يدفع عدد كبير من الخبراء والمتخصصين بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة لن تعدو كونها تكراراً لسيناريو مثيلتها السابقة، وأنها أقرب ما تكون إلى جولة إعادة افتراضية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن والرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب؛ وذلك بالنظر إلى نتائج عدد من استطلاعات الرأي البارزة، وتعدد الآراء القانونية التي تؤكد أن اتهامات ترامب الجنائية لن تَحُول دون ترشحه للرئاسة، وغير ذلك. وفي اتجاه مضاد لذلك، برزت في الآونة الأخيرة بعض الدعوات التي تدلل على احتمالية الدفع بمرشح رئاسي آخر يتجاوز الاستقطاب الحزبي على نحو يلبي تطلعات المواطنين في التغيير، وهو ما أثار التساؤلات عن الركائز التي تستند إليها تلك الدعوات، وأبرز المرشحين المحتملين في هذا الصدد.
عوامل مفسرة
تجد الدعوات المطالِبة بمرشح رئاسي بديل لكل من بايدن وترامب جذورها في عدد من النقاط التي يمكن إجمالها على النحو التالي:
1- تقدم بايدن وترامب في العمر: يرى عدد كبير من المواطنين الأمريكيين أن تقدم بايدن في العمر يحول دون توليه فترة رئاسية ثانية، كما يتقدم ترامب في العمر أيضاً، لا سيما أنه يبلغ من العمر 77 عاماً. وقد أظهر استطلاع جديد للرأي أجراه مركز نورك لأبحاث الشؤون العامة، بالتعاون مع أسوشيتد برس، أن كثيراً من الأمريكيين يرون أن السمة الوحيدة التي لا يستطيع بايدن تغييرها هي عمره المتقدم؛ فقد رأى 77 %من المشاركين في الاستطلاع أن بايدن لا يمكن أن يكون رئيساً لأربع سنوات أخرى؛ بسبب تقدمه في السن (بنسبة 89 %بين الجمهوريين و69 %بين الديمقراطيين)، كما يرى ما يقرب من 50% من البالغين الأمريكيين أن ترامب تقدَّم هو الآخر في العمر، وأنه لن يستطيع القيام بمهام المنصب بشكل ملائم؛ إذ يدفع كثير من الشباب بضرورة اختيار أحد المرشحين الأصغر سناً على الأقل.
2- محاولة البعض الترويج لفكرة “المرشح البديل”: على الرغم من وجود بايدن في سدة الحكم وتوليه إدارة البلاد من ناحية، وتنامي شعبية ترامب باضطراد من ناحية ثانية، ترددت دعوات داخل الولايات المتحدة خلال الأشهر القليلة الماضية للمطالبة بوجود مرشح ثالث بخلاف بايدن وترامب. ويقود تلك الدعوات المنظمة المعروفة باسم (No Labels) التي تدفع برغبة الأمريكيين في رؤية المزيد من الخيارات، بل رغبتهم في قدرة مرشح ثالث على الفوز بالرئاسة على نحو يحرر المواطنين من الغضب والانقسام اللذين يدمران السياسة الأمريكية.
كما تدفع بأن الولايات المتحدة تحتاج إلى خطة احتياطية للانتخابات الرئاسية لعام 2024، وأن ترامب الذي عاد إلى دائرة الأضواء الإعلامية عازم على الانتقام فحسب وتسهل هزيمته، وأن المواطنين الأمريكيين سيضطرون إلى المفاضلة بين مرشحين غير مرغوبين، وأن النظام الحزبي الأمريكي يمر بأزمة محتدمة تتجلى في مباراة العودة المحتملة بين ترامب وبايدن رغم الفرصة التي حصل عليها كلاهما، وأن المراهنة على بايدن لا تعدو كونها مقامرة غير مقبولة، أما خسارة بايدن فتعني مجيء ترامب مرة أخرى، وأن العلاج الوحيد للاستقطاب هو الوسط. وإن تخوف الديمقراطيين من الابتعاد عن دعم بايدن لن يسفر إلا عن سحب الأصوات من بايدن وتمكين ترامب من الفوز بولاية أخرى.
3- تراجع أداء الإدارة الأمريكية في بعض الملفات: تُظهر استطلاعات الرأي أن غالبية الديمقراطيين يطالبون الحزب الديمقراطي بترشيح شخص آخر بخلاف بايدن، بالرغم من أن أرجح الاحتمالات تشير إلى استحالة الدفع بمرشح ديمقراطي بارز آخر ينافس الرئيس الأمريكي.
