناك الكثير من الإمكانات، يلاحظ وجود اتجاه نحو ظاهرة «العمى البحري»؛ أي تجاهل المجال البحري ومركزيته في النمو الاقتصادي الأفريقي وكذلك أمن شعوب القارة واستقرارها.

بالنسبة لمصر، الدولة التي تتمتع بموقع جغرافي استراتيجي على مفترق طرق أفريقيا وآسيا وأوروبا، فإن تحديات الأمن البحري في أفريقيا لها أهمية خاصة، إذ يشمل الأمن البحري جوانب مختلفة، بما في ذلك حماية المياه الإقليمية، ومكافحة القرصنة، والصيد غير المشروع، وأنشطة التهريب، وضمان طرق التجارة البحرية الآمنة.

في سياق ما سبق تحاول هذه القراءة مناقشة أهم التحديات التي تواجه الأمن البحري في أفريقيا وتأثيراتها العميقة على المصالح الوطنية لمصر، ومن خلال بيان تعريف الأمن البحري وتحدياته المحددة واستكشاف الاستراتيجيات المختلفة؛ لمعالجة هذه القضايا، يمكن تفسير كيفية تأثير هذه الديناميكيات بشكل مباشر على أمن مصر واستقرارها الاقتصادي وتأثيرها الإقليمي.

أولًا: في مفهوم الأمن البحري

يُعد المجال البحري في مصر، كما هو الحال في أفريقيا، وبقية دول العالم، شريان الحياة للاقتصاد. وفي كثير من الحالات، يُعد أمرًا أساسيًا لكل من الأمن الغذائي والسيادة الغذائية، غالبًا ما نستخدم عبارة «إذا لا يوجد شحن، لا يوجد تسوق» للتأكيد على تأثير التجارة البحرية على أسلوب حياتنا. وبالنظر إلى الحجم الهائل للتجارة التي تحدث عن طريق البحر، فإن هذا التعبير ينطبق على كل بلد في جميع أنحاء العالم، سواء كانت ساحلية أو غير ساحلية.

وفي السنوات الأخيرة، أصبح الأمن البحري موضوعًا رئيسًا في العلاقات الدولية، مع قيام العديد من الجهات الفاعلة الرئيسة بإدراجه في ولايتها أو إعادة تعريف عملهم وفقًا لشروطه. وبينما يلفت مصطلح «الأمن البحري» الانتباه إلى التحديات الجديدة، ويشجع الجهود الجماعية للتصدي لها، لا يوجد حاليًا إجماع عالمي على تعريفه، ولعل ذلك يخلق خطرًا يتمثل في التغطية على الخلافات، والنزاعات السياسية تحت ستار العبارات الطنانة والأساليب البلاغية. وبالنظر إلى عدم وجود احتمالات؛ لتعريف واحد ونهائي للأمن البحري، فمن الضروري تطوير أطر يمكن أن تحدد القواسم المشتركة وأوجه الاختلاف.

وفي هذا الشأن يقترح بويجر (2015) ثلاثة أطر: أولهم، أنه يمكن فهم الأمن البحري من خلال ارتباطه بمفاهيم أخرى مثل: السلامة البحرية، والقوة البحرية، والاقتصاد الأزرق، والمرونة، مما يسمح بمصفوفة شاملة لترابطها. ثانيهم، يساعد إطار «الأمننة» على دراسة كيفية تكوين التهديدات البحرية، وكشف المصالح السياسية والأيديولوجيات المتباينة التي تقف وراءها (*). ثالثهم، تتيح نظرية الممارسة الأمنية دراسة ما يقوم به الفاعلون بحجة تعزيز الأمن البحري، مما يسمح بفهم أفضل لأفعالهم ودوافعهم، وتعمل هذه الأطر معًا على تمكين رسم خرائط أكثر دقة للأمن البحري.

ومع تزايد أهمية الأمن البحري أضحى عدد كبير من الدول، والجهات الفاعلة الدولية الأخرى تضع هذا المفهوم في مقدمة أولوياتها الأمنية. وبالفعل تنعكس هذه الأولوية في العديد من الاستراتيجيات الوطنية والدولية للأمن البحري التي تم نشرها في العقد الماضي -بما في ذلك استراتيجيات الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة وفرنسا والهند وحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي- وكذلك في البيانات المتعددة الأطراف مثل: إعلان مجموعة الدول السبع بشأن الأمن البحري.

