اختارت تركيا ان تدعو العراق الى زيارة مرتقبة للرئيس التركي رجب طيب اردوغان في ذكرى مرور (100) عام على معاهدة (لوزان) بين تركيا وبين بريطانيا وفرنسا وايطاليا وروسيا في 24/7/1923 والتي قلصت حجم جغرافية الدولة العثمانية كثيرا لتغدو بحجم تركيا الحالية، وإجبارها على التخلي عن مناطق كبيرة كانت تابعة لها، ومنها (الموصل). حيث استقبل السيد محمد شياع السوداني سفير تركيا ببغداد (علي رضا كوناي) معه ملفات عديدة بينها (الزيارة المرتقبة للرئيس التركي اردوغان).
تثار اليوم اتفاقية لوزان الثانية وتطرح للنقاش، حيث بدأت المخاوف تطفو على السطح مع انقضاء الفترة. والسؤال: هل ستعود تركيا بعد انتهاء "معاهدة لوزان 2"، وتجدّد مطالبتها بالموصل، وهي تحمل مشروع "عثمنة جديدا" في المنطقة؟
تركيا الى الان تتعامل مع الموصل على انها جزء من (هضبة الاناضول) ومازالت تضع لـ (ولاية الموصل) ميزانية (رمزية) كل عام.
الغرب ادرك -تماما-ان اردوغان يحمل مشروعا يخطط فيه لعودة هيمنة (الامبراطورية العثمانية) من جديد بعد ان تكون معاهدة (لوزان) قد نزعت جلد الامبراطورية العثمانية القديمة) وقيدتها بشروط يرى فيها الاتراك انها مجحفة و(مهينة) مثل (إلغاء السلطنة ثم الخلافة، ونفي الخليفة وعائلته خارج تركيا، ومصادرة جميع ممتلكاته، وإعلانها دولة علمانية، ومنع تركيا من التنقيب عن النفط واعتبار مضيق البوسفور الذي يربط بين البحرين، الأسود ومرمرة ثم البحر المتوسط، ممرًا دوليًا لا يحق لتركيا الحصول على رسوم من السفن المارّة عبره) وغيرها مما يطول ذكره .
أردوغان، في لقاءات منتظمة برؤساء البلديات الأتراك دعاهم بأن يرسلوا رسائل تاريخية وسياسية إلى الخارج والداخل، تؤكد اهتمام تركيا بالتخلص من آثار المعاهدة، وإعادة ترميم حقوقها التي اغتصبها الحلفاء. وتنشر تركيا أيضا أن نصوص المعاهدة غير عادلة، وأنها ستعمل على استرجاع حقوقها!
الاكراد من جهتهم يكرهون معاهدة لوزان ويخرجون بتظاهرات في سويسرا كل عام (مكان الاتفاقية) للتنديد بها باعتبار انها لم تمنحهم فرصة الانفصال وتكوين (مشروع دولة)، وإذا كانت تركيا قد حضرت للتفاوض في معاهدة (لوزان) فان العرب لم يمثلهم أحد فيها وبقوا منتظرين ان تتغير عناوين الاستعمار لا غير.
قبل ايام أنهى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان زيارته الى الإمارات ضمن جولته الخليجية التي استمرت ثلاثة أيام بعد أن كان زار السعودية وقطر، وصنفت الزيارة حسب مراقبين، لتلقي بظلالها على طموحات أنقرة لاستعادة نفوذها في المنطقة!!
تركيا تراقب -عن كثب - ضمور النفوذ الاميركي بالمنطقة وشيخوخة الغرب الذي اهانها بمعاهدة (لوزان).
الغرب مدرك للمشروع التركي بقيادة اردوغان لذا صنع (معارضة) قوية نافست اردوغان بشدة بالانتخابات الاخيرة بقيادة (كليجدار اوغلو) وجاءت النتائج متقاربة بمعنى ان اردوغان لا يمكن ان يكون (الاوحد) بإدارة بلد فيه هذا الحجم من المعارضة وفيها عناصر مسلحة تركية مازالت تستخدم السلاح (البككه).
