• اخر تحديث : 2024-05-02 09:34
news-details
أبحاث

قمة بريكس 2023 ومساعي بناء نظام دولي جديد


مقدمة:

انعقدت في جوهانسبرج القمة الخامسة عشرة لمجموعة بريكس، في الفترة من 22 - 24 أغسطس 2023، بحضور قادة كُلٍّ من الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا، ومشاركة بالفيديو من الرئيس الروسي، والتي ترافق معها حالة من الزخم، فرضته عدة عوامل دولية، أبرزها: الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة، والحرب بين روسيا وأوكرانيا، إلى جانب التصعيد الحالي في بحر الصين الجنوبي، وهو ما انعكس على أجندة القمة وجدول أعمالها.

فقد ركزت أجندة القمة على عدة محاور أساسية، تمثلت فيما يأتي: توسيع عضوية بريكس، وآليات توفير الدعم المالي لبنك المجموعة، فضلًا عن سبل التعاون الاقتصادي (). وبالنظر إلى هذه المحاور يتضح أنها تركز على سبل تعزيز قدراتها ومكانتها في النظام الدولي سياسيًا واقتصاديًا، لا سيّما وأن مؤشراتها قد أظهرت تحسنًا على مدار 18 عاما، وأيضًا محاولة توسيع قاعدتها على مستوى الأطراف، للمساعدة في بناء شبكة من المصالح التي تساعد في تجاوز التوترات التاريخية في العلاقات بين عدد من أطرافه، مثل الصين والهند.

وقد انعكست محاور هذه الأجندة على البيان الختامي لقمة البريكس 2023، والذي تمثلت أبرز بنوده في الموافقة على انضمام ست دول جديدة كأعضاء إلى المجموعة، وهي: دولة الإمارات العربية والمملكة العربية السعودية ومصر والأرجنتين وإثيوبيا وإيران، وهو ما حمل العديد من الدلالات التي تتجاوز تعزيز القدرات الاقتصادية، إلى إعادة بناء وتشكيل هيكل القوة السياسية للمجموعة، من منظور جيو- استراتيجي.

وبالنظر إلى ما تضمنه البيان الختامي، يتضح أن القرار الإجرائي الوحيد الذي تم اتخاذه يتمثل في توسيع العضوية، والذي جاء متسقًا مع حالة الزخم والتفاعلات التي سبقت القمة، وأيضًا كلمات القادة في الجلسة الافتتاحية؛ التي ركزت على إعادة بناء نظام دولي أكثر عدلًا، ومواجهة هيمنة الدولار، وتلك نتيجة فرضتها التجاذبات الدولية المتزايدة بين الولايات المتحدة وأوروبا من جانب، وبين روسيا والصين من جانب آخر، والتي أعادت إلى الأذهان أجواء الاستقطاب الدولي التي كانت سائدة خلال الحرب الباردة.

هذا، وقد بدا واضحًا أن اختيار الدول الست الأعضاء الجدد في مجموعة بريكس قد استند إلى عدة معايير، لعل أبرزها مسألة بناء "حزام جيو– استراتيجي" للمجموعة، يربط بين قارات العالم، ويساعد في بلورة مكانة دولية لها، سياسيًا واقتصاديًا، وكذلك أمنيًا، الأمر الذي يعزّز من مكانتها في النظام الدولي، كخطوة نحو بناء "نظام عالمي متعدد الأقطاب".

ورغم أن البيان الختامي للقمة قد ركز على مسألة ضم الأعضاء الجدد، فإنه - في الوقت نفسه – يمكن اعتباره مدخلًا لفهم التحول في الخطط الاستراتيجية للمجموعة، والتي يمكن أن تظهر نتائجها خلال السنوات المقبلة. فقد سعت المجموعة منذ البداية إلى الحد من سيطرة الولايات المتحدة على النظام الدولي، وتحديدًا في جانبه الاقتصادي، وذلك عبر تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري فيما بين دول المجموعة، والذي اتخذ بالفعل عدة خطوات، تمثل أبرزها في تأسيس "بنك التنمية الجديد" (NDB) في عام 2015، بهدف دعم المشروعات العامة أو الخاصة، من خلال منح القروض والضمانات، والمشاركة في رأس المال والأدوات المالية الأخرى، إلى جانب بدء مشاورات تهدف إلى طرح عملة موحدة مدعومة بالذهب، لاستخدامها في المعاملات الاقتصادية والتجارية.

