• اخر تحديث : 2024-04-26 21:42
news-details
تقدير موقف

تداعيات الحرب الروسية - الأوكرانية على النظامَين الدولي والمغاربي


تتسم الحرب الروسية - الأوكرانية بطبيعتها المركبة بسبب أبعادها المنوعة؛ الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية، ولهذا تعددت تداعياتها على النظام الدولي، وتختلف هذه التداعيات من حيث مداها الزمني بين الآني والمتوسط المدى والبعيد المدى. تحاول هذه الورقة رصد أثر هذه الحرب في بنيات الأنظمة الفرعية الإقليمية في جنوب الكرة الأرضية، وتُعدّ المنطقة المغاربية باعتبارها نظامًا فرعيًا إقليميًا Regional Subsystem نموذجًا ملائمًا لرصد مدى تأثير هذه الحرب في بنيته، فهل أركان هذا النظام تحكمها عناصر أخرى إقليمية أم أن تأثّره بتطورات النظام الدولي يبقى محدودًا؟ لكن قبل ذلك ينبغي لنا أن نجيب عن سؤال آخر مهم هو: إلى أي حد ستتأثر بنية النظام الدولي نفسه بالحرب الروسية - الأوكرانية؟

أولًا: هل يقف العالم على أعتاب نظام دولي جديد؟

يرى بعض الباحثين أن للحرب الروسية - الأوكرانية أثرًا كبيرًا في العلاقات الدولية، وأنها ستشكل نقطة تحوّل في تطور النظام الدولي. وفي المقابل، يذهب آخرون إلى أن هذه الحرب تشكّل تحديًا للنظام الدولي الحالي، لكن لن تؤدي إلى تغيّر جوهري في بنيته.

كانت بنية النظام الدولي تتجه نحو تعددية قطبية نسبية قبل بدء حرب روسيا على أوكرانيا، حيث بدأ النظام الدولي الأحادي القطبية الذي نشأ في أعقاب نهاية الحرب الباردة يواجه تحديات كبرى، إذ شكلت مرحلة 2017-2019 فترة مخاض للنظام الدولي، وظهرت فيها مؤشرات على توجهه إلى تعددية قطبية مع صعود الصين وعودة روسيا إلى المسرح الدولي، إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية التي قادت العالم في نظام أحادي القطبية منذ تفكك الاتحاد السوفياتي. ويُعدّ فشل السياسات القصرية لنشر الديمقراطية الليبرالية وصعود النزعات الوطنية والاقتصاد المفرط في العولمة من العوامل الأساسية لهذا التحوّل النسبي في بنية النظام الدولي. ومع ذلك، تبقى الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي يتوافر لها مقوّمات القوة العظمى. وعلى الرغم من أن لدى الصين مؤهلات لتصير قوة عظمى، وليس مجرد قوة دولية كبرى، فإنها لا تزال مقيّدة بجوارها الإقليمي غير الصديق، حيث لا تزال قوى معادية لها، خاصة أميركا، تتحرك في الحديقة الخلفية للصين في شرق آسيا وتؤثر فيها، وفي الأخص في منطقة بحر الصين الجنوبي. ولدى أميركا حلفاء كثيرون في شرق آسيا (اليابان وتايوان وكوريا الجنوبية وماليزيا وأندونيسيا وفيتنام وبروناي ... إلخ) يمثلون عرقلة جيوسياسية للصين للتنافس على ريادة العالم. وأما روسيا، فعلى الرغم من أنها قوة عسكرية عظمى، فإنها قوة اقتصادية متوسطة، ولا تستطيع أن تنافس باقي الاقتصادات الكبرى، وقد لا يصمد اقتصادها كثيرًا أمام العقوبات المنوعة التي فرضتها عليها أميركا وحلفاؤها بعد غزوها أوكرانيا، وقد تحتاج روسيا إلى سنوات كثيرة للتعافي من تداعيات حربها مع أوكرانيا.

