• اخر تحديث : 2024-07-01 12:23
news-details
قراءات

تسعى كينيا إلى الاضطلاع بأدوار تتعلق بالمساهمة في حفظ السلم والأمن الدوليَّين خلال الآونة الأخيرة؛ وذلك بشكل يتجاوز نطاق انتمائها الإقليمي القاري (الأفريقي) أو الإقليمي الفرعي (شرق أفريقيا)؛ حيث أعلن وزير خارجيتها عن استعداد بلاده لقيادة قوة متعددة الجنسيات في “هاييتي”؛ وذلك في أواخر يوليو الماضي، وهي القوة التي سيتكوَّن قوامها من ألف شرطي للمساعدة في تدريب وتأهيل الشرطة الهاييتية من أجل استعادة الحياة الطبيعية وحماية المنشآت الاستراتيجية في البلاد، ومن المزمع أن ترسل كينيا هذه الفرقة في الأسابيع القليلة المقبلة لتقييم المتطلبات التشغيلية لمهمة هذه القوة الشرطية. ويأتي هذا القرار بعد توجيه رئيس وزراء هاييتي “أرييل هنري” نداءً عاجلاً في أكتوبر 2022 لنشر قوة مسلحة متخصصة بأعداد كافية وبشكل فوري لوقف الأعمال الإجرامية التي تقوم بها العصابات المسلحة التي تزايد نفوذها منذ اغتيال الرئيس الأسبق “جوفينيل مويس” في 7 يوليو 2021 وتسيطر على نحو (80%) من العاصمة “بورت أوبرنس”؛ ما أدى إلى تصاعد أعمال القتل والاغتصاب والاختطاف ضد المواطنين. والجدير بالذكر أن المقترح الكيني قد لقي الدعم والتأييد من قِبل حكومة “هاييتي” والأمين العام للأمم المتحدة “أنطونيو جوتيريش”.

ومن المزمع أن يَصدر قرار من مجلس الأمن الدولي خلال الآونة المقبلة يُفوِّض كينيا بقيادة القوة الدولية المتعددة الجنسيات؛ وذلك وفقاً لما أعلنته الولايات المتحدة، في الأول من أغسطس الجاري، في إطار استكمال دور المجلس في التعامل مع التهديدات الأمنية في “هاييتي” خلال الآونة الماضية؛ حيث تم إصدار قرار بالإجماع في منتصف يوليو الماضي يطالب بتقديم تقرير عن كافة الخيارات المطروحة لمحاربة العصابات في “هاييتي” في غضون شهر لتحسين الوضع الأمني في الدولة، بما في ذلك التدريب الإضافي للشرطة الوطنية، وتقديم الدعم لمكافحة الاتجار غير المشروع بالأسلحة، كما سبق أن أصدر المجلس قراراً في أكتوبر من العام الماضي يقضي بإلانهاء الفوري للعنف والنشاط الإجرامي في هاييتي، وفرض عقوبات على الأفراد والجماعات الذين يهددون السلام والاستقرار. ويمكن القول بأن هذا المسعى الكيني يطرح أهمية التعاطي مع المؤشرات الدالة على دورها في منظومة الأمن العالمي والإقليمي، وكذلك فهم العوامل المحفزة لهذا الدور.

مؤشرات دالة

ثمة العديد من المؤشرات الدالة على تنامي الدور الأمني لكينيا في إطار منظومة التفاعلات الأمنية على المستويين العالمي والإقليمي، وهي المؤشرات المتمثلة فيما يلي:

1– المشاركة في البعثات الأممية لحفظ السلام: تشارك كينيا في سبع بعثات لحفظ السلام من البعثات الحالية للأمم المتحدة البالغ إجمالي عددها (12) بعثة على المستوى العالمي، ويتضمن ذلك مشاركتها في كافة البعثات على المستوى الأفريقي البالغ عددها (6) بعثات. ويبلغ إجمالي عدد العناصر المشارِكة فيها في إطار مجمل هذه البعثات نحو (445) عنصراً؛ وذلك في أواخر أبريل من العام الجاري، وتُعَد مشاركتها في إطار “بعثة منظمة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في جمهورية الكونغو الديمقراطية” (MONUSCO) هي أكبر مشاركاتها من الناحية العددية؛ حيث تساهم فيها بنحو (367) عنصراً، يلي ذلك مساهمتها في إطار “بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان” (UNMISS)؛ حيث تُساهِم في إطارها بنحو (37) عنصراً. وتأتي مساهمتها في إطار “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في جمهورية أفريقيا الوسطى” (MINUSCA) في الترتيب الثالث من حيث القوام العددي؛ حيث تساهم فيها بنحو (18) عنصراً.

