• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39

على الرغم مما فرضه الانقلاب العسكري في النيجر، الذي وقع في 26 يوليو 2023، من تحديات خطيرة سواء داخل البلاد أو في محيطها الإقليمي، وما أثاره من ردود فعل إقليمية ودولية غاضبة، لم يكن من المتوقع أن تتجه الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" إلى اتخاذ قرار باللجوء إلى الخيار العسكري لاستعادة الحكم الدستوري، حيث تحاط هذه الخطوة بالكثير من المخاوف والمحاذير، خاصة في بلد مثل النيجر يعاني من الكثير من الأزمات الاقتصادية والأمنية ويحاط بمجموعة من الدول التي تعانى هى الأخرى من الأزمات بل وتفرض عليه في أحيان كثيرة تداعيات أمنية وإنسانية لا يستطيع تحملها، هذا فضلاً عن الأطماع الخارجية التي تتخذ من محاربة التنظيمات الإرهابية ذريعة لبناء القواعد العسكرية والتدخل في الشئون الداخلية لهذه الدولة الفقيرة، حيث تتجه أنظار الكثير من القوى الدولية نحو الثروات الطبيعية التي تمتلكها هذه الدولة وأهمها اليورانيوم.

وهنا يبرز تساؤل مهم يتعلق بالعوامل التي دفعت "إيكواس" للاتجاه إلى تفضيل التدخل العسكري في النيجر على الرغم أنه كان من المفترض منح مساحة للعمل الدبلوماسي والحوار مع قادة المجلس العسكري في النيجر، خاصة وأن الجماعة لم تلجأ إلى خيار التدخل العسكري لاستعادة الحكم الدستوري في الحالات المشابهة التي حدثت خلال السنوات الثلاثة الأخيرة في مالي وبوركينافاسو وغينيا.

فرضية استعادة الحكم الدستورى

أكدت المادة الرابعة من القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي على إدانة ورفض التغييرات غير الدستورية للحكومات، حيث الانقلابات العسكرية من أهم مظاهر التغييرات غير الدستورية، إلا أن ترتيبات مواجهة التغييرات غير الدستورية في القارة الأفريقية مختلفة وتخضع لتكييف قادة الاتحاد الأفريقي، وكذلك قادة المنظمات الإقليمية الفرعية ومنها "إيكواس" لدوافع الانقلابات العسكرية، وكذلك قدرتهم على الحوار مع قادة الانقلاب، ومدى قبولهم للوعود التي يضعها هؤلاء القادة.

وفى الانقلاب الأخير في النيجر، بدا قادة "إيكواس" أكثر تشدداً مع الانقلاب، حيث نظر هؤلاء القادة إلى أن عدم التحرك السريع في مواجهة هذا الانقلاب يضر بمبادئ العمل الجماعي الأفريقي، ويؤثر على قدرة "إيكواس" وهيبتها في استعادة الاستقرار في الساحل والغرب الأفريقي، ودعمت مجموعة من العوامل هذه الرؤية:

1-  ربط قادة الانقلاب إجراءاتهم بـ"التدهور المستمر للوضع الأمني والحوكمة الاقتصادية والاجتماعية السيئة". ومع ذلك، كان الأمن في النيجر يُدار بشكل أفضل من جيرانه في وسط الساحل، كما كان ينظر إلى نظام الحكم النيجر باعتباره نموذجاً ديمقراطياً، حيث كانت عملية انتقال السلطة تتم بأسلوب مرن عبر الانتخابات.

2- رفض قادة الانقلاب في النيجر للحوار مع الوفد الأفريقي، فقد تم تأجيل زيارة وفد ثلاثي من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة و"إيكواس" إلى نيامي إلى أجل غير مسمى، وتمت الإشارة إلى مخاوف تتعلق بالسلامة ناجمة عن الغضب الواسع النطاق من العقوبات الاقتصادية.

3- احتجاز الرئيس محمد بازوم، حيث تنشر شائعات حول تدهور حالته الصحية.

وفي 29 يوليو الفائت، أصدر الاتحاد الأفريقي إنذاراً لمدة 15 يوماً للمجلس العسكري في النيجر (CNSP) "لاستعادة السلطة الدستورية". وفي اليوم التالي، تبنت "إيكواس" عقوبات اقتصادية ومالية قاسية ضد النيجر، ودعت إلى الإفراج الفوري عن بازوم وإعادته إلى منصبه، ومنحت المجلس العسكري أسبوعاً حتى 6 أغسطس 2023 لتلبية مطالبها، وإلا فسيتم اتخاذ المزيد من الإجراءات، بما في ذلك الاستخدام المحتمل للقوة.

