وافق “هانتر بايدن” (53 عاماً) على الاعتراف بالذنب في جنحتين ضريبيتين فيدراليتين في عامي 2017 و2018، بجانب تهمة واحدة تتصل بحيازة الأسلحة النارية، في صفقة مع وزارة العدل الأمريكية، وهي الصفقة التي أتت عقب شهور من المناقشات والمفاوضات بين المدعين الفيدراليين والفريق القانوني لنجل الرئيس. فقد أعلنت وزارة العدل الأمريكية أن “هانتر” سوف يقر بثلاث تهم فيدرالية موجهة إليه، وإن تعلقت اثنتان منها بالتخلف عن دفع ضريبة دخل فيدرالية تزيد عن 100 ألف دولار بعد أن تلقى دخلاً خاضعاً للضريبة بقيمة تزيد عن 1.5 مليون دولار. ومن المقرر أن يظهر “هانتر” أمام محكمة فيدرالية في ولاية ديلاوير لأول مرة في 26 يوليو المقبل للإقرار بالذنب في وقت لاحق عقب الموافقة النهائية. وبافتراض حدوث ذلك، فإن من غير المرجح أن يسجن “هانتر”، بل ستحذف مسألة السلاح من سجله.
وفي هذا الإطار، تعددت التساؤلات المطروحة عن تأثير ذلك في السباق الانتخابي الأمريكي في عام 2024، لا سيما في ظل رغبة الرئيس الأمريكي “جو بايدن” في الفور بولاية رئاسية ثانية، بيد أن الإجابات عن تلك التساؤلات تدور حول رأيين متناقضين؛ لكل منهما حججه البارزة: اتجاه يرى أن صفقة “هانتر” لن يكون لها تأثير على فرص بايدن الانتخابية، وفي المقابل اتجاه آخر يرى أن الصفقة سيكون لها تـأثير ملحوظ على مستقبل بايدن السياسي.
تراجع التأثير
يدفع اتجاه بأن صفقة “هانتر” من غير المرجح أن تؤثر كثيراً في فرص “بايدن” الانتخابية في عام 2024، بالنظر إلى النقاط التالية:
1– طول أمد السباق الرئاسي: بغض النظر عن طبيعة الاتهامات بحق “هانتر” وما ستسفر عنه المحاكمات في الأيام المقبلة، سيواجه “بايدن” قضايا أخرى أكثر إلحاحاً، قد تُقوض فرصه ومساعيه الرامية إلى الفوز بولاية رئاسية ثانية. ويتأسس ذلك الرأي على أن الانتخابات ستجرى في نوفمبر 2024، أي بعد ما يزيد عن عام كامل من الآن. ومع التغير المستمر في الأحداث الدولية والداخلية، قد تطرأ قضايا أخرى أكثر إلحاحاً وأكثر قدرةً على التأثير في الرأي العام، على شاكلة الحرب الروسية–الأوكرانية أو الأوضاع الاقتصادية أو الأحداث المأسوية أو تدهور صحة الرئيس فجأةً على سبيل المثال. ويشير ذلك ضمناً إلى أن قضية “هانتر” كانت لتؤثر في السباق الرئاسي لو حدثت قبل أشهر معدودة من الانتخابات.
2– تعدد اتهامات الفساد في صفوف الجمهوريين: على الرغم من مساعي الجمهوريين لاستغلال قضية “هانتر”، فإن “جاريد كوشنر” (صهر الرئيس الأمريكي السابق “دونالد ترامب”)، يواجه اتهامات بالفساد ترقى إلى حد الجرائم في نظر كثيرين. ولا تخفى الاتهامات التي تواجه مؤسسات وشركات “ترامب” التي قد تتحول إلى “فرصة سانحة” في يد الديمقراطيين؛ إذ يواجه “ترامب” أكثر من 12 قضية في فلوريدا، وجورجيا، وواشنطن، وولاية نيويورك، وغير ذلك. وجميعها اتهامات قد تسفر عن إجراء محاكمات قبل أو بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة، بيد أنها لا تقارن في حجمها أو في عددها مع الاتهامات التي وجهت إلى “هانتر”.