ويأتي بعد ذلك مساهمتها في إطار “بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي” (MINUSMA)؛ حيث تساهم في إطارها بنحو (10) عناصر، كما تساهم بنحو (6) عناصر في إطار “قوة الأمم المتحدة الأمنية المؤقتة لأبيي” (UNISFA)، وبنحو (3) عناصر في إطار “قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان” (UNIFIL)، في حين تساهم بعنصر واحد فقط في إطار “بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية” (MINURSO)، كما تساهم بعنصر واحد في إطار ثلاث بعثات أممية ذات طابع سياسي، وهي “بعثة الأمم المتحدة لتقديم المساعدة إلى الصومال” (UNSOM)، و”مكتب الأمم المتحدة لدعم الصومال” (UNSOS)، وهما البعثتان اللتان تهدفان إلى تقديم الدعم اللوجستي لبعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، و”بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة” (UNMHA) في اليمن.

والجدير بالقول في هذا الإطار أن كينيا لعبت دوراً أساسياً في إطار مجمل عمليات دعم السلام المتعددة الأطراف؛ حيث ساهمت بأكثر من (55000) جندي وأفراد آخرين في نحو (40) دولة على المستوى العالمي، كما تساهم في تدريب عناصر وقوات حفظ السلام التابعة لدول مختلفة من خلال “مركز التدريب الدولي لدعم السلام” في العاصمة الكينية “نيروبي”.

2– المساهمة في الجهود الإقليمية لصنع وحفظ السلام: تبلور ذلك في العديد من الحالات في الدول الأعضاء في جماعة شرق أفريقيا “EAC”، ولعل آخرها دورها في قيادة عملية المفاوضات لتسوية الصراع الداخلي الدائر في جمهورية الكونغو الديمقراطية بين النظام الحاكم والجماعات المتمردة، وعلى رأسها حركة “23 مارس”، وهو ما تبلور من خلال استضافتها الاجتماع المنعقد في العاصمة “نيروبي” في منتصف أبريل 2022؛ حيث دعت الدول الأعضاء الجماعات المتمردة في الكونغو الديمقراطية إلى إلقاء أسلحتها لإجراء مباحثات سياسية في كينيا، وهي المباحثات التي أُطلِق عليها “عملية نيروبي” للسلام، والتي جرى خلالها الاتفاق على قيام جماعة شرق أفريقيا بنشر قوة إقليمية للحفاظ على السلام والاستقرار في شرق الدولة في حال عدم استجابة هذه الجماعات لتلك الدعوة، وهو ما أيَّده ورحب به الاتحاد الأفريقي في إطار بيان له صدر في 26 أبريل 2022.

وتلا ذلك قيام الرئيس الكيني السابق “أوهورو كينياتا” بصفته رئيساً للتجمع بعقد مؤتمر سلام في 20 يونيو 2022 تم من خلاله الدعوة إلى الوقف الفوري لوقف إطلاق النار والمضي قدماً نحو نشر قوة إقليمية في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية؛ لمساعدة الحكومة المركزية في محاربة الجماعات المسلحة، وقد قدَّم رئيس قوات الدفاع الكينية ورئيس هيئة الأركان العسكرية لجماعة شرق أفريقيا الجنرال “روبرت كيبوتشي” مسودة متعلقة بخطة العمليات التي توضح بالتفصيل أهداف وقواعد الاشتباك والموارد التي يتعيَّن توفيرها لهذه القوة المشتركة، ووفقاً لها فإن عدد القوات الذي تم نشره تراوح بين (6500–12000) جندي.

ويتولى قيادة هذه القوة دولة كينيا، ويقع مقرها في منطقة “جوما” الواقعة شمال كيفو، وتعمل في أربع مقاطعات كونغولية (أويلي العليا، وإيتوري، وكيفو الشمالية، وكيفو الجنوبية). ويتمثل التفويض الزمني الممنوح لها في ستة أشهر قابلة للتجديد، ومن المفترض أن تساهم في هذه القوة كلٍّ من (بوروندي، وكينيا، وجنوب السودان، وتنزانيا، وأوغندا) بتقديم القوات بالاشتراك مع القوات الكونغولية، على أن تتحمَّل كل دولة مشارِكة تمويل القوات التابعة لها في إطار هذه القوة. ويتمثل التفويض الممنوح لها في احتواء وهزيمة والقضاء على القوى المتمردة والمسلحة في شرق الكونغو الديمقراطية.

