توجَّه رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، إلى الولايات المتحدة، في زيارة رسمية في الفترة من 21 إلى 24 يونيو 2023، بدعوة من الرئيس الأمريكي جو بايدن. وقد أثارت هذه الزيارة مستوى عالياً من الترقب؛ إذ تأتي في الوقت الذي تعمل فيه إدارة بايدن على تعميق علاقتها مع الدول ذات الأهمية الاستراتيجية في منطقة الهندوباسيفيك لمواجهة التهديد الصيني المتزايد، بجانب رغبة نيودلهي في تعميق علاقاتها مع واشنطن التي باتت مستعدة للتغاضي عن تراجع مستويات الديمقراطية الهندية؛ وذلك بهدف جذب الدولة الواقعة في جنوب آسيا بعيداً عن دائرة نفوذ روسيا. إضافةً إلى ذلك، فإن عملية التعاون في مجالات الدفاع والتجارة والتكنولوجيا المتقدمة بينهما، ستكون لها آثار جيوسياسية واقتصادية على بقية العالم، وخاصةً الصين وباكستان؛ حيث يتجه الاقتصاد الهندي نحو أن يصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم خلال هذا العقد.
أبعاد رئيسية
ثمة أبعاد متعددة تتقاطع مع زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى واشنطن، وعلى رأسها تنامي التهديدات الصينية، فضلاً عن كثافة التعاون بين الجانبَين في العديد من المجالات. ويمكن تناول أبرز هذه الأبعاد على النحو التالي:
1– تزايد حدة الصراع مع الصين: فقد أصبحت سياسات الصين، وخصوصاً في منطقة الهندوباسيفيك، مصدراً للتوتر الدولي، وهو ما كان بمنزلة حافز مهم في تقارب الولايات المتحدة والهند في السنوات الأخيرة؛ إذ أصبحت نيودلهي مهمة للغاية بالنسبة إلى السياسات الأمريكية في منطقة الهندوباسيفيك، التي تسعى من خلالها واشنطن إلى الاحتفاظ بمكانتها الأولى في المنطقة.
كما تدرك الولايات المتحدة والهند المأزق العالمي المُتصاعِد الذي أنتجته استراتيجيات الصين الحازمة، لا سيما في قطاعَي التكنولوجيا والمعادن الأرضية النادرة؛ حيث تعمل الصين على توسيع هيمنتها في تلك المجالات؛ لذلك وقَّع الجانبان مؤخراً اتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون في صناعة أشباه الموصلات؛ لتقليل اعتمادهما على الصين وتايوان، وتنويع سلسلة توريد أشباه الموصلات، بما يعود بالفائدة على الهند والولايات المتحدة، بل أيضاً على الاقتصادات الأخرى.
2– تنامي الشراكة العسكرية بين الدولتين: في إطار توسُّع الهند في استيراد الأسلحة من أطراف مختلفة، تعاقدت الهند على شراء أكثر من 20 مليار دولار من الإمدادات الدفاعية من الولايات المتحدة منذ عام 2008. والآن، يستكشف الجانبان مزيداً من التعاون في مجال التكنولوجيا الدفاعية، مثل ترخيص نقل تكنولوجيا المحركات النفاثة من شركة جنرال إلكتريك الأمريكية إلى الهند؛ وذلك في ضوء خطة الهند لتوسيع الصناعات الدفاعية المحلية. هذا ويُجرِي كل من البلدَين مؤخراً المزيد من التدريبات العسكرية مع الأخرى، في ضوء تزايد تعقيد البيئة الأمنية الإقليمية والدولية.
3– تأثير هنود الشتات: يعتبر الهنود هم ثاني أكبر جالية مهاجرة في الولايات المتحدة (4.9 مليون هندي)، وهو ما يفسر دعم الحزبَين للهنود في الكونجرس الأمريكي. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن عدداً كبيراً من السكان الهنود يعيشون في العديد من الولايات الأمريكية ذات التأثير في الانتخابات الأمريكية. إضافةً لذلك، يُعَد الشتات الهندي قوة مهمة في تقوية الروابط بين الهند والولايات المتحدة؛ حيث كان لهم دور فعال في تشكيل السياسات التي تفضلها بلادهم، كما يصل عدد الطلاب الهنود في الجامعات الأمريكية إلى نحو 200 ألف طالب؛ الأمر الذي يُمكِّنهم أيضاً من لعب دور مؤثر في الأنشطة الإنتاجية والتجارية هناك. وبوجه عام، يبدو أن رئيس الوزراء الهندي يُراهِن على مجموعات الشتات من أجل تطوير العلاقات مع واشنطن، وتجاوز الخلافات بين الدولتَين.
