• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42

أجرى الرئيس الجزائري “عبد المجيد تبون” زيارة إلى روسيا، في الفترة من 13 يونيو إلى 17 يونيو 2023، بدعوة من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، بهدف مناقشة سبل تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين. وتكتسب هذه الزيارة أهمية من كونها تأتي بعد تأجيلها أكثر من مرة منذ الإعلان عنها في مايو 2020 بسبب جائحة كوفيد-19، إضافةً إلى أنها شهدت توقيع الطرفين على اتفاقيات وإعلان نوايا بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية، كما أن الزيارة تأتي في إطار سياق عالمي يتسم بالمزيد من الاضطراب والترقب نتيجة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية؛ ما قد يضع الجزائر في مرمى الضغوط الأمريكية والغربية الساعية لعرقلة تطور العلاقات الروسية الجزائرية خلال المرحلة المقبلة.

مؤشرات التقارب

تشير عدد من المؤشرات إلى حجم التقارب بين الجزائر وموسكو على أكثر من صعيد، ويمكن الإشارة إلى أبرز مؤشرات التقارب بينهما على النحو التالي:

1.  تطور العلاقات السياسية والدبلوماسية: وهو التطور الذي يتجلى في إعلان الجزائر في مايو 2023 إعداد وثيقة جديدة حول الشراكة الاستراتيجية لتعزيز التعاون بين البلدين في مختلف المجالات التي لم تتضمنها الوثيقة الأولى التي وقَّعها الطرفان في عام 2001. واتسم خطاب مسؤولي البلدين حول مستوى العلاقات السياسية بالإيجابية خلال الفترة الماضية؛ فقد أشار رمطان لعمامرة وزير الخارجية الجزائري السابق، في نوفمبر 2022 إلى أن البلدين يمتلكان برنامج تعاون طويل الأمد، ويعكس الشراكة المهمة بينهما.

كما تُعبِّر اللقاءات الرسمية بين الجانبين عن تطور العلاقات السياسية بينهما، مثل الاتصال الهاتفي الذي أُجري بين تبون وبوتين في يناير 2023 لمناقشة تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ولقاء سيرجي لافروف وزير الخارجية الروسي، مع نظيره الجزائري السابق رمطان لعمامرة، في سبتمبر 2022 على هامش أعمال الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، بجانب زيارة لافروف إلى الجزائر في مايو 2022 بهدف مناقشة سبل تطوير العلاقات الروسية الجزائرية.

2. تجنب انتقاد التدخل الروسي في أوكرانيا: يكشف موقف الجزائر في الأمم المتحدة تجاه الحرب الأوكرانية عن التقارب الواضح مع روسيا؛ حيث امتنعت الأولى منذ بداية اندلاع الحرب عن التصويت في خمس جلسات للجمعية العامة بالأمم المتحدة على قرارات تتعلق بإدانة الجانب الروسي بسبب حربها على كييف، وهو ما اعتبره الغرب دعماً سياسيّاً ودبلوماسيّاً من الجانب الجزائري لموسكو في هذا الملف.

3. شراكة اقتصادية قوية: تنظر روسيا إلى الجزائر على أنها واحدة من أكبر ثلاثة شركاء اقتصاديين لها في قارة أفريقيا؛ حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 3 مليارات دولار وفقاً لبيانات عام 2021، وبلغت الصادرات الروسية للجزائر نحو 1.48 مليار دولار، في حين بلغ حجم الصادرات الجزائرية لموسكو نحو 17.3 مليون دولار، في حين كشفت موسكو في يونيو الجاري عن مباحثات مع الجزائر لتطوير آلية تحويل الأموال بين البلدين وربطها بنظام بنك روسيا.

وعلى صعيد متصل، يعزز الطرفان تنسيقهما في إطار منتدى الدول المصدرة للغاز، وكذلك في اجتماعات الدول المصدرة للنفط “أوبك+”؛ حيث أعلنت الجزائر مؤخراً تبني موقف روسيا بشأن رفض تحديد أوروبا سقف أسعار الغاز، واعتبرت إجراءات الاتحاد الأوروبي أحادية الجانب؛ ما يعكس التوافق الروسي الجزائري في ملف السوق العالمية للنفط.

