• اخر تحديث : 2024-05-03 14:30
news-details
قراءات

ما الذي انتهت إليه القمة الثلاثية بين واشنطن وطوكيو وسيول؟


استضاف الرئيس الأمريكي جو بايدن كلاً من رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول، ورئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في كامب ديفيد بولاية ماريلاند – وهو المنتجع الرئاسي الأمريكي الشهير الذي كان ملتقى للقمم الدبلوماسية الكبرى في الماضي – وذلك يوم 18 أغسطس الجاري. وتعتبر هذه القمة هي الأولى من نوعها التي يَعقِد فيها زعماء الدول الثلاث اجتماعاً منفرداً لمناقشة القضايا ذات الاهتمام المشترك، وتنسيق جهودهم بشأنها؛ الأمر الذي قد يمثل خطوة رئيسية نحو إنشاء تحالف ثلاثي جديد يمكن أن يساعد الدول الثلاث على التعامل مع التهديدات المتزايدة من كوريا الشمالية والصين، وتداعيات استمرار الأزمة الجيوسياسية في أوكرانيا.

أبعاد القمة

عُقدت القمة وسط حالة التعاون المستمر بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية؛ إذ تتصاعد التوترات في شبه الجزيرة الكورية ومضيق تايوان، مع تعقد الأزمة الأوكرانية، وهي التوترات التي يمكن أن تتطور إلى نزاعات مسلحة متزامنة على الأصعدة كافة؛ لذا يمكن القول إن أبرز أبعاد انعقاد القمة تشمل ما يلي:

1. استمرار التوتر في منطقة الهندو–باسيفيك: تعد المشاركة الثلاثية جزءاً مهماً من شبكة متنامية من الشراكات المتعددة الأطراف التي أنشأتها الإدارة الأمريكية الحالية بهدف الحفاظ على ما تسميه هي وحلفاؤها “منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة”؛ وذلك في ضوء حالة التوتر المستمرة التي تشهدها المنطقة، خاصةً بعد إعلان كل من البحرية الروسية والصينية عن إجرائهم مناورات وتدريبات عسكرية على عمليات الإنقاذ والتصدي للضربات الجوية، فضلاً عن التزود بالوقود ونقل البضائع أثناء التنقل؛ وذلك خلال مهام دورية بحرية مشتركة في المحيط الهادئ وقت انعقاد القمة في يوم 18 أغسطس الجاري.

وقد تسببت هذه المناورات في رصد اليابان طائرتين روسيتين تحلقان فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي؛ الأمر الذي دفعها إلى نشر مقاتلات عسكرية للرد على هذه الانتهاكات، وهو ما قد يزيد حدة التوترات في منطقة شرق آسيا، وسط أنباء عن وجود خطط لدى خصوم البلدين للتصدي العسكري لهما في ملفي أوكرانيا وتايوان. ومن الناحية الاقتصادية، يدرك القادة الثلاث مدى أهمية تقليل اعتمادهم في سلسلة التوريد على بكين؛ إذ يمنح إحياء العلاقات التجارية بين سيول وطوكيو، بعد رفع ضوابط التصدير، فرصاً عديدةً للتعاون الثلاثي فيما بينهم لتعظيم إمكانات تصنيع الرقائق الدقيقة، وهو الأمر الذي يجب بدوره أن يجعل الدول الثلاث أكثر مرونةً في مواجهة الضغط الاقتصادي الصيني في هذا المجال.

2. مواصلة استفزازات كوريا الشمالية: تتزايد المخاوف بشأن البرنامجين الصاروخي والنووي لكوريا الشمالية؛ وذلك منذ تهديد الأخيرة باستعدادها لاستخدام أسلحتها النووية في صراعاتها مع منافسيها، بجانب إجرائها نحو 100 تجربة صاروخية منذ بداية عام 2022، وكانت العديد منها ذات قدرة نووية تضع كلاً من كوريا الجنوبية واليابان في مرماها، بل يمكن أن تصل كذلك إلى البر الرئيسي للولايات المتحدة، وكانت آخرها عندما أطلقت بيونج يانج عدة صواريخ كروز باتجاه البحر الغربي لشبه الجزيرة الكورية؛ احتجاجاً على رسو غواصة أمريكية مسلحة نووياً في كوريا الجنوبية في شهر يوليو الماضي.