4– التعاون الاقتصادي المتسارع بين البلدين: إن المصلحة الوطنية الشاملة لنيودلهي تُخدَم من خلال تعميق الشراكة مع واشنطن، التي تُوصَف الآن بأنها شراكة استراتيجية عالمية شاملة؛ فالولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأكبر للهند بقيمة تبادل تجاري وصل إلى 138 مليار دولار خلال عام 2022، بتفوق طفيف عن الصين بقيمة مليارَي دولار فقط، بالرغم من التباعد الجغرافي بين البلدين، مع وجود فائض لصالح الهند، بيد أن المحللين يقولون إنه لا تزال هناك إمكانات هائلة غير مستغلة، ويرجع ذلك إلى الخلافات الكبيرة بين البلدين حول التعريفات الجمركية وضوابط الصادرات، كما تستثمر شركات كل من البلدين البلدين أكثر من 40 مليار دولار في البلد الأخرى، مع تنوع وجود الاستثمارات الهندية في مختلف الولايات الأمريكية.
5– النظرة الأمريكية إلى المكانة الهندية دولياً: يرى قادة البيت الأبيض والنخب السياسية، جمهوريين وديمقراطيين، الهند شريكاً لا غنى عنه في تنافسهم مع الصين، خاصةً بعدما أصبحت سياستها الخارجية أكثر حزماً وعداءً للصين في الآونة الأخيرة، حتى لو ظلَّت مُعارِضة لفكرة النظام الذي تقوده الولايات المتحدة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الهند تمتلك اليوم أكبر قوة بشرية في العالم، واقتصادها بدأ يُحقِّق أهدافه؛ فبالرغم من كونها خامس أكبر اقتصاد في العالم، فإن “مودي” قد وعد بنمو من النوع الذي من شأنه أن يُحوِّلها إلى ركيزة من ركائز الاقتصاد العالمي، على قدم المساواة مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
الملفات المشتركة
تكشف الزيارة عن مجموعة من الملفات المشتركة التي يسعى الجانبان إلى تعزيزها، وبناء مزيد من أطر التعاون والشراكة بينهما من خلالها، ومنها:
1– تسهيل ممارسة الأعمال بين الجانبين: قبل توجُّهه إلى واشنطن، التقى مودي والملياردير الأمريكي إيلون ماسك في نيويورك، ومن المقرر أن يلتقي أيضاً الرؤساء التنفيذيين لشركات “أبل” و”جوجل” و”فيديكس”، كما سيكون على رأس جدول الأعمال إزالة القيود التنظيمية لممارسة الأعمال التجارية، لا سيما في مجال التكنولوجيا؛ حيث من المتوقع أن تشهد الزيارة توسيع التعاون بين البلدين في قطاعات التكنولوجيا العالية، وخاصةً مع وصول الهند إلى التقنيات الأمريكية المهمة التي نادراً ما تُشارِكها واشنطن مع غير الحلفاء.
ففي الوقت الذي تسعى فيه إدارة بايدن إلى منع الصين من الحصول على رقائق متقدمة وتقنيات أخرى، تعمل الولايات المتحدة والهند على إيجاد طرق لتعزيز تصنيع أشباه الموصلات في الهند؛ إذ يبدو طموح مودي للهند إلى أن تصبح لاعباً في تصنيع الرقائق أكثر مصداقيةً اليوم؛ وذلك بعد أن تضاعفت الواردات الأمريكية من الرقائق الإلكترونية الهندية أكثر من 38 مرة في الربع الأول من هذا العام. بجانب ذلك، ضاعفت شركة “أبل” إنتاج أجهزة المحمول “Iphone” في الهند ثلاث مرات خلال السنة المالية الماضية، في ضوء سعيها إلى تقليل اعتمادها على بكين، كما وافق مجلس الوزراء الهندي على خطة شركة ميكرون تكنولوجي الأمريكية لصناعة أشباه الموصلات؛ وذلك قبيل زيارة مودي إلى الولايات المتحدة.
وفي هذا السياق، أكد الرئيس الأمريكي، في تصريح صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الهندي، يوم 22 يونيو الجاري، العلاقات الاقتصادية المزدهرة بين الدولتين، وذكر: “تضاعفت التجارة بين بلدينا تقريباً خلال العقد الماضي إلى أكثر من 191 مليار دولار لدعم عشرات الآلاف من الوظائف الجيدة في كلٍّ من الهند والولايات المتحدة. سيتم دعم مليون وظيفة أمريكية في 44 ولاية بشراء أكثر من 200 طائرة بوينج أمريكية الصنع أعلنت عنها شركة طيران إنديان في وقت سابق من هذا العام. وبهذه الزيارة، تُعلِن الشركات الهندية عن استثمارات جديدة تزيد عن مليارَي دولار في تصنيع الطاقة الشمسية في كولورادو، والصلب في أوهايو، والألياف الضوئية في ساوث كارولينا”.