وبدأت "إيكواس" والاتحاد النقدي والاقتصادي لغرب أفريقيا بفرض مجموعة من أشد العقوبات صرامة على النيجر، فعلق التكتل جميع المعاملات التجارية مع النيجر، وجمد أصولها في البنك المركزي الإقليمي، وجمد أصول مؤسسات الدولة والشركات التابعة للدولة في البنوك التجارية، وأوقف جميع المساعدات المالية مع بنوك التنمية الإقليمية. وألغى البنك المركزي الإقليمي إصدار النيجر لسندات بقيمة 51 مليون دولار في سوق الدين الإقليمي لغرب أفريقيا بعد فرض العقوبات، في الوقت الذي كانت تخطط النيجر لجمع 834 مليون دولار من سوق الديون الإقليمية في عام 2023.

كما أدت عقوبات "إيكواس" إلى قطع نيجيريا إمدادات الطاقة عن البلاد على خط بيرنين- كيبي 80 ميجاواط، بينما علقت ساحل العاج واردات وصادرات السلع النيجيرية. وأغلق البنك المركزي الإقليمي لغرب أفريقيا BCEAO فروعه في النيجر، مشيراً إلى مخاطر على العمليات.

تدخلات "إيكواس" السابقة

لا يخلو تاريخ "إيكواس" من التدخلات العسكرية لاستعادة الاستقرار، فمنذ نشأتها في عام 1975 تدخلت في العديد من الصراعات في إقليم غرب أفريقيا، وكانت من المنظمات الإقليمية الفرعية الرائدة في هذا المجال. وعلى الرغم من أن هذه الجماعة نشأت لتحقيق أهداف اقتصادية، إلا أن التطورات السياسية والأمنية التي عصفت بالاستقرار في العديد من دولها دفعتها نحو تبنى اتجاهات سياسية وأمنية، ولعبت أدواراً حيوية خلال عقد التسعينيات وبداية الألفية لاستعادة الاستقرار، وفي يناير 1999 وقعت الدول الأعضاء في المنظمة على بروتوكول خاص للأمن الجماعي أطلق عليه "آلية منع الصراع وإدارته وحله وحفظ السلم والأمن". وشكلت الجماعة في يونيو 2004 قوة عسكرية قوامها 6500 جندي، من بينها وحدة للتدخل السريع في حالة نشوب أي صراع. وكان لـ"إيكواس" تجارب كثيرة في التدخل العسكري في دول الجماعة، من أشهرها التدخل في ليبيريا وسيراليون وغينيا بيساو خلال التسعينيات، وكذلك التدخل في العقدين الأخيرين في ساحل العاج وتوجو وجامبيا وغينيا ومالي.

الدعم الغربي للتدخل العسكري

مع اتجاه "إيكواس" للتدخل العسكري في النيجر، تتجه الأنظار للتفكير في إمكانية دعم القوات الأجنبية المتواجدة على أراضى النيجر لهذا التدخل، حيث يتواجد ما يقرب من 1500 جندي فرنسي، كما تمتلك الولايات المتحدة قاعدتين عسكريتين ويتواجد 1100 جندي أمريكي على أراضى البلاد، هذا بالإضافة إلى قوات ألمانية ضمن بعثة للاتحاد الأوروبي، كما تمتلك إيطاليا قاعدة عسكرية في البلاد. وعلى الرغم من إعلان فرنسا ترحيبها بالتدخل العسكري لـ"إيكواس" في النيجر، حيث ألغى المجلس العسكري اتفاقيات التعاون العسكري مع فرنسا، لم تعلن الولايات المتحدة دعمها لهذه الخطوة بوضوح، حيث أكد المسئولون الأمريكيون تأييدهم لأى خطة تتخذها "إيكواس" دون الإفصاح عن تأييدهم للتدخل بشكل صريح، كما لم تصنف إدارة الرئيس جو بايدن الاستيلاء على السلطة في النيجر باعتباره انقلاباً، بل أكدت أن هذا الوضع سيحد من المساعدات الأمنية التي تقدمها واشنطن للبلاد، حيث أن تصنيف واشنطن للأحداث في النيجر باعتبارها انقلاباً يعنى وقف جميع المساعدات التي تقدمها للجيش النيجري مما يفسح الطريق للتعاون بين هذا الجيش وقوات فاجنر الروسية.

