على الرغم من تأكيد كلٍّ من واشنطن وباريس استمرار التنسيق والمحادثات بينهما فيما يخص الأزمة في النيجر، فإن هذا لا ينفي وجود توترات بين الإليزيه والبيت الأبيض ناتجة عن اختلافات في ترتيب الأولويات؛ ففيما تتبنى باريس موقفاً متشدداً حيال محاولة الاستيلاء على السلطة في النيجر تصل إلى حد دعم خيار استخدام القوة؛ تتبنى واشنطن موقفاً أكثر ليونةً يعتمد على الدبلوماسية للعودة إلى المسار الدستوري.
مؤشرات التباين
يمكن الاستدلال على التباين في المواقف بين فرنسا والولايات المتحدة فيما يخص التعامل مع الانقلاب في النيجر، عبر الإشارة إلى النقاط الآتية:
1– دفع فرنسي باتجاه مواقف متشددة للإيكواس: شجعت باريس، منذ بداية الأزمة الحالية في النيجر، المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (ECOWAS) على اتخاذ مواقف متشددة تجاه الانقلابيين؛ حيث تجلى ذلك مجدداً في اجتماع رؤساء أركان جيوش إيكواس يومَي 17 و18 أغسطس 2023 في غانا مع تجديد التهديدات باستخدام القوة إذا فشلت الوسائل الأخرى في استعادة الديمقراطية في النيجر، حيث صرح مفوض الشؤون السياسية والسلام والأمن في (إيكواس) عبد الفتاح موسى بأنه تم تحديد يوم التدخل، كما تم تحديد الأهداف الاستراتيجية. ويأتي ذلك بعد فرض إيكواس في وقت سابق عقوبات على النيجر، والإعلان عن وضع بعض قواته العسكرية في حالة تأهب. وكانت باريس قد أعربت في 10 أغسطس عن دعمها أي موقف تتخذه إيكواس ولو أفضى ذلك إلى خيار التدخل العسكري، مشيرةً الى أنها ستدرس بعناية طلب المساعدة العسكرية إذا تم توجيهه إليها.
2– التباين في طريقة التعامل مع المجلس العسكري: فبينما ترفض فرنسا التعامل دبلوماسياً مع المجلس العسكري والتواصل مع أعضائه، وتتمسك الى أبعد حدود بالرئيس المخلوع محمد بازوم الذي هو قيد الإقامة الجبرية، معتبرةً أنه الرئيس الشرعي للنيجر، وأن النظام المنبثق عن الانقلاب لن يحصل على الاعتراف؛ لأنه لا يحظى بدعم شعبي؛ قامت الولايات المتحدة في 7 أغسطس بإرسال نائبة وزير خارجيتها للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند للقاء ممثلين عن المجلس العسكري، كما أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية في 16 أغسطس 2023 عن تعيين سفيرة أمريكية جديدة في النيجر، بعد عام ونصف من شغور هذا المنصب، وهي كاثلين فيتزجيبون، وأنها ستعمل قريباً من نيامي من دون أن تقدم أوراق اعتمادها إلى المجلس العسكري الحاكم، في إشارة إلى رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في إظهار عدم تعزيزها موقف الانقلابين، ولكن مع عدم إغلاق باب الحوار معهم.
وتصف باريس هذه الخطوات بالمتسرعة، خصوصاً أن المجلس العسكري لم يُقدِّم أي تنازل حتى اللحظة، بل قادته هذه الخطوات إلى التصعيد أكثر، كإعلانه عن السعي لتقديم بازوم إلى المحاكمة بتهمة الخيانة العظمى.
3– خلافات حول تصنيف عملية الاستيلاء على السلطة: تمتنع الولايات المتحدة حتى هذه اللحظة عن إطلاق تسمية الانقلاب على عملية الاستيلاء على السلطة في النيجر؛ فعلى سبيل المثال، وصفت فيكتوريا نولاند، في مؤتمر صحفي قبل مغادرتها النيجر، ما حصل في النيجر بأنه عائق أمام استعادة النظام الدستوري في البلاد. ويسمح عدم اعتبار ما حصل في النيجر انقلاباً، للطرف الأمريكي بعدم وقف جميع مساعداته المالية للنيجر.
