• اخر تحديث : 2024-04-29 01:16
news-details
قراءات

لماذا استثنى أردوغان الكويت من جولته الخليجية؟


ضمن جولته الخليجية الأولى بعد تجديد عهدته الرئاسية، يزور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل من السعودية والامارات وقطر، مستثنيا في جولته الكويت، والبحرين وعمان. زيارة مهدت لها تفاهمات مسبقة تتوج اليوم بتوقيع اتفاقيات استثمارات تتراوح قيمتها ما بين 25 مليار دولار و30 مليار دولار إجمالا على المدى البعيد. وفي حين تسعى بعض الدول الخليجية في مقدمتها السعودية والامارات لتعزيز مصالح تجارية متوازنة مع تركيا ضمن منطق “رابح رابح”، تبقى الكويت بين أكثر الدول الخليجية التي تسجل عجزا تجارياً ضخماُ مع تركيا.

جولة أردوغان التي استثنت 3 دول خليجية بينها الكويت تهدف لتوقيع صفقات في مجالات عدة بداية بخصخصة أصول مملوكة للدولة وجذب استثمارات مباشرة وإبرام اتفاقيات استحواذ لصالح دول خليجية خاصة في جزء من الصناعات الدفاعية. وذلك بهدف ضخ مزيد من الموارد المالية للميزانية المثقلة باستحقاقات الانفاق الداخلي المتفاقم. والزيارة مدفوعة أيضا بحملة ترويج يقوم بها أردوغان بنفسه لمنتجات تركية تنافسية خاصة في المجال الدفاعي على غرار مسيرات بيرقدار التي حازت على اهتمام إقليمي ودولي بعد أن أثبتت كفاءتها خلال الحرب في أوكرانيا. الجولة تهدف أيضا لفتح الأسواق الخليجية أكثر أمام السلع التركية الصاعدة خاصة السيارات الكهربائية وبعض الآليات والمعدات الثقيلة.

جولة أردوغان الخليجية التي تأتي مباشرة بعد إعادة انتخابه رئيساً لتركيا في مايو الماضي، يصفها مراقبون بمبادرة تركية لتأكيد رغبة ملحة في منح أولوية للمصالح الاقتصادية وتهميش الخلافات السياسية والتي أثرت في العلاقات مع الخليج في السنوات الماضية. ويبدو أن مواقف تركيا ازاء العلاقات الخارجية مع دول الجوار والشرق الأوسط قد تنهج مسار الحيادية أكثر والاكتفاء بدعم المصالح التجارية التي تضررت جراء محدودية التوافق بين تركيا وبعض جيرانها الخليجيين إزاء بعض القضايا. بدورها تسعى كل من السعودية والامارات وقطر لزيادة لكسب نفوذ أكبر في السوق التركية خاصة في مجالات الطاقة والصناعة. مع ميل لتعزيز كفة الاستفادة من الشراكة مع تركيا ضمن منطق الندية وتكافؤ الفرص والمصالح.

ومع اعلان تركيا عن صفقات شراء كل من السعودية والامارات، وقطر، والكويت لمسيرات دفاعية وهجومية من شركة بيكار المملوكة لصهر اردوغان هالوك بيرقدار، نجحت كل من السعودية والامارات في استحواذ جزء من الصناعات الدفاعية التركية وتوطينها ونقل التنكولوجيا الى الداخل الخليجي. على العكس، اكتفت الكويت بشراء المسيرات مع تحمل تكاليف برنامج التدريب والصيانة والاعتماد على تركيا في توريد الذخيرة وقطع الغيار.

وفي حين يروج أردوغان لرفع مستويات المصالح المشتركة مع العواصم الخليجية التي شهدت علاقات أنقرة معها توترات خلال السنوات الماضية، بقيت مصالحها مع الكويت على سبيل المثال مستقرة، لكنها تصب أكثر لصالح تركيا. حيث بقيت استفادة الكويت محدودة. فهل تم تهميش الكويت ضمن رؤية تركيا الجديدة للعلاقات مع الخليج؟

