• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27
news-details
قراءات

كيف عمَّقت اليابان والناتو علاقاتهما منذ حرب أوكرانيا؟


يبدو أن الحرب في أوكرانيا باتت تشكل محدداً هاماً في التحركات الخارجية اليابانية على الساحة الدولية؛ فخلال حوار شانجريلا الذي عُقد في سنغافورة في أوائل مايو 2023، أشار رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا، بجدية، إلى أن “أوكرانيا اليوم يمكن أن تصبح شرق آسيا غداً”. وتنظر طوكيو أيضاً إلى "العدوان" الروسي في أوكرانيا باعتباره نقطة تحوُّل، ولحظة تاريخية في سياستها الخارجية، وقد بلورت رؤية جديدة “حرة ومنفتحة لمنطقة الهندوباسيفيك” باعتبار ذلك رد فعل على الحرب في أوكرانيا.

حلفاء طوكيو

تأمل اليابان وَضْعَ توقعات معينة للحد من السياسات العدوانية التي تقوم بها الدول الأخرى، كما تُعَد هذه الخطوة جزءاً من هدف طوكيو الأكبر لكسب الأصدقاء والتأثير بشكل إيجابي على الجهات الفاعلة ذات التحالفات المتعددة والمتباينة في الدول النامية. وعلى القدر نفسه من الأهمية، تسعى اليابان إلى إقامة علاقات أقوى مع الدول الأوروبية التي تأمل ألَّا تشارك اليابان أولوياتها وقيمها فحسب، بل أن تدعم اليابان أيضاً في حال حدوث أزمة في شرق آسيا.

إن أهم شركاء اليابان الأوروبيين هم الاتحاد الأوروبي، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). ويُعتبر الاتحاد الأوروبي شريكاً سياسياً واقتصادياً مهماً؛ نظراً إلى حجمه وقوته، في حين تقدِّر اليابان الناتو بسبب قدرات الردع العسكري التي يمتلكها. ومن بين الدول الأعضاء في الناتو، البالغ عددها 31 دولة، القوى الكبرى في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وألمانيا، فضلاً عن المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا.

لا تمثل العضوية في الناتو خياراً مطروحاً بالنسبة إلى اليابان لأسباب جغرافية، ولكن رغم ذلك فإن اليابان تأمل تقديم نفسها في نهاية المطاف باعتبارها دولة من دول الناتو. ويعزز من هذه الفرضية الموقف الياباني من الحرب الأوكرانية؛ حيث دعم قادة اليابان أوكرانيا بوضوح وأدانوا الهجوم الروسي. وكان دعم طوكيو لكييف قوياً للغاية لدرجة أن الأولى تمكنت من الترتيب لحضور القمة السنوية للناتو، كما وافقت على أن تستضيف طوكيو أول مكتب اتصال للناتو في شرق آسيا، وهو المكتب الذي من المقرر افتتاحه في عام 2024.

وفي أوائل عام 2023، زار ينس ستولتنبرج الأمين العام للناتو اليابان وأعرب عن إعجابه بالبلاد، مشيراً إلى أنه “لا شريك في الناتو أقرب أو أكثر قدرةً من اليابان”. وتؤكد هذه التعليقات نجاح الحملة الدعائية التي قامت بها اليابان في بروكسل.

ورغم أن جهود اليابان الدبلوماسية اكتسبت زخماً منذ جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا، فإن طوكيو سعت إلى بناء علاقات مع الناتو منذ ما يقرب من عقد من الزمن. ويعود هذا إلى التهديدات المتعددة التي تُواجِهها اليابان، مثل الحرب المحتملة مع الصين بسبب تايوان، والسلوك الغريب من جانب كوريا الشمالية التي تمتلك أسلحة نووية. ونظراً إلى انتشار وتوسع هذه التهديدات الإقليمية، فقد سعت اليابان – التي تعمل منفردةً تقريباً في شرق آسيا – إلى كسب حلفاء أقوى يمكن أن يتحركوا للدفاع عن اليابان في أوقات الأزمات، وتقديم كامل مواردهم ودعمهم. وفي ضوء هذه المخاوف الأمنية، فإن العلاقات الوثيقة مع الناتو يمكن أن تُقدِّم لليابان بعض الضمانات الأمنية.