بيد أن تلك المطالبات تجد أواصرها في ضعف الأداء الاقتصادي للإدارة الأمريكية، وضعف قدرتها على خلق فرص العمل. وفي سياق متصل، يرى حزب (No Lables) أن الإدارة الأمريكية عجزت عن معالجة عدد من القضايا البارزة، يأتي في مقدمتها خفض الديون الفيدرالية، وإصلاح المعاشات، والسلامة المدرسية، والصحة العقلية، ومكافحة الاستقطاب السياسي. وقد أظهرت بعض استطلاعات الرأي البارزة أن 59% من الناخبين لا يوافقون على كيفية تعامل بايدن مع الاقتصاد، وإن انقسموا حول جهود بايدن لخلق فرص العمل في الوقت الذي تتعافى فيه البلاد من تأثير جائحة فيروس كورونا المستجد، كما انتقد الناخبون موقف الإدارة الأمريكية من الحرب الروسية–الأوكرانية، وتعامل الولايات المتحدة مع الصين.
4- الرفض الشعبي لسيناريو الانتخابات الرئاسية 2020: يرفض عدد كبير من الأمريكيين تكرار سيناريو الانتخابات الرئاسية الماضية بالنظر إلى تراجع شعبية بايدن وعجز الديمقراطيين عن تقديم بديل يروق لأغلبية الناخبين من ناحية، وتعدد التحديات القانونية التي يواجها ترامب كونه أول رئيس أمريكي سابق يواجه اتهامات جنائية، وتحديداً 91 تهمة جنائية عبر أربع ولايات قضائية؛ ما يعني ازدحام وقته بمحاكمات لن تمكنه من خوض السباق الرئاسي على النحو المطلوب من ناحية ثانية، ورغبة كثير من المواطنين الأمريكيين في التغيير رفضاً لأي مرشحين متطرفين في كلا الجانبين، وتعويلاً على الوسط الذي تتراجع فرصه رغم أهمية الدور الذي يلعبه في ظل الاستقطاب الحزبي من ناحية ثالثة.
أسماء مقترحة
بخلاف الجمهوريين والديمقراطيين الذين سبق له الترشح بالفعل لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ويخوضون المناظرات الحزبية في الوقت الراهن، وخاصةً “رون ديسانتيس” الذي خرج ضعيفاً من المناظرة الأخيرة لمرشحي الحزب الجمهوري؛ يدور “الخيار الثالث” حول مجموعة من الأسماء الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1- استمرار فرص “بيرني ساندرز”: على الرغم من تقدمه في العمر (81 عاماً) من ناحية، ودعمه الواضح لبايدن من ناحية ثانية، قد يكون ترشيح عضو الكونجرس عن ولاية فيرمونت “بيرني ساندرز” غير مطروح وغير منطقي للبعض الذين يتخوفون من تقدم بايدن في العمر، بيد أنه سياسي عتيد وحامل لواء اليسار الأمريكي الناهض في نظر البعض الآخر؛ فقد أوشك ساندرز على هزيمة هيلاري كلينتون ذات الثقل الكبير في الحزب الديمقراطي أثناء الانتخابات الداخلية للفوز بترشيح الحزب في عام 2016 . وبعد احتلاله المركز الثاني مرة أخرى في عام 2020 خلف بايدن، تزايد تأثيره في الإدارة الأمريكية، وحقق نتائج متواضعة، وإن رأى أن الديمقراطيين لا يفعلون ما بوسعهم لإقناع الناخبين الشباب والطبقة العاملة بالتصويت لهم، وربما يأمل مؤيدوه أن يترشح للمرة الثالثة للبيت الأبيض.
2- احتمالية ترشح “جو مانشين” عبر حزب ثالث: قد يتجه السيناتور الديمقراطي المحافظ عن ولاية ويست فرجينيا “جو مانشين” إلى إطلاق حملة رئاسية مستقلة استجابة لدعوات (No Labels) السابقة الإشارة إليها، على الرغم من الانتقادات البارزة التي تعرض لها من أنصار الحزب الديمقراطي ممن يرون أن محاولة ترشحه للرئاسة عبر حزب ثالث قد تساعد ترامب في الوصول لسدة حكم البيت الأبيض.