في عام 2021، حصلت روسيا على المرتبة الحادية عشرة ضمن أكبر الاقتصادات الدولية، بحوالى 1.7 تريليون دولار في ناتجها الوطني الخام (GDP)، وتوقعت المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية قبل هذه الحرب أن يشهد اقتصاد روسيا نموًّا متصاعدًا خلال السنوات اللاحقة، لكن ستؤثر هذه الحرب كثيرًا في هذا النموّ. وعلاوة على ذلك، يفتقد الاقتصاد الروسي التنوع في الإنتاح والتصدير، ويعتمد بشكل كبير على الصادرات، حيث كانت تمثل عائدات مبيعات النفط الخام والمنتوجات النفطية والغاز الطبيعي أكثر من نصف الميزانية الفدرالية لروسيا قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية الحالية.

ويمكن وصف طبيعة النظام الدولي قبل اندلاع الأزمة الأوكرانية بثلاثي القطبية، لكن توزان القوة بينها يختلف من مجال إلى آخر. فعلى المستوى الاقتصادي، تبقى كل من أميركا والصين القوتين الاقتصاديتين العظميين من دون ند ثالث لهما، لأن هناك فجوة شاسعة بينهما وبين القوة الاقتصادية الثالثة في العالم، وهي اليابان بحوالى 5 تريليونات دولار، بينما تشغل أميركا المرتبة الأولى بأكثر من 23 تريليون دولار، والصين المرتبة الثانية بأكثر من 17 تريليون دولار، وأما روسيا، فتبقى قوّتها الاقتصادية متوسطة إلى ضعيفة، مقارنة بهذه القوى الاقتصادية الكبرى. وعلى المستوى العسكري، على الرغم من وجود تسع دول نووية حاليًا، فإنه يمكن الحديث هنا، من حيث الحجم والنوع والميزانية، عن ثلاث قوى عسكرية عظمى: أميركا وروسيا والصين. وقد أعطى تعدد الأقطاب الدولية لمختلف دول العالم هامشًا واسعًا للمناورة، حيث نشهد صعود قوى جديدة متوسطة مستقلة في سياساتها الخارجية ولو نسبيًا عن الفلك الغربي - الأميركي. لكن تبقى الولايات المتحدة هي القوة الأكثر تأثيرًا في السياسات الدولية.

على الرغم من أن الحرب الروسية - الأوكرانية تشكل تحديًا للنظام الدولي الحالي، فإنها لن تتسبب بتحول كبير في بنيته؛ أولًا، لأن هذا النظام يتميز بقدر كبير من المرونة لامتصاص الهزات الدولية الكبيرة، كما حدث عندما انتهت الحرب الباردة عقب تفكك الاتحاد السوفياتي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي؛ وثانيًا، لأن هذا النظام الحالي لا يزال يشتغل بقواعد ومؤسسات ما بعد الحرب العالمية الثانية التي أنشأها الغرب، خاصة الولايات المتحدة الأميركية التي لا يزال لها نفوذ كبير فيها، بينما يبقى تأثير الصين وروسيا ضعيفًا جدًا حتى الآن؛ وثالثًا، لأن التغير النسبي في بنية النظام الدولي بدأ قبل اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وقد يكون هذا التغير هو الذي ساهم في اندلاع هذه الحرب، حيث أعطى لروسيا ثقة أكبر في نظام متعدد الأقطاب.

ثانيًا: النظام الإقليمي المغاربي

يعتبر النظام الفرعي الإقليمي إطارًا مناسبًا لتفسير كيف تتفاعل الدول المغاربية في ما بينها، ومع القوى الدولية أيضًا. وتسمى أنظمة فرعية لأنها جزء من أنظمة إقليمية أوسع، أو لأنها مرتبطة بأنظمة فرعية أخرى، لكنها ليست بالضرورة تابعة لها. لم تحظ الأنظمة الفرعية الإقليمية بالاهتمام المستحق في ظل الحرب الباردة، وفي المرحلة التي تلتها أيضًا، لأن نظامي الثنائية القطبية والأحادية القطبية لم يسمحا برؤية واضحة للتفاعلات بين الإقليمية المستقلة لهذه الأنظمة الفرعية الإقليمية، فهذان النظامان الدوليان كان يُرخيان بظلالهما على الأنظمة الإقليمية. لكن تعدد الأقطاب الذي ظهر خلال السنوات الأخيرة، سمح للأنظمة الإقليمية بتأكيد تميّزها أكثر، وإبراز خصوصياتها عن النظام الدولي. لذلك لا بد من فهم طبيعة النظام المغاربي الراهن لاستشراف مدى تأثير هذه الحرب في المنطقة المغاربية.

