هل تنجرف استراتيجية إدارة بايدن بشأن الطموحات النووية الإيرانية بشكل خطير من المنع إلى الاحتواء؟
تتكاثر التقارير التي تفيد بأن الإدارة والإيرانيين يناقشون اتفاقيات جديدة من شأنها من الناحية النظرية أن تحد من برنامج طهران النووي. وقد نفى مسؤول كبير في إدارة بايدن أن تكون أي صفقات وشيكة، لكنه أقر بوجود محادثات غير مباشرة مع الحكومة الإيرانية في عمان.
الإيرانيون أقل خجلًا من الأميركيين. فقد أشار الرئيس السابق للجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني حشمت الله فلاحت بيشة الى أنه تم التوصل بالفعل إلى تفاهمات غير مكتوبة. وقال إن إدارة بايدن "ستغمض عينها عن بعض صفقات الطاقة الإيرانية، و [تسمح] بالإفراج عن بعض الأموال الإيرانية المجمدة مقابل امتناع إيران عن توسيع برنامجها النووي أكثر من المستوى الحالي". علاوة على ذلك، ألمح المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي في الأسابيع القليلة الماضية إلى "المرونة البطولية" وقال إن الصفقة مع الغرب مقبولة شرط ألا تمس البنية التحتية النووية الإيرانية. كان خطابه مشابهًا في العام 2015 عندما تم التوصل إلى الاتفاق النووي الإيراني الأصلي - خطة العمل الشاملة المشتركة.
سمعت في لقاءات أخيرة مع مسؤولين إسرائيليين في تل أبيب أن صفقة محدودة تبدو في الأفق. ستكون الخطوط العريضة على النحو التالي: لن تقوم إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن 60 في المئة ولن تضيف إلى الكمية التي تخصبها بالفعل إلى هذا المستوى. بالإضافة إلى ذلك، ستفرج طهران عن المواطنين الإيرانيين الأميركيين المزدوجين الذين سجنتهم. في المقابل، لن تفرض إدارة بايدن عقوبات جديدة على إيران وستقدم إعفاءات من شأنها أن تسمح للإيرانيين بالوصول إلى ما يقرب من 20 مليار دولار في الحسابات المجمدة حاليًا.
استشهد العديد من المسؤولين الإسرائيليين ـ كدليل على أن مثل هذه العملية قطعت أشواطًا بالفعل ـ بقرار إدارة بايدن هذا الشهر إعفاء العراقيين من العقوبات، وسداد دين للإيرانيين 2.76 مليار دولار مستحق عليهم مقابل النفط والغاز الإيراني.
لقد جمعت إيران بالفعل خمس قنابل من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة - وهو مستوى يقول المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي "ليس له أي غرض مدني مبرر". وإذا استمر الإيرانيون في وتيرتهم الحالية فسيكون لديهم 10 قنابل من المواد الانشطارية مع حلول نهاية العام 2023.
والإسرائيليون قلقون جدًا. والمواد التي تصلح لصنع الأسلحة هي أحد مصادر القلق. وتقوية إيران لبنيتها التحتية النووية أمر آخر، خاصة أن إيران تجعل منشآتها النووية أقل عرضة للضربات العسكرية. وكونها في وضع يمكنها من إنتاج عدد كبير من القنابل النووية من منشآت ستكون غير معرضة للهجوم يحرم إسرائيل من خيار عسكري لاستباق التهديد النووي الإيراني. وبالنظر إلى التاريخ اليهودي، فحكومة إسرائيل لن تنتظر ولن تقبل احتمال خسارة الوسائل العسكرية لمنع تهديد وجودي محسوس.