ويبدو أن تحقيق الهدف الاستراتيجي للمجموعة، المتمثل في تعزيز مكانتها ككتلة واحدة بالنظام الدولي، فرضت على دولها (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا) أن تتجاوز مسألة عدم التوافق حول توسيع عضويتها، تمهيدًا لمزيد من التوسع مستقبلًا وفق شروط ومعايير محددة، تساعد على بناء كتلة عالمية، لكي تواجه بها الهيمنة الأمريكية على النظام الدولي بمستوياته المختلفة، فقد نص البيان الختامي للقمة على أن انضمام الدول الست إلى المجموعة جاء كمرحلة أولى، وهو ما يشير إلى أنه قد تكون هناك مرحلة أخرى لضم مزيد من الأعضاء الجدد.

ولكن، رغم حالة التوافق الظاهرة بين دول مجموعة بريكس، إلَّا أنه لا يمكن إغفال بعض العوامل التي قد تهدد تماسكها وفاعليتها، وهذه العوامل تفرضها طبيعة بناء التكتلات العالمية من ناحية، وقضايا العلاقات البينية من ناحية أخرى. لذا؛ تبدو هناك ضرورة لقراءة ما جاء في بيان قمة بريكس 2023، ودلالات انضمام الدول الست إلى هذا التكتل، وحدود قدرته على أداء دور فاعل في النظام الدولي - سياسيًا واقتصاديًا – لا سيّما بعد عملية التوسع.

وفي هذا السياق، تحاول الفقرات القادمة تحليل أبرز القضايا المرتبطة بقرار توسيع عضوية بريكس، من خلال النظر إلى نظام بريكس وأهدافه الاستراتيجية، ثم الوقوف على أهم التحديات التي تنتظر هذا التكتل في المستقبل، لا سيّما بعد إقرار هذا التوسع الملحوظ في عضويته.

أولًا: "نظام بريكس" والهدف الاستراتيجي:

من الواضح أن مسألة تفكيك وإعادة النظام الدولي الراهن، ليصبح متعدد الأقطاب، كانت على قمة أولويات مجموعة بريكس، وهذا ما بدأ يتحقق في القمة الخامسة عشرة، التي أعلنت توسيع عضويتها بضم ست قوى إقليمية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، لا سيّما أن هذا القرار قد جاء متسقًا مع كلمة الرئيس الصيني تشي جين بينغ خلال الجلسة الافتتاحية، إذ قال إن العالم قد دخل مرحلة جديدة من الاضطرابات والتحولات، وأصبح "يمر بتعديلات واستقطابات كبرى وزخم قوي لإعادة التشكيل، حيث تزداد العوامل غير المؤكدة وغير المستقرة والصعبة التوقع". كذلك تناولها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشكل أوضح خلال كلمته التي ألقاها عبر "الفيديو"، إذ شدد على أن "مجموعة بريكس تؤيد تشكيل نظام عالمي متعدد الأقطاب، وتعارض الهيمنة والسياسات الاستعمارية الجديدة".

ويمكن قراءة أبعاد اختيار كُلٍّ من الإمارات والسعودية ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين، للانضمام إلى المجموعة كمرحلة أولى، في سياق الهدف الاستراتيجي للتكتل، ألا وهو إعادة بناء النظام الدولي، وذلك عبر أربع نقاط أساسية؛ وهي:

1- التمدد الجيو- استراتيجي:

يتمتع الأعضاء الجدد في المجموعة بمكانة جغرافية ذات أهمية كبرى في مسارات التجارة العالمية، إذ تُطل كُلٌّ من إيران والإمارات والسعودية ومصر على ممرات بحرية مهمة، وهي: الخليج العربي والمحيط الهندي والبحرين الأحمر والمتوسط، بجانب مكانتها الإقليمية كمراكز توزيع تجاري، وهي سمة تشترك فيها أيضًا كُلٌّ من إثيوبيا داخل قارة أفريقيا، والأرجنتين في أمريكيا اللاتينية.