4– الموقف الأمريكي السلبي من التدخل العسكري: كان لافتاً في هذا السياق، وبعد أن أعلنت منظمة إيكواس وضع قواتها العسكرية الاحتياطية في حالة التعبئة، اعتبار وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أنه لا يوجد حل عسكري مقبول في النيجر، كما عاد بلينكن وأكد مجدداً أن هناك مجالاً للدبلوماسية لحل الأزمة في النيجر. ويُبدي المسؤولون الفرنسيون تبرُّمهم من التغير الذي طرأ على الموقف الأمريكي الذي كان في أول الأزمة موحداً مع الموقف الفرنسي، وينص على ضرورة إعادة “محمد بازوم” إلى السلطة، ثم أصبح فيما بعد يشدد على ضرورة الإفراج عنه فقط.
5– تردُّد باريس في استخدام الحل الدبلوماسي: أظهرت معلومات أن فرنسا كانت تعد لعمل عسكري خاطف لإطلاق سراح محمد بازوم في نهاية يوليو 2023، بعد مناشدات من المقربين منه، إلا أن “محمد بازوم” رفض وطلب من الفرنسيين التريث إفساحاً للمجال أمام التفاوض والخروج بحل دبلوماسي.
ولا يبدو أن فرنسا ترحب بعملية انتقال السلطة عبر فترة انتقالية من 3 سنوات كحد أقصى وهي الفترة التي أعلن عنها في خطاب متلفز رئيس المجلس العسكري الجنرال عبد الرحمن تياني في 19 أغسطس 2023، والتي رفضتها إيكواس أيضاً، التي على الرغم من الدعم الفرنسي وجدت نفسها معزولة في اجتماع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي في 15 أغسطس 2023، الذي خلص إلى رفض استخدام القوة في النيجر. وتعتبر بعض الأوساط الفرنسية أن التراخي مع الانقلابيين لن يوصل إلى أي نتيجة؛ فلا بد لإنجاح الحل الدبلوماسي من ممارسة بعض الضغوط قبل فتح قنوات الحوار.
محفزات رئيسية
يمكن إرجاع أسباب حدوث هذا التباين في المواقف بين فرنسا والولايات المتحدة إلى ما يأتي:
1– تجنب واشنطن معاداة الشعوب الأفريقية: يتغلب التوجه المتبني لفكرة عدم إثارة سخط الشعوب الأفريقية، داخل الولايات المتحدة، على التوجه المتبني لخيار استخدام القوة من أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية، خصوصاً أن هذا الاستخدام أثبت فشله في ليبيا في عام 2011، بعد أن دفعت إليه وقادته فرنسا وشاركت فيه الولايات المتحدة، الذي يبدو أنه على إثره بدأت الولايات المتحدة تتعامل بحذر مع الشؤون الأفريقية الداخلية حتى لو كان ذلك سيؤدي إلى افتراق مع فرنسا؛ لذلك فإن الولايات المتحدة فضَّلت تبني الخيار الدبلوماسي، في تمايز عن الموقف الفرنسي الذي ظهر أكثر انفتاحاً نحو تبني الخيار العسكري، الذي يعتبره بعض المراقبين مخاطرة كبيرة تقوم بها فرنسا، ولا بد أن يؤدي الاستمرار في الاعتماد عليه إلى تأجيج المشاعر المناهضة لفرنسا الموجودة أصلاً في هذه المنطقة من أفريقيا، وهي المشاعر التي يستغلها أعداء فرنسا.