العلاقات التركية الكويتية هل يتم إعادة تقييمها لزيادة المصالح المشتركة؟

في حين ارتبطت أهم أهداف زيارة أردوغان لكل من السعودية وقطر والإمارات بتوقيع اتفاقيات وصفقات، لم تدرج الكويت ضمن جولة الرئيس التركي الخليجية رغم اعلان الحكومة الكويتية في يونيو الماضي عن التوصل الى صفقة شراء مسيرات تركية بقيمة 367 مليون دولار من شركة بيرقدار المملوكة لصهر الرئيس التركي؛ ورغم اعلان الكويت في يونيو الماضي عن الصفقة، لم تدرج الكويت ضمن المحطات الخليجية التي يزورها أردوغان بمبرر الاحتفاء بهذا التعاون الدفاعي المتنامي. وتعد صفقة مسيرات بيرقدار تي بي 2  (TB2) التي أعلن عنها رسمياً في يونيو الماضي، والتي لم يفصح خلالها عن عدد المسيرات التي ستشتريها الكويت، بين أضخم الصفقات في تاريخ العلاقات الدفاعية بين البلدين، علماً أن متوسط سعر المسيرة الواحدة يناهز نحو 5 ملايين دولار للمسيرة الواحدة، دون احتساب كلفة مجموعة الذخيرة ومراكز القيادة والتحكم والتدريب. ومن المرجح أن تعزز المسيرات التركية القدرات الدفاعية الجوية للجيش الكويتي.

ولطالما مثلت الكويت محطة خليجية مهمة أثناء زيارات المسؤولين الأتراك لدول الخليج في السنوات الماضية، بدافع التنسيق حول قضايا مختلفة.  وبذلك فان غياب ادراج العاصمة الكويتية في جولة الرئيس التركي للعواصم الخليجية، يطرح استفسارات كثيرة حول موقع الكويت ضمن رؤية مستقبل التعاون التركي الخليجي في مرحلة مستقبلية قد تشهد تغيرات ملموسة في السياسات التركية خاصة بعد اعادة انتخاب اردوغان رئيسا منذ شهرين.

بعض الترجيحات لا تستبعد أن تكون الكويت محطة زيارة مقبلة لأردوغان اذا توفرت فرص عقد اتفاقيات مستقبلية تنسجم مع رغبة تركية ملحة للحصول على دعم خليجي أكبر للاقتصاد التركي الذي تعصف به أزمات متتالية لعل أبرزها التضخم ومعدلات البطالة المرتفعة. وتعود آخر زيارة رسمية لأردوغان للكويت منذ 6 سنوات في 2017، ولاحقاً زارها في 2020 فقط لتقديم واجب العزاء في وفاة أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح. وتعتبر علاقات الكويت مع تركيا مستقرة، لكن رغم ذلك، شهدت مستويات تبادل الزيارات الرسمية بعض التراجع في السنوات الأخيرة. وكانت آخر زيارة رسمية لوزير خارجية تركي في فبراير 2021. ولعل هشاشة الاستقرار السياسي أثرت على استقرار الديبلوماسية الكويتية وفعّاليتها ومحدودية انفتاحها على استكشاف فرص جدية لتطوير العلاقات المشتركة مع دول الجوار خارج مجلس التعاون الخليجي. في المقابل تكثفت الزيارات الرسمية المتبادلة بين مسؤولين أتراك وبقية الدول الخليجية الأخرى خاصة الامارات والسعودية وقطر بهدف استكشاف فرص تعاون جديدة متكافئة.

وقد شهدت العلاقات التركية الكويتية نمواً في مختلف المجالات لكنه يصب لصالح تركيا. هذا النمو شمل زيادة مستمرة لقيمة الفائض التجاري التركي الذي ارتفع الى نحو أكثر من نصف مليار دولار في 2022، مع تطور ملحوظ لقيمة الصادرات التركية الى الكويت وبلوغها نحو 700 مليون دولار في 2022، في حين لم تتعدى الصادرات الكويتية لتركيا نحو 146 مليون دولار فقط في 2021. فضلاً عن رصد ارتفاع قيمة استثمارات القطاع الخاص الكويتي في الداخل التركي الذي بلغ نحو 1.7 مليار دولار، من ناحية أخرى، تجاوزت قيمة المناقصات التي فازت بها الشركات التركية في الكويت 8 مليارات دولار. وبذلك فان قيمة استفادة تركيا من العلاقات التجارية والاقتصادية ككل مع الكويت تناهز أكثر من 5 مرات ما تستفيده الكويت اجمالا.

ويتملك أكثر من 12 ألف كويتي منازل وعقارات في تركيا منهم 10 ألاف فقط بين 2015 الى حدود 2019، وبلغ معدل اقتناءات الكويتيين للعقارات بنحو 1700 سنوياً منذ بدء تركيا العمل بقانون الذي يسمح بحق تملك العقارات للأجانب. ومن المتوقع أن تتأثر وتيرة تملك الكويتيين للعقارات التركية في 2023 بسبب المخاوف من الزلازل التي ضرب تركيا بداية هذا العام في أعنف نشاط زلزالي في الشرق الأوسط منذ عقود، لكن ليس هناك أي مؤشرات لتوقف اتجاه الكويتيين لتملك عقارات بتركيا.

