شهدت الجابون الواقعة في إقليم وسط أفريقيا انقلاباً عسكرياً في الثلاثين من أغسطس الفائت؛ حيث قام مجموعة من الضباط العسكريين أطلقوا على أنفسهم “لجنة المرحلة الانتقالية وإعادة المؤسسات”، بإعلان استيلائهم على السلطة وحل جميع مؤسسات الدولة، وإلغاء نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في السادس والعشرين من أغسطس الفائت، والتي أسفرت عن فوز الرئيس الحالي “علي بونجو أونديمبا” بولاية رئاسية ثالثة لمدة خمس سنوات بعد حصوله على نحو (64.27%) من إجمالي عدد الأصوات، وكذلك توقيف عدد من رموز النظام الرئاسي بتهم تتعلق بارتكاب الخيانة العظمى ضد مؤسسات الدولة، واختلاس أموال عامة ودولية. وأعقب ذلك قيام الانقلابيين بتحديد الإقامة الجبرية للرئيس واعتقال أحد أبنائه بتهمة الخيانة. ويطرح هذا الانقلاب العسكري العديد من الأبعاد المؤثرة والتداعيات المحتملة، ولا سيما في ضوء كونه الثاني من نوعه ضد الرئيس الحالي في خلال السنوات الأخيرة؛ حيث جرى انقلاب عسكري غير ناجح بقيادة ” كيلي أوندو أوبيانج” في 7 يناير 2019.
أبعاد مؤثرة
ثمة العديد من الأبعاد المؤثرة المرتبطة بحدوث الانقلاب العسكري في الجابون وهي الأبعاد المتمثلة فيما يلي:
1- تنامي سخط المعارضة على النظام الحاكم قبل الانتخابات: تبلور ذلك نتيجة لإجراء تعديل دستوري عبر جلسة مشتركة للجمعية الوطنية ومجلس الشيوخ في 6 أبريل الماضي، وهي التعديل الذي قضى بتخصيص جولة واحدة للانتخابات بدلاً من جولتين. وقد أيد ذلك الاقتراح (85%) من الأصوات بما يتجاوز أغلبية الثلثين الضرورية اللازمة لتمرير القرار، وهو ما استنكرته المعارضة التي أكدت أن هذا التعديل يهدف في الأساس إلى تسهيل إعادة انتخاب الرئيس الحالي “علي بونجو”؛ وذلك على الرغم من إقرار التعديل بتخفيض عدد سنوات الولاية الرئاسية من (7) سنوات إلى (5) سنوات.
ويأتي هذا السخط على الرغم من محاولات الرئيس الجابوني احتواء المعارضة السياسية، وتعزيز ثقة المواطنين بالنظام الحاكم، وهو ما تجلى من خلال المشاورات السياسية التي عقدها بمشاركة واسعة من المعارضة في الفترة (13 – 24) فبراير 2023، وهدفت إلى مناقشة مطالب المعارضة التي يأتي على رأسها تحسين الإطار الانتخابي من أجل تحقيق نتائج صحيحة في إطار العمليات الانتخابية. ويضاف إلى ذلك افتتاحه الاجتماعات الوطنية حول ارتفاع مستويات المعيشة في 11 أبريل 2023، التي تهدف إلى بحث سبل التحكم في تكاليف الضروريات الأساسية والاستهلاك اليومي من خلال عقد وتنظيم ورش عمل في مناطق مختلفة بمشاركة الفاعلين الاقتصاديين والمجتمع المدني وشركاء التنمية.