 

ويُسهم هذا التنوع الجغرافي في بناء ركائز للتكامل الاقتصادي مستقبلًا، بما يتجاوز مسألة الاتصال الجغرافي، كركيزة لبناء تكتل على غرار الاتحاد الأوروبي، إلى توسيع نفوذ المجموعة على مستوى العالم، ما يساعد في فتح أسواق جديدة لمنتجات دول بريكس، وزيادة حصتها من السوق العالمية.

2- تعزيز القدرة الاقتصادية والاستراتيجية:

تُعتبر القدرة أحد مظاهر قوة الدول، إذ تشير إلى "امتلاك أدوات" التأثير في مرحلة أولية، ثم إحداث التغيير كهدف نهائي، في إطار تحقيق المصالح الاستراتيجية للدول بمستوياتها المختلفة. وبالنظر إلى سعي تكتل بريكس نحو تغيير النظام الدولي، فإن تعزيز قدراته الاستراتيجية - سياسيًا واقتصاديًا على وجه الخصوص - قد تجلى بوضوح في اختيار الأعضاء الستة الجدد. فقد حمل هذا الاختيار بين طياته معايير قبول الأعضاء في المرحلة الأولى من توسيع عضوية بريكس، إذ تشترك هذه الدول المختارة في عدة سمات؛ أبرزها: حجم اقتصادياتها وما يمكن أن تضيفه للمجموعة، وهو ما تشير إليه الإحصائيات الخاصة باقتصاديات الأعضاء الجدد، إلى أنها ستضيف إلى قوة المجموعة اقتصاديًا.

جدول يوضح حجم الناتج المحلي قبل وبعد توسيع عضوية تكتل بريكس في العام 2022*

شكل: الأهمية النسبية لدول بريكس في الناتج المحلي الإجمالي العالمي في العام 2022

 

ويشير الجدول السابق، المعتمد على بيانات البنك الدولي، إلى أن إجمالي الناتج المحلي للأعضاء الجدد لبريكس - مجتمعة - يبلغ 3.24 تريليونات دولار، بواقع: الإمارات 507 مليارات دولار، ومصر 476 مليار دولار، والسعودية 1.1 تريليون دولار، والأرجنتين 632 مليار دولار، وإيران 388 مليار دولار، وإثيوبيا 126 مليار دولار، بنسبة إسهام في الناتج العالمي تصل إلى 3.2%.

وبإضافة الناتج المحلي للاقتصادات المتوقع ضمها إلى التكتل، والمتمثلة في نواتج اقتصاد كُلٍّ من دولة الإمارات والسعودية ومصر وإيران والأرجنتين وإثيوبيا، بعد انضمامها إلى دول مجموعة البريكس، سيرتفع مجموع الناتج المحلي من 25.9 تريليون دولار، إلى 29.15 تريليون دولار، لتصل نسبة إسهامه في الناتج العالمي إلى 28.99%، بعد أن كانت 25.8%. إذ يبلغ إجمالي الناتج المحلي للبرازيل 1.92 تريليون دولار، والصين 17.9 تريليون دولار، وروسيا الاتحادية 2.24 تريليون دولار، وجنوب أفريقيا 405 مليارات دولار، والهند 3.38 تريليونات دولار.

شكل: الأهمية بالنسبة للناتج العالمي للدول التي ستنضم لتكتل بريكس وفق بيانات العام 2022*

 

هذا الإسهام الاقتصادي للأعضاء الجدد في تكتل بريكس، من المتوقع أن يعزز من قدرته على التأثير عالميًا، وأن يُسهم في وضع أسس لنظام اقتصادي دولي أكثر استقرارًا، لعدم اعتماده كليًا على عملة واحدة وهي الدولار، وهو ذات المنطق الذي كان مدخلًا لقرار توسيع العضوية، كما أن ضم القوى الإقليمية في الشرق الأوسط وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، يعزز من تأثير بريكس ككتلة واحدة، وقد يدفع مستقبلًا نحو تدشين مؤسسات أخرى للتنسيق في الجوانب غير الاقتصادية، ومن ثم يؤدي إلى بناء وتشكيل نظام قطبي جديد، ويدفع نحو إعادة بناء النظام الدولي كهدف استراتيجي للتكتل.

