نشر موقع ريسبونسبل ستيت كرافت الأمريكي مقالاً تحليلياً لإميلي ميليكين، كبيرة المحللين في معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية، وجورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي والمؤسس لشركة “جلف ستيت أناليتيكس”، وهي شركة استشارية للمخاطر الجيوسياسية ومقرها في واشنطن العاصمة؛ بعنوان “مسار مصر وإيران إلى التقارب”، حيث يؤكد المقال أن “الانفراجة بين الدولتين الأكثر اكتظاظاً بالسكان في الشرق الأوسط، مصر وإيران، يتبع نمطاً إقليمياً من الدبلوماسية المتجددة”. وقد جاء المقال على النحو التالي:
في السادس من أكتوبرمن عام 1981، كان المصريون يحتفلون بالذكرى الثامنة لعملية بدر، نصر أكتوبر، التي كانت بداية الحرب العربية-الإسرائيلية عام 1973، بعرض عسكري (استعراض نصر) في القاهرة.
وبينما كانت القوات تسير مروراً بالمنصة المشرفة على العرض، هاجمت مجموعة من قوات الجيش، يقودها الملازم خالد الإسلامبولي، الرئيس المصري آنذاك، أنور السادات، واغتالته، في احتجاج قاتل على اتفاقيات كامب ديفيد عام 1978. حيث كان الدخول في معاهدة السلام مع الدولة اليهودية، الذي فعله السادات قبل ثلاث سنوات، خطوة مثيرة للجدل، أخرجت مصر بشكل أساسي من الصراع العربي-الإسرائيلي وأثارت غضب قطاعات كبيرة من سكان البلاد والعالمين العربي والإسلامي الأوسع.
وقامت فرقة إعدام بتنفيذ حكم بالإعدام في الإسلامبولي في العام التالي. وفي ذلك الوقت، أعلنت الحكومة الثورية الجديدة في إيران، بقيادة آية الله روح الله الخميني، الإسلامبولي شهيداً، وأطلقت اسمه على أحد شوارع طهران. فقد كانت علاقة السادات الوثيقة بشاه إيران (الذي استقبله في مصر بعد الإطاحة به عام 1979)، فضلاً عن دعم القاهرة لبغداد في الحرب الإيرانية-العراقية ومعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، أسباب كافية لدفع قيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية للاحتفاء بالإسلامبولي وتمجيده. ومنذ اغتيال السادات، وظلت العلاقات بين القاهرة وطهران مضطربة، وإن كان قد تخلل ذلك فترات من الانفراج بين الحين والآخر.
لكن يبدو أن مصر وإيران تدخلان مرحلة جديدة في علاقاتهما اليوم. ففي الشهر الماضي، انتشرت أنباء حول مزاعم بأن هناك خططاً لتبادل السفراء بين القاهرة وطهران في وقت لاحق من هذا العام، إلى جانب ترتيب لقاء بين رئيسي البلدين. وعلى الرغم من المرجح أن تستمر حالة عدم الثقة والشك في تشكيل العلاقات الثنائية بين البلدين، إلا أن الديناميكيات الإقليمية، إلى جانب المصالح الوطنية الخاصة، تشير إلى أن التقارب بين القاهرة وطهران قد يكون قاب قوسين أو أدنى.
وبحسب تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمعهد كوينسي والخبير في الدبلوماسية الإيرانية، فإنه “كانت هناك العديد من الجهود في الماضي لتطبيع العلاقات بين القاهرة وطهران، لكنها فشلت جميعًا لأسباب متنوعة. ولكن بسبب التحولات الجيوسياسية في المنطقة هذه المرة، فإن تكلفة الحفاظ على الحالة الحالية من عدم التطبيع تُعدّ أعلى بكثير لكلا الجانبين، في حين أن الفوائد أكبر أيضاً.”
إن تقليل الاحتكاك بين السعودية والإمارات من جهة وإيران من جهة أخرى يجعل التقارب المصري-الإيراني أكثر احتمالية. فمن الواضح أن مصر متحالفة إلى حد كبير مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة. وأوضح كينيث كاتزمان، كبير الباحثين في مركز صوفان، في مقابلة مع ريسبونسيبل ستيت كرافت، أن حقيقة انخراط دول الخليج في علاقات مع إيران تجعل من السهل على عبد الفتاح السيسي أن يسير في نفس الاتجاه.
وأكد خليل العناني، كبير الباحثين في المركز العربي بواشنطن العاصمة، إن الانفراج في العلاقات بين السعودية وإيران “انعكس صداه في جميع أنحاء المنطقة وخلق جوًا من التفاؤل لم يسبق له مثيل في العقد الماضي لوقف تصعيد الصراعات في المنطقة”. وإذا تمكنت الرياض من تطبيع العلاقات مع طهران بالفعل، فلا يوجد سبب يدعو الدول العربية الأخرى، بما في ذلك مصر، إلى أن تحذو حذوها. “فالتطبيع بين السعودية وإيران يزيل أي فيتو” خليجي” على نظام السيسي لتطبيع العلاقات مع طهران، إذا كان هناك شيء من هذا القبيل من الأساس. أو على الأقل، يمكن أن يستخدم السيسي ذلك كذريعة لتبرير تطبيع العلاقات مع طهران”.
كما أن الانفراج المحتمل (في العلاقات الإيرانية-السعودية) تعزّز بسبب عوامل جيوسياسية أخرى، مثل الحرب في أوكرانيا، فضلاً عن نفوذ موسكو وبكين المتزايد في الشرق الأوسط. وأضاف العناني أن “مصر وإيران تربطهما علاقات قوية مع روسيا والصين، وهناك آفاق لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية وجيوستراتيجية هائلة”.