2- التشكيك في نزاهة ومصداقية الانتخابات: وارتبط ذلك بغياب المراقبين الدوليين لمتابعة الانتخابات التي أجريت في أواخر أغسطس الفائت، وتعليق بث بعض وسائل الإعلام الأجنبية داخل الدولة، وصدور قرار من السلطات بقطع خدمة الإنترنت وفرض حظر ليلي للتجوال في جميع أنحاء البلاد، فضلاً عن قيام مرشح المعارضة الرئيسي “ألبرت أوندو أوسا” الذي حصل على نحو (30.77%) من الأصوات الانتخابية بتأكيده افتقار العديد من مراكز الاقتراع إلى أوراق تصويتية تتضمن إدراج اسمه ضمن قائمة المرشحين لرئاسة الدولة، كما أكدت المعارضة أن أسماء بعض الذين انسحبوا من السباق الرئاسي كانت لا تزال موجودة بالفعل على ورقة التصويت.
وقد تنامت هذه الشكوك على خلفية ما حدث في الانتخابات السابقة التي جرت في عام 2016؛ حين رفض المرشح صاحب الترتيب الثاني “جيان بينج” الحاصل على نحو (48.23%) من الأصوات الاعتراف بنتائج الانتخابات، وأعلن نفسه رئيساً للجابون، وهو ما أدى إلى اشـتباك أنصاره مع قوات الأمن في العاصمة “ليبرفيل” ومـدن أخـرى؛ حيث قاموا بإضِرام النيران في مبـاني المؤسسـات الحكوميـة مثـل الجمعيـة الوطنيـة. وتزامن ذلك مع تشكيك بعثة الاتحاد الأوروبي لمراقبة الانتخابات في صحة فوز الرئيس “علي بونجو” في هذه الانتخابات؛ حيث أكدت أن أعداد الناخبين في السجلات الانتخابية يختلف عن معدل المشاركة الفعلية، كما دعت إلى إعادة فرز الأصوات.
3- تصاعد الصراع داخل عائلة “بونجو”: يعكس الانقلاب العسكري في الجابون نمطاً من الصراعات الحادة داخل عائلة “بونجو”؛ حيث إن قائد الانقلاب “أوليجي نجويما” تربطه صلة قرابة بالرئيس المعزول؛ فهو ابن عم الرئيس المعزول “علي بونجو”، ويحظى بعلاقات وثيقة بعائلة الرئيس المعزول. وكانت لـ”نجويما” علاقة قوية بالرئيس السابق “عمر بونجو”؛ فقد عمل “نجويما” مساعداً له حتى وفاته في عام 2009، وبعد تولي “علي بونجو” الحكم، أوكل إلى “نجويما” مهام دبلوماسية في المغرب والسنغال، لكنه عاد إلى الجابون وتولى منصب رئيس الحرس الجمهوري.
وبجانب مهامه العسكرية والدبلوماسية، كان “نجويما” رجل أعمال أيضاً، وكان معروفاً في الأوساط الجابونية بأنه “مليونير”. وبحسب التقارير، فإن “نجويما” كان له دور كبير في زيادة أصول عائلة “بونجو” في الولايات المتحدة، فضلاً عن توسيع أعمال العائلة في الخارج.
وبحسب تقرير أصدره “مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد” الدولي (OCCRP) عام 2020، فإن “نجويما” “اشترى ثلاثة عقارات في أحياء الطبقة المتوسطة والطبقة العاملة في ضواحي ميريلاند في هياتسفيل وسيلفر سبرينج، بالولايات المتحدة، في عامي 2015 و2018، وتم شراء هذه المنازل بأكثر من مليون دولار نقداً”.
4- استناد قائد الانقلاب إلى نفوذه العسكري: يبدو أن قائد الانقلاب العسكري “أوليجي نجويما” يراهن على نفوذه العسكري الكبير داخل الدولة. وبحسب العديد من التقارير، يعتبر العقيد “نجويما” واحداً من أكثر الشخصيات نفوذاً في الجيش الجابوني؛ حيث قاد الحرس الجمهوري في دولة الجابون في عام 2019. ويعتبر الحرس الجمهوري في الجابون، تشكيلة عسكرية مستقلة، وتابعة لجهاز “الدرك”، وتتولى حماية الشخصيات والمؤسسات العامة، وهي التشكيلة الأمنية الأقوى في البلاد.