2– الحفاظ على الوجود العسكري الأمريكي: على عكس ما حصل مع القوات الفرنسية، لم يطلب المجلس العسكري في النيجر من واشنطن حتى الآن إجلاء قوتها العسكرية المقدرة بـ1100 جندي، أو إغلاق قاعدة الدرونز في أغاديز. والخروج العسكري من النيجر يعني للولايات المتحدة، من الناحية المالية، خسارة الاستثمارات التي أنفقتها في السنوات الأخيرة على الأمن في النيجر؛ فعلى سبيل المثال، بلغت كلفة بناء قاعدة الطائرات من دون طيار وحدها نحو 110 ملايين دولار. أما من الناحية الاستراتيجية، فإن هذا الخروج العسكري يعني فقدان الولايات المتحدة نقطة رصد مهمة تسمح لها بتتبُّع ما يحصل في المنطقة المحيطة بالنيجر، وعلى الأخص ليبيا.
هذا وتربط بعض القراءات تعليق طلب رحيل القوات الأمريكية من قِبل السلطات النيجرية الجديدة، بعدم تصنيف الولايات المتحدة ما حدث في النيجر رسمياً بأنه عملية انقلاب، وعدم التبني الأمريكي للمطلب الفرنسي بضرورة إعادة بازوم إلى السلطة.
3– تجنب إفساح المجال لتمدد “فاجنر”: تعزو بعض القراءات، عدم الاستجابة الأمريكية للدعوات الفرنسية بمقاطعة المجلس العسكري، إلى خشية أمريكية من خسارة نفوذها بالكامل في هذه الدولة ومحيطها؛ لهذا فإن الولايات المتحدة تحسب تأثير كل خطوة عليها أن تتخذها في النيجر، وفق ميزان مصالحها الخاصة لا وفق حسابات محاباة الشريك الفرنسي.
لذلك فإن الولايات المتحدة تعتبر أن اتباع سياسة تصادمية مع المجلس العسكري قد يؤدي إلى استغلال جماعة فاجنر هذا التوتر من أجل توسيع انتشارها إلى النيجر، ومن ثم فإن ما تحاول الولايات المتحدة فعله يهدف في حقيقة الأمر إلى عدم ترك الساحة خالية أمام تمدد النفوذ الروسي في النيجر، وليس محاولة التمايز عن فرنسا أو محاولة وراثة نفوذها في الساحل الأفريقي، حتى لو أثار ذلك استياء الحليف الفرنسي؛ فبقاء النفوذ الأمريكي وحيداً في النيجر أفضل من خروج النفوذَين الفرنسي والأمريكي منه.
4– الاستياء الفرنسي من خسارة موقع استراتيجي جديد: تعتبر بعض التحليلات أن استياء فرنسا من السلوك الأمريكي في النيجر، يرجع إلى انزعاجها من عدم تقدير حليفها الأمريكي لحجم الخسارة الاستراتيجية التي هي بصددها؛ حيث تعتبر النيجر آخر وأهم معاقل الانتشار الفرنسي في منطقة الساحل الأفريقي؛ إذ أجبرتها انقلابات سابقة من الانسحاب من مالي ومن بوركينا فاسو، ومن ثم فإن بقاء المجلس العسكري على الحكم في النيجر بموافقة أمريكية، سوف تعني موافقة الولايات المتحدة، ولو ضمنياً، على سحب القوات الفرنسية من البلاد، وهو الطلب الذي وجَّهه سابقاً المجلس العسكري إلى فرنسا، وما زال مصراً عليه.
ويعتبر بعض المراقبين أن هذا الأمر لو حصل سيكون بمنزلة خسارة نفسية كبيرة لفرنسا التي اعتادت رؤية القوى العالمية الأخرى تسير خلفها في هذه المنطقة من العالم، فيما يرى مراقبون آخرون أن خروج فرنسا من النيجر لن يشكل ضربة قوية لسياسة فرنسا الأفريقية فقط، بل لسياسة الاتحاد الأوروبي الأفريقية برمته؛ لأنها ستؤثر على كبح طرق الهجرة إلى أوروبا، ومحاصرة الجماعات الإرهابية في الساحل الأفريقي.
وهذا الاستياء الفرنسي الحالي من الولايات المتحدة في النيجر، يُضَاف إلى جملة من الامتعاضات الفرنسية السابقة على خطوات اتخذتها إدارة الرئيس جو بايدن، كالشراكة الأمنية بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة (AUKUS) وإلغاء صفقة الغواصات النووية الفرنسية لأستراليا، بالإضافة إلى قانون خفض التضخم الأمريكي الذي تعتبر فرنسا أنه يقوض التنافس المتوازن، ويدفع الشركات الأوروبية للانتقال إلى الولايات المتحدة.
