• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
تقدير موقف

ما دلالات استراتيجية الأمن القومي الجديدة لكوريا الجنوبية؟


أعلنت كوريا الجنوبية، في يوم 7 يونيو الجاري، عن استراتيجية الأمن القومي لإدارة الرئيس الكوري الجنوبي “يون سوك يول” بعنوان “دولة محورية عالمية من أجل الحرية والسلام والازدهار”، التي تُقدِّم أساس السياسة الخارجية والاستراتيجية الأمنية لحكومته. وترتكز الاستراتيجية على التزام الحكومة بتحويل كوريا الجنوبية إلى “دولة محورية عالمية”، كما أنها تُعالِج المخاوف الأمنية الناشئة، بما في ذلك المنافَسة الاستراتيجية المكثفة بين الولايات المتحدة والصين، والمخاوف المتعلقة بالتجارب النووية لكوريا الشمالية، بجانب التهديدات المتعقلة بتعطل سلاسل الإمداد، والتغيرات المناخية. وبالإضافة إلى ذلك، تهدف سيول إلى تعزيز قدراتها العسكرية بدعم من التقدم التكنولوجي الذي تتمتع به، ولا سيما تعزيز السلام المستدام، وضمان الحرية والازدهار؛ ليس فقط في شبه الجزيرة الكورية، بل أيضاً في شرق آسيا.

مضمون الاستراتيجية

ترتكز استراتيجية الأمن القومي لكوريا الجنوبية على عدة اعتبارات رئيسية تقع ضمن أولويات السياسة الخارجية لسيول خلال فترة الرئيس “يون”، ويمكن إيجاز أبرزها على النحو التالي:

1تعزيز التعاون المتعدد الأطراف: في ضوء ما يواجهه العالم اليوم من تحديات أمنية ناشئة في مجالات مختلفة، مثل تغير المناخ والبيئة والصحة العامة، فإن سيول تسعى إلى تكثيف التعاون المتعدد الأطراف لمعالجة هذه القضايا العالمية، التي سبق أن قد أعاقته المنافسات الاستراتيجية والانقسامات الأيديولوجية بين الدول الكبرى؛ وذلك من خلال تعزيز القيادة الكورية للدبلوماسية المتعددة الأطراف لدعم نظام دولي قائم على القواعد، فضلاً عن تكثيف المشاركة في مجالات التعاون الدولي لمواجهة تلك القضايا، ومتابعة التعاون الإنمائي الدولي المتقدم، وتعزيز الرأي العام الدولي.

2إنشاء نظام للأمن الاقتصادي العالمي: يشهد العالم العديد من القضايا الاقتصادية التي لها تأثير كبير على الأمن القومي العالمي، وباعتبار أن كوريا الجنوبية اقتصاد مفتوح، ويتميز بدرجة عالية من الاعتماد الخارجي؛ فإنه مُعرَّض للتغيرات الخارجية. على سبيل المثال، تُسبِّب جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية في تعطيل سلاسل التوريد العالمية؛ ما أدى إلى تأثير سلبي كبير على الاقتصاد الكوري والحياة اليومية للمواطن الكوري، بما في ذلك نقص المواد الحيوية والتضخُّم. وفي هذا الصدد، تؤكد الاستراتيجية الكورية النهوض بدبلوماسية الأمن الاقتصادي بطريقة استباقية أكثر وضوحاً من أي وقت مضى للتخفيف من حالة عدم اليقين الاقتصادي، وتعزيز الاستجابة والمرونة للمخاطر الخارجية، وخلق فرص لتحقيق قفزة اقتصادية إلى الأمام.

3مواجهة تهديدات كوريا الشمالية المتزايدة: تُحدِّد استراتيجية الأمن القومي الجديدة صراحةً كوريا الشمالية على أنها عدو يسعى إلى “توظيف آليات التخريب” على الرغم من تعرضها لصعوبات اقتصادية شديدة؛ حيث تنص الاستراتيجية على أن التحدي الأمني الأكثر إلحاحاً هو استمرار كوريا الشمالية في تطوير قدراتها النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، في إشارةٍ إلى تركيز بيونج يانج على نشر الأسلحة النووية التكتيكية التي تمكنها من تنفيذ ضربات نووية فائقة الدقة. وردّاً على ذلك، تُرجِّح الاستراتيجية ضرورة قيام سيول ببناء جيش قوي لجعل بيونج يانج تدرك أن هناك تضحيات أكثر من الفوائد التي من الممكن أن تُحقِّقها حال إقدامها على مهاجمة جارتها الجنوبية، وتنص الوثيقة أيضاً على “أهمية تثقيف الجنود بأن النظام الكوري الشمالي وجيشه هم أعداؤنا”.