على الرغم من اختلاف الباحثين في تحديد شروط قيام الأنظمة الفرعية الإقليمية، فإن المنطقة المغاربية تحوز تلك الشروط الأساسية كلها، منها الترابط الكبير ذو المستويات المتعددة بين وحداته وقربها الجغرافي، ونظر الفاعلين الدوليين إليها على أنها منطقة متميزة أو "مسرح عمليات" لسياساتهم. تعتبر النزاعات الإقليمية الموروثة عن الحقبة الاستعمارية والخوف المتبادل وانعدام الثقة المتبادلة والتنافس على النفوذ الإقليمي أهم المحددات الرئيسة للنظام الإقليمي المغاربي، التي تؤثر بشكل كبير في التوجهات العامة للسياسات الخارجية للدول المغاربية وعلاقاتها الثنائية. وقد اتّسمت العلاقات بين الدول المغاربية منذ الاستقلال بالتنافس والصراع، يدلّ على ذلك الحدود البرية المغربية - الجزائرية التي بقيت مغلقة منذ الاستقلال باستثناء فترة وجيزة بين عامي 1988 و1994. وتعتبر حرب الرمال في عام 1963 نقطة مفصلية في تطور النظام المغاربي، فمنذئذ حرص المغرب والجزائر على الحفاظ على وضعهما في النظامين الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من التغيرات التي مر بها النظام الدولي في العقود الأخيرة، خاصة بعد الحرب الباردة، فإن النظام المغاربي حافظ إلى حدٍ كبير على توازن القوى القائم من دون تغيرات مهمة، وتكيّف مع تطور النظام الدولي. وهذا ما يفسر ’صمود‘ هذا النظام على الرغم من تغير طبيعة النظام الدولي من الثنائية القطبية، مرورًا بالأحادية القطبية لفترة وجيزة نسبيًا، إلى إرهاصات نظام متعدد الأقطاب خلال السنوات القليلة الأخيرة.

وبعد انهيار نظام معمر القذافي في ليبيا (2011)، غدا المغرب والجزائر هما اللذان يحددان قطبية النظام المغاربي. ومن ثم، يمكن اعتبارهما "القوتين الإقليميتين الرئيستين" في المنطقة، وهما دولتان متساويتان في القدرات نسبيًا، كما هو شأن جلّ الدول العربية التي تتشكل منها الأنظمة الفرعية العربية. ولا توجد دولة كبرى في المنطقة يمكن أن تفرض نفسها قوةً مهيمنة إقليميًا، أو على الأقل دولة محورية، ولا تستطيع أي قوة دولية كبرى من خارج المنطقة أن تفرض نفوذًا واسعًا على المنطقة أيضًا.

سمحت البنية متعددة الأقطاب للنظام الدولي الحالي للدول المغاربية بهامش للمناورة ومزيدًا من الخيارات والبدائل، وقد انعكس ذلك على سياساتها الخارجية التي عرفت بعض التغييرات الطفيفة، وقد تجسّد ذلك بوضوح في مواقفها تجاه الحرب الروسية – الأوكرانية، حيث لم تعلن عن مواقف حدّية واضحة، ولم تكن منحازة إلى أحد الطرفين. وقد ظهر واضحًا أن المحدد الأساسي لمواقفها من هذه الحرب هو مصالحها الوطنية الخاصة، وهذا ما كان يصعب تحقيقه بسهولة في ظل نظامي الثنائية والأحادية القطبية. وتبعًا لذلك، تحاول الدول المغاربية الآن التوفيق بين الحفاظ على التحالفات التقليدية والسعي لتنويع شركائها الاستراتيجيين. تقوم هذه التحالفات والشراكات الجديدة على المصلحة في الدرجة الأولى، وتفتقد الخلفية الأيديولوجية، كما هو شأن تلك التي سادت في ظل الحرب الباردة، ويمكن وصف هذه الشراكات الجديدة بأنها تحالفات مرنة، وهي أقرب إلى انحيازات Alignments منها إلى تحالفات حقيقية، لذلك فهي تتغير باستمرار، وتنتقل الدول بسهولة وسرعة من تحالف إلى آخر.

