كان لانتشار الكورونا والركود الذي لحقه في سوق النفط والانخفاض الكبير في سعر هذه السلعة الاستراتيجية تأثير سلبي مباشر في اقتصادات دول الخليج الفارسي. ومع ذلك، فقد كان للأزمة الاقتصادية عواقب أقسى وبعيدة المدى على بعض هذه البلدان، حيث تواجه سلطنة عمان التي عملت على مدى عقود مثل سويسرا في الشرق الأوسط على تحدي الاستمرار في اتباع هذه السياسة. وفي الواقع، أصبحت الأزمة الاقتصادية في عمان ككعب أخيل هيثم بن طارق آل سعيد سلطان البلاد الجديد لمتابعة سياسة "صديق للجميع وعدو لا أحد".
وأفاد تقرير مؤسسة مودي (Moody) للاستثمار ومعهد فيتش للتصنيفات (Fitch Ratings) حول الوضع الاقتصادي في عمان بالقول: "ان ميزانية القطاع العام في عمان ستخفض بشكل كبير خلال السنوات الثلاث المقبلة، على الرغم من الإجراءات المتخذة للحد من عجز الميزانية" ومن ناحية أخرى، فإن احتياطيات النقد الأجنبي وأصول صندوق الاحتياطي الوطني تساوي 50 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أقل من البلدان الأخرى في الخليج الفارسي باستثناء البحرين.
حيث تواجه عُمان ركوداً اسمياً منذ عام 2015، ويرجع ذلك أساساً إلى انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، وإلى حد ما التباطؤ الاقتصادي العالمي.
وصلت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في عمان التي كانت 60 في المئة في أوائل العام 2020 إلى 70 في المئة الآن. حيث أنه في العام 2015، كان هذا الرقم 15 في المئة فقط. كما أن عجز الموازنة العامة للدولة لعام 2019 الذي سجل 16.1 في المئة، سيكون نحو 2.5 مليار ريال في نهاية العام 2020 في وضع مماثل، وبهذا الرقم ستشهد عمان معدل نمو اقتصادي 0.5 في المئة، وهو في ما سيكون متوقعاً في العام 2021 بنسبة 0.8 في المئة.
في حين أن مبيعات النفط والغاز تمثل 72في المئة من إيرادات الحكومة العمانية، فإن انخفاض أسعار النفط وتوسع نطاق انتشار فيروس كوفيد -19 المستجد هما أهم التحديات التي تواجه عمان على المدى القصير. ومن المتوقع أن يصل عجز المالية العامة إلى أكثر من 17في المئة من الناتج المحلي الإجمالي بنهاية السنة المالية لعام 2020.
ووفقًا لمعهد فيتش للتصنيف ستواجه عُمان عجزاً في الميزانية بأكثر من 10 مليارات دولار هذا العام، حتى لو ارتفع سعر خام برنت إلى نحو 35 دولاراً للبرميل النفطي الواحد، ووفق توقعات هذا المعهد من المتوقع أن يتراوح العجز والدين الخارجي المستحقان بين عامي 2020 و2022 بين 12 مليار دولار و14 مليار دولار سنوياً.
الإمارات والسعودية تحاولان الصيد في الماء العكر
وقد أدى هذا الوضع الحرج إلى اتخاذ البلاد خطوات للاقتراض من الخارج، ما أضر بالتصنيف الائتماني للبلاد في المنطقة. وفي هذا الصدد، ذكرت وكالة رويترز أن عمان تدرس طلب مساعدة مالية من دول الخليج الفارسي. وفي شهر حزيران\ يونيو أيضًا ذكرت بلومبرج في تقرير لها أن عمان تجري محادثات مع الدول الخليجیة للحصول على مساعدات مالية.
الآن ومع ذلك، فإن القضية الرئيسة هي الأطراف الدولية التي يمكن أن تلجأ إليها عمان للحصول على القروض والمساعدات الاقتصادية. وأهم المرشحين بطبيعة الحال هم جيران دول مجلس التعاون الخليجي الكبار، وخاصة السعودية والإمارات، اللتين تعجزان أولاً عن تقديم قروض بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بهما، وثانيًا فان التوجه إلى قطر سيكون غير ممكناً بسبب العواقب المحتملة لإغضاب الرياض وأبو ظبي. لكن الاعتماد الاقتصادي على المساعدات المالية والشراكات الاقتصادية مع الإمارات والسعودية سيضر أيضاً بسياسة الحياد لسلطنة عمان.
وفي ذات السياق قال الباحث في الرابطة الدولية للشؤون الخليجية ومقرها واشنطن نبيل نويره لقناة الجزيرة "من المفهوم تماما أن الإمارات والسعودية لديهما قدر كبير من الاهتمام والمصالح بالتأثير على قرارات السياسة الخارجية لسلطنة عمان". وبهذه الطريقة، يمكنهم وضع سياسة مسقط الخارجية في اتجاه ومدار سياساتهم.