بات واضحا ان الغرب لا يريد لتركيا التي تملك تاريخا استعماريا بالشرق الاوسط ان تكون منافسا لها في هذه المنطقة الغنية بثرواتها والمهمة بموقعها، فاستخدمت ورقة الاقتصاد وصنعت التضخم وصعوبة الحياة المعاشية للمواطنين الاتراك.
لا يمكن لنا ان لا نراقب المشروع التركي الجديد بالمنطقة لان فيه الكثير من الاثر على العراق والمنطقة والتي نحن جزء منها.
الاستعمار العثماني هو الاسوء بعد الاستعمار المغولي باتفاق جميع المؤرخين، وإذا كان عدد نفوس العراقيين عند دخول المغول لبغداد سنة 1258 ميلادي فان عددهم بعد (400) سنة من الاستعمار العثماني وصل الى مليون وسبعمائة وخمسون ألف لا غير عام 1917م.
تركيا الان تهيمن على مصادر المياه الواردة الى العراق، وتحتل مساحة كبيرة من الاراضي العراقية، وتهيمن على تصدير نفط الاقليم وكانت سببا في دخول تنظيمات داعش الى الموصل، حيث تولت الاستقبال والتدريب والتسليح وتسهيل المرور والدعم الاقتصادي عبر بيع النفط المسروق لهم، وتركيا مازالت تحتفظ بعلاقات قوية وفاعلة بالسياسيين من المناطق (الغربية) ومع كل انتخابات يتوافدون على اسطنبول لتقدير حجم المشاركة وحل الخلافات احيانا مع تمويل ايضا، فيما مازال التركمان في كركوك والمناطق الاخرى يرون في تركيا حارسا لحقوقهم .!اما اكراد الاقليم فان احزاب أربيل هي الاقرب للعلاقة مع تركيا .
تركيا تريد ان تنهض بالعرب باعتبار انها كانت يوما (ولي امرهم) وان تعيد الولد لأبيه، والعرب لا يرون بتركيا غير سبب في نكستهم وغيابهم عن الحياة والتطور على مدى أربع قرون وان فترة استعمارهم للشعوب تسمى بـ (الفترة المظلمة)!
الاوراق التي سيتناولها الرئيس اردوغان في البحث مع القيادات العراقية هي:
1-إقامة منتدى العمل الاقتصادي المشترك بين البلدين في البصرة،
2- التداول بشأن مساهمة تركيا في مشروع طريق التنمية إلى جانب بقية دول الجوار.
3- المياه المشتركة وخطط إقامة مركز قياس مشترك على الحدود العراقية التركية.
4-قضية "حزب العمال الكردستاني".
5- إعادة تصدير نفط إقليم كردستان العراق عبر ميناء جيهان التركي.
6- أمن الحدود والتعاون المشترك في الجانب الاستخباري وتبادل المعلومات.
7-ملف الطاقة.
إذا كان العرب -ومنهم العراق -لم يكونوا جزء من تقاسم المصالح بعد الحرب العالمية الاولى والثانية، وهم ضحايا الحربين ايضا، فان التحولات الجديدة بالعالم والمنطقة تدعوهم ان يكونوا راعين لمصالح شعوبهم، فمثلما تفكر تركيا ان تهيمن على المنطقة وتعيد (الامبراطورية العثمانية) فالعرب وعلى راسهم العراق عليهم ان يعيدوا تشكيل المنطقة بما يحافظ على قوتهم وامنهم واقتصادهم وكرامة شعوبهم دون ان يكونوا مهمشين وتابعين.!
كيف للعراق ان يستخدم اوراقه في قضية المياه المشتركة وما يمر به البلد من تدهور وانحسار للأراضي الزراعية والثروات المائية وغيرها، وكيف له ان يحرر الاراضي التي اصبحت في قبضة القوات التركية بعمق 120 كم وقد شيدت عليها (36) قاعدة عسكرية، وباتت تقتل وتعتقل وتهجر وتدمر؟
اوراق العراق كثيرة وفي مقدمتها الميزان التجاري بين البلدين والذي يصل الى 22مليار دولار سنويا وكذلك ورقة حزب العمال وغيرها، ولكن ما نخشاه ان تنحصر المفاوضات في حدود ضيقة، ونعود من (المولد بلا حمص) كما يقول المثل المصري
ونعود ننتظر مرة ثانية عمن سوف يهيمن على المنطقة ولمن سنتبع!؟