• اخر تحديث : 2024-11-23 11:50
news-details
تقدير موقف

هل نجحت الصين في تعميق نفوذها في أمريكا الوسطى؟


أجرت رئيسة هندوراس، زيومارا كاسترو، في 9 يونيو 2023، زيارة إلى الصين، لمدة ستة أيام، بدعوة من نظيرها الصيني، شي جين بينغ. وتُعد تلك الزيارة الأولى لكاسترو إلى بكين، وشهدت عقد لقاء قمة بين قائدي البلدين، جرى خلاله مناقشة وضع خارطة طريق لتحديد مستقبل تطور العلاقات بين الصين وهندوراس، خلال المرحلة المقبلة.

دوافع سياسية واقتصادية:

جاءت زيارة زيومارا، تتويجاً لسلسلة من الخطوات السريعة التي شهدتها العلاقات بين البلدين، لتحقيق عدة أهداف، يتمثل أبرزها في الآتي:

1- إقامة علاقات دبلوماسية: دشّنت الصين، في 5 يونيو 2023، سفارتها في هندوراس بعدما أعلن البلدان تأسيس علاقات دبلوماسية متبادلة على مستوى السفراء، في 26 مارس 2023، إثر سحب تيغوسيغالبا اعترافها بتايوان، وقطع علاقاتها الدبلوماسية معها، وإغلاق السفارة هناك.

وأكد وزير خارجية هندوراس، إنريكي رينا، بعد افتتاح سفارة بلاده في بكين، أن "العلاقات بين هندوراس والصين بدأت لتوها ونحن نشهد بالفعل صداقة وتضامناً". ومن هنا، فإن زيارة رئيسة هندوراس تُعد تدشيناً لمرحلة جديدة في تعزيز علاقات البلدين.

2- تنمية التعاون الاقتصادي: تمثل أحد الأهداف الرئيسية للزيارة في العمل على تفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري بين الجانبين، وهو ما دللت عليه العديد من الفعاليات خلال الزيارة، إذ حرصت زيومارا على أن تبدأ زيارتها للصين انطلاقاً من مدينة شنغهاي، المركز المالي والاقتصادي المهم، حيث زارت مقر بنك التنمية الجديد التابع لتكتل "البريكس"، والتقت مع رئيسة البنك، ديلما روسيف، وقدمت طلباً رسمياً للانضمام إلى عضويته، وهو ما يشير إلى وجود رغبة لدى هندوراس في تفعيل التعاون مع الصين من خلال المنصات متعددة الأطراف، وخاصة الآليات التابعة لتكتل "البريكس"، بهدف تطوير اقتصادها، عبر جذب المزيد من التمويلات والاستثمارات إليها.

كما شهدت الزيارة أيضاً، انعقاد اجتماع الأعمال رفيع المستوى بين الصين وهندوراس، في 11 يونيو 2023، بمشاركة نحو 200 مندوب من مجالي السياسة والأعمال التجارية من البلدين، في مؤشر على حرص البلدين على تنمية التعاون الاقتصادي بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.

أبعاد الزيارة:

حققت زيارة زيومارا لبكين توافقاً كبيراً في رؤى ووجهات نظر البلدين بشأن القضايا السياسية والاقتصادية، ويمكن توضيح أبرز هذه التوافقات على النحو التالي:

1- اتفاق للتجارة الحرة: أعلن الرئيس شي، خلال اجتماعه مع نظيرته زيومارا، عن حزمة من الإجراءات والخطوات التي تعتزم بلاده اتخاذها لتفعيل التعاون الاقتصادي والتجاري مع هندوراس، حيث صرّح بأن الصين على استعداد لبدء محادثات حول اتفاقية تجارة حرة مع تيغوسيغالبا "في أقرب وقت ممكن"، مشيراً إلى اعتزام بكين أيضاً تشجيع منتجات هندوراس على دخول السوق الصينية.

وكذلك، أشار البيان المشترك إلى أن الصين ستشجع شركاتها على المشاركة في مشاريع هندوراس في مجالات الطاقة والبنية التحتية والاتصالات السلكية واللاسلكية. كما ستقوم هندوراس باستخدام منصات مثل معرض الصين الدولي للاستيراد في شنغهاي لتعزيز صادراتها إلى السوق الصينية.

وتعهدت الصين وهندوراس بتشكيل شراكة تتميز بالاحترام المتبادل، والمساواة، والفوائد المتبادلة والتنمية المشتركة، حيث شهدت الزيارة التوقيع على العديد من اتفاقيات ومذكرات ووثائق التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائية، والتي شملت عدة مجالات، منها: فحص الجودة، والقضايا الاقتصادية والتجارية، والزراعة، والعلوم والتكنولوجيا، والثقافة والتعليم.

2- الانضمام لمبادرة الحزام والطريق: تتمثل أهم وثيقة تم التوقيع عليها خلال الزيارة في انضمام هندوراس إلى مبادرة الحزام والطريق. وجاءت هذه الخطوة بعد أقل من ثلاثة أشهر على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الأمر الذي يعكس حرصهما على تسريع خطوات التعاون الاقتصادي والتجاري بينهما.

