• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
إصدارات الأعضاء

وجهة نظر اقتصادية …فقط؟


بعد التحية والاحترام وبعد اجتماع السلطتين التشريعية والتنفيذية لمعالجة الواقع المعيشي وسعر الصرف  أقول: يكثر حاليا الحديث (من قبل المختصين وغير المختصين) حول مشاكل الوضع الاقتصادي السوري بشكل عام ومستوى المعيشة بشكل خاص وسعر الصرف بشكل أخص، وانطلاقا من قاعدة اقتصادية تقول (أنه لا توجد مشكلة اقتصادية إلّا وتحمل في طياتها بزور حلها) ولكنّ علم الاقتصاد هو علم الملل والكآبة،  واتقدم بوجهة النظر هذه وكل ما أرجوه هو أن تكون سورية اليوم افضل من البارحة وغدا أفضل من اليوم وهكذا دواليك، وهذا يتطلب مساهمة الجميع لأن الوطن عندما يكون بخير نكون كلنا بخير، وأن الانتصارات العسكرية والسياسية يجب أن تترافق مع انتصارات اقتصادية، والحلول يجب أن تنطلق من الواقع وبعيدا عن تقاذف التهم والعبارات  الشعبوية وبمساهمة من السلطتين (التشريعية والتنفيذية المحترمتين).

برأيي أن نقطة الانطلاق هي ضمان تأمين انسياب السلع والخدمات إلى الأسواق السورية، أي تقليل الفجوة التسويقية بين (العرض الكلي من السلع والخدمات أي المتاح الصافي من الإنتاج أي قيمة الكعكة المجتمعية الاقتصادية) و(الطلب الإجمالي عليها أي مجموع الانفاق المخصص لها أي توزيع الكعكة المحصلة)، وأقصد بالعرض الكلي هو القيمة الاجمالية للناتج السلعي والخدمي للدولة خلال فترة زمنية معينة عادة تكون /سنة / وهي تعادل قيمة الناتج المحلي الإجمالي أو (القيمة المضافة)، وتحسب عمليا بأنها الفارق بين قيمة الإنتاج الكلي والسلع الوسيطة المستخدمة للحصول عليه، وينطبق هذا على العملات الصعبة مثل (الدولار واليورو والين والجنيه) وحتى العملات الأخرى عندما يتم تداولها في السوق المخصصة لها أي (السوق النقدية)  أي أن :

القيمة المضافة = (قيمة الإنتاج الكلي- ناقص قيمة السلع الوسيطة) من السلع والخدمات اللازمة لتحقيق هذا الإنتاج.

وأقصد هنا بالسلعة هي الشيء المادي الملموس المنتج وله منفعة، اما الخدمة فلها منفعة لكنها ليست مادية ملموسة، ويقال بالمثل الفرنسي (إن السلعة شيء إذا وضع على ركبتيك يقع عندما تقف أما الخدمة فلا تقع)، وسأعالج هذا الموضوع انطلاقا من واقع سعر صرف  (الدولار) الأمريكي، وأقول أن الدولار الأمريكي كغيره من العملات الأخرى مثل  الدولار (الأسترالي و الكندي وجزر سليمان وشرق الكاريبي والليبيري والفيجي  والناميبي والنيوزيلندي وهونغ كونغ والزيمبابوي ...الخ )، وهو كأي سلعة يخضع لمقولة (العرض الكلي  والطلب الإجمالي)، ولكن له خصوصية وهي (أنه أصبح مقيما للسلع والعملات الاخر) وذلك بسبب السياسة النقدية الامريكية منذ سنة /  1944/  وتحديدا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وعقد مؤتمر بريتون وودز، حيث تم  ربط عملات دول  العالم بالدولار بعد ان تعهدت أمريكا بربط دولارها بالذهب (الدولار الذهبي)، ولكن تم إلغاء هذا  بتاريخ 15/8/1971 بسبب عجز أمريكا عن الالتزام بذلك وخاصة زيادة نفقاتها و تراجع إنتاجها وصادراتها وزيادة مستورداتها، ولكنها  استمرت سيطرة الدولار بسبب القوة الامريكية الاقتصادية والعسكرية وتحكمها بالمنظومة المالية العالمي سويفت SWIFT  ...الخ، وأمام الضجة الكبيرة حول مستوى المعيشة وسعر الصرف وارتفاعه وتحميله اكثر مما يحتمل، فبرأيي آن الأوان للتمييز بين (العلو والمعلول أو السبب والنتيجة)  ووضع النقاط على الحروف وعدم تقاذف التهم، وبداية ذلك يتجسد بسؤال واقعي وهو جوهر المشكلة :