وإذا علمنا أن الأمن البحري أصبح مصدر قلق أساسي بين الجهات الأمنية العالمية الرئيسة، فإن ذلك لا ينطبق بالضرورة على العلاقات الدولية والدراسات الأمنية على نطاق أوسع؛ حيث تكون دراستها متناثرة ولا يجمع بينها رابط في أحسن الأحوال. وعلى سبيل المثال، تميل الأدبيات الحالية المتعلقة بالأمن الدولي إلى النظر في مثل هذه القضايا من حيث النقاط الجغرافية الساخنة الخاصة وإدارة تهديدات معينة، مثل: القرصنة البحرية في شرق أفريقيا، والتنافس الاستراتيجي في بحر الصين الجنوبي أو القطب الشمالي، والجريمة المنظمة في غرب أفريقيا أو الاتجار بالبشر في البحر الأبيض المتوسط، كما نجد أن قضايا مثل: أمن الموانئ أو الصيد غير القانوني أو الجريمة البيئية حظيت باهتمام أقل، ولا تزال الروابط بين جميع هذه المواضيع بعيدة عن الفحص والتدقيق العلمي.

ثانيًا: تحديات الأمن البحري في أفريقيا

يعد المجال البحري الأفريقي، الذي يشمل البحار قبالة القارة الأفريقية (البحر الأبيض المتوسط، قناة السويس والبحر الأحمر، والمحيط الهندي، والمحيط الأطلسي)، مجالًا حيويًا، ليس فقط للبلدان الأفريقية من أجل تنمية وتطوير اقتصاداتها، ولكن أيضًا، لتوفير ممرات بحرية للاتصال والتجارة ونقل إمدادات الطاقة الاستراتيجية بين أوروبا وأمريكا والشرق الأدنى والأقصى، لقد كانت أفريقيا ولقرون طويلة تُولي ناظريها إلى الأراضي اليابسة في الداخل متجاهلة إمكانات البحر في تعزيز النمو الاقتصادي. ومن جهة أخرى، تُركت مهام إدارة الاقتصادات والدفاع البحري خلال الحقبة الاستعمارية إلى حد كبير للقوى الاستعمارية، ومن ثم، فقد ترك انسحاب القوات الاستعمارية بعد حصول العديد من البلدان الأفريقية على استقلالها فراغًا كبيًرا؛ حيث عهدت مهام الأمن البحري لوحدات عملياتية صغيرة أو معدومة.

تفاقم هذا الوضع مع انتهاء فترة الحرب الباردة أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات مما أدى إلى انسحاب أساطيل القوى العالمية الكبرى من محيط الطرق البحرية الأفريقية، أسهم ذلك كله في ترك هذه الطرق البحرية عرضة للهجمات على السفن والمنشآت البحرية من قبل عناصر أخرى معادية، مما يضع عبئًا أكبر على القوات البحرية الوطنية للتعامل مع التهديدات الناشئة من المجال البحري.

في هذه المرحلة، لم تكن معظم القوات البحرية الأفريقية تمتلك القدرات اللازمة لحماية البحار بشكل فعال. وفي الواقع، خوّلت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار جميع الدول الحق في توسيع نطاق ولايتها القضائية إلى 200 ميل بحري قبالة سواحلها. أدى ذلك لاحقًا إلى إنشاء منطقة اقتصادية خاصة أفريقية شاسعة تغطي ملايين الكيلومترات المربعة من المساحة البحرية. ويلاحظ أن اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، تقر في ديباجتها بإمكانية النمو الاقتصادي في المجال البحري، ولا سيما فيما يتعلق بالاحتياجات الخاصة للبلدان الساحلية النامية ونظيراتها غير الساحلية. كما تعترف بالحاجة إلى النظر إلى مساحة المحيط ككل، مما يفرض الحاجة إلى نهج تعاوني بين البلدان من أجل معالجة الفرص والتحديات الناشئة عن هذا المجال الشاسع.