بيد أن الاستراتيجية الجديدة تُكرِّر أيضاً عرض إدارة يون المساعدة الاقتصادية لجارتها الشمالية، إذا اتخذت الأخيرة خطوات لنزع السلاح النووي؛ وذلك في ضوء مواجهتها أسوأ أزمة اقتصادية لها منذ صعود كيم جونج أون إلى السلطة، وهي الأزمة التي سبَّبت بدورها نقصاً مزمناً في الغذاء، وتفاقم أزمة الصحة العامة، بجانب التدهور المطرد في الظروف المعيشية لسكان كوريا الشمالية.

4الارتكاز على الولايات المتحدة: تهدف الاستراتيجية إلى تعزيز الموقف الدفاعي المشترك بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة بصفته تحالفاً تقليديّاً؛ إذ تعمل الدولتان على توسيع نطاق تعاونهما بموجب معاهدة الدفاع المتبادل بين كوريا والولايات المتحدة، ليشمل مجالات الفضاء والإنترنت؛ بهدف الاستفادة من قدرات الردع الأمريكية، بجانب تعزيز التعاون بين البلدين في مجال الأمن الاقتصادي والتكنولوجيا المتقدمة، مثل الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الكم، والتكنولوجيا الحيوية، والفضاء، والطاقة النووية، والطاقة المتجددة، والحلول البيئية، والرعاية الصحية.

5علاقة أكثر حزماً مع الصين: تشير استراتيجية الأمن القومي إلى أن نهج كوريا الجنوبية الجديد تُجاه الصين سيتخذ مساراً أكثر حزماً؛ وذلك نتيجةً للانحياز الصيني المتزايد مع روسيا وكوريا الشمالية، وهو ما سيُضعِف بدوره من إمكانية معالجة قضايا الأمن الإقليمي؛ ولذلك اتخذت إدارة يون موقفاً علنيّاً، في مايو الماضي، يقوم على الاعتماد على الردع الأمريكي الموسع، حتى لو كان هذا الموقف سيتسبب في استياء صيني من سيول، بيد أن بكين لا تساهم في فرض العقوبات الأممية المفروضة على بيونج يانج، وهو ما يهدد بدوره من حالة الاستقرار في شبه الجزيرة الكورية.

6الإبقاء على العلاقات مع روسيا: تُدين الاستراتيجية بشكل واضح العملية العسكرية الروسية الشاملة في أوكرانيا، وتتعهَّد بمواصلة مشاركة سيول في العقوبات ضد روسيا، وتقديم مساعدات إنسانية لأوكرانيا، لكنها تعلن في الوقت ذاته أن كوريا الجنوبية ستحافظ على علاقات ثنائية مستقرة مع روسيا بشأن القضايا الرئيسية التي تربط بينهما، فضلاً عن العمل على تقليل الخسائر التي يتكبَّدها الاقتصاد الكوري نتيجة العقوبات المفروضة على موسكو وشركاتها العاملة في كوريا الجنوبية؛ وذلك على خلفية استخدام روسيا موارد الطاقة كأسلحة؛ ما أدى إلى ارتفاع أسعار النفط العالمية، وهو ما أثر سلباً على تكاليف الأنشطة الصناعية الكورية.

7دفع العلاقات المشتركة مع اليابان: إدراكاً للعلاقة المتدهورة بين كوريا الجنوبية واليابان، تسلط استراتيجية الأمن القومي الضوء على الحاجة الملحة لتحويل هذه الديناميكية المتوترة إلى شراكة تعاونية؛ إذ أضحى التعاون الأمني ​​الثلاثي بين كوريا الجنوبية والولايات المتحدة واليابان مهمّاً بشكل متزايد في مواجهة التهديدات النووية والصاروخية لكوريا الشمالية بشكل فعَّال.