وحسبما أوضح جهاز المخابرات الكوري الجنوبي، فمن المتوقع أن يستأنف رئيس كوريا الشمالية كيم جونج أون، عدة تجارب عسكرية رداً على ما يعتبره تهديدات عسكرية أمريكية؛ وذلك على خلفية المناورات العسكرية السنوية التي تجريها الولايات المتحدة مع كوريا الجنوبية، فضلاً عن انعقاد القمة الثلاثية في كامب ديفيد، كما أشار الجهاز إلى أن بيونج يانج قد تحاول إطلاق قمر صناعي للتجسس في أواخر أغسطس الجاري أو أوائل سبتمبر المقبل احتفالاً بالذكرى السنوية الـ75 للبلاد؛ وذلك في ثاني محاولة لها بعد فشل التجربة الأولى في مايو الماضي.

بدورها ساعدت تلك الاستفزازات محاولات “يون سوك يول” لتشجيع الشعب الكوري الجنوبي على تقبل فكرة التقارب مع اليابان، مؤكداً تزايد أهمية التعاون الأمني ​​بين سيول وواشنطن وطوكيو في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة، وقد جاء ذلك خلال خطاب متلفز في سيول يوم 15 أغسطس الجاري قبيل انعقاد القمة الثلاثية، وهو الخطاب الذي أكد خلاله أن غزو كوريا الشمالية المحتمل لجارتها الجنوبية سيؤدي إلى تدخل فوري وتلقائي من قبل قيادة الأمم المتحدة، مشيداً بالقدرات البرية والبحرية والجوية اللازمة التي تمتلكها اليابان للدفاع عن أراضيهم وقتها.

3. مسار التقارب الياباني–الكوري الجنوبي: سعت هذه القمة إلى البناء على مكتسبات التقارب الياباني–الكوري الجنوبي؛ إذ تأتي القمة تتويجاً لما وصفه مساعدو البيت الأبيض بأنه “جهد استمر عامين للمساعدة في التقارب بين كوريا الجنوبية واليابان بعد عقود من العلاقات الفاترة”، كما أنها تمثل امتداداً لمشاركة ثلاثية مصممة جزئياً لمواجهة السياسة الصينية وبرنامج الأسلحة النووية المتنامي لكوريا الشمالية، وسط حالة من ذوبان الجليد في العلاقات بين سيول وطوكيو.

ففي الأشهر الأخيرة، اتخذ يون خطوات غير مسبوقة لحل الخلافات مع اليابان حول استخدام الأخيرة بعض العمالة الكورية بنظام السخرة خلال احتلالها شبه الجزيرة الكورية خلال الفترة بين عامي 1910 و1945، وهي الخطوات التي قد ساعدت في تمهيد الطريق للاتفاقيات التي تم الإعلان عنها أثناء القمة الثلاثية.

4. تعمق المخاوف الاقتصادية: بعد وقت قصير من توقيع الرئيس بايدن على مشروع قانون المناخ العام الماضي، توجه دبلوماسيون من كوريا الجنوبية واليابان إلى الولايات المتحدة لإعلام نظرائهم الأمريكيين بأنهم غير سعداء بهذا القانون، وحذر المسؤولون من أن الولايات المتحدة، من خلال منحها الإعفاءات الضريبية للسيارات الكهربائية المجمعة في أمريكا الشمالية، تؤذي الحلفاء الرئيسيين في إطار مساعيها لتهميش الصين وتعزيز قطاع التصنيع الأمريكي؛ ولذلك أمضت إدارة بايدن معظم العام الماضي في محاولة لمعالجة هذه المخاوف.

وعلى الرغم من هيمنة مسألة الأمن القومي على جدول أعمال قمة كامب ديفيد، فإن القضايا الاقتصادية تظل حاضرة مجالاً رئيسياً للعلاقات الثلاثية المشتركة؛ وذلك في وقت تسعى فيه إدارة بايدن إلى حشد الحلفاء نحو جهودها لفرض قيود جديدة على الصين. يضاف إلى ذلك، أن احتمالية استمرار التوترات الجيوسياسية في منطقة شرق آسيا، التي تضم نقاطاً مهمة في القدرة التصنيعية لسلسلة توريد أشباه الموصلات، تتطلب تعاوناً متبادلاً لردع النزاعات التي يمكن أن تؤثر سلباً على هذه الصناعة الحيوية.