قيود الدعم

بالرغم من التعاون الوثيق بين اليابان وحلف الناتو، فإن ثمة تساؤلاً مطروحاً حول ما يستطيع الناتو واليابان القيام به فعلياً في حال نشوب صراع مع الصين بسبب تايوان؟ هل يمكن أن تضع طوكيو الكثير من الثقة في أصدقائها في شمال الأطلسي؟

وفي هذا السياق، يمكن القول إن قدرة الناتو على التعامل مع الديناميات الأمنية والعسكرية في شرق آسيا قدرة رمزية إلى حد كبير، وهذا ما تدركه طوكيو. وبدلاً من ذلك فإن العلاقات بين اليابان والناتو تقوم على فهمٍ مفاده أنه في حين يتشارك الناتو واليابان تحديات أمنية معينة، تتعامل أوروبا وشرق آسيا مع ديناميات وأولويات مختلفة. وعلى هذا النحو، فإنه رغم أن أمن شمال الأطلسي وأمن منطقة الهندوباسيفيك مرتبطان في بعض النواحي فإنهما أيضاً ساحتان منفصلتان.

ولهذه الأسباب سوف تلعب دول مثل الولايات المتحدة (العضو الرئيسي في الناتو) والهند الدور الأكثر أهميةً في حال حدوث أزمة. ومع ذلك، لا ينبغي أن نتجاهل ممارسة اليابان للدبلوماسية الأمنية. لقد أكد التقارب الذي أبدته طوكيو مع الناتو خلال الحرب في أوكرانيا أن هناك ساحات استراتيجية مختلفة ومجموعات مختلفة من التحالفات.

يظل الناتو منظمة عسكرية يتركز اهتمامها الأمني الأساسي حول الدفاع ضد الهجوم الروسي في أوكرانيا. ومن ناحية أخرى، تواجه اليابان ومنطقة الهندوباسيفيك مجموعة من التحديات الأمنية المعقدة، بما في ذلك النزاعات الإقليمية حول بحر الصين الجنوبي والشرقي، وانتشار الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية، والقوة العسكرية المتنامية للصين. وبينما يركز الناتو على إبعاد روسيا والحفاظ على مشاركة الولايات المتحدة في ترتيبات الأمن في أوروبا، فإن منطقة الهندوباسيفيك، وخاصةً اليابان، تريد إبقاء الصين على جانبها من مضيق تايوان مع الحفاظ على مشاركة الولايات المتحدة الاستراتيجية والعسكرية، وبدرجة أقل مشاركة الهند، في المنطقة. وكذلك فهي تعتزم مواصلة العمل مع دول أخرى لها مصالح مماثلة مثل فيتنام والفلبين.

مكاسب مشتركة

ختاماً، على الرغم من المسافة الجغرافية، لا يزال لدى اليابان والدول الأوروبية الأعضاء في الناتو الكثير مما يمكن أن يقدمه كل طرف للآخر. يتشارك الناتو واليابان الاهتمام بتعزيز التعاون الأمني والدفاعي الأوثق من أجل منع ظهور قوة مهيمنة أوراسية. إذا وصلت الصين – أو روسيا على نحو أقل احتمالاً – إلى هذا المستوى، فإن ذلك لن يبشر بالخير بالنسبة إلى كل من سيادة وحرية اليابان وأوروبا في التصرف والأمن الجماعي. ومع ذلك، لا ينبغي فهم التعاون بين الناتو واليابان على أنه تحالف مناهض للصين أو روسيا في المقام الأول. وبدلاً من ذلك، ينبغي أن يكون هذا التعاون مدفوعاً بالقيم والمعايير المشتركة التي عبَّرت عنها اليابان في رؤيتها الجديدة لمنطقة الهندوباسيفيك الحرة والمفتوحة.