وبالتزامن مع الزيارة، أعلنت الدولتان عن تعزيز التقارب والاتفاق في مجالات متنوعة، مثل أشباه الموصلات والمعادن الهامة والتكنولوجيا والتعاون الفضائي والتعاون والمبيعات الدفاعية. وتستهدف الدولتان من ذلك تنويع سلاسل التوريد لتقليل الاعتماد على الصين، والاستحواذ على السوق في التقنيات المتقدمة التي قد تظهر في ساحات القتال في المستقبل، كما أنهت الدولتان النزاعات في منظمة التجارة العالمية، وألغت الهند بعض الرسوم الجمركية على البضائع الأمريكية.
2– تعميق التعاون الدفاعي المشترك: مع استمرار الحرب في أوكرانيا، وفي إطار خطة نيودلهي – وإن كانت تعتمد بشكل كبير على السلاح الروسي– لتنويع مصادر واردتها من السلاح، وجدت في هذه الفترة أن الفرصة باتت مناسبة لعقد صفقات عسكرية مع واشنطن، فيما تستغل الولايات المتحدة هذه المناسبة للحد من اعتماد الجيش الهندي على السلاح الروسي؛ ولذلك يتصدَّر التعاون الدفاعي أجندة اجتماع الزعيمَين؛ حيث ستشهد الزيارة حصول الهند على صفقة طائرات من دون طيار، من طراز “سيجارديان”، بحسب مسؤول في البيت الأبيض، فيما ذكرت “رويترز” أن قيمة الصفقة ستبلغ 3 مليارات دولار، وتشمل 31 طائرة، كما ستشهد الزيارة إعلان موافقة واشنطن ونيودلهي على مقترح شركة “جنرال إلكتريك” لتصنيع محركات “F414” النفَّاثة للمقاتلات في الهند.
وفي هذا الصدد، أعرب “بايدن” و”مودي” عن رغبتهما في تسريع التعاون الصناعي الدفاعي، ورحَّبا باعتماد خارطة طريق للتعاون الصناعي الدفاعي، وهي الخطة التي ستُوفِّر توجيهات سياسية للصناعات الدفاعية، وتُمكِّن الإنتاج المشترك لأنظمة الدفاع المتقدمة والبحث التعاوني والاختبار والنماذج الأولية للمشاريع، كما أكد المسؤولان التزامهما بمعالجة أي حواجز تنظيمية أمام التعاون الصناعي الدفاعي. وأشاد الجانبان بالتوسُّع الراهن في التعاون العسكري والدفاعي بينهما، على غرار مذكرة تفاهم بين شركة جنرال إلكتريك وشركة هندوستان للملاحة الجوية المحدودة لتصنيع محركات نفاثة جنرال إلكتريك F–414 في الهند، لصالح شركة Hindustan Aeronautics Limited Light Combat Aircraft Mk 2. هذه المبادرة الرائدة لتصنيع محركات “F414” في الهند ستُتيح نقلاً أكبر لتكنولوجيا المحركات النفاثة الأمريكية أكثر من أي وقت مضى.
3– التطرق إلى ملف الصراع الأوكراني: كانت الهند غير مُتحمِّسة بشكل واضح لإدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا، وقد اكتفى مودي بتقديم بعض الانتقادات المحدودة للهجوم الروسي لأوكرانيا، وحثَّ بوتين خلال اجتماع في سبتمبر الماضي على “التحرك على طريق السلام”؛ لذلك تراكم السخط في نيودلهي بسبب وجوب إعلان نفسها بجانب الغرب في الصراع، بيد أن اعتماد الهند الطويل الأمد على روسيا في المعدات العسكرية والنفط الخام، يحد من قدرة نيودلهي على الاصطفاف مع الغرب في مواجهة روسيا بشأن حربها في أوكرانيا؛ فمنذ بداية الحرب في أوكرانيا، عزَّزت الهند اقتصادها من خلال شراء كميات متزايدة من النفط الروسي الرخيص. وبناءً على ذلك، أشار جون كيربي إلى أن من المُتوقَّع أن يُناقِش الزعيمان حرب روسيا مع أوكرانيا مع مودي. وفي حديثه عن شراء الهند للنفط الروسي، أوضح كيربي أن مشتريات نيودلهي من النفط الخام تلتزم بالحد الأقصى للأسعار الذي وضعته مجموعة السبع بهدف تقييد أكبر مصدر للإيرادات في موسكو.