والجدير بالذكر أن جماعة شرق أفريقيا قد وافقت على نشر هذه القوة الإقليمية في 15 أغسطس 2022. وقد كانت الفرقة العسكرية التابعة لبوروندي بمنزلة أول القوات العسكرية التي تصل إلى الدولة. وقامت كينيا بنشر قوات عسكرية تابعة لها يصل عددها إلى نحو (100) جندي في نوفمبر من العام ذاته، كما قامت أوغندا وجنوب السودان بنشر قوات مُقدَّرة بنحو (1000) عنصر و(750) عنصراً على الترتيب في ديسمبر من العام ذاته.

3– دعم الجهود الإقليمية المتعددة الأطراف لمكافحة الإرهاب: ظهر ذلك من خلال مساهمة كينيا بقوات عسكرية وشرطية في إطار “بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال” (آتميس)، التي تعد بمنزلة بعثة متعددة الأبعاد تضم عناصر (عسكرية، شرطية، مدنية)، والتي تم تشكيلها بناءً على التفويض الصادر من قِبل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في اجتماعه رقم (1068) الذي انعقد في 8 مارس 2022، كما حصلت على موافقة مجلس الأمن الدولي عبر قراره رقم (2628) الصادر في 31 مارس 2022، وقد بدأت مهامها فعلياً في أبريل 2022؛ علماً بأنها حلت محل “بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال” (آميصوم) التي بدأت عملها منذ عام 2007.

وتهدف هذه البعثة في الأساس إلى تنفيذ الخطة الانتقالية في الصومال (STP) الرامية إلى تحمُّل الحكومة الفيدرالية الصومالية المسؤولية الأمنية الكاملة من الاتحاد الأفريقي. وتشارك في هذه البعثة قوات عسكرية من دول أخرى بجانب كينيا، وهي (أوغندا، وإثيوبيا، وجيبوتي، وبوروندي)، كما تشارك دول (زامبيا، وسيراليون، ونيجيريا، وغانا، وأوغندا) بقوات شرطية.

عوامل محفزة

ثمة العديد من العوامل المحفزة على تحرك كينيا نحو تعزيز دورها في منظومة التفاعلات الأمنية على المستويين العالمي والإقليمي، وهي العوامل المتمثلة فيما يلي:

1– تأكيد نفوذها قوةً إقليميةً صاعدةً في شرق أفريقيا: تمثل كينيا أكثر من نحو (40%) من الناتج المحلي الإجمالي للإقليم، كما تتدفق نحو (80%) من تجارة الإقليم عبر ميناء “مومباسا” الكيني، ومن ثم يُنظَر إليها على أنها مركز إقليمي لجذب الأنشطة التجارية والاستثمارية لبعض القوى الكبرى في النظام الدولي، وكذلك تُعَد بوابة إلى أسواق شرق أفريقيا التي تضم نحو (500) مليون مستهلك، كما تولد كينيا ما يزيد عن (90%) من طاقتها من مصادر متجددة، فضلاً عن كونها من أبرز المراكز اللوجستية الإقليمية، وتمتلك رأس مال استثمارياً يُصنَّف من بين الأكبر في القارة الأفريقية، وقد شهد تزايداً بنحو (33%) في عام 2022، كما تتسم تدفقات رأس المال الاستثماري في كينيا بأنها متنوعة بشكل كبير؛ حيث تشمل مجالات التجارة الإلكترونية، التكنولوجيا النظيفة، والتكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الزراعية وغيرها.

وفي ضوء ما سبق، تعطي كينيا أولوية قصوى للتعامل مع المخاطر والتهديدات الأمنية في الإقليم التي تشكل عراقيل في مواجهة استقرارها وتفوُّقها الاقتصادي داخلياً وإقليمياً، وعلى رأسها تهديد الإرهاب العابر للحدود؛ حيث تم تصنيف “حركة الشباب المجاهدين” باعتبارها من أخطر الجماعات الإرهابية وأكثرها دمويةً في العالم في عام 2022 وفقاً لتقرير مؤشر الإرهاب العالمي الصادر في عام 2023. وعلى الرغم من كون الصومال تُعَد مجال الارتكاز العملياتي لها، فإنها تُنفِّذ عمليات إرهابية في بعض دول الجوار الإقليمي منذ مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، وتُعَد كينيا من دول الإقليم المتأثرة بأنشطة هذه الجماعة، ولا سيما في إطار منطقة “مانديرا” الواقعة قرب الحدود الصومالية، وهو ما أسفر عن سقوط نحو (51) قتيلاً في عام 2022 وفقاً للتقرير ذاته.