ومع ذلك، أوقفت الولايات المتحدة بعض برامج المساعدة الخارجية للنيجر بما يشمل تمويل التعليم والتدريب العسكري الدولي والبرامج التي تدعم قدرات النيجر في مكافحة الإرهاب. كما اتجهت إيطاليا إلى تخفيض أعداد قواتها في النيجر في أعقاب الانقلاب، مبررة ذلك بإتاحة الفرصة للمدنيين للاحتماء في قاعدتها العسكرية عند الضرورة.

إلا أن احتمالات دعم القوات الأجنبية لقوات "إيكواس" التي يحتمل تدخلها لا تزال غير مؤكدة، فقد عبر بعض المسئولين الأمريكيين عن استعداد بلادهم لسحب الجنود الأمريكيين من النيجر في حالة تدخل قوات فاجنر بصورة كبيرة لدعم المجلس العسكري في النيجر، حيث رحب قائد مجموعة فاجنر يفغيني بريغوجين بالانقلاب في النيجر.

وعلى الرغم من عدم التأكد من مشاركة قوات أجنبية قوات "إيكواس" في تدخلها في النيجر، إلا أن الرفض الغربي للانقلاب العسكري في النيجر، والذي تتزعمه فرنسا، يعطى زخماً كبيراً للتدخل العسكري من قبل "إيكواس"، مما يسمح بمطالبة الجماعة بمزيد من الدعم المالي والتسليحي من الدول الغربية، هذا بالإضافة إلى إمكانية تقديم القوات الأجنبية لمعلومات استخباراتية لقوات "إيكواس" وربما تشارك في عمليات التخطيط للتدخل.

تحديات عديدة

ربما ينظر البعض إلى أن التدخل العسكري في النيجر عبر استخدام القوة الاحتياطية أو قوات التدخل السريع قد يكون سريعاً وخاطفاً للإفراج عن رئيس النيجر محمد بازوم وكذلك بعض الرهائن، والقبض على قادة الانقلاب العسكري واستعادة الوضع الدستوري، على نحو يشبه العملية الخاطفة التي قامت بها قوات فرنسية خاصة في عام 2011 لاعتقال رئيس ساحل العاج السابق لوران باجبو. إلا أن هذه الرؤية لا تأخذ في اعتبارها مجموعة من التحديات الخطيرة التي لن تسمح بسهولة بنجاح عملية التدخل السريع في تحقيق أهدافها، ويتمثل أبرزها في:

1- الدعم الشعبي للانقلاب: حظي الانقلاب في النيجر بتأييد شعبي ودعم من دول مجاورة للنيجر، فقد تصاعدت المظاهرات المؤيدة للانقلاب، بشكل مثل مؤشراً على قبول أوسع مما كان متوقعاً في السابق. كما انضم مئات الشباب إلى العسكريين وتعهد بعض هؤلاء الشباب بالانضمام إلى الجيش لمحاربة أي تدخل عسكري، في الوقت الذي دعمت مالي وبوركينافاسو التي تعيشان تجربتين من الانقلابات العسكرية وتخضعان لعقوبات من "إيكواس" الانقلاب في النيجر، وأعلنت الدولتان أن استخدام "إيكواس" للقوة في النيجر يعد اعتداءاً عليهما.

2- تماسك الجيش النيجري: شارك عدد كبير من ضباط الجيش في الانقلاب الذي جاء، في جزء منه، رداً على تزايد نفوذ القوات الأجنبية في البلاد وتحديداً الوجود الفرنسي، مما يزيد من صعوبات التدخل العسكري، حيث لن يكون الأمر مثل تدخل "إيكواس" في جامبيا عام 2017، حيث نشرت السنغال 7000 جندي هناك لإجبار الرئيس الجامبى السابق يحيى جامع على التنازل عن السلطة للفائز في الانتخابات أداما بارو. ولم يبد الجيش الجامبي الضعيف المكون من 7000 رجل أي مقاومة.

لكن في النيجر الأمر قد يكون مختلفاً، فالقوات المسلحة أكبر وقد خضعت لتدريبات غربية ولديها خبرة قتالية عالية. وعلى الرغم من أنه كان هناك رهان على أن بقية قوات الأمن في النيجر لن تنضم إلى الحرس الرئاسي في الانقلاب، إلا أن الجيش النيجري نجح، على ما يبدو، في توحيد صفوفه في مواجهة ضغوط الخارج.

3- رفض دول أفريقية أخرى لفكرة التدخل العسكري: استبعدت كل من تشاد والجزائر المشاركة في أي عمل عسكري، على الرغم من إبداء دول أخرى في "إيكواس" استعدادها لإرسال قوات ومنها السنغال وبنين.