5. إضفاء الطابع المؤسسي على العلاقات الثلاثية: إن إضفاء الطابع المؤسسي على الحوار الثلاثي هدف مهم لهذه القمة؛ حتى تتمكن العلاقات من تحمل أي اضطرابات أخرى في العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية؛ وذلك في ضوء التخوف من حدوث أي تقلبات في السياسة الكورية الجنوبية أو اليابانية أو الأمريكية؛ إذ يمكن أن تنتخب كوريا الجنوبية رئيساً جديداً يفتح سجلات الخلاف مجدداً مع اليابان، كما من الوارد أن يعود “دونالد ترامب” إلى رئاسة الولايات المتحدة ويقلل مجدداً من الالتزامات العسكرية الخارجية، ومن ثم يأمل “بايدن” أنه من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على العملية الثلاثية، فإنه سيجعلها لا رجعة فيها؛ وذلك من خلال عقد اجتماعات منتظمة على مختلف المستويات الحكومية بين الدول الثلاث.

حقبة جديدة

أشاد قادة الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بـ”الحقبة الجديدة من الشراكة الثلاثية”، معلنين عن سلسلة من الإجراءات تهدف إلى تعزيز التعاون فيما بينهم، ويمكن إيجاز أهم مخرجات القمة ونتائجها على النحو التالي:

1. تكثيف التعاون الأمني الثلاثي: اتفقت الدول الثلاث على إجراء المزيد من المشاورات الأمنية الثلاثية المنتظمة، فضلاً عن تعزيز تعاونها في مجال الدفاع الصاروخي والأمن السيبراني ومكافحة الإرهاب، كما أعلنت عن مجموعة من المبادرات من شأنها الإسهام في إرساء دعائم السلم والأمن الدوليين، بما في ذلك التدريبات العسكرية السنوية،Bottom of Form خاصةً المتعلقة بالصواريخ الباليستية، وإنشاء خط ساخن للاستجابة للأزمات الإقليمية بحلول نهاية عام 2023، بجانب تفعيل مشاركتها بيانات التحذير من الصواريخ المحتمل إطلاقها من كوريا الشمالية.

وفي السياق ذاته، تضمنت النتائج الرئيسية التي تمخضت عنها القمة “التزاماً بالتشاور”، واتفاقاً على أن أي تهديد أمني لإحداها يتطلب مناقشة متبادلة حول إمكانية الرد المشترك، وينظر إلى الاتفاقية على نطاق واسع على أنها رد على الإحساس المتزايد بالمخاطر النابعة من بكين وبيونج يانج، بيد أن المسؤولين حرصوا على توضيح أن الاتفاقية لم تكن معاهدة دفاع جماعي، وأنها لم تَرْقَ إلى مستوى الواجب الصارم المتمثل في اتخاذ الإجراء الموجود في بند المادة 5 من معاهدة حلف الناتو.

2. التصدي لتهديدات بيونج يانج: أعادت الدول الثلاث تأكيد التزامها بإخلاء كوريا الشمالية من الأسلحة النووية بالكامل وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة؛ حيث حثت بيونج يانج على ضرورة التخلي عن برامجها النووية والصاروخية الباليستية. كما اتفقت على العمل معاً لردع أي تهديدات محتملة منها والرد عليها، فضلاً عن زيادة الضغط عليها للامتثال لالتزاماتها الدولية، منددةً في ذلك بالتجارب الصاروخية الأخيرة التي أجرتها كوريا الشمالية، ودعتها للعودة إلى الحوار. وفي تصريحات للصحفيين حول دور بيونج يانج في دعم موسكو في حربها ضد أوكرانيا، صرح بايدن بأن “الدول الثلاث ستواجه أي نقل محتمل للأسلحة لدعم روسيا ضد أوكرانيا من قبل كوريا الشمالية”.