زيادة المصالح تقود التقارب التركي مع السعودية والامارات 

المساعي التركية لرفع مستوى التعاون والمصالح المشتركة بين أنقرة والرياض وأبوظبي بدأت منذ 2021 بعد نهاية الأزمة الخليجية، وتسارعت وتيرتها منذ العام الماضي. وكانت قد تأثرت العلاقات بسبب الأزمة الخليجية وتبعاتها والمواقف إزاء حركات الإسلام السياسي وايواء تركيا لبعض المعارضين. والى جانب هدف رفع حجم وقيمة المصالح الاقتصادية والتجارية، من غير المستبعد أن تشمل جولة أردوغان عقد مشاورات رفيعة المستوى لتعزيز التنسيق الأمني وتقريب وجهات النظر والرؤى حول قضايا إقليمية ودولية مختلفة. خاصة فيما يتعلق بالأزمة في سوريا وليبيا والعلاقات مع إيران والقضية الفلسطينية والحرب الأوكرانية فضلاً عن فرص الاستفادة من الانفتاح على علاقات مع الشرق في مقدمتها روسيا والصين.

بعض التقارير ألمحت لانتهاج أردوغان بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة لسياسة معتدلة تهدف رفع حجم المصالح التي تعود بالنفع على الداخل التركي مع تجنب السياسات والمواقف الاستفزازية التي كلفت الاقتصاد التركي الكثير مع ميل لاعتماد مواقف الحياد إزاء قضايا إقليمية خاصة. فارتفاع حجم المعارضة التركية لأردوغان خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة بمبررات تهميش الحكومة للانفاق على الواقع التنموي التركي مقابل تضخم كلفة السياسات الخارجية والدفاعية مع التدخل في أزمات إقليمية مختلفة، يبدو أنه توجه بات يشكل متغيرا جديدا أصبح يمثل عامل ضغط على الرئيس التركي قد يضطره أكثر لاعتماد منطق البراغماتية بدل الشعبوية في سياساته الخارجية.

ومن المتوقع زيادة رصد تعديل في سياسات تركيا إزاء دول الجوار والخليج واختيار مواقف الحياد والعمل الأكثر على الشراكات المربحة وتحفيز جذب الاستثمارات والنأي بتركيا عن سياسة المحاور. حيث يبدو أن أنقرة منذ تعيين وزير خارجيتها الجديد هاكان فيدان رجل المخابرات المعروف، تسعى لأن تكون على مسافة واحدة مع دول مجلس التعاون وبقية دول الشرق الأوسط وبوصلتها في ذلك جني المصالح المباشرة دون التدخل المباشر في شؤون بعض الدول وتفادي التصادمات.

كما من غير المستبعد حدوث تقارب تركي سعودي وإماراتي وقطري حول عدد من القضايا الإقليمية مع احتمال تهميش بعض القضايا الخلافية خاصة تلك المتعلقة بحركات الإسلام السياسي والتي على ما يبدو أن تركيا عدلت موقفها خاصة إزاء تراجع احتضانها لبعض رموز المعارضة العرب خاصة من التيارات السياسية الإسلامية وأبرزها الاخوان المسلمين.

وكانت علاقات كل من تركيا الإمارات والسعودية ومصر شهدت فترات توتر خلال السنوات الماضية، لكن سرعان ما شهدت بداية انفراجة منذ 2021، توجت بزيارات متبادلة. وكان أردوغان قد زار كل من السعودية والامارات العام الماضي ومثلت هذه الزيارة نقطة تحوّل أسست لمبدأ تفاهم ورغبة للتعاون والقفز على الخلافات السياسية مقابل رفع درجة المصالح والاستفادة المشتركة، مع تأسيس قاعدة شراكة صلبة توّجت باتفاقيات تم اعداها بقيمة استثمارات ضخمة تم توقيعها خلال الجولة الحالية لأردوغان الطامح لرفع حجم الدعم الخليجي للاقتصاد التركي الذي يشهد أزمات خانقة. ومن غير المستبعد أيضا قيام أردوغان بزيارة محتملة لجمهورية مصر، حيث تشهد العلاقات التركية المصرية بعض التطور الصامت، أشرف عليه منذ البداية وزير الخارجية فيدان عندما كان مسؤول المخابرات.