وعلى الرغم من أن استراتيجية يون تشير بشكل سريع إلى الخلافات التاريخية التي أدت إلى توتر العلاقات بين سيول وطوكيو، فإنها تنتقل على الفور إلى التركيز على المشهد الأمني المُلحِّ الذي يربط بينهما؛ فوفقاً للوثيقة، فإن تعقد البيئة الأمنية الإقليمية الحالية ضاعف من ضرورة كلا البلدين للتصدي بشكل مشترك للمخاوف الأمنية الإقليمية. علاوةً على ذلك، تقترح الوثيقة أن هذا التعاون المعزز سوف يستند إلى مجموعة مشتركة من القيم العالمية، مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان.

8دعم التعاون الأمني والاقتصادي مع أوروبا: يشترك الاتحاد الأوروبي في القيم العالمية مع جمهورية كوريا، مثل الديمقراطية الليبرالية واقتصاد السوق وسيادة القانون وحقوق الإنسان. بناءً على هذه القيم العالمية، تسعى إدارة يون إلى تعزيز التضامن والتعاون مع أوروبا بشأن القضايا العالمية، وبناء شراكة دبلوماسية قائمة على القيم؛ إذ يحتل الاتحاد الأوروبي موقع الصدارة في تشكيل القواعد الدولية بشأن القضايا الناشئة، مثل الاستجابة لأزمة التغيرات المناخية، وقضايا التحول الرقمي، فضلاً عن تتبع التشريعات المتعلقة بالأمن الاقتصادي، بما في ذلك المتعلقة بتعزيز سلاسل الإمداد وتنويعها، خاصةً أن التعاون النشط مع أوروبا في مجال الأمن الاقتصادي أمر بالغ الأهمية للمصالح الوطنية لجمهورية كوريا.

كما تسعى سيول إلى تعزيز التعاون مع الدول الأوروبية في مجالات الطاقة النووية والدفاع والبنية التحتية، من خلال توسيع نطاق التعاون الدفاعي ليشمل جميع الدول الأوروبية، بجانب السعي نحو تأسيس أوروبا بصفتها سوقاً جديدةً ورئيسيةً لصادرات محطات الطاقة النووية؛ وذلك عبر إقامة شراكات وثيقة مع البلدان المهتمة، مثل بولندا والتشيك. علاوةً على ذلك، ستُكثِّف كوريا الجنوبية التعاون المشترك في مشروعات البنية التحتية مع دول أوروبا الوسطى والشرقية وتركيا.

9تعميق الشراكات الإقليمية: تهدف حكومة يون، من خلال الاستراتيجية الجديدة، إلى تعميق شراكتها الاستراتيجية الخاصة مع العديد من القوى الإقليمية، خاصةً الهند التي تُعَد مركزاً قويّاً في قطاعَي تكنولوجيا المعلومات والفضاء؛ وذلك ليس من خلال تعزيز التعاون في التجارة والاستثمار فحسب، بل تعزيز التعاون في نقاط القوة التي يتمتع بها كلا البلدين، وتحديداً في مجالات الدفاع والعلوم والتكنولوجيا والبنية التحتية؛ هذا بجانب تطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي اعتمدتها كل من كوريا الجنوبية وأستراليا عام 2021، بهدف مواصلة التعاون في المجالات المختلفة التي تربط بينهما، خاصةً الدفاع والأمن، وكذلك التعاون في المجالات الاستراتيجية المستقبلية مثل الطاقة والتقنيات الرقمية؛ للمساهمة في استقرار سلاسل التوريد العالمية.

10ابتكار قدرات دفاعية جديدة: من المتوقع أن يؤدي التقدم السريع في العلوم والتكنولوجيا، بما في ذلك الذكاء الاصطناعي (AI)، إلى إعادة تشكيل مشهد الحروب في المستقبل؛ لذلك تسعى كوريا الجنوبية إلى تطوير هيكل وقدرات جيشها الوطني من خلال دمج التقنيات المتطورة في العمليات الدفاعية لضمان الاستعداد لأي هجمات محتملة؛ إذ تهدف إدارة يون إلى تنفيذ خطة ابتكار دفاعي لتطوير جيش قوي من خلال تطبيق العلوم والتكنولوجيا المتقدمة في جميع مجالات قطاع الدفاع.