5- تراجع ترتيب الجابون في المؤشرات السياسية الدولية: يمكن ملاحظة ذلك عبر عدد من المؤشرات، من بينها مؤشر الاستقرار السياسي ومؤشر المخاطر السياسية الصادران عن مؤسسة (Country Watch) في عام 2023؛ حيث حصلت الجابون في كل منهما على (5) درجات من (10) نقاط على المؤشر، كما تم تصنيف الدولة ضمن فئة “الأنظمة الاستبدادية” “(Authoritarian Regime) وفقاً لمؤشر الديمقراطية الصادر عن مجموعة “إيكونوميست” في عام 2022؛ حيث جاءت في الترتيب الـ(118) عالمياً من إجمالي (167): وذلك بحصولها على (3.4) درجة من إجمالي (10) درجات.
6- استشراء الفساد وإساءة استخدام موارد الدولة: يرتبط ذلك بشكل مباشر بالنخبة الحاكمة بالجابون؛ فوفقاً لمقياس الفساد العالمي Global Corruption Barometer (GCB) الصادر عن منظمة الشفافية الدولية بالشراكة مع شبكة “أفروباروميتر” Afrobarometer، احتلت الجابون الترتيب الثالث في عام 2019 فيما يتعلق بالنسبة المئوية لمن يعتقدون أن الفساد قد ارتفع خلال عام 2018، كما جاءت الدولة في الترتيب الـ(136) عالمياً من إجمالي (180) ترتيباً وفقاً لمؤشر مدركات الفساد العالمي الصادر عن منظمة الشفافية الدولية في عام 2022؛ حيث حصلت على (29) نقطة من إجمالي (100) على المؤشر.
7- تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدولة: على الرغم من أن الجابون تعد رابع أكبر منتجي النفط في أفريقيا جنوب الصحراء، فإن ثلث سكانها يعيشون تحت خط الفقر؛ وذلك نتيجة عدم نجاح الدولة في ترجمة ثرواتها ومواردها إلى نمو مستدام وشامل؛ بسبب عدم تنويع مصادر الإيرادات، وبسبب الاعتماد بشكل كبير على صناعة الوقود الأحفوري؛ وذلك وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في عام 2022. كما شهدت الدولة في عام 2022 ارتفاعاً شديداً في معدل التضخم؛ حيث بلغ نحو (4.1%) بالمقارنة بنحو (1.1%) في عام 2021. ويضاف إلى ذلك ارتفاع معدل البطالة العام إلى نحو (22%) ونحو (38%) بين الشباب؛ وذلك وفق ما أعلنه البنك الدولي في إطار تقريره حول الشراكة القطرية الجديد مع الجابون للفترة (2023 -2027).
التداعيات المحتملة
ثمة العديد من التداعيات المحتملة، سواء على المستوى الداخلي أو الإقليمي، فيما يتعلق بالانقلاب العسكري في الجابون، وهي التداعيات المتمثلة فيما يلي:
1- تنامي الاضطرابات الأمنية على المستوى الداخلي: قد يصاحب الانقلاب العسكري تصاعد وتيرة عدم استقرار الأوضاع الأمنية في الدولة من جراء رد الفعل العكسي المحتمل من أنصار معسكر الرئيس الحالي “على بونجو”، وهو ما سيؤثر على تصنيف الدولة وفقاً لمؤشر السلام العالمي الصادر عن معهد الاقتصادات والسلام، الذي جاءت الجابون في إطار إصداره في عام 2023 ضمن الدول التي تقع في فئة الدول “المتوسطة على مستوى السلام الداخلي”؛ حيث جاءت في الترتيب الـ(93) من إجمالي (163) ترتيباً شملها مؤشر (IEP) في عام 2023. وسيؤدي ذلك بالتبعية إلى زيادة هشاشة الدولة التي تأتي في فئة “التحذير” (Warning) وفقاً لمؤشر الدول الهشة؛ حيث احتلت الترتيب الـ(99) من إجمالي (179) ترتيباً على مستوى العالم الصادر عن صندوق السلام ومجلة فورين بوليسي في عام 2023؛ وذلك بإجمالي (65.5) درجة من (120) درجة على مقياس المؤشر.