3– الدعم الديمقراطي الواسع: يعتقد بعض الأمريكيين أن “هانتر” تلقى معاملة تفضيلية من المدعين العموم، ولكن وفقاً لاستطلاع الرأي الذي أجرته “رويترز وإيبسوس”، فقد انقسم الأمريكيون بشأن تلك الصفقة على أسس حزبية، حيث رأى 75% من الجمهوريين أنه حظي بمعاملة تفضيلية مقارنة بـ33% فقط من الديمقراطيين. وهو ما يعني أن كثيراً من الديمقراطيين يرون أن قضية “هانتر” لن تؤثر على احتمالية التصويت للرئيس في العام المقبل. كما يؤكدون أن جرائم الجنح التي ارتكبها “هانتر” –بوصفه مواطناً أمريكياً– لا تتمتع بأهمية تذكر.
4– عدم ثبوت أي تهمة بحق الرئيس: سبق أن كشفت لجنة رقابية بمجلس النواب الأمريكي في وقت سابق أن أعضاء عائلة “بايدن” وشركاءهم حصلوا على ما لا يقل عن 10 ملايين دولار من الشركات التي يديرها مواطنون صينيون ورومانيون من خلال صفقات مختلفة أبرمها “هانتر”، وفقاً لسجلات 4 بنوك منفصلة من كيانات وشركات أجنبية أثناء فترة توليه منصب نائب الرئيس باستخدام ما يقرب من 20 شركة، وبالاستفادة من شبكة واسعة من شركاء الأعمال المخفيين. وفي اتجاه مضاد لتلك التهم مجتمعةً، فإن الرئيس لم يُدَنْ رسميّاً في أي منها.
صعوبة التجاهل
في المقابل، يدفع اتجاه مضاد بأن الصفقة القضائية مع نجل الرئيس لا يمكن تجاهل تأثيرها ومن شأنها أن تتحول إلى موضوع رئيسي خلال الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024؛ وذلك بالنظر إلى النقاط التالية:
1– تضخيم الواقعة: في الوقت الراهن، فإن أقوى الاحتمالات يشير إلى خوض كل من “بايدن” و”ترامب” السباق الرئاسي المقبل، على الرغم من تعدد القضايا والاتهامات القضائية التي تلاحق الأخير من ناحية، وعدم حسمه مسألة ترشيح الحزب الجمهوري له من ناحية ثانية. ولا شك أن صفقة “هانتر” القضائية ستعيد اسمه إلى صدارة العناوين الرئيسية؛ ما يقوض إنجازات الرئيس، وهو ما يبرر إلى حد بعيد تعليقات “بايدن” التي أتت في حدها الأدنى؛ فعندما سأله أحد الصحفيين أثناء وجوده في كاليفورنيا إذا ما كان قد تحدث إلى ابنه في وقت سابق، قال إنه فخور جداً به، ورفض التعليق على موقفه من قبوله الإقرار بالذنب من عدمه. وفي وقت سابق، أكد بيان للبيت الأبيض أن الرئيس والسيدة الأولى يدعمان ابنهما، بينما يواصل إعادة بناء حياته، دون أن يعلقا بأي شي آخر.
2– تعدد المآخذ على الصفقة والرئيس: بعد ساعات قليلة، أكد “ترامب” أن صفقة “هانتر” هي عبارة عن إخفاء شامل واحتيال وتداخل انتخابي واسع النطاق على نحو لم يسبق رؤيته في البلاد، كما سيحاول خصوم “بايدن” إثبات أن شركات “هانتر” التجارية، وبخاصة المرتبطة بأوكرانيا والصين، قد استفادت من علاقات الرئيس السياسية، وسيسلطون الأضواء على طبيعة التحقيقات معه، مع تركيز الأضواء على الشؤون المالية للعائلة.
كما تثير الصفقة تساؤلات على صعيد تأثيرها على دافعي الضرائب الأمريكيين؛ فقد دفعت صحيفة “ذا هيل” بأنه على الرغم من بساطة الاتهامات الموجهة إلى “هانتر”، فإن القضية قد تؤثر على دافعي الضرائب الأمريكيين الذين سيتساءلون إذا ما كانوا سيعاملون بالطريقة ذاتها إن تورطوا في قضايا مماثلة، وهو ما يعني في مجمله أن تلك الصفقة هي أقرب ما تكون إلى كرة الثلج التي تلقي بظلالها على انتقادات عدة تطال الرئيس وعائلته، وتسلط الضوء على مكاسب العائلة في السنوات القليلة الماضية، لتتحول إلى مادة خصبة للإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي.