من الواضح أن إدارة بايدن تحاول منع الصراع المفتوح في الشرق الأوسط. ولكن هل ستكون الصفقة الناشئة جيدة بما يكفي لتحقيق هذه الغاية؟
أشار مسؤولون كبار في الإدارة إلى أنهم هددوا إيران بعواقب وخيمة في حالة تخصيبها إلى 90 في المئة. هذا جيد، لكن الانتقال من 60 إلى 90 في المئة يستغرق القليل من الوقت. علاوة على ذلك، فإن تجميد الإيرانيين التخصيب بنسبة 60 في المئة يعني أن التخصيب إلى هذا المستوى أصبح مقبولاً الآن، على الرغم من أنه لا فائدة حقيقية له سوى صنع القنابل. والأسوأ من ذلك، إذا كان 60 في المئة منهم في مواقع أو منشآت أقل وأقل عرضة للهجوم، فهذا يعني أنه في استطاعة إيران تطوير القنبلة في الوقت الذي تختاره.
وبعبارة أخرى، فإن السماح للإيرانيين بالتخصيب بنسبة 60 في المئة مع السماح لهم بجعل منشآتهم النووية غير معرضة للهجوم يرقى إلى تغيير الولايات المتحدة بشكل أساسي لنهجها في الشرق الأوسط. وبدلاً من السعي إلى منع إيران من أن تصبح دولة نووية كما فعلت حتى الآن، فإن الولايات المتحدة ستتحول ضمنيًا إلى سياسة قبول وضع إيران النووي والاعتماد على الردع، وستنتقل من سياسة المنع إلى سياسة الاحتواء.
ومن شأن مثل هذا الموقف أن يضمن الانتشار النووي في الشرق الأوسط. فقد قال السعوديون بالفعل إنهم سيحصلون على قنبلة إذا امتلكها الإيرانيون. ومن المؤكد أن تركيا ومصر لن تكونا بعيدتين عن الركب. والانتشار غير المقيد هو آخر شيء يحتاجه العالم في وقت يخفض فيه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفعل العتبة النفسية لاستخدام النووي. لذلك يجب على إدارة بايدن أن تنظم أي صفقة مقبلة مع الوقاية - وليس الاحتواء - كهدف لها.
أولاً ـ يجب أن تجعل التفاهمات محدودة زمنياً - حتى نهاية الولاية الأولى لإدارة بايدن.
ثانيًا ـ يجب على الرئيس بايدن أن يوضح علنًا وسرًا أنه إذا رأت الولايات المتحدة أن إيران تتحرك أبعد انتهاء هذه التفاهمات، فهو مستعد لتدمير 40 عامًا من الاستثمار الذي قامت به إيران في بناء بنيتها التحتية النووية.
ثالثًا ـ يجب على الولايات المتحدة إجراء تدريبات في المنطقة على الهجمات ضد أهداف محصنة لتأكيد جديتها. وإذا أرادت الولايات المتحدة تقليل الدافع الإسرائيلي للاستباق خشية أن تفقد الخيار العسكري، فيجب على إدارة بايدن تزويد الإسرائيليين من الآن وحتى كانون الثاني \يناير 2025 بالوسائل لمواجهة ما يمكن أن تنتجه إيران؛ فتزويد إسرائيل بالوقود الجوي لن يقلل من حاجة إسرائيل إلى التحرك عاجلاً وليس آجلاً فقط، بل يوجه أيضًا رسالة إلى إيران مفادها أنها إذا انتهكت التفاهم أو إذا مضت قدمًا في التشديد، فإن الادارة لن تعيق خيار الإسرائيليين.
أخيرًا، يجب على إدارة بايدن إعادة ملء 180 مليون برميل على الفور من احتياطي البترول الاستراتيجي لدينا، مما يظهر أننا سنجعل أنفسنا أقل عرضة للخطر في حالة حدوث صراع في الشرق الأوسط.
كل هذا يبدو عدوانيًا جدًا لصفقة تهدف إلى خفض درجة التوتر في المنطقة. لكن الحقيقة هي أن المكافآت يجب أن تكون متوازنة بالتهديدات. يمكن تجنب حرب خطيرة. لكن سياسة الاحتواء بدلاً من الوقاية قد تسرعها لسوء الحظ.