2- مراهنة أطراف الصراع على الحشد الشعبي: يرجح أن يعتمد كل طرف من طرفي الصراع القائم الآن في الجابون، سواء الرئيس المخلوع أو حتى قادة الانقلاب، على الشارع، وأن يحاول توسيع نطاق الحشد الشعبي المؤيد له. وقد ظهرت مؤشرات ذلك الأمر مع توجيه الرئيس الجابوني “علي بونجو” خلال مقطع فيديو قصير، نداء استغاثة للمواطنين في الجابون بعد استيلاء عسكريين على السلطة في البلاد؛ حيث دعا خلال مقطع الفيديو إلى “إحداث ضجة” بعد محاولة الانقلاب، مؤكداً أنه محتجز رهن الإقامة الجبرية. وقال “بونجو” خلال مقطع الفيديو: “أدعو الأصدقاء في مختلف أنحاء العالم للاحتجاج”، مشيراً إلى أن ابنه “محتجز في مكان ما”، وأن “زوجته مفقودة”.
وفي المقابل، تم تداول بعض مقاطع الفيديو على منصة “إكس” التي تظهر مجموعة من المواطنين في الجابون يؤيدون الانقلاب؛ حيث ظهر العشرات يحملون علم الجابون ويحيون مركبة عسكرية وسط الشارع يستقلها عدد من العسكريين، كما أقدم بعض المواطنين على تلوين إحدى صور الرئيس “علي بونجو” لإخفاء معالمه، في إشارة إلى تأييدهم الانقلاب الحاصل بالبلاد.
3- تدهور الأوضاع الاقتصادية الداخلية: قد يؤدي الانقلاب العسكري إلى تراجع معدلات النمو في الدولة بعد تسجيلها تحسناً ملحوظاً في عام 2022؛ حيث بلغت نحو (2.8%) مقارنة بنحو (-1.9%) و(1.5%) في عامي 2020 و2021 على الترتيب، كما يمكن أن يؤدي هذا الانقلاب إلى استمرار انخفاض التدفقات الاستثمارية؛ فوفقاً لتقرير الاستثمار العالمي لعام 2023 الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (UNCTAD)، انخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى الدولة من (1.529) مليار دولار إلى (1.105) مليار دولار بين عامي 2021 و2022، ويعزز من احتمالية حدوث ذلك إعلان شركة التعدين الفرنسية “إراميت” التي تملك وحدة “كوميلوج” لإنتاج المنجنيز في الجابون تعليق جميع عملياتها في أعقاب وقوع الانقلاب العسكري مباشرة؛ ما أدى إلى انخفاض سهم الشركة على الفور بنحو (5%)، وهو ما قد يؤثر سلباً على الإيرادات العامة للدولة، ولا سيما في ضوء تصنيف الجابون باعتبارها ثاني أكبر منتج للمنجنيز على مستوى العالم.
4- تصاعد التأثيرات السلبية على دول الجوار الإقليمي: قد تؤدي الاضطرابات الداخلية في الجابون إلى احتمالية تنامي مختلف أشكال الجرائم المنظمة العابرة للحدود من قبيل الاتجار في البشر والتهريب غير الشرعي للأسلحة والمواد المخدرة، وهو ما قد يزيد من معاناة بعض دول الجوار الإقليمي التي لديها اضطرابات داخلية بالفعل، وعلى رأسها الكاميرون الواقعة على حدودها الشمالية؛ حيث تعد من الدول الرئيسية المتأثرة بالأنشطة الإرهابية لجماعة “بوكو حرام” الإرهابية؛ وذلك بجانب كل من دولتي (تشاد والنيجر) منذ عام 2014، علماً بأن الارتكاز العملياتي لهذه الجماعة في نيجيريا منذ مطلع العقد الأول من الألفية الجديدة، كما تضم الكاميرون في المنطقة الغربية منها نحو (20) جماعة انفصالية مسلحة في المناطق الناطقة باللغة الإنجليزية، ولعل من أهمها ما يعرف بـ”قوات دفاع أمبازونيا” Ambazonia Defense Forces (ADF)، التي تأسست بقيادة “لوكاس تشو أيابا” في سبتمبر 2017.
