• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات مترجمة

في إطار زخم اتفاقات السلام والتطبيع في دول في الخليج وفي افريقيا، لإسرائيل مصلحة في اتفاق مشابه مع المملكة السعودية ايضا بسبب اهميتها السياسية، الاقتصادية والدينية. ولكن للسعودية اضطرارات مختلفة داخلية وخارجية وحساسية خاصة بها أيضا. وسيكون ثمن تطبيع العلاقات اعلى عليها من باقي دول الخليج. وبالتالي، ليس واضحا متى وباي شروط ستوقع على اتفاق مثل اتفاقات ابراهيم. وسيحلل هذا المقال الاعتبارات السعودية - الفرص والتحديات المرافقة لخطوة تطبيع العلاقات مع إسرائيل - وسيقف على معانيه وفرص احتمالاته. 

قطعت السعودية شوطا من موقفها المعروف في الماضي كي تؤيد اتفاقات ابراهيم. سياسة "الدعم من الخارج" هذه تنعكس في منح إذن لشركات طيران إسرائيلية التحقيق فوق اراضيها، في التغطية والتحليل (الايجابي نسبيا) في وسائل الاعلام الكثيرة التي توجد في ملكية المملكة وبتصريحات مسؤوليها في الماضي وفي الحاضر. وصرح وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان مؤخرا بان تطبيع العلاقات بين الدولتين نهايته ان يحصل. ولكنه شدد على التزام المملكة بحل المسألة الفلسطينية على اساس مبادرة السلام العربية. ولم يعد السعوديون يوفرون سوطهم عن القيادة الفلسطينية على اجيالها ويتهمونها، إلى جانب إسرائيل، كمسؤولة عن عدم التقدم في المسيرة السلمية. 

تطورت العلاقات بين إسرائيل والسعودية على مدى السنين في عدد من القنوات المتوازية: قناة أمنية - استخبارية، لا تزال تشكل اساسا متينا، وان كان ضيقا، للعلاقات وتبقى بطبيعة الاحوال سرية؛ قناة اقتصادية - تجارية هادئة هي الاخرى؛ وفي السنوات الاخيرة ايضا قناة في مركزها حوار ديني. إلى جانب السرية التي تتميز بها الغالبية الساحقة من العلاقات، تطورت مع الزمن ايضا علاقات علنية وهي تتضمن اليوم ايضا لقاءات بين مسؤولين من الطرفين، ولا سيما ممن تبوأوا في الماضي مناصب رسمية، وبنقل رسائل علنية. ورغم نفي المسؤولين السعوديين، معقول ان المفاوضات والاتفاقات مع مجلس التعاون، مع اتحاد الامارات، البحري والسودان تمت بعلم وتأييد بعض القيادة السعودية على الاقل. وكقاعدة، فان الاتفاقات الموقعة مع هذه الدول تخدم المملكة وتوفر لها مثابة باروميتر يمكنها من خلالها ان تفحص التحولات والمخاطر المحتملة بما في ذلك رد فعل الرأي العام على اتفاق محتمل مع إسرائيل. 

تحديات التطبيع 

يبدو أن القيادة السعودية منقسمة في مسألة التطبيع. بينما يطلق مسؤولون سعوديون في الماضي وفي الحاضر تصريحات علنية بالنسبة لإسرائيل، يبدو أن الملك سلمان يتمسك بموقف تقليدي اكثر تجاه إسرائيل والنزاع بينه وبين الفلسطينيين. في خطابه في ايلول 2020 امام الجمعية العمومة للامم المتحدة ربط سليمان مرة اخرى بين التطبيع مع إسرائيل وبين التزام الاخيرة بسلسلة من الشروط القائمة على مباديء مبادرة السلام العربية. يحتمل أن يكون الاختلاف في رسائل القيادة السعودية في هذه المسألة يعتبر ايضا عن مصلحة في الحفاظ على مجاور مناورة يسمح في ظروف معينة بالتراجع إلى الوراء او بالسير إلى الامام نحو التطبيع. واحتمال التطبيع مع إسرائيل سيرتفع مع وفاة سلمان وبالتأكيد اذا ما توجه ابنه محمد ولي العهد ملكا. معقول أن تتأثر مسألة التطبيع مع إسرائيل ايضا بفهم ابن سلمان إلى اي مدى يمكن لهذه الخطوة ان تعرقل تعيينه وذلك لأنه لا يزال يحتاج في كل الاحوال لان يحظى بالشرعية الداخلية. 

فضلا عن السياسة الداخلية يثور السؤال إلى اي مدى ينفتح المجتمع السعودي، المحافظ في معظمه لإمكانية أن يحتوي اتفاقا مع إسرائيل. حتى الان، باستثناء بعض النقد، عرف المجتمع السعودي كيف يحتوي خطوات تغيير اجتماعية واقتصادية هامة في السنوات الاخيرة. ولكن هذا لا يعني ان اتفاق سلام مع إسرائيل سيحظى بمثل هذا التأييد. وكمساعدة لخطوة التطبيع توجد بعض التغييرات البنيوية الاخيرة في المملكة في مبنى وشخوص مجلس الشورى ومجلس الحكماء، كفيلة بان تمنح اطارا أكثر راحة ومرونة أكبر للأسرة المالكة لاتخاذ خطوات بعيدة الاثر كهذه. 