2– تمثيل أفريقيا في الأجهزة الأمنية على المستويَين الدولي والإقليمي: تمكَّنت كينيا من الحصول على عضوية غير دائمة في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين خلال الفترة (2021–2022)، كما تولَّت الرئاسة الدورية للمجلس في أكتوبر 2021. وقد ركَّزت كينيا في أجندة عضويتها على بلورة بعض القضايا داخل أروقة المجلس، وبينها السلام والأمن الإقليميان، وعمليات حفظ السلام، ومكافحة الإرهاب ومنع التطرف العنيف، والأعمال الإنسانية، والعدل وحقوق الإنسان والديمقراطية، والمرأة والسلام والأمن، والشباب والتنمية، والبيئة وتغير المناخ، وأهداف التنمية المستدامة. وتعد هذه العضوية هي الثالثة من نوعها في تاريخها منذ تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945؛ حيث سبق لها أن حصلت على عضويةٍ خلال الفترتين (1973–1974) و(1997–1998). وتتيح هذه العضوية لكينيا المساهمة في بلورة وصياغة السياسات والبرامج ذات الطبيعة الأمنية على المستوى العالمي، وكذلك التعبير عن الشواغل والهواجس الأمنية لأفريقيا باعتبارها ممثلة لها في هذا المحفل الدولي.

كما تمكنت من الحصول على عضوية في مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي بالتزامن مع عضويتها الأخيرة في مجلس الأمن الدولي؛ حيث حصلت على عضويته لمدة ثلاث سنوات انتهت في 31 مارس 2022. وتعد هذه العضوية مؤثرة في اضطلاع كينيا بدور أمني على الصعيد الأفريقي؛ إذ يعد هذا المجلس بمنزلة الجهاز المركزي لمنع وإدارة وحل الصراعات في أفريقيا وفقاً للبروتوكول المُنشِئ للمجلس الصادر في عام 2022، الذي دخل حيز النفاذ في عام 2003.

3– بناء شراكات أمنية فاعلة مع القوى الدولية: تبلور ذلك من خلال إبرام اتفاقيات أمنية مع بعض القوى الدولية، ومن بينها التوقيع على اتفاق أمني مع بريطانيا في مايو 2023، وهو الاتفاق الذي جاء في إطار لقاء جمع وزير الأمن البريطاني مع نظيره الكيني؛ حيث تم الاتفاق على تقديم بريطانيا تمويلاً لكينيا بقيمة (10) ملايين جنيه إسترليني سنوياً؛ وذلك لدعم برامج مكافحة الإرهاب والالتزامات المتعلقة بالدفاع والتعاون الدولي وأمن المجتمع وإنفاذ القانون والعدالة الجنائية والأمن السيبراني والتنسيق الثنائي والمتعدد الأطراف والإقليمي.

كما أطلقت بريطانيا في السياق ذاته برنامجاً رئيسياً جديداً لتحقيق الاستقرار في الصومال عبر دعم المجتمعات المحلية الواقعة على الأراضي الحدودية مع كينيا وإثيوبيا؛ لمعالجة أسباب عدم الاستقرار. ووفقاً له، ستقدم بريطانيا دعماً بقيمة ( 10) ملايين جنيه إسترليني على مدى السنوات الثلاث المقبلة؛ من أجل تعزيز التعاون الجماعي لتحسين الأمن الإقليمي ومكافحة التطرف والإرهاب.

كما تُعَد كينيا أحد الشركاء الإقليميين للصين على الصعيد الأمني في إطار منطقة القرن الأفريقي، ولعل هذا ما أعرب عنه وزير الخارجية الصيني “وانج يي” خلال زيارته الرسمية إلى كينيا في أوائل العام المنصرم، التي أكد خلالها دعم الصين لكينيا في مواجهة التحديات المتعلقة بالأمن والتنمية والحكم، ومعارضة التدخُّل من قِبل الدول الخارجية في شؤون المنطقة، وتحقيق السلام الإقليمي والازدهار والاستقرار على المدى الطويل. ويأتي ذلك في إطار مساعي الصين لتفعيل التنفيذ المشترك بشأن “مبادرة الأمن العالمي” التي كان الرئيس الصيني “شي جين بينج” قد اقترحها خلال افتتاح “منتدى بواو الآسيوي” في أواخر أبريل من العام الماضي، وتم تقديم التفاصيل الخاصة بها في فبراير من العام الجاري.