لكن تجدر الإشارة إلى أن المعيار المعتمد هنا للقوة الاقتصادية يتمثل في حجم الناتج المحلي الإجمالي السنوي؛ غير أن هذا الناتج غير كافٍ في تحديد مقدار التأثير الحقيقي في الاقتصاد العالمي، إذ إن هناك مثلًا التأثير في سلاسل الإمداد العالمية، وهناك أيضًا التأثير في سلاسل القيمة العالمية المتأتية من القدرات والإمكانات التكنولوجية للاقتصادات. وهذا الأمر يثير بعض التحديات أمام التكتل، وهو ما سوف نتعرض له فيما بعد.

3- التحول في القوة الاقتصادية العالمية:

بالنظر إلى الأرقام والنسب السابقة، يتضح أن إسهام مجموعة بريكس - بعد انضمام الدول الست – سوف يعزز نسبة إسهامها في الناتج الاقتصادي العالمي، مقارنة بمجموعة السبع الصناعية الكبرى (G7)، وبالتالي يزيد من الثقة الاقتصادية لهذا التكتل عالميًا. وبخلاف منهج الحساب المعتمد على الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية، فقد كشفت بيانات صندوق النقد الدولي الصادرة في أبريل 2023، أن نسبة إسهام تكتل بريكس في الاقتصاد العالمي وفق آلية تعادل القوة الشرائية، تشهد نموًا متزايدًا، إذ بلغت نسبته 16.9% مقابل 44.9% من مجموعة السبع الصناعية في عام 1995، ثم ارتفع إلى 26.6% مقابل 34.3% لمجموعة (G7) في عام 2010، وأخيرًا بلغ 32.1% مقابل 29.9% لمجموعة (G7) في عام 2023.

صحيحٌ أن البيانات السابقة لصندوق النقد الدولي تشير إلى ارتفاع المكانة التي تحتلها اقتصادات تكتل بريكس في الناتج العالمي بتعادل القوة الشرائية مقارنة بتكتل الدول الصناعية السبع الكبرى، بيد أن هذه المقارنة تتأثر بالتباين في مستويات الأسعار السائدة في هذين التجمعين، كل على حدة. وعمومًا، فإن التطور الذي شهدته اقتصادات مجموعة بريكس - وإن كان لا يفسر قيام هذا التكتل؛ إذ حدث معظمه قبل قيام هذا التكتل بالأساس - لكنه يؤكد على قدرات هذا التكتل الكامنة في بناء نظام اقتصادي عالمي مغاير لما نراه قائمًا حاليًا.

ثانيا: بريكس وتحديات المستقبل:

تُعَدُّ خطوة توسيع عضوية بريكس تَحَوُّلًا استراتيجيًا في المجموعة، إذ تعتبر الأولى منذ عام 2010، بعد انضمام جنوب أفريقيا، ويُتوقع لها أن تُسهم في تعزيز مكانة التكتل عالميًا. بيد أن التساؤل الذي يطرح نفسه: هل تنجح هذه الإجراءات في إعادة تشكيل النظام العالمي؟ أم ستقتصر على بناء نظام موازٍ، يركز على تعزيز التعاون الاقتصادي بين دول الجنوب تحديدا؟ وما هي التحديات التي يُتوقع أن تواجه التكتل بعد قمة 2023؟.

1تدشين نظام موازٍ:

رغم ما تحمله الدلالات السابقة المرتبطة بتوسيع عضوية المجموعة من ملامح لتغيير النظام الدولي، إلَّا أنها أيضًا تتضمن ما يؤشر إلى بناء نظام موازٍ لذلك القائم حاليًا، تقوده الصين تحديدًا، باعتبارها الأكبر اقتصاديًا في التكتل، وهو ما يُعَدُّ أبرز تحديات استمرار تكتل بريكس في المستقبل.