هل زيادة الفجوة التسويقية وارتفاع سعر الصرف نتيجة ام سببا؟

فالدولار سلعة و تخضع لقانون العرض والطلب مثل أي سلعة أخرى، والدليل كيف حافظ الدولار على سعره /47/ ليرة سورية +_4% هامش تذبذب وعلى مدار أكثر من /20/ سنة وتحديدا حتى سنة /2011/ أي حتى الحرب على سورية بتاريخ 15/3/2011 ومن ثم بدأ بالارتفاع الكبير، وبعد الحرب بدأ الارتفاع في سعر الصرف ولم يستطع راسموا السياسة النقدية (البنك المركزي) وضع حد لهذا، وعمليا  تم تغيير عدد كبير من حكام المصرف المركزي، وأنا هنا صدقا لا أدافع ولا أبرر لأي منهم، مع قناعتي بأن الواقع الاقتصادي يحتاج إلى (جراحة عصبية اقتصادية) وبحوار هادئ وهادف، وهذه المشكلة تضخمت نتيجة عدم التمييز بين العوامل الداخلية والخارجية وتوضيح العلاقة بين الاقتصاد الكلي والجزئي والصادرات والمستوردات وغيرها، وتتلخص وجهة نظري بجانبين وهما:

أ- عوامل موضوعية أي أنها خارجة عن قدرة وطاقة راسمي السياسة النقدية.

ب- عوامل ذاتية مرتبطة بإجراءات وقرارات السلطة النقدية.

والجميع مسؤول عن ذلك لكن بنسب مختلفة حسب دوره وموقعه، والسؤال هنا بدقة يجب أن يتركز بشكل جوهري حول الفجوة التسويقية أي (المتاح من الدولار والمطلوب)؟ و بعد ذلك تنطلق الأسئلة الفرعية ومن أهمها كيفية إدارة المتاح من الاحتياطيات النقدية المتاحة؟، وبشكل عملي ما هو واقع مصادر تأمين  الدولار و بشكل أساسي (قيمة الناتج المحلي الإجمالي والصادرات والمستوردات وتحويلات المغتربين) وغيرها، وهنا يجب الاحتكام إلى واقع (مستوى  الدورة الاقتصادية)، فقيمة الناتج والصادرات والتحويلات الخارجية تراجعت، وانتقلنا بفعل الإرهاب الاقتصادي (عقوبات وحصار) وتدمير ممنهج للمواقع الإنتاجية من قبل العصابات الاجرامية وداعميهم من الاكتفاء الذاتي للكثير من السلع إلى الاستيراد وخاصة للسلع الضرورية مثل (قمح ونفط وخضار وفواكه وأدوية) و(سلع مصنعة ونصف مصنعة)  وغيرها، ونجم عن هذا مباشرة تراجع  كمية (الاحتياطيات النقدية) وزاد الطلب على السلع الخارجية ومنه الدولار، وارتفع الطلب عن العرض فزادت الأسعار مباشرة، فتراجعت نسبة التغطية أي (قيمة الصادرات على / قيمة المستوردات) وأصبحت  قيمتها أقل بكثير  من [/1/ أو 100%] وهذا أدى إلى زيادة الطلب على الدولار لتغطية المستوردات مما أدى إلى ارتفاع سعر الصرف لأن سعر الصرف هو (سعر عملة مقابل عملة أخرى).