الطاقة الدبلوماسية العُمانية
انضمت عُمان، العضو الأكثر توازناً من الناحية الجيوسياسية في مجلس التعاون الخليجي، إلى العراق في الجهود الدبلوماسية لتسهيل التقارب المصري-الإيراني. وفي حقيقة الأمر، فهذه ليست المرة الأولى التي يلعب فيها العُمانيون دور الوسيط هذا بين مصر وإيران. فقد سبق أن فعلت مسقط ذلك في عام 1991.
كما أن لدى عُمان علاقات ثابتة مع طهران. وقال كاتزمان إن هذا بالتأكيد يمنحهم ثقلاً مع القاهرة لإدخال طهران في اتفاق مع القاهرة.
ويُعدّ السياق التاريخي من الأهمية بمكان. ففي الربع الأخير من القرن العشرين، عملت عُمان كصديق موثوق لكل من مصر وإيران عندما كانت الكثير من دول العالم العربي تتجنب كلا البلدين.
وبعد أن توصلت مصر وإسرائيل إلى اتفاق سلام في عام 1978، كانت عُمان والصومال والسودان هي الدول الأعضاء الوحيدة في الجامعة العربية التي لم تقطع علاقاتها الدبلوماسية مع حكومة السادات. كما رفضت عُمان المشاركة في قمة بغداد الرافضة (للعلاقات مع إسرائيل) عام 1978؛ وفي مايو 1982، أصبح السلطان قابوس أول زعيم عربي يزور خليفة السادات، حسني مبارك، منذ توقيع اتفاقية كامب ديفيد.
وبالمثل، ففي أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979، اتخذ السلطان قابوس خطوات لضمان استمرار علاقات بلاده الوثيقة مع طهران والتي كانت عليها العلاقات في عهد الشاه. وبينما دعمت دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى صدام حسين في الحرب الإيرانية-العراقية، حافظت عمان على حيادها واستضافت محادثات سرية لوقف إطلاق النار بين بغداد وطهران لإنهاء هذا الصراع. ومن خلال تقاسم ملكية مضيق هرمز الضيق مع إيران، أدرك السلطان قابوس أن العلاقات الودية مع جارته الأقوى بكثير ستخدم المصالح الأمنية لبلاده.
وقد سلّطت زيارات السلطان هيثم الشهر الماضي لكل من مصر وإيران الضوء على الأهمية التي توليها القيادة العُمانية للتقارب بين البلدين. وخلال زيارة السلطان هيثم لإيران، نُقل عن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي قوله إنه يرحب باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع مصر. وطوال عام 2023، كانت عُمان مشغولة بالعمل كوسيط دبلوماسي بين مختلف الجهات الحكومية وغير الحكومية في المنطقة. وأحرزت مسقط تقدماً كبيراً في مساعدة السعودية على التحرك بشكل أكبر نحو تحقيق السلام مع تمرد الحوثيين في اليمن. وساهمت مسقط أيضاً في الاتفاقية الدبلوماسية بين السعودية وإيران. كما نشطت عُمان أيضًا في جهود الوساطة بين البحرين وإيران، الدولتان التين كانتا على خصومة منذ فترة طويلة.
المصالح الوطنية لمصر وإيران
ومن خلال تطبيع العلاقات، تأمل مصر أن تلعب إيران دور الوسيط في التأثير على حركتي حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين في غزة. وتقوم مصر وقطر في هذه الأيام ببذل أقصى الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عندما تتصاعد التوترات بين حماس و / أو الجهاد الإسلامي، وكلاهما تدعمهما طهران، وإسرائيل، إلى حد الصراع. وقال كاتزمان: “في كل مرة تشتبك فيها إسرائيل مع المسلحين في غزة، تزداد احتمالات التصعيد”. سيكون هذا هو التوجه الرئيسي لدوافع مصر نحو هذا التقارب المحتمل (مع إيران).
ومن جانبها، تريد إيران تحسين علاقاتها مع المزيد من الدول في منطقة الشرق الأوسط. وتحسين العلاقات مع القاهرة يمكن أن يساعد طهران في تقليل عزلتها النسبية في المنطقة، لا سيما في ضوء التقارب مع السعودية والإمارات. والعلاقات الودودة مع مصر يمكن أن تساعد الإيرانيين أيضاً في مواجهة الجهود الأمريكية والإسرائيلية لحشد الدول العربية ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بينما تسهل أيضًا على طهران الدفع بأنه لا ينبغي معاملتها على أنها دولة “مارقة”.
وأوضح تريتا بارسي أنه، “منذ أن أدركت دول الشرق الأوسط تمامًا أن الولايات المتحدة لم تعد في وضع يسمح لها بالحفاظ على هيمنتها العسكرية على المنطقة، شهدنا ازدهارًا في الدبلوماسية داخل المنطقة، خاصة أن استمرار النزاعات أصبح مكلفًا للغاية، بينما ظهر أن حل التوترات من خلال الدبلوماسية هو السياسة المثلى لمعظم الدول. وتشهد المنطقة شعورًا جديدًا بالثقة حيث تعيد اكتشاف إدارتها لشؤونها الخاصة. وقد يتم التوصل إلى توازن جديد للمنطقة في الأشهر المقبلة، وتستفيد كل من مصر وإيران من تعظيم قدرتهما على المناورة من خلال التوصل لتوافق بينهما”.