فبالنظر إلى اختيار الأعضاء الجدد، يتضح أن لهم دورًا مباشرًا أو غير مباشر في مبادرة الحزام والطريق الصينية، ما يطرح بدوره تساؤلًا عن حدود التنافس بين القوى الكبرى في هذا التكتل مستقبلًا، وتأثير ذلك على استمرار التكتل ذاته، خصوصًا مع تباين الرؤى بين دول بريكس حول عدد من القضايا، مثل: الحرب في أوكرانيا والتغير المناخي. وهنا، تجدر الإشارة إلى وجود تباين في المواقف من توسيع عضوية بريكس، خشية توظيف بعض أعضائه في دعم مواقف وسياسات خارج إطار منظومة المجموعة، فمن المعروف أن روسيا تسعى لبناء تحالفات تدعم موقفها في الحرب ضد أوكرانيا، في حين أن كُلًا من الهند والبرازيل تخشى أن يؤدي الاندفاع إلى التوسع إلى إضعاف نفوذ الكتلة على مستوى العالم، كما أن جنوب أفريقيا ترغب في توجيه جهود التوسع نحو الدول الأفريقية الأخرى.

وقد يمثل بناء نظام موازٍ تحديًا لمجموعة بريكس بصيغتها الجديدة، وذلك لاعتبارات خاصة بالعلاقات المتشابكة لعدد من الأعضاء المؤسسين والجدد في بريكس مع الولايات المتحدة وأوروبا وحلفائهما، والتي قد تصل إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية والتنسيق بشكل كامل في العديد من القضايا الإقليمية والدولية. وقد بدا واضحًا من الخطاب الصيني والروسي، أن كُلًا منهما كان يعمل على إعادة تنظيم النظام الدولي وفق الرؤية الكلاسيكية الخاصة بوجود معسكرين، ولكن ليس من زاوية الشرق والغرب، بل عبر معيار الشمال والجنوب، الذي يقوم على توزيع الثروة والفقر وقوة الاقتصاد، إلَّا أن هذا الأمر لن يكون مُسَلَّمًا به،

بل سوف يخضع لحسابات الدول الأعضاء الجدد في بريكس، التي قد يكون لها دور إيجابي في الحد من حالة الصدام في النظام الدولي.

وبالإضافة إلى ما سبق، فإن النظام العالمي الموازي قد يتسبب في تزايد التحديات التي تواجه عمل المنظمات الاقتصادية الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وذلك بالنظر فيما ينسبه البعض لهذه المنظمات بأنها تدور في فلك النظام الرأسمالي العالمي.

2- التنافس وتباين الرؤى:

يُعَدُّ الصراع وتباين الرؤى بين أطراف المجموعة أبرز تحديات تطوير تكتل بريكس والنهوض به كفاعل دولي. فهناك خلافات حدودية تاريخية، واختلاف في الرؤى حول أمن قارة آسيا بين الهند والصين، فضلًا عن تباين المواقف حول الحرب في أوكرانيا بين روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل، إلى جانب المعاناة من الأزمات الاقتصادية نتيجة الركود العالمي، ما قد يؤثر على الخطط المستقبلية للتكتل ().

وهنا يمكن الوقوف على بعض ملامح التباين في رؤى الأعضاء المؤسسين لوظيفة تكتل بريكس، فيما يلي:

- الصين: تسعى إلى التأكيد على مكانتها العالمية، وقدرتها كقوة كبرى فاعلة، عبر تشكيل وقيادة معسكر من دول الجنوب؛ لمواجهة الولايات المتحدة وحلفائها في أوروبا، وفي آسيا أيضًا، وتحديدًا اليابان وكوريا الجنوبية، وذلك في سياق الصراع على النفوذ والهيمنة دوليًا، الذي بدأ في بحر الصين الجنوبي.

- روسيا: يبدو أنها تسعى لتوظيف بريكس وتوسيع عضويته بشكل أكبر، للخروج من عزلتها الدولية بسبب العقوبات الغربية.

- الهند والبرازيل: يحاولان الحفاظ على الكيان ككتلة محددة الأعضاء، تعمل على تعزيز وتطوير قدراتها الاستراتيجية المختلفة، لبلورة مكانة كل منهما في النظام الدولي، كقطب فاعل، وليس كقوة كبرى ذات تأثير له حدود أقل من طموحاتها لتحقيق مصالحها.