لا تخفي الاسرة المالكة رغبتها في تغيير الخطاب الداخلي، بما في ذلك الديني. فالدين يلعب دورا مركزيا في الخطاب في المملكة، كوسيلة لدى السلطات بتهيئة القلوب وتجميد الدعم الشعبي لسياستها. وسيتواصل ابن سلمان الاستعانة بالمؤسسة الدينية الممولة من الدولة كي يصد الاعتراضات ويحاول تسويغ خطوات سياسية موضع خلاف بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل. توجد المزيد من الادلة على تبني خطاب متسامح أكثر تجاه اليهود واليهودية وذلك اغلب الظن بهدف فحص رد الشارع وذلك ايضا ببث رسائل التطبيع والتعايش في الخطاب العام. وتأتي ردود الفعل السلبية على هذا الجهد من المنفيين السعوديين اساسا، من معارضي النظام في معظمهم، وليس من المواطنين الذين يخشون التعبير علنا عن آرائهم المعارضة للأسرة المالكة. 

تحدٍ آخر يرتبط بحفظ مكانة المملكة في العالم الاسلامي. هذا الموضوع هو مصلحة عليا لها ومن شأنه أن يتضرر بالنقد عليها من جهات تسعى لان تتبنى الموضوع الفلسطيني وتناكفها بواسطته مثل تركيا وإيران. توجد المملكة في منافسة على النفوذ في العالم الاسلامي مع من يسعون لتحدي مكانتها والاتفاق مع إسرائيل من شأنه ان يمس بهذه المنافسة. وبسبب وزن المملكة في العالم الاسلامي فان الاتفاق معها يحمل قيمة خاصة وسيسمح لإسرائيل كما ينبغي الامل بتحسين علاقاتها مع عموم العالم الاسلامي. 

ثمار التطبيع 

ستساعد اقامة علاقات رسمية مع إسرائيل السعودية في تحقيق عدد من الاهداف الاستراتيجية. اولا، يتضح في السنوات الاخيرة الشك الذي تطرحه النخبة السعودية في استعداد الولايات المتحدة بالوقوف إلى جانبها حين تتضرر مصالحها الحيوية. وللسعودية مصلحة واضحة في أن تكون واشنطن ضالعة بشكل عميق في الشرق الاوسط، وتبقي التزاما وحساسية اعلى للمصالح السعودية، ولا سيما في كل ما يتعلق بإيران، وترى الرياض في اتفاق مع إسرائيل وسيلة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة. ويحتمل أن يكون السعوديون يبقون الموقف من الموضوع إلى ما بعد الانتخابات في الولايات المتحدة، حين يكون لهم ما يعطوه لبايدن، إذا ما فاز بالطبع. ان تعزيز العلاقات مع الولايات المتحدة هو مصلحة سعودية عليا وله تأثير ايضا على مكانة ابن سلمان في الداخل. 

ثانيا، اتفاق مع إسرائيل كفيل في نظرها ان يحسن صورتها ومكانتها الدولة التي تضررت في السنوات الاخيرة، بسبب بعض الخطوات التي اتخذتها. اتفاق مع إسرائيل كفيل بان يحسن هذه الصورة ولا سيما في الكونغرس وهو يتوافق مع المحاولة السعودية لتسويق "الاسلام المعتدل" كجزء من عملية حداثة متواصلة. للسعودية مزايا محتملة اخرى في شكل اتفاق مع إسرائيل، وان كان بعضها يعطى لها دون حاجة للإعلان عن العلاقات. ولكن الاعلان سيسهل عليها، مثلا، الوصول الاكثر راحة إلى تكنولوجيا إسرائيلية بل وربما إلى تعزيز مكانتها في الاماكن الاسلامية المقدسة في إسرائيل. يشار إلى ان تعاظم التخوف السعودي من إيران كفيل بان يكون عنصرا مشجعا للتقرب من إسرائيل، وليس بالذات بالتوقيع على اتفاق رسمي مثلما يمكن له أن يكون ايضا عامل ابعاد. 

المعاني لإسرائيل 

بالنسبة للمملكة تبقى مسألة العلاقات مع إسرائيل مرتبط بمسألة استقرارها ومكانتها والتقدير هو أن اتفاقا مع إسرائيل في الوقت الحالي يعتبر خطوة واحدة ابعد مما ينبغي. ولكن هذا لا يعني انه اتخذت استعدادات له ولا سيما في كل ما يتعلق بتهيئة الرأي العام السعودي والعربي المتبقي في معظمه ضد التطبيع مع إسرائيل. كلما شعرت المملكة ان بوسعها ان تراقب وتتحكم بالخطاب العام فإنها ستشعر أكثر امانا بأخذ خطوات تقارب مع إسرائيل. 

في السطر الاخير فان السعودية تتخذ خطوات مدروسة نحو تطبيع علاقاتها مع إسرائيل في مثابة "التطبيع الزاحف". وفي وزن الاضطرارات والمزايا من الصعب أن نقرر متى وفي اي ظروف ستتفضل المملكة للانضمام إلى اتفاقات ابراهيم. والدرس من التوقيع على هذه الاتفاقات هو أنه لا يمكن استبعاد هذه الامكانية. في الطريق إلى الاتفاق ستدرس المملكة مقياسين اساسيين: استمرار وتوسيع اتفاقات ابراهيم وتحسين العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين. واستعداد إسرائيلي لاتخاذ خطوات تدعم مسيرة السلام ستساعد هذين المقياسين وتساعد امكانية أن تطبع السعودية علاقاتها مع إسرائيل اخيرا. عوامل اخرى كفيلة بان تساعد هي موافقة أمريكية على بيع طائرات اف 35 ووسائل قتالية متطورة اخرى للسعوديين وتغييرات داخلية في المملكة تتعلق بتحسين مكانة إسرائيل في الرأي العام وبهوية الملك السعودي.