5– تقليل عبء الضغوط العسكرية على واشنطن: هناك رغبة أمريكية في عدم فتح جبهة عسكرية جديدة قبل بضعة شهور من بدء الحملة الانتخابية الرئاسية عام 2024؛ لأن المجازفة بفتح صراع جديد قد تؤثر على احتمالات فوز الرئيس الأمريكي “جو بايدن” الذي يهدف إلى الحصول على ولاية ثانية، خصوصاً أن النتائج على الجبهة الأوكرانية غير مشجعة بعد فشل الهجوم الأوكراني المضاد، وخفوت الحماسة الشعبية لدعم كييف بالأسلحة.
يُضَاف إلى ذلك انشغال الولايات المتحدة بعدة نقاط في العالم، مثل مراقبة الوضع في تايوان في ضوء التصعيد المتبادل بين الغرب وبكين، والاستهدافات المتكررة للوجود الأمريكي في سوريا والعراق من قِبل روسيا وإيران، والتوترات حول المضايق البحرية؛ حيث نشرت البحرية الأمريكية مؤخراً 3000 جندي حول مضيق هرمز؛ لتجنب تهديد اختطاف ناقلات النفط. ومن ثم فإن تورط الولايات المتحدة في حرب جديدة في النيجر سيؤدي إلى تزايد الضغوط العسكرية عليها، وهي في غنى عنها في الوقت الحالي.
تعقيد الملف
يمكن لهذا التباين في المواقف أن يؤثر على مستقبل التعامل مع الملف النيجري، وهو ما يمكن تناوله على النحو الآتي:
1– استغلال التباين للتخلص من النفوذ الفرنسي: انطلاقاً من أن قادة المجلس العسكري في النيجر يُكِنُّون العداء لفرنسا، ويُحمِّلونها مسؤولية تجييش الدول المحيطة بهم عليهم، كما يعتبرونها سبب فساد السلطة السابقة وتدهور الوضع الاقتصادي في النيجر، فمن المرجح أنهم سيعملون على استغلال التباينات الفرنسية الأمريكية التي ظهرت مؤخراً من أجل الحصول على شرعية دولية متمثلة في اعتراف ضمني أمريكي بسلطتهم، والعمل على التخلص من النفوذ الفرنسي المُعادِي لهم في النيجر؛ حيث كان لافتاً في هذا المجال محاولة طمأنة رئيس الوزراء النيجري الجديد “علي زين” المُعيَّن من قِبل المجلس العسكري، للأمريكيين من خلال التصريح لصحيفة نيويورك تايمز في 19 أغسطس 2023 بأن سلطات بلاده ليس لديها أي نية للتعاون مع فاجنر.
2– الاستفادة من عامل الوقت لتثبيت السلطة: استغلالاً للانقسام بين مؤيدي الخط المتشدد المدعوم من فرنسا، وبين الذين يدعون إلى الحل الدبلوماسي المدعوم من الولايات المتحدة لاستعادة النظام الدستوري في النيجر؛ فإن النظام العسكري في النيجر سيعمل على استغلال الوقت لصالحه؛ من أجل تثبيت سلطته الداخلية والحصول على تأييد شعبي وإقليمي واسعَين؛ حيث بدا واضحاً حرص المجلس العسكري على تنظيم اللقاءات الحاشدة التي تُظهر دعمها له، وإبرازها أمام الإعلام العالمي، كما أن كسب عامل الوقت سيؤدي إلى تزايد الوسطاء من الدول المجاورة تحت حجة السعي إلى تجنيب المنطقة حرباً قد تبدأ في النيجر لكن قد تُفضِي إلى حرب إقليمية.