3– الدفع بالمعايير المزدوجة للسلطة القضائية: انتقد الجمهوريون وزارة العدل التي تحرص على ملاحقة “ترامب”، بينما تحرص على تفادي توقيع عقوبة السجن على نجل الرئيس بكل السبل الممكنة؛ فقد اعتبر “ترامب” في تعليق عبر شبكته “تروث سوشيال” – بعد وقت قصير من ظهور تفاصيل الصفقة – أن “هانتر” لم يتلقَّ سوى غرامة عادية لانتهاكه قانون القيادة، مكرراً قوله إن النظام القضائي “لا يعمل”، كما قال إن وزارة العدل الفاسدة التابعة للرئيس مسحت للتو مئات السنين من المسؤولية الجنائية من خلال منح “هانتر” مخالفة مرور.
كما ندد رئيس مجلس النواب الجمهوري “كيفن مكارثي” بالمعاملة التفضيلية التي تجنب “هانتر” عقوبة السجن؛ ولذا من المتوقع أن تزيد القضية شعبية “ترامب” في الحزب الجمهوري، لا سيما مع ترويجه لفكرة استخدام وزارة العدل لأهداف سياسية من ناحية، والانتقادات اللاذعة التي انتقدت وزارة العدل من ناحية ثانية، وتعدد الأصوات الجمهورية التي وصفت الصفقة بالمتساهلة من ناحية ثالثة.
4– رفع شعار تطهير القضاء: تعددت الأصوات الجمهورية التي انتقدت صفقة “هانتر”، ونددت بوزارة العدل. وفي هذا الإطار، دفعت شبكة “سي إن إن” بأن تلك القضية ستؤجج حماس الحزب الجمهوري لتطهير وزارة العدل، وهو الأمر الذي سيتصدر حملة المرشح الجمهوري في عام 2024 أياً كان شخصه، مع تصوير “ترامب” بأنه ضحية للاضطهاد السياسي، بعد أن تحول “هانتر” إلى “ذخيرة” تسلح بها الجمهوريون لتصوير “بايدن” وعائلته بالفاسدين الذين يحميهم القضاء في ظل سعيهم إلى حماية “ترامب” بسبب اتهاماته المتعددة. وعلى الرغم من تعدد التحليلات التي تدفع بأن الاتهامات الموجهة إلى “ترامب” ستؤثر بالسلب في شعبيته، فإنه لا يزال يحتفظ بشعبية كبيرة، وفقاً لعدد من استطلاعات الرأي الحديثة.
5– تعالي الأصوات الجمهورية المنددة: سلط كبار المحافظين الضوء على مشاكل “هانتر” القانونية وحياته المهنية سعياً للانتقاص من شعبية الرئيس المتدنية بالفعل من خلال تصويره بأنه “يرأس عائلة إجرامية” من ناحية، ونزع الشرعية عن المؤسسات السياسية والقانونية التي تحميه هو وعائلته من ناحية ثانية.
وفي سياق متصل، دفعت “نيكي هايلي” (سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الأمم المتحدة) بأن الاتفاق يثير فقط مزيداً من الأسئلة عن جرائم “هانتر” والمعايير المزدوجة للعدالة في الحكومة الفيدرالية، كما جادل السيناتور الجمهوري “تيم سكوت” بأن الصفقة مثال آخر لفقدان الثقة بوزارة العدل. وتدلل تلك التصريحات مجتمعةً على أن الحزب الجمهوري سيُبقي قضية “هانتر” حية في الحملة الرئاسية المقبلة، واضعاً الرئيس وأسرته في مرمى الانتقادات.
ختاماً، لا شك أن صفقة “هانتر” أضحت فرصة سانحة للحزب الجمهوري في توقيت حرج لترامب مع تعدد القضايا والاتهامات التي تلاحقه، وقد تؤثر سلباً في فرص “بايدن” الانتخابية مع تراجع شعبيته؛ فتلك الصفقة تمثل إحراجاً سياسياً للرئيس الذي يسعى لإعادة انتخابه، مع الأخذ في الاعتبار أن ذلك التأثير لا يعدو كونه تأثيراً نسبيّاً بالنظر إلى لائحة اتهام “ترامب” التي تتضمن جرائم أكثر خطورةً من ناحية، وعدم ترشح “هانتر” لأي منصب رسمي على عكس “ترامب” من ناحية ثانية، وإمكانية حدوث مفاجآت محتملة حتى اليوم الأخير للسباق الانتخابي من ناحية ثالثة.