في المقابل، هناك مسئوليات أخرى في المجال البحري تقع على كاهل الدول؛ حيث يُعتبر القانون والنظام في المجال البحري الأفريقي شرطًا أساسيًا لأي دولة للاستفادة بشكل مستدام من إمكانية الحصول على الثروة والنمو من البحار والمحيطات. والواقع أن القارة الأفريقية تعاني من أنشطة الصيد غير المشروع والقرصنة البحرية والسطو المسلح في البحر والإرهاب البحري والمخدرات والاتجار بالأسلحة والبشر والأنظمة البحرية القانونية غير الملائمة. ومن ثم، لا يمكن التعامل مع الجرائم بشكل فعال إلا من خلال تطبيق إنفاذ القانون بما في ذلك الاعتقال والتحقيق والمقاضاة، وسوف يتطلب إنفاذ القانون الفعال أيضًا أطرًا قانونية منسقة على المستوى الوطني، والإقليمي، والقاري؛ لمحاكمة الجناة ولضمان عدم وجود ثغرات في التشريعات يمكن استغلالها، وفيما يلي يمكن توضيح أبرز التحديات.

1. التهديدات الناشئة

تعد التهديدات الجديدة التي يتعرض لها الأمن البحري في أفريقيا معقدة ومترابطة، وتشمل مختلف الجرائم المنظمة عبر الوطنية التي تشكل تحديات كبيرة للاستقرار الإقليمي، في نوفمبر 2012 عقد مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة اجتماع فريق خبراء في (فيينا) لمعالجة هذه القضايا، مع التأكيد على الطبيعة المترابطة للجرائم الناشئة في البحر. وتشمل هذه الجرائم القرصنة والسطو المسلح، وتهريب المهاجرين والاتجار بهم، والجريمة المنظمة في صناعة صيد الأسماك، وتسلط الاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا لعام 2050 الصادرة عن الاتحاد الأفريقي الضوء أيضًا على تهديدات إضافية، مثل: غسيل الأموال، والاتجار غير المشروع بالأسلحة والمخدرات، والإرهاب البحري والاتجار بالبشر والتهريب، والصيد غير القانوني، والجرائم البيئية، وسرقة النفط الخام. كما أدت جائحة كوفيد -19 أيضًا إلى تفاقم تهديدات الأمن البحري من خلال تعطيل سلاسل التوريد وزيادة خطر أن تصبح الموانئ أهدافًا للهجوم.

وقد كان لهذه الأنشطة غير المشروعة آثار اقتصادية عميقة؛ حيث تكلف القرصنة وحدها الاقتصاد العالمي ما يقدر بسبعة إلى اثني عشر مليار دولار أمريكي سنويًا، بينما تقدر الخسائر في صناعات الصيد والسياحة في سيشيل بحوالي ستة ملايين دولار أمريكي سنويًا. علاوة على ذلك، فإن انتشار الصيد غير القانوني وغير المنظم وغير المبلغ عنه في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى قد وصل إلى تكلفة مذهلة تقدر بحوالي 6.9 مليار دولار أمريكي.

هذه الأنشطة الإجرامية، بما في ذلك القرصنة وتهريب المخدرات والنفايات الخطرة، أعاقت إمكانية تكوين الثروة والازدهار في المجال البحري لأفريقيا. ومن أجل مكافحة هذه التهديدات الناشئة بشكل فعال وإرساء القانون والنظام في المجال البحري الأفريقي، يجب إنشاء إطار قانوني منسق على المستويات الوطنية والإقليمية والقارية، وهذا يتطلب التعاون بين مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومفوضية الاتحاد الأفريقي وغيرهما من الشركاء الإقليميين والدوليين، ومن خلال مواجهة هذه التحديات وجهًا لوجه، يمكن لأفريقيا العمل على تأمين مصالحها البحرية وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