وفي هذا الصدد، يبدو أن البيت الأبيض يسعى، خلال الزيارة، إلى استغلال مؤشرات ابتعاد حكومة مودي عن روسيا منذ بداية الحرب، خاصةً في ضوء رغبتها المتزايدة في تنويع مصادر عتادها العسكري، وتزايد وعيها بالعلاقة الوثيقة بين الصين وروسيا، وما يمكن أن يعنيه ذلك من خطر بالنسبة إلى الهند. وتجدر الإشارة هنا إلى أن رئيس الوزراء الهندي حاول خلال الزيارة تأكيد الموقف الهندي المحايد من الصراع، وأكد، يوم 22 يونيو الجاري، أن الهند “مستعدة تماماً” لمساعدة جهود “السلام” الأوكرانية.
4– الدور الهندي في منطقة الهندوباسيفيك: كانت مسألة تعزيز دور الهند في منطقة الهندوباسيفيك من الملفات المطروحة في زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى واشنطن؛ إذ يُفضِّل مسؤولو الإدارة الأمريكية أن يؤكدوا عادةً الدور الاستراتيجي الذي يمكن للهند أن تلعبه باعتبارها شريكاً اقتصاديّاً وعسكريّاً رئيسيّاً في المنطقة، باعتباره حصناً أصيلاً ضد الصين في المنطقة، خاصةً أن كلا البلدين يشتركان في الهدف المتمثل في عدم وجود منطقة تهيمن عليها الصين في آسيا، وخاصةً منطقة الهندوباسيفيك التي تخضع للسياسات الصينية الإكراهية، من وجهة نظرهم.
وفي هذا الإطار، ذكر رئيس الوزراء الهندي، في كلمةٍ له أمام الكونجرس الأمريكي يوم 22 يونيو الجاري، أن “الغيوم القاتمة من القسر والمواجهة تُلقِي بظلالها على المحيطَين الهندي والهادئ. لقد أصبح استقرار المنطقة من الاهتمامات المركزية لشراكتنا”، كما تضمَّن البيان المشترك الذي صدر بعد اللقاء، والذي جمع بين “بايدن” و “مودي”، تحذيراً من التوترات المتزايدة والأعمال المُزعزِعة للاستقرار في شرق وجنوب بحر الصين، وشدد على أهمية القانون الدولي وحرية الملاحة.
5– مناقشة ملف حقوق الإنسان في الهند: تتوالى اتهامات جماعات حقوق الإنسان من تقويض النظام الديمقراطي في الهند من قبل الزعيم ناريندرا مودي، نتيجة سياساته التمييزية ضد المسلمين والأقليات الأخرى؛ وذلك بالرغم من دفاع الحكومة الهندية باستمرار عن سجلِّها في مجال حقوق الإنسان، وإصرارها على أن مبادئ الهند الديمقراطية لا تزال راسخة.
وقد استبقت بعض الجهات الزيارة بمطالبة الرئيس الأمريكي بمناقشة الملف مع رئيس الوزراء الهندي؛ حيث حثت “إيلين بيرسون” مديرة آسيا في منظمة هيومن رايتس ووتش، “بايدن على عدم التهرُّب من مواجهة مودي بشأن وضع حقوق الإنسان المتدهور في الهند”. وعلى الجانب الآخر، أوضح المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض جون كيربي أن “الرئيس الأمريكي اعتاد التطرق إلى المسائل التي تثير قلقنا مع مدعويه، وحقوق الإنسان مسألة تثير قلقنا”.
اللافت أن هذه القضية كانت حاضرة في المؤتمر الصحفي الذي جرى بين “بايدن” و”مودي”، يوم 22 يونيو الجاري؛ ففي رده على سؤال صحفي أمريكي، حول وجود تمييز في الهند ومشكلات حقوقية، قال رئيس الوزراء الهندي “بغضِّ النظر عن الطبقة الاجتماعية والعقيدة والديانة والنوع الجنسي، لا مكان إطلاقاً للتمييز”.
وبالرغم من تصريحات “مودي” ودفاعه عن حقوق الإنسان في الهند، قام بعض المشرعين بمقاطعة خطاب “مودي” أمام الكونجرس الأمريكي، وبرَّرُوا ذلك بتراجع حقوق الإنسان في الدولة، ومعاملة حكومة “مودي” التمييزية للأقلية المسلمة في الهند، ناهيك عن بعض التجمُّعات الصغيرة القريبة من البيت الأبيض التي رفعت شعارات للاحتجاج على احتفاء إدارة “بايدن” برئيس الوزراء الهندي.