3. انتقاد التحركات الصينية في الجوار الجغرافي: كان بيان القمة شديد اللهجة حول تصرفات بكين في بحر الصين الجنوبي، مشيراً إلى أن الأعمال الخطيرة والعدوانية التي تشهدها المنطقة مؤخراً من قبل الصين لدعم مطالبتها الإقليمية البحرية غير المشروعة في بحر الصين الجنوبي، ستواجهها معارضة شديدة، محذرةً من أي محاولة من جانب واحد لتغيير الوضع الراهن في مياه المحيطين الهندي والهادئ.

كما أكد القادة الثلاث في بيانهم أهمية السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان باعتباره عنصراً لا غنى عنه للأمن والازدهار في المجتمع الدولي، كما دعوا إلى ضرورة وضع حل سلمي للقضايا المتعلقة بالمضيق، منوهين في ذلك بعدم وجود أي تغيير لمواقفهم الأساسية بشأن تايوان.

4. تعزيز التعاون الاقتصادي: اتفق القادة الثلاثة على العمل معاً بشكل أوثق لدعم سلاسل التوريد العالمية بنظام “الإنذار المبكر” لتوسيع مشاركة المعلومات وتعزيز تنسيق السياسات بشأن الاضطرابات المحتملة في هذه السلاسل، وهو ما يعد خطوة مهمة نحو ضمان وصولهم إلى الرقائق الإلكترونية المتطورة، كما اتفقوا على العمل من أجل تعزيز التعاون في تدابير حماية التكنولوجيا لمنع تصدير أو سرقة التقنيات المتطورة التي تطورها بلادهم، بشكل غير قانوني إلى الخارج، في إشارة ضمنية إلى الاتهامات الصينية في ذات الشأن.

هذا وقد أكد الزعماء التركيز لبناء أسس التعاون الفعال في مجالات الأمن الاقتصادي والتكنولوجيا، والاستفادة من القدرات الفريدة التي يمتلكها كل بلد من بلدانهم، في إطار تنفيذ التزاماتهم بشأن أشباه الموصلات والبطاريات، وكذلك أمن التكنولوجيا، والطاقة النظيفة وأمن الطاقة، والتكنولوجيا الحيوية، والمعادن الهامة، والمستحضرات الصيدلانية، والذكاء الاصطناعي، والبحث العلمي.

5. إعادة تأكيد تقديم الدعم لأوكرانيا: أشار بيان القمة إلى اتحاد الدول الثلاث في دعمها لأوكرانيا، مؤكدةً التزامها بالوقوف بجانب كييف في حربها ضد موسكو، منددةً بما سببته الحرب في إحداث فظائع غير مبررة، فضلاً عن كونها مهددة لأسس النظام الدولي.

بجانب ذلك، أعلن قادة الدول عن التزامهم بمواصلة فرض عقوبات منسقة وقوية على روسيا، ولا سيما تسريع تقليل الاعتماد على الطاقة الروسية، كما دعوا إلى ضرورة أن يكون هناك إرادة لدى المجتمع الدولي من أجل دعم مبادئ وحدة الأراضي والسيادة والحل السلمي للنزاعات، محذرين من أن رفض هذه المبادئ التأسيسية في أي مكان، سيمثل تهديداً للسلم والأمن الدوليين؛ لذلك فهم متحدون لضمان عدم ارتكاب مثل هذه الأعمال الفظيعة مرة أخرى.

خلاصة القول: تعد القمة خطوة مهمة إلى الأمام في تعزيز التعاون الأمني ​​والاقتصادي الثلاثي بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، خاصةً أنها أظهرت الالتزام القوي للدول الثلاث بالعمل معاً لمواجهة التحديات المشتركة فيما بينها، ولا سيما تلك التي تواجه منطقة الهندو–باسيفيك. ومع ذلك، سيظل العداء الطويل الأمد بين اليابان وكوريا الجنوبية معيقاً لثمار جهود التعاون الوثيق بينهما، خاصة أن تلك الجهود لا تتعلق بتوجهات القيادة السياسية فقط لدى الدولتين، بل تتعارض مع التوجهات الداخلية لدى شعبَي البلدين.