2. ثنائية القرصنة والإرهاب

منذ عام 2006، شهدت السواحل الأفريقية تزايد انعدام الأمن والخطر على المجتمع البحري؛ بسبب القرصنة المتصاعدة قبالة سواحل القرن الأفريقي، والتهديدات الهجينة من جانب جماعات التمرد والجريمة المنظمة في خليج غينيا. ومع ذلك، فإن القرصنة ليست سوى عنصر واحد من مجموعة أوسع من التهديدات البحرية التي تواجهها المياه الأفريقية، في عام 2010، تزامنت مخاوف المجتمع الدولي بشأن الأمن في المياه الأفريقية مع موقف أفريقي أكثر وضوحًا بشأن معالجة تهديدات النظام البحري الفعال. ونتيجة لذلك، تم تمرير العديد من قرارات الأمم المتحدة، مما أدى إلى استجابة دولية لمكافحة القرصنة ونشر وحدات بحرية قبالة القرن الأفريقي، على أن العدد المتزايد من الجهات الفاعلة التي تنجذب إلى بحار أفريقيا يشكل سلاحًا ذو حدين فهو يوفر الأمن، وانعدام الأمن في المجال البحري في آن واحد. ومن ثم، فإن ضمان النظام الجيد في البحر أصبح أولوية حاسمة لصناع القرار الأفارقة.

قبل تصاعد الصراع اليمني في عام 2016، كان باب المندب مهددًا في المقام الأول بالإرهاب والقرصنة، فقد كانت هجمات القراصنة على السفن الدولية في خليج عدن والساحل الصومالي للقرن الأفريقي متفشية منذ عام 2005، مع تزايد الهجمات كل عام حتى عام 2011، مما يجعل هذه المياه الأكثر خطورة على الملاحة. على سبيل المثال، في عام 2000 هاجم مسلحون مرتبطون بالقاعدة المدمرة البحرية الأمريكية “يو إس إس كول” في ميناء عدن اليمني، مما أسفر عن مقتل 17 من أفراد الطاقم وإصابة 39 آخرين.

بعد ذلك بعامين، نفذت القاعدة هجومًا مماثلًا على ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ، مما أدى إلى مقتل أحد أفراد الطاقم وتلويث خليج عدن بنحو 90 ألف برميل من النفط. وقد أنشأ الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي عمليات لمكافحة القرصنة في المنطقة، مما أدى إلى الحد بشكل كبير من هجمات القراصنة، مع الإبلاغ عن عدد قليل من الحوادث منذ عام 2014، ومع ذلك، أصبح الصراع اليمني تهديدًا جديدًا لاستقرار الملاحة الدولية في باب المندب.

وعلى أي حال يشكل التهديد المتزايد للمنظمات الجهادية، مثل القاعدة وداعش معضلة أخرى لمنظومة الأمن البحري الأفريقي. لقد أظهرت هذه المجموعات فلسفة قيادة مرنة تجعل من الصعب منع أو تعطيل هجماتها، يتم تفويض التخطيط التشغيلي والتنفيذ للقادة على الأرض، الذين يتم تفويضهم في استخدام مبادراتهم الخاصة؛ لتحقيق الأهداف الاستراتيجية المحددة من خلال التوجيه العام الذي يتم إرساله من المركز. يمتد هذا النهج اللامركزي إلى جميع الخلايا الإرهابية التابعة، بما في ذلك أولئك الذين يشاركون في العمليات البحرية، ويمكن أن يؤدي إلى درجة كبيرة من الاستقلالية للفروع المحلية، ونتيجة لذلك، فإن عمليات الذئاب المنفردة التلقائية، والتي يصعب اكتشافها ويمكن إجراؤها دون سابق إنذار، تشكل تحديًا كبيرًا.

وتقدم العديد من المناطق في أفريقيا للجهاديين أكبر المزايا الفعلية أو المحتملة وتمثل المناطق الأكثر تهديدًا للمصالح البحرية للقوى الدولية والإقليمية. وقد تم تحديد اليمن والصومال وليبيا كمناطق يمكن للجهاديين الوصول إليها من السواحل ويمكن أن يشكلوا تهديدًا للمصالح البحرية، تتمتع هذه المناطق بسيطرة مركزية ضعيفة وتميزت بمواجهات عنيفة أدت إلى ضعف أو غياب سيطرة الحكومة في مناطق معينة. بالإضافة إلى ذلك، تم تحديد الممرات والمضائق المائية مثل قناة السويس، ومضيق هرمز، وباب المندب على أنها تضاريس رئيسة؛ حيث تكون حركة المرور البحرية أكثر عرضة للخطر.