هذا وقد أوضحت الاستراتيجية أن سيول أصبحت رائدة في مجال الصناعات الدفاعية، بما يساعدها على تصدير أنظمة أسلحة متطورة بشكل مستقل؛ ففي عام 2022، حققت كوريا الجنوبية أعلى أداء لها في الصادرات الدفاعية في تاريخها، بقيمة تبلغ 17.3 مليار دولار، وهو ما يعادل خمسة أضعاف متوسط الصادرات السنوية في السنوات الخمس الماضية، كما ستلتزم إدارة يون بتعزيز صناعة الدفاع باعتبارها منصة تصدير استراتيجية من شأنها أن تدفع الأمن القومي والاقتصاد الكوري.

دلالات رئيسية

هناك مجموعة من الدلالات وراء إطلاق كوريا الجنوبية هذه الاستراتيجية خلال الوقت الراهن، وهي الدلالات التي يمكن إيجاز أبرزها كالتالي:

1تأكيد محورية الدور العالمي للدولة: تهدف كوريا الجنوبية إلى أن تصبح “دولة محورية عالمية” على أساس فلسفة إدارة الدولة الحالية القائمة على الحرية والتضامن؛ وذلك عبر الاستجابة بشكل استباقي للتغيرات في البيئة الأمنية، مثل المنافسة بين الولايات المتحدة والصين، والتهديد النووي الكوري الشمالي المتزايد، ناهيك عن التهديدات الأمنية الجديدة، مثل تهديدات الأمن الاقتصادي وتغير المناخ والصحة والتهديدات السيبرانية.

ومن هنا، تأتي رؤية الرئيس “يون” القائمة على أن مفتاح مستقبل كوريا الجنوبية يكمن في تطوير استراتيجية للأمن القومي تتوقع التغييرات المرتقبة، وتعظم مصالح الأمة وشعبها، فضلاً عن عزم بلاده على مواصلة تطوير جيشها إلى قوة متقدمة تكنولوجيّاً، تخلق أساساً متيناً للأمن، بهدف تعزيز السلام المستدام الذي يضمن الحرية والازدهار في شبه الجزيرة الكورية وفي شمال شرق آسيا، بجانب قدرتها على قيادة جهود التغلُّب على التحديات العالمية، مثل المرض والمجاعة والفقر والأمية والفجوة الرقمية والتلوث البيئي، وسعيها جاهدةً لتوسيع مساهمتها في المجتمع الدولي.

2تباين اللهجة المستخدمة تجاه كلٍّ من الولايات المتحدة واليابان والصين: حيث تعهَّدت سيول، في الاستراتيجية الجديدة، بمواصلة تعزيز التحالف مع الولايات المتحدة، معتبرةً أنها محور السلام والازدهار في المنطقة على مدار الأعوام السبعين الماضية، كما أكدت ضرورة العمل على أن تتطور العلاقات فيما بينهما إلى تحالف استراتيجي عالمي شامل، لا يشمل الأمن فحسب، بل يشمل أيضاً الاقتصاد والتقنيات المتطورة والفضاء الإلكتروني وسلاسل التوريد. في المقابل، وصفت العلاقة مع اليابان بأنها شراكة تقدمية بين دولتين يجمعهما تفكير متشابه، في إشارةٍ إلى التزامهما بقيم الديمقراطية والليبرالية والدفاع عن النظام الدولي القائم على القواعد، كما تؤكد الاستراتيجية ضرورة تحسين العلاقات مع طوكيو ومواصلة الجهود الدبلوماسية لاستعادة الثقة المتبادلة، في إشارةٍ إلى الخلافات العالقة بين البلدين.

وبخصوص الصين، فبالرغم من شدة اللهجة الموجهة إزاء بكين، فإن استراتيجية سيول لا تزال تعتبر بكين شريكاً رئيسيّاً في المنطقة، وأكدت كذلك السعي إلى علاقة أكثر صلابةً ونضجاً قائمة على الاحترام المتبادل والمعاملة بالمثل، لكن في الوقت عينه توجه الاستراتيجية رسالة إلى الصين مفادها أن التعاون المستقبلي سيعتمد في المقام الأول على تصرفات بكين ومدى التزامها بالمعايير والقيم الدولية.