ونظرًا لأن الاقتصاد العالمي - في ظل العولمة المالية - قد انتقل من مرحلة الصراع الاقتصادي المباشر إلى مرحلة التنافس على الثروة والنفوذ الدولي، فإن التوسع الجديد لتكتل بريكس سوف يترك بصمته الواضحة على تحركات رأس المال الدولي، لا سيّما أن دولتين من تكتل بريكس - قبل التوسع - تُعَدَّان من أبرز الوجهات الدولية للاستثمارات الأجنبية المباشرة.

3عملة بريكس الموحدة:

تُعَدُّ فكرة تدشين عملة موحدة لتكتل بريكس أحد أبرز مظاهر القوة الاقتصادية في النظام الدولي، كما تعتبرها دول بريكس بداية لموجهة هيمنة الدولار الأمريكي. بيد أن التجربة العملية تشير إلى أن مسألة إطلاق عملة موحدة للمجموعة تحتاج إلى خطوات إجرائية اقتصادية معقدة وطويلة، بهدف إعادة تأهيل اقتصاديات الدول الأعضاء، مثلما هو الحال في منطقة اليورو.

 ويبدو أن الدول الأعضاء قد اتخذت عدة قرارات لتقليص الاعتماد على الدولار تحديدًا في معاملاتها البينية، وذلك عبر تنفيذ عمليات تجارية من خلال العملات المحلية، كخطوة أولى على طريق التكامل. وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة البينية بين دول البريكس - باستخدام عملاتها المحلية - يتراوح بين 30% إلى 35% من جميع المعاملات، مع استمرار الجزء الأكبر في استخدام الدولار الأمريكي واليورو، فضلًا عن طرح مقترحات لتدشين عملات رقمية لتوسيع تعاملاتها التجارية حتى مع الدول الأخرى خارج سيطرة الدولار.

من ناحية أخرى، يشير تقرير صادر عن "فاينانشيال تايمز" إلى أن الإطاحة بالدولار أمرٌ غير مرجح في المستقبل المنظور، إذ إنه يبلغ 58% من الاحتياطيات الأجنبية الرسمية العالمية في الربع الأخير من عام 2022، كما أنه يهيمن على 90% من معاملات أسواق المال العالمية، ويسيطر أيضًا على نسبة مهمة من التعاملات في التجارة الدولية.

وعلى صعيد المطالبة بتطوير عملة موحدة لدول التجمع، فإن التطورات التي يشهدها النظام النقدي الدولي المعاصر، في ظل التحول نحو العملات الرقمية والمشفرة، قد يؤثر على هذه التحركات، ويعيد توجيهها ناحية بناء عملة رقمية مشفرة بين البنوك المركزية لهذا التجمع، إذ إن العملة الرقمية التي يمكن تطويرها بين دول التكتل - بعد التوسع - ستكون أكثر سهولة، وأقل من حيث درجة المعوقات التنظيمية التي قد تعترضها حال السير قُدُمًا في تنفيذها.

خاتمة:

في ضوء الإمكانات الاقتصادية، والأهداف الاستراتيجية التي تسعى بريكس إلى تحقيقها للدول الأعضاء، وفي ظل التحديات العامة التي عرضتها الفقرات السابقة بشأن تأثيرات التوسع في تكتل بريكس على مستقبل النظام الدولي، فإن الرؤية التي باتت واضحة تشير إلى أن هذا التوسع سيترك آثارًا اقتصادية متنوعة - في الأجلين المتوسط والمنظور - على أداء الاقتصادات الداخلة في هذا التوسع، ومن ورائه الاقتصاد العالمي برمته. لكن هذه التأثيرات الاقتصادية ستظل أيضًا محدودة بوجود أبعاد أخرى حاكمة لتحرك هذه الاقتصادات في النظام الاقتصادي العالمي.

وفي النهاية، يمكن القول إن خطوة بريكس في توسيع عضويتها من شأنه أن يعزز من نفوذها دوليًا على المستويين الاقتصادي والسياسي، كمدخل يؤدي إلى إحداث بعض التغيير في النظام الدولي الراهن، لكنه أيضًا يمكن أن يُعَدُّ بداية لحقبة جديدة من التنافس الدولي، وخصوصًا في ظل اشتعال هذا التنافس بين القطبيْن: تكتل بريكس ومجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى؛ ونحن نقصد هنا التنافس التكنولوجي والمالي والنقدي الحاصل حاليًا بين الاقتصاديْن الصيني والأمريكي.