4. تعاون عسكري متنامٍ: وهو التعاون الذي يمثل أحد أعمدة العلاقات الثنائية بين البلدين؛ إذ يتجلى تعزيز التعاون العسكري بينهما في إجراء مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الروسية والجزائرية في نوفمبر 2022 بقاعدة “حماقير” الجزائرية بهدف مكافحة الإرهاب في المنطقة، بالرغم من نفي وزارة الدفاع الجزائرية إجراء هذه المناورات، بينما أكد لافروف – خلال حوار له في فبراير 2023 – إجراءها في منطقة “بشار” الجزائرية، كما استضافت الجزائر في أكتوبر 2022 قوات من البحرية الروسية لإجراء مناورات بحرية مشتركة.

فيما كشف اللقاء الذي جرى في فبراير 2023 بين الفريق الأول السعيد شنقريحة رئيس أركان الجيش الجزائري، ونيكولاي باتروشيف الأمين العام لمجلس الأمن الروسي، عن رغبة البلدين في تعزيز التعاون العسكري بينهما.

وتُعَد روسيا من أبرز مورِّدي الأسلحة إلى الجزائر؛ حيث أشار تقرير لمعهد ستوكهولم للأبحاث حول السلام SIPRI الصادر في مارس 2023 إلى أن الجزائر تعتبر ثالث أكبر مستورد عالمي للسلاح الروسي بعد كل من الهند والصين، وتُعَد موسكو هي أول ممول للجيش الجزائري بالأسلحة والأنظمة العسكرية بنسبة تتجاوز 50% من إجمالي حجم التسليح الجزائري. وتشير تقارير إلى أن الجزائر قد حصلت منذ عام 2002 على ما يقرب من 76% من وارداتها التسليحية من روسيا.

دوافع الزيارة

يمكن الإشارة إلى أبرز دوافع زيارة الرئيس تبون إلى موسكو على النحو التالي:

1. تأكيد الشراكة الاستراتيجية الشاملة: تزايد الحديث قبل بداية زيارة الرئيس الجزائري إلى روسيا عن سعي الدولتين إلى توقيع وثيقة التعاون الاستراتيجي باعتبارها نقلة نوعية للعلاقات بين البلدين، خاصةً أنها تفتح آفاقاً جديدة للتعاون السياسي والاقتصادي والعسكري، وما سيتم التوصل إليه من اتفاقات بين الجانبين خلال الفترة المقبلة.

وفي هذا الصدد، أبرم الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره الجزائري “عبد المجيد تبون”، يوم 15 يونيو الجاري، اتفاقيات عدة خلال لقائهما في موسكو، بهدف تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الدولتين. ووفق بيان للكرملين، وقع الرئيسان سلسلة اتفاقيات وإعلان نوايا بشأن تعميق الشراكة الاستراتيجية.

2. تفعيل الدبلوماسية الاقتصادية: يسعى تبون إلى تحقيق تعاون أكبر مع موسكو في مجال النفط والطاقة وتكنولوجيا التنقيب عن الغاز والاستفادة من الخبرة الروسية في مجال الأمن السيبراني وزراعة الحبوب وسوق السياحة وجلب السياح الروس إلى الجزائر، بالإضافة إلى الاستفادة من الخبرات الروسية في مجال الاستثمار الصناعي؛ من أجل استغلال منجم الحديد في غار جبيلات جنوب غرب الجزائر؛ حيث تمتلك روسيا القدرات التكنولوجية التي تفصل خام الحديد عن الفوسفور الموجود بنسبة عالية في المنجم.

3. تسهيل صفقة شراء أسلحة روسية جديدة: وهو من أبرز ملفات زيارة الرئيس تبون إلى موسكو؛ فمن المقرر – بحسب تقارير – توقيع صفقة تسليحية بين البلدين بقيمة تتراوح بين 12 و17 مليار دولار، وهو ما يسهم في إنعاش الخزينة الروسية المتضررة من استمرار الحرب الأوكرانية، خاصةً بعدما أعلن الجيش الجزائري عن أضخم ميزانية عسكرية في البلاد قُدِّرت بنحو 23 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستفيد منها موسكو التي تعتمد عليها الجزائر في تسليحها بشكل كبير. وبالرغم من أنه لم يتم الإعلان صراحةً عن توقيع هذه الصفقة، ذكر بيان الكرملين، يوم 15 يونيو الجاري، أن روسيا والجزائر تعتزمان بصورة خاصة تعزيز تعاونهما على المستوى العسكري.