ومن الجدير بالذكر أن كل من القاعدة وداعش ركزت على هذه النقاط وممرات العبور، وكذلك على الاستيلاء على الأراضي من أجل التأثير على الوضع في البحر، إذ يُلاحظ أن الوجود الجهادي في هذه المناطق قد تعرّض لمنحى مد وجزر اعتمادًا على فعالية استجابة المجتمع الدولي والقوى المحلية، لكن بعض المناطق لا تزال تشهد تهديدات مستمرة، على الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي والقوات الوطنية لمكافحة النشاط الجهادي في هذه المناطق، فإن فلسفة القيادة المرنة لهذه الجماعات، إلى جانب التحديات التي تفرضها عمليات الذئاب المنفردة التلقائية، تجعل من الصعب منع أو تعطيل هجماتها.

ثالثًا: تأثير تهديدات الأمن البحري على المصالح المصرية

ليس بخاف أن التهديدات البحرية في أفريقيا لها آثار كبيرة على المصالح الوطنية لمصر، ويعود ذلك إلى اعتماد الدولة بشكل كبير على قناة السويس في الإيرادات؛ حيث تعد نقطة عبور رئيسة للتجارة الدولية بين أوروبا وآسيا. ومن ثم، فإن أي تعطيل في القناة سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد المصري، مما يقوض استقرار البلاد وأمن أهلها.

وقد أدى الصراع المستمر وعدم الاستقرار في ليبيا، على سبيل المثال، إلى ظهور مجموعات مسلحة مختلفة، بما في ذلك المنظمات الجهادية مثل داعش والقاعدة؛ حيث استغلت هذه الجماعات الحدود التي يسهل اختراقها؛ لتهريب الأسلحة والمقاتلين إلى مصر. وبالمثل، فإن عدم الاستقرار في الصومال قد شكل أيضًا تهديدًا أمنيًا لمصر، فقد كانت حركة الشباب، وهي جماعة جهادية مرتبطة بالقاعدة، مسئولة عن العديد من الهجمات في كل من الصومال، والدول المجاورة، بما في ذلك كينيا. كما استهدفت الحركة سفنًا قبالة سواحل الصومال، مما أدى إلى انتشار قوات بحرية دولية، لتسيير دوريات في المنطقة. ولا شك أن أي اضطراب في التجارة البحرية في المنطقة يمكن أن يؤثر على وصول مصر إلى الموارد والأسواق الرئيسة.

بالإضافة إلى التهديد الذي تشكله المنظمات الجهادية، فإن مصر قلقة أيضًا من احتمال نشوب صراع على نهر النيل، إذ يعتبر النهر مصدرًا حيويًا للمياه لمصر، وأي اضطراب في تدفقه يمكن أن يكون له آثار خطيرة على القطاع الزراعي في البلاد والاقتصاد العام. ومن ثم، فإن بناء إثيوبيا لسد النهضة الإثيوبي وتبنيها نهجًا أحاديًا يخالف قواعد القانون الدولي قد يؤثر على منسوب مياه النيل الواردة إلى مصر، وهو ما يهدد أمن واستقرار منطقة حوض النيل والقرن الأفريقي بشكل عام. كذلك، يمكن القول إن التهديدات البحرية في أفريقيا، وتداعياتها الكبيرة على الأمن القومي المصري والمصالح الاقتصادية، تجعل من مصلحة مصر الاستراتيجية ضرورة الحفاظ على أمن واستقرار الممرات المائية في المنطقة؛ خاصة مع أهميتها الجوهرية لتجارتها، واقتصادها وأمنها القومي. وعلى هذا النحو، شاركت مصر بنشاط في الجهود المبذولة، لتحقيق الاستقرار في المنطقة، ومواجهة أنشطة المنظمات الجهادية، لا سيما في ليبيا والصومال.