5- ارتفاع مخاطر عمليات القرصنة في خليج غينيا: يرتبط ذلك بالأساس بكون الجابون من الدول المطلة على منطقة خليج غينيا التي تغطي مساحة (2.35) مليون كيلومتر مربع أو (910) أميال مربعة؛ وذلك بواقع (18) دولة ممتدة من السنغال إلى أنجولا. وعلى الرغم من أن ما يقرب من (51%) من جميع حوادث القرصنة والسطو المسلح تحدث قبالة سواحل نيجيريا وفقاً لإحصائيات عام 2020، فإن المنطقة الاقتصادية الخالصة في الجابون تعتبر من البؤر الجديدة لأعمال القرصنة التي تستهدف السفن التجارية وناقلات البضائع وسفن الشحن وأطقمها؛ فعلى سبيل المثال، تم الإبلاغ في 1 مايو 2023 عن عملية اختطاف سفينة “جريبي بولكر” (Grebe Bulker) التي يبلغ طولها (190) متراً عندما كانت راسية قبالة ميناء “أويندو” على الطرف الجنوبي للعاصمة “ليبرفيل”.
والجدير بالذكر أن خليج غينيا قد استحوذ على ما يزيد عن (43%) من حوادث القرصنة التي تم الإبلاغ عنها في الربع الأول من عام 2021؛ وذلك وفقاً للتقرير الصادر عن المكتب البحري الدولي التابع لغرفة التجارة الدولية (IMB). وعلى الرغم من انخفاض حوادث السطو المسلح والقرصنة في الخليج في الربع الأول من عام 2023 إلى خمس حوادث فقط مقارنة بثمانية حوادث في الربع الأول من عام 2022 و(16) في عام 2021، فإن الخليج قد شهد طفرة مقلقة في الحوادث البحرية بين الربع الأول والربع الثاني من العام الجاري؛ حيث تم تسجيل تسع حوادث في الربع الثاني، ومن إجمالي الحوادث التي شهدها عام 2023 تم تصنيف (12) منها على أنها سرقات مسلحة وتم تصنيف اثنتين على أنهما قرصنة استهدفت في الغالب السفن الراسية في المنطقة.
6- التأثيرات المحتملة على أسواق النفط والغاز العالمية: من المحتمل أن يؤدي تفاقم الأوضاع السياسية غير المستقرة المصاحبة للانقلاب العسكري إلى التأثير على الأسعار العالمية للنفط والغاز الطبيعي؛ حيث تعد الجابون من الدول الأعضاء في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك”، التي تضم (13) دولة تستحوذ على (80.4%) من احتياطيات النفط العالمية المؤكدة، وهو ما يعادل (1241.82) مليار برميل، وتمتلك احتياطيات تقدر بنحو ملياري برميل من النفط، وهو ما يعادل نحو (0.2%) من إجمالي احتياطات المنظمة وفقاً لبيانات النشرة الإحصائية السنوية لمنظمة “أوبك” لعام 2022. وتعد الدولة بوجه عام ثامن أكبر منتج للنفط الخام في أفريقيا، كما تمتلك احتياطيات مؤكدة من الغاز الطبيعي تبلغ (26) مليار متر مكعب وفقاً لإحصائيات عام 2021، وبلغ إنتاجها نحو (462.978) مليون متر مكعب في عام 2022 مقارنة بنحو (453.9) مليون متر مكعب في عام 2021.