وفي هذا الإطار، قال مانشين أمام قاعة بلدية نيو هامبشاير إن الأمريكيين يريدون خيارات أخرى غير بايدن وترامب. ولم يحسم مانشين إذا ما كان سيرشح نفسه لمنصب الرئيس أو سيسعى لولاية أخرى في مجلس الشيوخ، لكنه سيواجه رياحاً معاكسة كبيرة إن قرر الترشح في ولاية صوتت كل مقاطعاتها لصالح ترامب، بيد أنه أكد أنه لن يكون مفسداً لرئاسة بايدن، ولن يتسبب في فوز ترامب، منتقداً الاستقطاب السياسي بين كلا الحزبين.
3- بقاء حظوظ مرشح الطوارئ “جي بي بريتزكر”: وصفت صحيفة نيويورك تايمز ذلك الملياردير وعضو عائلة بريتزكر صاحبة سلسلة فنادق حياة، والشريك الإداري والمؤسس المشارك لشركة “بريتزكر كروب” (58 عاماً)، بأنه مرشح “حالة الطوارئ”، ولا سيما أنه لديه كاريزما سياسية قوية، وسِجلاً تقدمياً بالنظر إلى تقلُّده منصب حاكم ولاية إلينوي. وقد سبق أن اتخذ قرارات جريئة بعد أن وقَّع قانوناً يسمح للمهاجرين غير الشرعيين بأن يصبحوا ضباط شرطة ونواباً للعمدة، وتحديداً قانون HB 3882 الذي يجعل الأجانب غير الشرعيين في الولاية مؤهلين للحصول على رخص القيادة القياسية التي تتوافق مع قانون الهوية الحقيقية للحكومة الفيدرالية.
4- تزايد اهتمام الرأي العام بـ”فيفيك راماسوامي”: بالرغم من أن “فيفيك راماسوامي” لم يكن معلوماً للكثيرين، فإن المناظرة الأولى لمرشحي الحزب الجمهوري، في 23 أغسطس 2023، كشفت عن صعود نجم مرشح الحزب “راماسوامي”. وبحسب العديد من التقارير، يوصف “راماسوامي” المنحدر من أصول هندية، بأنه شاب يميني يمتلك خبرات في مجال الأعمال؛ فعلى سبيل المثال، وبحسب تقرير لصحيفة الشرق الأوسط، أسس راماسوامي، في عام 2014، شركته الخاصة “رويفانت ساينسز” للتكنولوجيا الحيوية، في جزيرة برمودا، وتمثلت استراتيجية الشركة في شراء براءات الاختراع من شركات الأدوية الكبرى للأدوية التي لم تكن قد طُوِّرت بنجاح بعد، ومن ثم طرحها في السوق. وبعدها أنشأت الشركة الكثير من الشركات التابعة، بما في ذلك شركة “شينوفانت” و”سيتوفانت” ومقرهما الصين، وتركزان على السوق الآسيوية.
5- طموحات “فيل مورفي” للرئاسة: لقد عمل لمدة 23 عاماً في بنك جولدمان ساكس؛ حيث شغل العديد من المناصب الرفيعة المستوى، وجمع ثروة كبيرة قبل تقاعده في عام 2006، وشارك في العديد من المنظمات المدنية والمساعي الخيرية، كما شغل منصب الرئيس المالي للجنة الوطنية الديمقراطية تحت قيادة هوارد دين، بيد أن المناصب السياسية البارزة التي تقلَّدها تمثلت في سفير الولايات المتحدة السابق في ألمانيا، وحاكم ولاية نيوجيرسي. وعلى الرغم من دعمه الكامل لإعادة ترشح بايدن في الانتخابات الرئاسية المقبلة، فإنه يطمح إلى أعلى المناصب السياسية.
ختاماً، قد يكون من المبكر التنبؤ بالمرشحين النهائيين في الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وحتى حسم ذلك الأمر قد يشهد السباق الرئاسي مفاجآت كبرى تُطيح بمرشحين مستبعدين وتدفع بآخرين محتملين. وحتى حسم ذلك الأمر أيضاً تظل استطلاعات الرأي هي الأداة الأهم للوقوف على توجهات الرأي العام. وعلى اختلاف نتائجها، يظل القاسم المشترك هو رغبة المواطنين في التغيير تجاوزاً للاستقطاب الحزبي، تضافراً مع جهود (No Labels) التي لن تتوقف جهودها حتى شهر مارس المقبل، ليظل المرشح الثالث احتمالاً قائماً على الرغم من تعدد التحليلات التي تكاد تجمع على سباق رئاسي بين الرئيسَين الحالي والسابق.