وأفضل وأقصر الطرق لتعزيز ليرتنا أمام الدولار هو زيادة (الإنتاج المادي) من (زراعة وصناعة) والإنتاج هو بداية الدورة الاقتصادية (إنتاج -توزيع- تبادل - استهلاك - إعادة الإنتاج)، وكلما تحسن واقع الإنتاج تحسن واقع الليرة أمام العملات الأخرى، فالنتاج للوطن بمثابة القلب للإنسان حيث أنه مسؤول عن ضخ النقود والسلع كما يضخ القلب الدماء في الجسم، وربطا ولتحقيق ذلك لابد من السيطرة على الموارد السورية وبأكملها وطرد المحتلين وتوابعهم من الأرض السورية وخاصة الجزيرة السورية التي تضم اكثر من /60%/ من الثروة السورية، والاعتماد على المغتربين السوريين وتشجيعهم لزيادة الاستثمارات والتحويلات وتجاوز العقوبات والحصار الغربيين ومن طرف واحد ومخالفين للشرعية الدولية، وزيادة التشبيك مع اقتصاديات الدول الصديقة وتجمعاتها من (الاتحاد الأوراسي وبر يكس وشنغهاي) وغيرها، وان تترافق هذه الإجراءات مع عوامل داخلية من (زيادة الإنتاجية الصناعية والمردودية الزراعية ومكافحة الهدر وتحسين المنظومة الإدارية وتطبيق الحساب الاقتصادي بما يضمن الربح والربحية الوطنية ...الخ)، ونقطة الانطلاق استغلال كل متر مربع متاح وطاقة إنتاجية، فزيادة الإنتاج يعني تقليل الفجوة التسويقية يعني تقليل الحاجة للدولار من خلال الاكتفاء الذاتي يعني زيادة الصادرات وتأمين مزيد من القطع الأجنبي يعني زيادة الاستثمارات  وهكذا، ولكن للأسف إن عدم التمييز بين (السبب والنتيجة والعلة والمعلول) أدى إلى (رؤية ضبابية) أمام راسمي السياستين النقدية والمالية وحتى الاستثمارية، ونتج عن ذلك اتخاذ إجراءات قد تكون غير دقيقة ومنها مثلا [عدم التركيز على زيادة معدل النمو الاقتصادي وهذا من اهم أهداف السياسة الاقتصادية وتجسدت في تراجع القيمة المضافة بسبب تراجع معدلات الإنتاجية الصناعية والمردودية الزراعية - إبعاد مجلس النقد والتسليف وعدم مشاركته في اتخاذ القرارات المناسبة وترتيب الأولويات وتحديد نوع السياسة النقدية سواء كانت (توسعية ام انكماشية) وما يترتب على ذلك  من تغير في معدلي التضخم والبطالة - عدم دراسة سعر الفائدة وسعر الخصم  المناسبين- التأخر في معالجة التداعيات التراكمية السلبية  لبيع الدولار بحجة التدخل الإيجابي من قبل البنك المركزي وأيضا تمويل الصادرات ومشاكل الحصول على إجازة الاستيراد - استحداث منصة لتمويل المستوردات بموجب القرار /1070/منذ أكثر من /2/سنة ومن ثم تم تعديلها بموجب القرار /970/ خلال هذا الشهر، والقرار بحاجة إلى تعديل او إلغاء والبحث عن ألية جديدة تضمن انسياب السلع والخدمات إلى الاسواق ومن أهمها فتح التنافسية وإلغاء الاحتكار وتنظيم عمل القطاع غير الرسمي وتطبيق مبدأ دعه ينتج دعه يسوق- عدم التنسيق بين السياسات الاقتصادية من نقدية ومالية واستثمارية وتجارية وعدم  وجود (ضابط إيقاع)  ينظم عملها لتنسجم وتتوجه في اتجاه واحد يهدف إلى تحسين رؤوس المربع الاقتصادي من (زيادة معدل النمو وقيمة الناتج وتراجع معدلي التضخم والبطالة) وتفعيل وتسهيل  عمل المشاريع الصغيرة وتمويل المشاريع الإنتاجية بشروط ميسرة -  معالجة التهرب الضريبي...الخ].

وهكذا يظهر لنا أن معالجة الفجوة التسويقية وسعر الصرف نتيجة وليس سبب، ومعالجتها مهمة الجميع وليس جهة واحدة وكل من موقعه مع ترسيخ ثقافة الإنتاج، وان يكون هذا التوجه هو الهدف المحوري لخطوات الإصلاح الإداري أي زيادة القيمة المضافة وخاصة في مواقعنا الإنتاجية، وأن يكون قطاع الخدمات مخدما لقطاع الإنتاج، واستغلال وعودة مواردنا الاقتصادية وفي مقدمتها جزيرتنا الغناء وبأي طريقة كانت ووضع خرائط استثمارية وإنتاجية وتسويقية ومالية لزيادة قوتنا الاقتصادية التي هي الأساس المادي لكل أنواع القوى الأخرى،  فالاقتصاد القوي يدعم الليرة السورية ومن ثم قوة ليرتنا تدعم اقتصادنا، ويشرفني ان أتقدم بالاقتراحات لاحقا، إنها مجرد وجهة نظر وفوق كل ذي علم عليم. ......يتبع.