ثالثًا: أثر الحرب الروسية - الأوكرانية في بنية النظام الإقليمي المغاربي

إذا نظرنا إلى كل دولة مغاربية على حدة، فسنجد أن للحرب الروسية - الأوكرانية تداعيات سلبية وإيجابية متفاوتة، فقد استفادت الجزائر وليبيا ماليًا من هذه الحرب بفضل ارتفاع الأسعار الدولية للنفط والغاز، وحاجة الغرب إليهما. وتشكل هذه الحرب فرصة كبرى للجزائر لتعديل تحالفاتها وتعزيز علاقاتها أكثر مع الدول الغربية، خاصة ألمانيا وإيطاليا وإسبانيا، وجذب مزيد من الاستثمارات لتحديث قطاعي النفط والغاز، لكن ما زالت النخب السياسية الجزائرية حذرة من الغرب، ولا تثق فيه كثيرًا، وتُفضّل أن تكون أقرب إلى روسيا. وفي المقابل تضرّرت باقي الدول المغاربية كثيرًا، ومن ضمنها المغرب، بسبب ارتفاع معدل التضخم العالمي وارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب وباقي الواردات.

أما في ما يتعلق بالنظام المغاربي، فإذا كان هناك تأثير في المنطقة المغاربية باعتبارها منظومةً ونسقًا إقليميًا، فهو تأثير سلبي، لأنه في ظل هذه الحرب، توسّعت الهوّة بين المغرب والجزائر، فقد استعملت الدولتان هذه الحرب لخدمة مصالحهما المتناقضة. فقد وظّفها المغرب براغماتيًا للضغط على الغرب عمومًا، ولا سيما أميركا، للدفاع عن مصالحه. وقد تجسّد ذلك، على سبيل المثال، في عدم إدانة المغرب الواضحة للغزو الروسي لأوكرانيا، وغيابه عن جلسة إدانته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2 آذار/ مارس 2022. يمكن الجزم أيضًا بأن هذه الحرب أنقذت العلاقات المغربية - الأميركية من التدهور بعدما لوحظ عدم تفاعل الإدارة الحالية خلال الشهور الأولى من ولايتها مع القرارات التي اتّخذها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب (2017-2021)، في خصوص قضية الصحراء الغربية. وحين تفاقمت الأزمة الأوكرانية، برزت حاجة أميركا إلى دعم حلفائها التقليديين ضد روسيا، لنلاحظ بعض التفاعل المحدود لإدارة الرئيس الأميركي جون بايدن مع ما تم توقيعه في آخر أيام ترامب في البيت الأبيض.

في المقابل، عزّزت هذه الحرب تموقع الجزائر إقليميًا ودوليًا، مستعملة سلاح النفط والغاز، فبدأ الغرب يتودّد إليها، ويتجنّب إغضابها، ولعلّه أخذ الدرس مما حدث مع إسبانيا. والجزائر دولة أساسية في المنطقة وفاعل مهم، خاصة مع امتلاكها الغاز، لكن هناك قيود كثيرة تعوّق طموحها بالقيام بدور ريادي في المنطقة المغاربية، فإضافة إلى القيود البنيوية المتعلقة بالنظام المغاربي، هناك قيود داخلية كثيرة تتعلق بطبيعة النظام السياسي، وغياب استراتيجية واضحة خاصة به.

