• اخر تحديث : 2024-05-02 20:55
news-details
قراءات

نفاق الغرب وأزمة نتنياهو التي تنتظر قرار العليا


ما إن ترجم موقع "ميمري" اليميني الإسرائيلي حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن يهود أوروبا في ثوري فتح، ونشرها؛ حتى انهالت ردود الفعل المستنكرة والمنددة والمطالبة لعباس بالاعتذار، من كل حدب وصوب، ممّا أدخل الرئاسة الفلسطينية في مأزق كبير، تسعى جاهدة لتخفيف أضراره.

موقع "ميمري" الإسرائيلي أسس عام 1998، من قِبل يهود يمينيين ناطقين بالعربية، وعمل بعضهم داخل الأجهزة الأمنية، يعتمد في تمويله على منظمات يمينية أمريكية، ويقدم لحكومة الاحتلال - منذ حكومات نتنياهو الأخيرة - تقارير دورية عمّا يعتقد بأنه يفيد الدعاية والتحريض الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، ويعكف القائمين عليه على ترجمة ونشر كل ما يناسب توجهاتهم، وكان لهم دور كبير في حملة التحريض ضد المناهج الفلسطينية وضد الأسرى ومنظمات المجتمع المدني والإعلام الفلسطيني، والهدف هو نزع الشرعية عن كل ما هو فلسطيني، ولصق تهمة الإرهاب والكراهية بالمؤسسات الفلسطينية.

وفي السنوات الأخيرة، تحول إلى معهد بحوث إعلام الشرق الأوسط، وله مكاتب في العديد من الدول، من بينها أمريكا وبريطانيا، ويقوم بنشر ترجمات إنجليزية لما يرصده من مواد إعلامية عربية وفارسية وتركية يعتقد بأنها تخدم أهدافه. وقبل ترجمة ونشر حديث الرئيس عباس، كان قد ترجم ونشر بعض خطابات رجال الدين في مؤتمر (المكائد الدولية لهدم الأسرة المسلمة) ضد اتفاقية سيداو، وذلك للتشهير بما يعتقد بأنه موقف رجال الدين المسلمين ضد المرأة وضد الطفل.

الغرب المجرم الذي يُغمض عينيه عن مسلسل الجرائم الإسرائيلية المتواصل ضد الفلسطينيين، ليس أقوالًا؛ بل أفعالًا، قتلًا وحرقًا وقصفًا وحصارًا وتمييزًا عنصريًا، جرائم اضطرت بعض القيادات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية السابقة لأن تصفها بالإرهاب، وتصف ما يحدث في فلسطين بنظام الفصل العنصري، مثلما وصفها رئيس "الموساد" السابق تامير باردو، في لقاءٍ أجرته معه وكالة "أسوشيتد برس"، ينتفض غاضبًا ضد أقوال لرئيس شعبه يرزح تحت ظلم الاحتلال وبلا أفق أو أمل في مخرج، وهي أقوال استندت إلى مصادر ومراجع تاريخية كتبها مؤرخون غربيون وبعضهم يهود. إنه نفاق الغرب وتواطؤه الحقيقي مع المجرم، مع دولة الاحتلال، والأنكى هو تماهيهم مع المعسكر اليميني الاحتلالي، وقدرتهم على تطبيع العلاقة وقبولها وتبريرها حتى مع أمثال سموتريتش وبن غفير.

في الوقت الذي تسعى فيه أمريكا والغرب لمساعدة إسرائيل في مد نفوذها وتطبيع علاقاتها وحمايتها ومساعدتها في التنصل من مسؤولياتها الاحتلالية بأبخس الأثمان، لا يبدو أن إسرائيل - المدللة والمغرورة بقوتها ونفوذها - مُستعجلة أو حريصة على قطف الثمار، وتعتقد بأن الحصاد لن يطير ولا شيء يتهدده؛ بل وسيصبح وفيرًا أكثر مع كل تأخير، والتنازلات العربية والتجاوب مع المطالب الإسرائيلية لا زالت في بدايتها؛ الأمر الذي يسمح لها بأن تنشغل بنفسها وبأولويات أيديولوجياتها، غياب الشعور بالمسؤولية تجاه تهديد ضياع الفرصة.

التطبيع مع السعودية لم يكن أكثر قربًا واحتمالًا منه اليوم، ولكن لا يبدو أن أيًا من زعامات الحكومة والمعارضة ينظر له على أنه أولوية تفوق الأولويات الحزبية، فمبادرة الرئيس التي أعِدت - بدعم أمريكي - لخلق توافق يُمهد الأرضية لنجاح صفقة التطبيع فشلت، وتم إسدال الستار عليها إلى حين، وعادت الأزمة إلى الواجهة، وستصل ذروتها مساء الثلاثاء القادم 12 سبتمبر، حيث ستصدر المحكمة العليا قرارها الخاص بالالتماس المُقدم ضد قانون إلغاء حجة المعقولية، وهناك ثلاثة سيناريوهات لقرار المحكمة والمشكّلة من خمسة عشر قاضيًا: الأول قبول الالتماس، والثاني تأجيل القرار، والثالث هو رفض الالتماس، لكن المرجح هو قبول الالتماس لأن رفضه غير محتمل، لاسيما أن القانون يمنح سلطة جارفة للحكومة والوزراء بدون أيّ قيود، والتأجيل في ظروف معينة كان سيبدو هو الخيار الأمثل لترك وقت للسياسيين، للتوصل إلى حلول وإعفاء العليا من المهمة الصعبة، لكن ولأن رئيسة العليا استر حايوت ستتقاعد قريبًا، في أكتوبر القادم، ولن تستطيع أن تكون ضمن تركيبة المحكمة في حال تأجيلها، فإن الميل المرجح هو قبول الالتماس.

وفي حال قررت المحكمة قبول الالتماس، فإنها ستفجر زلزالًا سياسيًا، سيعمّق الانقسام والتظاهرات المُضادة، وسيزيد الشرخ داخل الائتلاف ما بين مُلتزم بقرار العليا وما بين رافض، وما بين مُصر على المضي قدمًا بالتشريعات وما بين من يتمسك بشرط التوافق بين الائتلاف والمعارضة، وسيبدأ بذلك العد التنازلي لتفكك الائتلاف وإجراء الانتخابات. والحل الوحيد للأزمة العميقة والمتفجرة هو حل بات شبه مستحيل، بعد رفض لبيد - رغم الضغوط الأمريكية - الدخول لحكومة نتنياهو، لضمان تمرير اتفاقية التطبيع التي وصلت إلى مراحل متقدمة.

نتنياهو، المناور البارع الذي وُصف فيما مضى بالساحر، لقدرته على الخروج من مآزق كثيرة سابقة؛ يبدو اليوم كقبطان عجوز، فقد الحيلة والقدرة، ومَن معه يشتمّون ضعفه، فبدأوا بإظهار حالة من التململ وبعض التمرد والاهتمام بمصالحهم وأجنداتهم، حتى لو بثمن الخروج عن طاعته، فلا هو قادر على احتواء لفين وعصابته داخل "الليكود" ولا قادر على المضي قدمًا بمساندة لفين في تشريعاته، حيث سينفض عنه بعض الليكوديين، ومن جهة أخرى الأحزاب الأصولية ترفض أيّ تشريع إضافي بدون توافق، وترفض عصيان أمر العليا في حال قبلت الالتماس، بينما أجهزة الدولة المُختلفة تعلن أنها ستلتزم بقرار العليا، حتى لو كان ذلك بما يتعارض مع قرارات الحكومة.