وتُعَد كينيا من الشركاء الرئيسيين للولايات المتحدة الأمريكية في إقليم شرق أفريقيا على الصعيد الأمني. وتتضمن الشراكة بين الطرفين التعاون والتنسيق في عدة مجالات؛ من بينها مكافحة الإرهاب، وأمن الحدود، وأمن الطيران، والأمن البحري بما في ذلك خفر السواحل الكيني المنشأ حديثاً، ودعم حفظ السلام. وقد بلغ إجمالي مساعدات السلام والأمن الأمريكية أكثر من (560) مليون دولار في عام 2020، كما قامت كينيا بشراء معدات عسكرية أمريكية الصنع بقيمة تصل إلى أكثر من (139) مليون دولار على مدى السنوات الثلاث السابقة لعام 2020.

ويُضَاف إلى ذلك تقديم الولايات المتحدة نحو (19) مليون دولار لمساعدة كينيا في مجال مكافحة الإرهاب منذ عام 2017. وقد قدم مكتب مكافحة الإرهاب التابع لوزارة الخارجية الأمريكية الدعم لها في هذا الشأن من خلال (14) مشروعاً نشطاً ممولاً بقيمة (69) مليون دولار على مدى خمس سنوات في عام 2021؛ وذلك بغية تعزيز قدرة مكافحة الإرهاب لتطبيق القانون المدني الكيني في مجالات مثل الاستجابة للأزمات والتحقيقات وأمن الحدود ومكافحة العنف وغيرها، فضلاً عن ذلك قدمت وزارة الدفاع الأمريكية نحو (24) مليون دولار بهدف المساعدة في بناء مؤسساتها الدفاعية في عام 2021.

4– إدراج دبلوماسية السلم ضمن أولويات السياسة الخارجية: تبلور ذلك بشكل جلي في إطار وثيقة السياسة الخارجية الكينية الصادرة في نوفمبر 2014، التي وضعت دبلوماسية الأمن ضمن المرتكزات الرئيسية للسياسة الخارجية الكينية؛ وذلك بجانب الدبلوماسية الاقتصادية والبيئية والثقافية ومجتمع الشتات، التي تعتمد على الاعتراف بالسلام والاستقرار شرطَين مُسبقَين ضروريَّين للتنمية والازدهار، ومن ثم فإن استقرار كينيا ورفاهيتها الاقتصادية يعتمدان على استقرار المنطقة الفرعية (شرق أفريقيا) وأفريقيا وباقي العالم. وتتمثل الأهداف الرئيسية لهذه الركيزة في تعزيز حل النزاعات بالوسائل السلمية.

وكذلك تتركز في التعاون مع البلدان الأفريقية الأخرى لتعزيز قدرة المؤسسات الإقليمية على منع النزاعات وإدارتها وحلها، وعلى رأسها الاتحاد الأفريقي والتجنمعات الاقتصادية الإقليمية المتمثلة في”جماعة شرق أفريقيا” (EAC)، و”الهيئة الحكومية الدولية للتنمية” (IGAD)، و”السوق المشتركة للشرق والجنوب الأفريقي” (COMESA)، ودعم جهود السلام من قِبل الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة من خلال المساهمة بقوات، وتوفير القيادة في بعثات حفظ السلام داخل القارة الأفريقية وخارجها على الصعيد العالمي، وخلق القدرة على تحليل النزاعات والوقاية منها على المستويين الوطني والإقليمي.

وختاماً، يمكن القول إن كينيا تحاول أن تعزز مكانتها باعتبارها قوة إقليمية صاعدة في إقليم شرق أفريقيا؛ وذلك عبر مباشرة أدوار متنامية على الصعيد الأمني، سواء على المستوى الإقليمي القاري أو الدولي، وهي الأدوار التي تتسق مع منظومة الأهداف والمصالح الوطنية المتعلقة بها، والقائمة في الأساس على حماية الواقع القانوني للدولة، وتعزيز التنمية المستدامة؛ ولذا فإنها تعطي الأولوية لدعم الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى مواجهة كافة التهديدات المواجِهة للسلم والأمن، سواء تحت مظلة الأمم المتحدة أو الاتحاد الأفريقي أو التجمعات الاقتصادية الإقليمية.