4. الانضمام إلى تجمع بريكس: تسعى الجزائر إلى ضمان الحصول على الدعم الروسي من أجل الانضمام إلى تجمع بريكس BRICS باعتبار أن ذلك يمثل إحدى أولويات الرئاسة الجزائرية في الفترة الأخيرة، بعدما أعلنت نيتها الانضمام إليها في نوفمبر 2022، لا سيما أن موسكو قد أبدت دعمها سابقاً لانضمام الجزائر إلى التكتل، وهو ما يمثل ورقة مهمة للجزائر الساعية إلى تعزيز آفاق تعاونها الاقتصادي وتفعيل شراكات اقتصادية مع دول بريكس بما يتيح لها تنويع اقتصادها الذي يعتمد بشكل أساسي وكبير على إيرادات النفط خلال السنوات الماضية.

5. التقارب مع محور الشرق: قد تعكس زيارة الرئيس تبون إلى موسكو رغبته في فك الارتباط بشكل جزئي مع الغرب لحساب محور موسكو-بكين، وهو ما تجلى في مواقف الجزائر الرافضة لتوجهات الغرب الاستراتيجية خلال السنوات الأخيرة، فقد عارضت التدخل الغربي في مالي وليبيا والساحل، إضافةً إلى رفضها إدانة الحرب الروسية على أوكرانيا. وربما يرجع ذلك إلى شعور الجزائر بالقلق تجاه النفوذ الغربي في مجالها الحيوي بالمنطقة، خاصةً في ضوء المساعي الجزائرية لتعزيز نفوذها الإقليمي في أفريقيا؛ ما يدفعها إلى اللعب على المتناقضات الدولية بين الغرب وموسكو بهدف تحقيق أكبر قدر من المكاسب في ظل التوتر الحالي على الساحة الدولية بسبب أزمة أوكرانيا.

6. دعم موقف الجزائر في ملف الصحراء: تحاول الجزائر إقناع موسكو بتبني ودعم الرواية الجزائرية فيما يتعلق بملف الصحراء المغربية، والدفع نحو فتح نقاش واسع في الأمم المتحدة حول تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء حول تقرير المصير، بينما تتبنى موسكو موقفاً متوازناً تجاه هذه القضية بين المغرب والجزائر بهدف الحفاظ على مصالحها الاستراتيجية مع الطرفين.

وفي هذا الصدد، صرح الرئيس الجزائري “تبون” عقب لقائه الرئيس الروسي، يوم 15 يونيو الجاري، بأنه أجرى “محادثات مثمرة وصريحة مع الرئيس الروسي”، بحثا خلالها العلاقات الثنائية والقضايا الإقليمية التي تهم البلدين، وأضاف أن هناك توافقاً في الرؤى بين البلدين في قضية الصحراء والوضع في منطقة الساحل.

تداعيات محتملة

قد تحمل زيارة تبون إلى روسيا جملة من التداعيات المحتملة على مستوى الطرفين، ويتمثل أبرز تلك التداعيات فيما يلي:

1. تزايد الضغوط الدولية على الجزائر: من المحتمل أن يمارس الغرب والولايات المتحدة المزيد من الضغوط على الجزائر لعرقلة تطوير تقاربها مع روسيا، في ضوء اعتقاد الغرب أن تلك الزيارة تهدف إلى دعم روسيا في فك عزلتها الدولية، وأن عقد الصفقات التسليحية بين الطرفين تصب في صالح تدفق الأموال إلى موسكو؛ ما يمكنها من دعم حربها في أوكرانيا، وربما يتطور الأمر إلى تزايد الدعوات لفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها المتنامية مع روسيا، لا سيما أن هناك 27 نائباً بالكونجرس الأمريكي قد طالبوا أنتوني بلينكن وزير الخارجية الأمريكي، في سبتمبر 2022 بفرض عقوبات على الجزائر بسبب علاقاتها القوية مع موسكو وفقاً لقانون مكافحة أعداء أمريكا CAATSA الذي أقره الكونجرس الأمريكي في عام 2017.