وتعتبر قضية الصحراء عنصرًا أساسيًا في النظام الفرعي المغاربي، لذلك لا بد من التساؤل عن التداعيات المحتملة للحرب الروسية - الأوكرانية على هذه القضية المستعصية. يُعدّ نزاع الصحراء الغربية انعكاسًا لطبيعة هذا النظام الإقليمي السائد، وليس سببًا لأزمة العلاقة بين المغرب والجزائر. بمعنى آخر، فإن قضية الصحراء هي مظهر من مظاهر النظام المغاربي المتميز بسيادة التوجّس والخوف المتبادل وغياب الثقة والتنافس، خاصة بين المغرب والجزائر اللذين يشكلان القوتين الإقليميتين الأساسيتين في المنطقة، فقضية الصحراء الغربية هي قضية إقليمية في الدرجة الأولى، مرتبطة بطبيعة النظام المغاربي الذي سيبقى المحدد الأساسي لهذه القضية ومستقبلها، لذلك فإن تأثير متغيرات النظام الدولي فيها، يبقى محدودًا، وهذا ما يفسر استمرارها من دون حل، عابرة مختلف الأنظمة الدولية من الثنائية إلى الأحادية، ثم التعددية القطبية النسبية. ومن ثم فالحل ليس في معالجة مظاهر الأزمة أو البحث عن الحل خارج الفضاء الإقليمي، بل يكمن الحل في بناء نظام مغاربي تشعر فيه كل دولة بالثقة والأمان من الدولة الجارة الأخرى.

رابعًا: مستقبل النظام الإقليمي المغاربي

هناك ثلاثة سيناريوهات لمستقبل النظام الفرعي الإقليمي المغاربي في تطورات النظام الدولي الحالي:

يتمثل السيناريو الأول في انفراج سريع في الوضع القائم بوساطات دولية وإقليمية بين المغرب والجزائر، ولا سيما أن المغرب عبّر مرارًا عن استعداده فتح صفحة جديدة في العلاقات المغربية - الجزائرية، كما ورد في خطاب الملك محمد السادس في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 الذي دعا فيه إلى "الحوار المباشر والصريح" من أجل تجاوز الخلافات، واقترح فيه "إنشاء آلية سياسية مشتركة للحوار والتشاور" بين الدولتين، وخطابه أيضًا في 30 تموز/ يوليو 2022 الذي دعا فيه الجزائر إلى إقامة علاقات طبيعية. لكن يبقى هذا السيناريو مستبعدًا حاليًا لأن تطبيع العلاقات بين البلدين أمر صعب جدًا في المدى القريب، بسبب: أولًا، البنية الحالية للنظام المغاربي وتوازن القوى القائم في المنطقة؛ وثانيًا، عدم حاجة الجزائر في هذا الوقت إلى تطبيع علاقاتها مع المغرب بسبب وضعها المالي المريح بفضل عائدات صادرات النفط والغاز.

 

أما السيناريو الثاني، فهو حدوث تحوّل جوهري في البنية الإقليمية. وقد يأخذ هذا التغير في البنية الإقليمية أشكالًا مختلفة، مثل حدوث تغير عميق في إحدى وحداته الأساسية، أو اندلاع حرب واسعة تؤدي إلى تحوّل كبير في موازين القوى بين هذه الوحدات. لكن لهذا السيناريو تداعيات مكلفة جدًا وطويلة الأمد على دول المنطقة وشعوبها، كما لا يكون اختلال توازن القوى، عادة، طويل الأمد، لأن الدول المتضررة من اختلال ميزان القوى الإقليمي تسعى لتعديله ولو بعد حين، كما قد يفتح المجال لتنافس محموم على التسلح أو صراع طويل. ويتناقض هذا السيناريو مع التوجّه العام للسياسات الخارجية للمغرب والجزائر اللذين حرصا خلال العقود الأخيرة على الحفاظ على الوضع القائم وتجنب الصدام المباشر.

السيناريو الثالث هو تدبير الوضع الراهن لتوازن القوى، نظرًا إلى أن المغرب والجزائر متساويان تقريبًا في القدرات، وأن أي محاولة لتغيير الوضع الراهن في المنطقة بشكل جذري ستكون مكلفة لكليهما، كما أن تطبيع العلاقات بينهما يبقى بعيد المنال في الوقت الراهن للأسباب التي ذكرتها آنفًا، فإن الخيار العقلاني والواقعي يتمثل في تدبير الوضع القائم من خلال إنشاء آليات مشتركة تعزز الثقة بين الدول الأساسية في النظام المغاربي وتشعرها بالأمان، وأنها غير مهددة من محيطها الإقليمي، وهو الخيار الأقل تكلفة والأضمن للاستقرار، وأي محاولة ضرورية لتغيير الوضع الراهن ينبغي لها أن تكون جزئية وحذرة وهادئة وتدريجية من دون وقوع صدام إقليمي.