ومن المتوقع أن ينعكس التعاون مع الصين في إطار مبادرة الحزام والطريق بشكل إيجابي على هندوراس ودول أمريكا اللاتينية الأخرى، فضلاً عن مساعدة هندوراس على تلبية احتياجاتها التنموية في العديد من المجالات، ومنها البنية التحتية والقدرة الصناعية. علاوة على تسريع التعاون مع الصين في مجال البنية التحتية، بما في ذلك مشاريع الطرق والموانئ والمطارات وشبكات الاتصالات السلكية واللاسلكية.

ويلاحظ أنه بانضمام هندوراس إلى مبادرة الحزام والطريق، يصل عدد دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي التي وقعت وثائق تعاون مع الصين للبناء المشترك لمبادرة الحزام والطريق إلى 21 دولة. وبموجب هذه المبادرة، أدت الصين دوراً رئيسياً في مساعدة بناء البنية التحتية في المنطقة، وحققت التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمنطقة زخماً جديداً في العلاقات بين الصين وأمريكا اللاتينية.

مكاسب صينية جيوسياسية:

كشفت زيارة رئيسة هندوراس للصين عن تحقيق الأخيرة مجموعة من المكاسب الجيوسياسية، يمكن توضيح أهمها في النقاط التالية:

1- تكريس نفوذ الصين في أمريكا الوسطى: تؤشر الزيارة إلى سعي بكين إلى تعزيز وجودها ودورها السياسي والاقتصادي في منطقة أمريكا الوسطى، وذلك بالنظر إلى أن هندوراس تُعد إحدى الدول المهمة في المنطقة التي يُطلق عليها "الفناء الخلفي" للولايات المتحدة الأمريكية، والتي تُعد منطقة نفوذ تقليدي لها، حيث يمكن أن تعمل هندوراس كحلقة وصل بين دول المنطقة والصين، وهو ما قد تستغله الأخيرة لتوسيع نفوذها هناك.

وسيترتب على ذلك الأمر مكاسب عدّة لبكين، ومن بينها ضمان الكتلة التصويتية لهذه الدول أمام المحافل الدولية، وخاصة في منظمة الدول الأمريكية ومجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة. ومما يعزز هذا الاتجاه، وصول إجمالي حجم التجارة بين الصين وأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي إلى مستوى قياسي بلغ 485.79 مليار دولار في عام 2022.

2- زيادة العزلة الدولية لتايوان: يعكس قرار هندوراس بقطع علاقاتها مع تايوان، وإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين، نجاحاً كبيراً لجهود الأخيرة لتعميق العزلة المفروضة على تايبيه من جانب المجتمع الدولي، والذي يعترف غالبيته، أي نحو 182 دولة، بمبدأ "صين واحدة"، في الوقت الذي لم تعد تعترف بتايوان وتقيم علاقات دبلوماسية معها سوى 13 دولة فقط، غالبيتها من الدول النامية والصغيرة في أمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. وتشير تقديرات إلى أن قيام الصين بإنشاء العلاقات مع هندوراس يُمثل خطوة لإقصاء تايوان دبلوماسياً من أمريكا الوسطى، حيث لم يتبق لها سوى حليفين فقط في المنطقة، وهما: بليز وغواتيمالا.

وجدير بالذكر أنه خلال الأعوام القليلة الماضية قامت عدد من دول أمريكا اللاتينية بتغيير مواقفها وتحولت إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين بعد قطع علاقاتها مع تايبيه. ومن هنا، يتوقع أن يستمر تراجع حلفاء تايبيه حول العالم، وذلك على الرغم من الدعم الأمريكي للأخيرة.

3- الإجماع الدولي تجاه مبدأ الصين الواحدة: شهدت المحادثات التي جرت بين الرئيس شي ونظيرته زيومارا، تأكيد إنشاء العلاقات بين الجانبين على أساس مبدأ الصين الواحدة، واعتباره المرتكز السياسي لتعزيز العلاقات الثنائية بينهما. كما أكدت زيومارا دعم بلادها القوي والتزامها بمبدأ "صين واحدة"، وهو ما يعني تسليمها بأحقية الصين في ضم تايوان إليها.

وفي التقدير، يمكن القول إن الصين تعمل بدأب على تعزيز دورها ومكانتها الدولية في العديد من مناطق العالم، ومنها أمريكا الوسطى واللاتينية والبحر الكاريبي، وذلك في ضوء الزيارة الأخيرة لرئيسة هندوراس لبكين، والتي عمقت نفوذ ودور الصين في منطقة أمريكا الوسطى، بنجاحها في فرض مزيد من العزلة الدبلوماسية على تايوان في هذه المنطقة، وفشل واشنطن، الداعم الرئيسي لتايوان، في منع بكين من إحكام الخناق على تايوان في فنائها الخلفي، وهو ما يتوقع معه تزايد العزلة الدولية لتايبيه، وهو الأمر الذي ستقابله واشنطن بمزيد من الدعم العسكري لتايوان، لتعويض إخفاقها في منع عزلها دبلوماسياً، وكذلك مواجهة تصاعد دور ونفوذ الصين في إحدى مناطق النفوذ التقليدي لها، وهي أمريكا الوسطى، وهو ما قد ينذر بتصاعد الصراع بين الجانبين في هذه المنطقة الحيوية لواشنطن.