2. الاستفادة المتبادلة على الصعيد الدولي: قد تحرص روسيا على الدعم الجزائري لها في المحافل الدولية فيما يتعلق بالدفاع عن قضاياها، لا سيما الأزمة الأوكرانية، أو على الأقل عدم انحيازها إلى الغرب، خاصةً أن الجزائر ستكون عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي بدءاً من يناير 2024 لمدة عامين. في المقابل، ستسعى الجزائر إلى ضمان الدعم الروسي لها بهدف تسهيل حصولها على عضوية تجمع بريكس قبل نهاية العام الجاري، وربما تسعى الجزائر أيضاً إلى إقناع موسكو بتحويل موقفها المحايد تجاه ملف الصحراء الغربية لصالحها خلال الفترة المقبلة.

3. تعزيز النفوذ الروسي في منطقة الساحل: قد تسعى موسكو إلى توظيف الجزائر بوابةً تُعزِّز من خلالها حضورها في العمق الأفريقي؛ وذلك من خلال التنسيق معها في منطقة الساحل والصحراء للحصول على دعمها السياسي وربما اللوجستي بهدف مواجهة النفوذ الغربي والفرنسي هناك؛ وذلك بالرغم من تحذير الحكومة الجزائرية لمالي من انتشار قوات فاجنر الروسية الأمنية في البلاد، في ضوء قلقها من تنامي التهديدات الأمنية عند حدودها الجنوبية.

4. كسر موسكو حالة العزلة الدولية: قد توظف موسكو زيارة تبون الأخيرة لإرسال رسالة إلى الغرب وواشنطن مفادها أنها لا تزال قادرة على تعزيز حضورها وتنويع علاقاتها مع الشركاء الدوليين، وأن العقوبات الغربية والأمريكية لن تثنيها عن تعزيز تحركاتها في المناطق الاستراتيجية، لا سيما أفريقيا.

5. تصاعد التنافس الدولي في شمال أفريقيا: من المحتمل أن يدفع التقارب الروسي الجزائري العديد من القوى الدولية الفاعلة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والاتحاد الأوروبي، إلى مزاحمة الروس في هذه المنطقة التي تتمتع بأهمية جيوسياسية؛ وذلك في ضوء المخاوف من تصاعد النفوذ الروسي هناك، الذي ربما يشكل تهديداً للأمن الأوروبي إذا استطاعت موسكو امتلاك بعض الملفات الساخنة التي تمثل أوراق ضغط استراتيجية، مثل ملفي الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وبخاصة في منطقتي الساحل وغرب أفريقيا.

6. تزايد التوتر الإقليمي في المغرب العربي: وبخاصة بين الجزائر والمغرب في ضوء تزايد التنافس الإقليمي بينهما، والتوترات المتصاعدة فيما يتعلق بملف الصحراء، وربما تدفع الخطوة الجزائرية نحو تفاقم سباق التسلح بين البلدين في الفترة المقبلة، لا سيما أن الجزائر قد ضاعفت ميزانيتها العسكرية لتصل إلى 23 مليار دولار، ويحتمل أن تحصل على صفقة تسليحية ضخمة من الروس، في حين تشير تقارير إلى توجه الرباط إلى زيادة الميزانية العسكرية للجيش المغربي التي تبلغ 4.8 مليار دولار تقريباً، وهو ما يعزز حالة الاستقطاب الإقليمي في المغرب العربي، واستمرار التوترات بين الجانبين؛ ما يجعل الحديث عن الاستقرار مستبعداً في المدى المتوسط.

ختاماً، فإنه في الوقت الذي يتجه فيه المجتمع الدولي إلى معاقبة روسيا بسبب حربها على أوكرانيا، تتجه الجزائر إلى تعميق علاقاتها مع موسكو؛ ما قد يدفعها إلى الدخول في دائرة استقطاب دولي وإقليمي حاد نتيجة إدراك الغرب وواشنطن مدى الارتباط القوي بين الجزائر وموسكو خلال الفترة الأخيرة، والاعتقاد بتخلي الحكومة الجزائرية عن موقف الحياد تجاه الأزمة الأوكرانية؛ الأمر الذي ربما يُعرِّضها للمزيد من المتاعب والضغوط الدولية لإعادة النظر في موقفها من التقارب مع موسكو خلال الفترة المقبلة.