وفي غضون ذلك، لا تقتصر القضية على جهود المقرضين الأجانب للتأثير على السياسة الخارجية لسلطنة عمان، وقد يكون لدى مسقط مخاوف أكثر أهمية من ذلك. ففي الواقع، هناك مجال مهم آخر من ضغوط الإمارات على عمان يتعلق بالحدود الإقليمية. حيث أنهى البلدان ترسيم حدودهما المشتركة في عام 2008، أي بعد ما يقرب من عقد من ترسيم الحدود التجريبية في عام 1999. لكن تحركات الإمارات على طول الحدود في محافظة ظفار جنوب عمان أبقت التوترات عالية. وإضافة إلى ذلك، عرض متحف اللوفر الإماراتي في أبو ظبي في عام 2017 خريطة توضح ان منطقة مسندام في عمان على أنها جزء من أراضي دولة الإمارات (الخريطة التي تم حذف اسم قطر منها بالكامل).
حزمة هيثم المقترحة للإنقاذ الاقتصادي
دفع تعرض دور الوساطة للتهديد، السلطان الحالي هيثم بن طارق إلى الموافقة مؤخرًا على خطة توازن مالي متوسطة المدى لتحقيق الاستقرار المالي للبلاد في أعقاب أزمة فيروس كورونا واستنفاد أسعار النفط المنخفضة في خزائن الحكومة.
حيث أعلنت مسقط منذ فترة طويلة ان هدف الإصلاح الاقتصادي هو تنويع مصادر دخلها وتنفيذ إصلاحات في حالات حساسة مثل الضرائب والإعانات، لكن هذه الخطط تأجلت في عهد السلطان الراحل قابوس الذي توفي في شهر يناير. وتتفهم النخبة السياسية العمانية هذا الالتزام بطريقة حتى أن البعض يحلل خيار انتخاب هيثم لحل الأزمة الاقتصادية، حيث شغل هيثم منصب رئيس لجنة برنامج إصلاح رؤية عمان لعام 2040 منذ شهر ديسمبر عام 2013. والآن، نقلت وسائل الإعلام الرسمية العمانية عن ايعازات السلطان هيثم بالموافقة على خطة مالية مدتها أربع سنوات تبدأ من عام 2020 إلى عام 2024، والتي تشمل زيادة الإيرادات غير النفطية.
ووفق قسم آخر من هذه الخطة، يخطط هيثم أيضًا لبناء نظام وطني متكامل للحماية الاجتماعية لذوي الدخل المحدود المتأثرين بجهود الحكومة لخفض الإنفاق العام. بالإضافة إلى ذلك، أمر سلطان عمان الجديد بتنفيذ مشاريع تنموية بقيمة 371 مليون ريال عماني أي ما يعادل (964 مليون دولار) في كل أنحاء البلاد. كما خفضت عمان الإنفاق الحكومي وتخطط لإصدار المزيد من السندات المقومة بالدولار، ورفع ضريبة القيمة المضافة بنسبة تصل إلى 5في المئة اعتباراً من العام المقبل.
وفي أوائل شهر أيار\ مايو 2020، طلبت وزارة المالية العمانية من الشركات الحكومية استبدال العمال الوافدين بعمالة محلية للحد من البطالة. كما سيتم إنفاق مبلغ 1.3 مليار ريال عماني من قبل مختلف المؤسسات الحكومية على مشاريع البنية التحتية. ووفق وثيقة ميزانية وزارة المالية، سيتم دفع 7 مليارات ريال مقابل المشاريع الخدمية والصناعية. وإضافة إلى ذلك، سيتم تخصيص مبلغ وقدره 1.3 مليار ريال عماني لإنتاج النفط والغاز. حيث ستساعد هذه المشاريع في النهاية على خلق المزيد من فرص العمل.
كما أطلقت الحكومة مشاريع استثمارية مشتركة مع شركاء دوليين لتعويض عائدات النفط. ففي شهر ديسمبر عام 2019، أفادت بلومبرج أن عُمان باعت 49 في المئة من أسهمها في شركة نقل الطاقة كجزء من مشروع الحزام وطريق بكين إلى شركة تطوير الشبكة الدولية التابعة للحكومة الصينية. وفي أوائل عام 2019، اشترت شركة النفط الحكومية الماليزية، بتروليوم ناسيونال برهاد 10في المئة من أسهم بلوك 61 من حقل الخازان الجاف للغاز.
وبعد هذه الإجراءات، تنتظر الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية لمعرفة ما إذا كان سلطان عمان الجديد سينجح في الحفاظ على الموقف المحايد والتوسط في السياسة الخارجية أم لا؟
للإجابة على هذا السؤال، يمكن القول إنه على الرغم من الإجراءات الاقتصادية المتخذة لتقليل الاعتماد على النفط، فإن مسقط ستظل تسعى للحصول على مساعدات خارجية، حتى يضطر سلطان عمان الجديد إلى النظر إلى التطبيع على أنه حل اقتصادي للأزمة. حيث إن الإمارات هي ثاني أكبر شريك اقتصادي لسلطنة عمان بحصة تبلغ 34في المئة من التجارة الخارجية للبلاد. الامر الذي سيكون أكثر تذكيرًا بتجربة السودان في التحرك نحو التطبيع، بدلاً من تحقيق سياسة الوساطة التاريخية في عمان.