على سبيل المثال، للقرصنة تأثير كبير على صناعة الشحن في مصر؛ حيث إنها تزيد من تكلفة شحن البضائع وتشكل خطرًا على سلامة البحارة، ومن بين الأمثلة على ذلك، ما حدث فى عام 2009 عندما اختطف قراصنة صوماليون سفينة شحن تحمل بضائع مصرية، مما أدى إلى خسارة ملايين الدولارات. وردًا على تهديد القرصنة، شاركت مصر في الجهود الدولية لمكافحة القرصنة، مثل فرقة العمل المشتركة.

إضافة إلى ما سبق، فثمة تهديد رئيس آخر للأمن البحري في أفريقيا يؤثر على مصر سلبًا، وهو التهريب، والذي يشمل تهريب الأسلحة والمخدرات والأشخاص، حيث أصبحت شبه جزيرة سيناء، الواقعة على مفترق طرق البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، مركزًا لأنشطة التهريب، يستخدم المهربون القوارب الصغيرة لنقل البضائع والأشخاص عبر البحر الأحمر متجاوزين الموانئ ونقاط التفتيش الرسمية، وهذا يشكل تحديًا كبيرًا لأمن الحدود المصرية؛ حيث يمكن للمهربين بسهولة التهرب من الكشف عنهم والتحرك بحرية عبر ساحل البلاد.

ربما يأتي أهم تهديد للأمن البحري لمصر في أفريقيا من الإرهاب؛ حيث استهدفت الجماعات الإرهابية، مثل القاعدة وداعش، المصالح البحرية لمصر، بما في ذلك قناة السويس ومضيق باب المندب وساحل البحر الأحمر. ففي عام 2015، أعلن تنظيم داعش مسئوليته عن تفجير طائرة ركاب روسية فوق شبه جزيرة سيناء، مما أسفر عن مقتل كل من كانوا على متنها وعددهم 224 راكبًا وطاقمها. وقد سلط الهجوم الضوء على تحدي الإرهاب، وما يمثله من مخاطر على أمن المطارات والموانئ البحرية في مصر.

ومن أجل مواجهة هذه التهديدات الأمنية البحرية، فقد اتخذت مصر عدة إجراءات لتعزيز قدراتها البحرية، حيث عززت الدولة وجودها البحري في البحر الأحمر، والبحر الأبيض المتوسط، وطبقت إجراءات أمنية جديدة في موانئها ومطاراتها. كما عملت مصر بشكل وثيق مع دول أخرى في المنطقة وخارجها لتنسيق الجهود لمكافحة القرصنة والتهريب والإرهاب.

في نهاية عام 2022، تولت البحرية المصرية قيادة القوة البحرية المشتركة 153 (CMF) لأول مرة، وهو أمر مهم من حيث جهود مواجهة تهديد الأمن البحري المصري في أفريقيا. ويسلط هذا التطور الضوء على دور مصر المتزايد ومسئوليتها في أمن المنطقة، وتحديدًا في مكافحة التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك الإرهاب في البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن. وتجدر الإشارة إلى أن القوة البحرية المشتركة تُعد تحالف بحري يضم 34 دولة بحيث يكون مسئول عن مكافحة الإرهاب والقرصنة، بالإضافة إلى دعم أواصر التعاون الإقليمي. وتعمل هذه القوة الدولية في بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر والمحيط الهندي. كما تشير حقيقة تولي مصر لقيادة هذه القوة إلى الأهمية المتزايدة للبلاد في الأمن البحري في المنطقة.

وعلى أية حال تعد حماية الفضاء والموارد البحرية لأفريقيا مصدر قلق أمني بالغ الأهمية لمصر وغيرها من البلدان الساحلية وغير الساحلية على حد سواء، إذ تعترف أجندة الاتحاد الأفريقي لعام 2063 والاستراتيجية البحرية المتكاملة لأفريقيا لعام 2050 بالدور المحوري للمجال البحري في النهضة الاقتصادية لأفريقيا والتحول الاجتماعي والاقتصادي. كما يُعد ميثاق لومي، الذي تم تبنيه في عام 2016، بمثابة ميثاق ملزِم للأمن والسلامة البحريين، ويتناول على وجه التحديد الأحكام الأمنية لاستراتيجية 2050، وتتماشى التزامات الاتحاد الأفريقي مع الهدف الرابع عشر من أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، وهو تعزيز الاستخدام المستدام للمحيطات والموارد البحرية من أجل التنمية.