4- رفض داخلي نيجيري وغاني للتدخل في النيجر: تستند الاتجاهات الرافضة للتدخل العسكري في النيجر إلى أن هذا الخيار قد يفرض تداعيات خطيرة على الأمن والاستقرار في نيجيريا بل وفى منطقة الساحل وإقليم غرب أفريقيا بأسره، فقد حث مجلس الشيوخ النيجيري الحكومة على بحث "الخيارات السياسية والدبلوماسية"، وسيجد الرئيس بولا تينوبو صعوبة في تجاهل أعضاء مجلس الشيوخ الذين رفضوا أي تدخل عسكري. ونيجيريا هي أكبر دولة في كتلة "إيكواس" والممول الرئيسي للكتلة، إلا أن الاقتصاد النيجيري لن يتحمل (وفق بعض التحليلات) مغامرة عسكرية خارجية، حيث يؤكد البعض أن وضع ميزان المدفوعات الحالي لنيجيريا ضعيف. ويخشى السياسيون في نيجيريا وغانا من أن يؤدي أي تدخل عسكري إلى كارثة إنسانية، مما سيزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما تبرز مخاوف على شمال نيجيريا في حالة اندلاع أى حرب في النيجر، حيث لا يتوقف الأمر عند التهديدات الإرهابية التي تمثلها جماعة بوكو حرام، والتي دمرت الجزء الشمالي الشرقي من البلاد، بل لا تزال الاشتباكات بين المزارعين والرعاة في نيجيريا تزعزع الاستقرار في أجزاء أخرى من شمال نيجيريا، حيث تشترك سبع ولايات نيجيرية في الحدود مع النيجر، ومن ثم فإن الهجوم على النيجر من شأنه أن يؤدي إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى نيجيريا.

5- الخوف من استغلال الجماعات الإرهابية للتدخل العسكري: قد تتحرك الجماعات الإرهابية من أجل استغلال التدخل العسكري المحتمل في توسيع نطاق عملياتها وزيادة محاولات التجنيد، حيث استغل تنظيم "داعش" في السابق القتال في سوريا في تصعيد عملياته، وتعد النيجر دولة محورية في الاستراتيجيات الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب وهى عضو في مجموعة G5 وكذلك من الدول المشاركة في فرقة العمل المتعددة الجنسيات لمحاربة تنظيم بوكو حرام، كما أنها تمثل محوراً رئيسياً في الاهتمام الغربي بمكافحة الإرهاب، فقد نقلت فرنسا اهتمامها إلى هذه الدولة في أعقاب الانقلاب العسكري الأخير في مالي، والذي أعقبه توتر كبير في العلاقات بين الدولتين، وانسحاب قوة برخان من منطقة الساحل، هذا فضلاً عن تركيز النشاط الأمريكي لمكافحة الإرهاب على النيجر حيث تستضيف الدولة قاعدتين عسكريتين أمريكيتين.

في الأخير، فإن تجارب "إيكواس" السابقة في التدخل العسكري تختلف كثيراً عن حالة النيجر، فتدخلها في التسعينيات كان أثناء الحروب الأهلية والمشكلات السياسية التي هيمنت على عدد من دول إقليم غرب أفريقيا، ولم تكن الاستراتيجيات الدولية واضحة إزاء دعم الاستقرار في هذه الدول وخاصة عقب انتهاء الحرب الباردة، وتدخلاتها كانت في صراعات غلب عليها الطابع الإثني، كما أن تدخلاتها خلال السنوات الأخيرة في دول الجماعة لاستعادة الاستقرار كانت تتم في ظل ظروف مواتية واحتمالات كبيرة لإنهاء الأزمات والعودة السريعة للنظام الدستوري.

أما في حالة النيجر، فهناك تعقيدات كثيرة ترتبط بها، فالنيجر هي سابع أكبر منتج لليورانيوم في العالم، وهو المعدن المشع المستخدم على نطاق واسع في إنتاج الطاقة النووية وعلاج السرطان. كما أنها واحدة من أفقر دول العالم، حيث تتلقى ما يقرب من ملياري دولار سنوياً في شكل مساعدات إنمائية، ولذلك يتزايد العداء الشعبي لـ"إيكواس" داخل النيجر في ظل العقوبات الصارمة والتي تزيد من تأزم الوضع الإنساني في البلاد، كما قد يؤدى التدخل العسكري إلى تدفق لاجئين ومهاجرين نحو الدول المجاورة للنيجر، بكل ما يفرضه ذلك من أعباء وضغوط لا تبدو هينة على الدول المعنية بما يجري داخل الأخيرة.