3تغير نهج التعامل مع بيونج يانج: بالرغم من استمرار تصنيف كوريا الشمالية عدوّاً رئيسيّاً في مختلف استراتيجيات الأمن القومي لكوريا الجنوبية، فإن استراتيجية إدارة يون لم تذكر مسألة إنهاء الحرب الكورية، وهي خطوة ضرورية لتحقيق سلام طويل الأمد؛ وذلك في تغير واضح عن النهج الذي اتبعته حكومة مون جاي إن السابقة، التي دعت إلى إنهاء الحرب الكورية مع لعب دور الوسيط لتعزيز الدبلوماسية بين واشنطن وبيونج يانج؛ إذ لا يبدو أن هذه القضية تمثل أولوية بالنسبة إلى حكومة يون، التي اختارت أن تنحاز تماماً إلى الولايات المتحدة مع اتخاذ مواقف متشددة تجاه بيونج يانج.

4الانخراط المتواصل مع الغرب: في توجه صريح نحو الغرب، أدانت الاستراتيجية الكورية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وربما يأتي ذلك نتيجةً لالتزام كوريا الجنوبية بتعزيز شراكتها مع الناتو، وتطوير هذه الشراكة من خلال بعثة كوريا إلى حلف الناتو، مشيرةً أيضاً إلى مشاركة الرئيس يون في قمة حلف شمال الأطلسي في يونيو 2022، بوصفه أول رئيس كوري يقوم بذلك. إضافة إلى ذلك، تسعى كوريا الجنوبية إلى تكثيف مبيعات الأسلحة للغرب خلال الفترة المقبلة، تماشياً مع مساعي تعزيز العلاقات الأمنية والعسكرية بين سيول وحلف شمال الأطلسي.

5أهمية منطقة الهندو–باسيفيك في السياسة الكورية: تلزم الاستراتيجية الجديدة السلطات في كوريا الجنوبية بالمشاركة النشطة في الشؤون الإقليمية، ومعارضة أي محاولات أحادية الجانب لتغيير الوضع الراهن في منطقة الهندو–باسيفيك، وهو ما يعني أن حكومة سيول سيكون عليها السير عكس الحكومات السابقة التي ابتعدت عن الانخراط في نزاعات شرق وجنوب بحر الصين ومضيق تايوان؛ تجنُّباً لرد فعل بكين؛ الأمر الذي قد يدفع إلى حدوث توترات في العلاقات الصينية–الكورية الجنوبية؛ وذلك بقدر الخطوات التي ستتخذها سيول في اتجاه تطبيق الاستراتيجية. هذا وتهدف كوريا الجنوبية من خلال توسيع نطاق تعاونها مع الحلفاء والشركاء الآخرين عبر المحيطين الهندي والهادئ، إلى تعزيز قدرتها على إرساء السلام والأمن الدوليَّين، وتعزيز منع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة.

6تعزيز النشاط الدبلوماسي لكوريا الجنوبية: تؤكد الاستراتيجية الجديدة طموحات سيول لتوسيع تحركاتها ونشاطها الدبلوماسي في مناطق عديدة، ولعل النموذج على ذلك منطقة الشرق الأوسط؛ حيث تهدف إدارة “يون سوك يول” إلى تنشيط التبادلات الرفيعة المستوى مع دول الشرق الأوسط الرئيسية؛ وذلك من خلال ترسيخ الشراكة الرئيسية المرتبطة بعملية التنمية، ليس فقط في المجالات التقليدية، مثل الطاقة الأحفورية والبنية التحتية، بل أيضاً في مجالات النمو الجديدة والموجهة نحو المستقبل، مثل الطاقة النووية والهيدروجين والفضاء والصحة العامة، والزراعة الذكية؛ فعلى سبيل المثال، خلال أول زيارة يقوم بها رئيس جمهورية كوريا إلى الإمارات، خلال الفترة (14–17 يناير 2023)؛ وذلك منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما في عام 1980، اتفق زعيما البلدين على رفع مستوى الشراكة الاستراتيجية الخاصة بينهما إلى أعلى المستويات، بجانب العمل على تعميق التعاون المشترك في مختلف المجالات الاستراتيجية.

خلاصة القول أن كَشْف كوريا الجنوبية عن استراتيجية الأمن القومي يؤكد التزامها بالتصدي لتهديد كوريا الشمالية والتحديات العالمية الناشئة، من خلال اتباع نهج شامل للأمن القومي والتعاون الدولي، كما يعكس تصميم إدارة يون سوك يول على تأمين رفاهية وازدهار الشعب الكوري في عالم دائم التغير؛ وذلك عبر تعزيز السلام المستدام، والمساهمة في الجهود العالمية لمعالجة القضايا الدولية الملحة، وتعظيم مصالحها الوطنية.