6– تعزيز التعاون في مجال التكنولوجيا: جاءت الشراكات في مجال التكنولوجيا أيضاً على رأس جدول زيارة مودي إلى واشنطن؛ فبالنظر إلى مدى تقدم الصين، تدرك الولايات المتحدة الآن أهمية التعاون الوثيق مع الهند، ومحاولة الاستفادة من نقاط القوة على كلا الجانبين، خاصةً أن هناك العديد من الطرق التي يمكن للجانبين الاستفادة من خلالها لتعزيز التعاون التكنولوجي بينهما، ناهيك عن التقدم الذي تم إحرازه في مجال أشباه الموصلات. وفي هذا الإطار، أشار رئيس الوزراء الهندي، يوم 22 يونيو الجاري، إلى أن “التكنولوجيا الناشئة وأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي ستؤدي إلى شراكة قوية بين الدولتين”.
وأشار البيان المشترك الصادر، عقب لقاء “بايدن” و “مودي”، إلى تأكيد الدولتين مواصلةَ التعاون في مجال تكنولوجيا الكم، كما تعهَّدت الدولتان بالحفاظ على برامج التدريب والتبادل الكمي وتنميهما وتقليل الحواجز أمام التعاون البحثي بين الولايات المتحدة والهند، كما رحَّب المسؤولان بإطلاق برنامج منحة بقيمة مليونَي دولار في إطار صندوق الهبات للعلوم والتكنولوجيا بين الولايات المتحدة والهند من أجل التطوير والتسويق المشترك للذكاء الاصطناعي (AI) وتقنيات الكم، وشجَّعوا التعاون بين القطاعَين العام والخاص لتطوير الحوسبة العالية الأداء (HPC) في الهند، كما كرر الرئيس “بايدن” أيضاً التزام إدارته بالعمل مع الكونجرس لخفض الحواجز أمام الصادرات الأمريكية إلى الهند من تكنولوجيا الحوسبة العالية الأداء HPC. ورحَّب “بايدن” و”مودي” بـ35 تعاوناً بحثياً مبتكراً مشتركاً في التقنيات الناشئة بتمويل من مؤسسة العلوم الوطنية الأمريكية (NSF) ووزارة العلوم والتكنولوجيا الهندية (DST).
7– دعم الأجندة المشتركة للعمل المناخي: كانت قضية المناخ والطاقة النظيفة من محاور زيارة “مودي” إلى واشنطن؛ حيث أكد “بايدن” و “مودي” الرؤية المشتركة والطموحة لنشر الطاقة النظيفة بسرعة على نطاق واسع، وبناء الازدهار الاقتصادي، والمساعدة في تحقيق أهداف المناخ العالمي. وسلَّط المسؤولان الضوء على الشراكة بين الولايات المتحدة والهند لأجندة 2030 بشأن المناخ والطاقة النظيفة والشراكة الاستراتيجية للطاقة النظيفة (SCEP) باعتبار أنها تعكس هذا الالتزام.
وأكد الجانبان الالتزام بإنشاء منصات استثمارية مبتكرة من شأنها خفض تكلفة رأس المال بشكل فعَّال، وجذب التمويل الخاص الدولي على نطاق واسع لتسريع نشر الطاقة المتجددة الخضراء وتخزين البطاريات ومشاريع التكنولوجيا الخضراء الناشئة في الهند، كما أعلنا مساعيهما إلى تطوير منصة استثمارية هي الأولى من نوعها بمليارات الدولارات، تهدف إلى توفير رأس المال التحفيزي وتجنُّب المخاطرة بالدعم لمثل هذه المشاريع.
ختاماً، فإن التعزيز الإضافي للعلاقات الهندية الأمريكية، يحمل تداعيات عميقة على النظام العالمي؛ حيث يمكن أن يساعد تعاونهما في تعزيز الأمن العالمي، وموازنة الأنظمة الاستبدادية، والدفاع عن القيم الديمقراطية، باعتبارهما أكبر ديمقراطيتين في العالم. ومن الناحية الاقتصادية، يمكن لشراكتهما تعزيز النمو العالمي، وتشجيع الابتكار التكنولوجي، ومعالجة القضايا المُلحَّة، مثل تغير المناخ وأزمات الصحة العالمية. علاوةً على ذلك، يمكن للشراكة المزدهرة أن تعزز التبادل الثقافي، وتُشجِّع الاحترام المتبادل والتفاهم في عالم متزايد التنوع والترابط.