3– محاولة عزل خيار باريس العسكري: سعت ألمانيا وإيطاليا اللتان تحتفظان أيضاً بوجود عسكري في النيجر، لكن بقدر أضعف من فرنسا والولايات المتحدة، إلى إظهار تمايزهما عن الموقف الفرنسي فيما يتعلق بالقضايا الأفريقية عامةً؛ حتى لا تصيبهما الانتقادات بالاصطفاف التلقائي وراءها. وفيما يخص الحماسة الفرنسية للتدخل العسكري في النيجر، فلقد أتى موقفهما متقارباً أكثر مع الموقف الأمريكي؛ حيث أعلنت ألمانيا أنها تفضل الوساطة، في حين أن موقف إيطاليا أتى على لسان وزير خارجيتها أنطونيو تاجاني، الذي اعتبر أن أوروبا لا تستطيع تحمُّل مواجهة مسلحة، ويجب "ألَّا يُنظَر إلينا باعتبارنا مستعمرين جدداً، بل على العكس من ذلك، يجب أن نخلق تحالفاً جديداً مع الدول الأفريقية لا يقوم على الاستغلال".
تُضَاف هذه المواقف إلى موقف الاتحاد الأفريقي الرافض لاستخدام القوة؛ هذا إذا لم نأخذ في الحسبان عدم حماسة دول داخل إيكواس للخيار العسكري؛ فباستثناء نيجيريا والسنغال وساحل العاج المتحمسة للتدخل العسكري، بقيت الدول الأخرى الأعضاء في إيكواس صامتةً. وفي هذا السياق، ذكر تقرير نُشر في صحيفة لوموند الفرنسية بتاريخ 16 أغسطس 2023، تصريحات لأحد دبلوماسيي دولة من دول إيكواس بأن الجميع ضد خيار العملية العسكرية، “ولكن لا يحق لنا أن نقول ذلك”، بالإضافة إلى إعلان كل من الجزائر وتشاد معارضتهما الخيار المفضَّل لدى باريس.
4– تعقيد موقف سلطة الانقلاب من الشروط الأمريكية: من اللافت جداً عدم تبني أي حليف من حلفاء فرنسا حجتَها بشأن عدم شرعية قرار المجلس العسكري في نيامي المطالب برحيل القوات الفرنسية عن أراضي النيجر، كما لم يتم اعتبار وجود هذه القوات ضرورياً لتمكين فرنسا من القيام بحربها ضد الإرهاب ومن حماية الحدود الجنوبية لأوروبا. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن فرنسا لن تجد لها شركاء للدفاع عن وجودها العسكري في النيجر إلا بعض الدول في إيكواس غير المؤهلة للقيام بهذا النوع من التدخلات. ومن ثم فإن على فرنسا – إذا قررت البقاء في النيجر، وتحت حجج مختلفة – الاعتماد على نفسها فقط.
وهناك احتمال وحيد لحصول دعم أمريكي لخيار تدخل عسكري ترعاه فرنسا ضد النظام العسكري في النيجر يمر عبر حدوث تقاطع بين احتمالين: الاحتمال الأول هو إصرار النظام العسكري على قرار ترحيل القوات الفرنسية من النيجر، والاحتمال الثاني هو رفض سلطة الانقلاب الشروط الأمريكية المتمثلة في الاحتفاظ بقاعدتهم العسكرية ومنع دخول فاجنر إلى النيجر.
ختاماً، تُثبِت سياسة العقوبات والتهديدات فشلَها مرة جديدة؛ وهذه المرة في النيجر؛ حيث قامت فرنسا – ومن خلال عدة أخطاء في التقييم – بجعل الولايات المتحدة (التي اتبعت مبدأ “فن الممكن لتأمين المصلحة” في التعامل مع الملف النيجري) تبدو أكثر واقعيةً منها؛ ما مكَّنها من التقدُّم عليها في واحدة من أكثر مناطق نفوذها التاريخية السابقة. ويبدو أن السيناريو الأكثر ترجيحاً للحصول في النيجر هو بقاء الولايات المتحدة فيها ومغادرة فرنسا لها، مع استبعاد اللجوء إلى الخيار العسكري، والعودة الشكلية إلى انتظام الوضع الدستوري، لكن من دون إعادة محمد بازوم إلى السلطة.