إضافة إلى ما سبق، فقد كانت اتفاقيات وأطر التعاون الإقليمي، مثل مدونة ياوندي لقواعد السلوك، مفيدة في تعزيز التعاون العملي بين الدول التي تشارك مصالح الأمن البحري. وقد سهلت عمليات التعاون هذه مواءمة القوانين البحرية والتنسيق العملياتي، مما أدى إلى نجاحات ملحوظة في مكافحة القرصنة والجرائم البحرية. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات في تنفيذ ودمج هذه الاستراتيجيات، بما في ذلك الحاجة إلى تحسين الحوكمة والتعاون عبر الحدود وتعزيز الأطر القانونية. لذلك تظل مساعدة الاتحاد الأفريقي، والمجموعات الاقتصادية الإقليمية، والبلدان الأفريقية في تنفيذ ومراجعة استراتيجيات الأمن البحري الخاصة بها أمرًا بالغ الأهمية للشركاء الدوليين مثل الولايات المتحدة، والمنظمة البحرية الدولية.

وبصفتها شريكًا أمنيًا أفريقيًا، تساعد مصر الاتحاد الأفريقي والمجموعات الاقتصادية الإقليمية ودول أفريقية أخرى في تنفيذ ومراجعة استراتيجياتها الأمنية البحرية، هذا الدعم يُعد ضروريًا في تعزيز الأمن البحري، لا سيما بالنسبة للبلدان التي ليس لديها استراتيجيات قائمة، كما يساهم في تحقيق الأمن والاستقرار العام للقارة الأفريقية.

إجمالًا لما سبق، يمكن القول إن الأمن البحري لمصر مهدد بأعمال القرصنة والتهريب والإرهاب في أفريقيا. هذه التهديدات لها تأثير كبير على اقتصاد البلاد والأمن القومي، والاستقرار الإقليمي، وبالفعل اتخذت مصر خطوات؛ لتعزيز قدراتها البحرية والتعاون مع الدول الأخرى لمواجهة هذه التهديدات، ومع ذلك فإن التحديات التي تشكلها هذه التهديدات تتطلب اليقظة والتنسيق المستمر لضمان أمن واستقرار الممرات المائية في المنطقة. في نهاية عام 2022، تولت البحرية المصرية قيادة القوة البحرية المشتركة 153 (CMF) لأول مرة، وهو أمر مهم من حيث حماية الأمن البحري المصري في إفريقيا. ويسلط هذا التطور الضوء على دور مصر المتزايد ومسؤوليتها في أمن المنطقة، وتحديدًا في مكافحة التهريب والتصدي للأنشطة غير المشروعة، بما في ذلك الإرهاب في البحر الأحمر، وباب المندب، وخليج عدن. وتجدر الإشارة إلى أن القوة البحرية المشتركة هي تحالف بحري يضم 34 دولة مسئولة عن مكافحة الإرهاب والقرصنة، بالإضافة إلى دعم أواصر التعاون الإقليمي. وتعمل هذه القوة الدولية في بحر العرب، وخليج عدن، والبحر الأحمر والمحيط الهندي. كما تشير حقيقة تولي مصر لقيادة هذه القوة إلى الأهمية المتزايدة للبلاد في الأمن البحري في المنطقة.

* الأمننة هي عملية يتم من خلالها تأطير قضية أو موضوع على أنه مشكلة أمنية، ورفعها إلى مستوى الإلحاح وتبرير الإجراءات غير العادية لمعالجتها. إنها تنطوي على تحويل القضايا غير الأمنية إلى مسائل تتعلق بالأمن القومي، في كثير من الأحيان من خلال استخدام الشعارات والخطابات البلاغية. وتهدف هذه العملية إلى حشد الدعم السياسي، وتخصيص الموارد، وتنفيذ السياسات لمعالجة التهديدات أو المخاطر المتصورة على أمن الدولة أو المجتمع. ويسعى صانعو السياسات، من خلال إضفاء الطابع الأمني، على قضية ما إلى إضفاء الشرعية على التدابير الاستثنائية وتجاوز العمليات السياسية العادية لمعالجة التهديد الأمني المحدد.