7– الاضطراب في سوق المنجنيز العالمية: يُرجَّح أن يؤدي الانقلاب إلى اضطرابات في سوق المنجنيز العالمية؛ نظراً إلى أن الجابون تُعتبَر من المنتجين الرئيسيين لهذا المعدن؛ فهي تمتلك ثاني أكبر رواسب منجنيز في العالم، وهي حالياً ثالث أكبر منتج في العالم. وبحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، يمثل معدن المنجنيز ما يقرب من 11% من إجمالي صادرات الجابون. وتعد شركة “لا كومباني ميني أوشري دي لوغو” – وهي شركة تابعة لشركة “إيراميت” الفرنسية – أكبر شركة تنتج حالياً المنجنيز في الجابون. وفي هذا الصدد، ربما تتأثر أسعار المنجنيز بعد توقف عمليات التعدين الخاصة بالشركة الفرنسية في الجابون لمدة يوم كامل (30 أغسطس الفائت)، وذلك قبل أن تعلن الشركة استئناف أنشطتها بصورة تدريجية يوم 31 أغسطس الفائت.
8- تزايد وتيرة عدوى الانقلابات العسكرية: قد يصاحب نجاح الانقلاب العسكري في الجابون تصدير عدوى الانقلابات العسكرية في أفريقيا، ولا سيما في إطار إقليمَي الوسط والغرب، ويعزز من ذلك تنامي موجة هذه الانقلابات بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة؛ حيث شهدت أفريقيا نحو سبعة انقلابات ناجحة منذ عام 2020 حتى تاريخه، وهي الانقلابات التي جرت في دول (مالي، وبوركينا فاسو، وغينيا كوناكري، وتشاد، والنيجر)، وقد كان آخرها ذلك الانقلاب الواقع في النيجر في 26 يوليو الماضي، الذي أسفر عن الإطاحة بالرئيس المنتخب “محمد بازوم”، وهو ما قد يؤثر بدوره سلباً على مجمل الأوضاع المتأثرة بفعل التداعيات المستمرة المصاحبة للحرب الروسية–الأوكرانية.
9- تعقيد موقف الدول الغربية في أفريقيا: يرجح أن يزيد الانقلاب العسكري من مأزق الدول الغربية في أفريقيا، وعلى وجه التحديد فرنسا وكذلك واشنطن؛ فالانقلابات التي حدثت في الدول الأفريقية مؤخراً استصحبت معها رؤية معادية لفرنسا، ومعادية بدرجة أقل للدول الغربية؛ وذلك فيما بدا أن قادة هذه الانقلابات أكثر اقتراباً من القوى المناوئة للغرب، وخاصة روسيا التي يتهمها البعض بالتورط في دعم الأنظمة العسكرية الجديدة من خلال مجموعة فاجنر. وبطبيعة الحال يعقِّد الانقلاب في الجابون من خيارات الاستجابة المتاحة للدول الغربية في التعامل مع الانقلابات العسكرية، وبعبارة أخرى بات من المستحيل الآن الحديث عن خيار التدخل العسكري ضد انقلاب النيجر، الذي كان يتم الترويج له خلال الفترة الماضية؛ لأن التدخل العسكري في النيجر يعني أنه يجب تكراره أيضاً ضد النظام الجديد في الجابون، وهو أمر من المستبعد حدوثه.
وختاماً، يمكن القول إن الانقلاب العسكري في الجابون سيدفع الأمور في الدولة إلى حافة الهاوية على كافة الأصعدة، ولا سيما في ضوء التعقيدات المصاحبة للمراحل الانتقالية بصفة عامة، والتضارب المحتمل في مواقف الأطراف الدولية من الأزمة السياسية بفعل منظومة الأهداف والمصالح الذاتية لكل طرف. ويضاف إلى ذلك المحدودية المتوقعة في استجابة “الجماعة الاقتصادية لدول وسط أفريقيا” المعروفة اختصاراً باسم “إيكاس”، التي تعد بمنزلة الإطار الإقليمي الفرعي المتعدد الأطراف المعني بإدارة الأزمات والصراعات في إقليم وسط أفريقيا.