• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

كيف عكست قمة "الآسيان" مساعي الرابطة لتعزيز مكانتها العالمية؟


اختتمت يوم 7 سبتمبر 2023 القمة الـ(43) لرابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، وعدد من الفعاليات المشتركة للرابطة مع أطراف إقليمية ودولية، وهي القمة التي عقدت بإندونيسيا تحت شعار “الآسيان مهمة: محور النمو”؛ وذلك بمشاركة نحو 27 دولة منها الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. وبحثت القمة سبل تفعيل دور الرابطة على الصعيدين الإقليمي والدولي ومعالجة القضايا الاقتصادية الراهنة؛ وذلك وسط تصاعد التوترات الإقليمية بالمنطقة، لا سيما بعد اعتراض دول الرابطة على انتهاكات بكين في بحر الصين الجنوبي، وانتقاد النظام الحاكم بميانمار وأزمة كوريا الشمالية؛ هذا فضلاً عن تصاعد التنافس الإقليمي بجنوب شرق آسيا والهندوباسيفيك بين بكين وواشنطن، في ظل جملة من التغيرات الجيوسياسية التي تهدد استقرار المنطقة؛ ما دفع دول الآسيان إلى التحذير من تحول المنطقة إلى حرب باردة جديدة في ظل الاستقطاب الدولي الحالي.

أبعاد رئيسية

تأسست رابطة “الآسيان” عام 1967 بعضوية (إندونيسيا، وماليزيا والفلبين وسنغافورة وتايلاند) ثم انضم إليها (لاوس وكمبوديا وبروناي وميانمار وفيتنام) وهي منظمة سياسية اقتصادية وتعد خامس أكبر اقتصاد بالعالم، وتعقد قمة سنوية بين أعضائها، وبالتزامن معها تعقد قمة (الآسيان+3) وقمة شرق آسيا الـ18، وقمم الآسيان الفردية مع شركائها الإقليميين، وهي قمم “آسيان–روسيا”، و”آسيان–أستراليا” و”آسيان–الهند” و”آسيان–الصين” و”آسيان–كوريا الجنوبية” و”آسيان–الولايات المتحدة الأمريكية”. وبوجه عام استدعت قمة الآسيان، والفعاليات المرتبطة بها، عدداً من الأبعاد الرئيسية المتمثلة فيما يلي:

1- إعطاء الأولوية للنمو الاقتصادي: افتتح الرئيس الإندونيسي “جوكو ويدودو” أعمال القمة الـ(43) لرابطة الآسيان التي حضرها أعضاؤها العشر، وجدد سعي الرابطة لجعلها محوراً للنمو الاقتصادي، وتوقع أن يسجل معدل النمو الاقتصادى للرابطة عام 2024 أعلى معدل عالمي بنسبة (4.5)%، وحذر من تداعيات انجرار دول الآسيان إلى حالة الاستقطاب الدولي الراهنة بين القوى الكبرى، ودعا “الآسيان” إلى البقاء متحدة ووضع استراتيجية طويلة المدى تلبي توقعات شعوبها، وتحقيق (رؤية الآسيان 2045) المتعلقة بتعزيز التحالف ومواجهة التحديات المقبلة.

2- مساعي الرابطة لتعزيز نفوذها الإقليمي والعالمي: بدا خلال القمة أن ثمة مساعي من قبل الرابطة لتعزيز نفوذها الإقليمي والعالمي، سواء على مستوى الدفع نحو صياغة استراتيجيات جديدة للتعاطي مع القضايا والتحديات المختلفة أو حتى على مستوى توسيع عضوية الرابطة؛ ففي ختام القمة أشار الرئيس الإندونيسي إلى أن الرابطة تحتاج إلى استراتيجية تكتيكية غير عادية لمواجهة الاضطرابات العالمية الحالية كأزمات الطاقة والأمن الغذائي والتغير المناخي، كما تم الإعلان عن ترشيح “تيمور الشرقية” للانضمام للرابطة؛ وذلك للمرة الأولى منذ استقلالها عن إندونيسيا.

وفي سياق ذي صلة، وقعت دول الآسيان على ثلاثة إعلانات؛ هي: اتفاق “بالي الأول” الذي يعطي الأولوية للطرق السلمية لحل النزاعات، واتفاق “بالي الثاني” ويهدف إلى تطوير مجتمع آسيان، وإعلان “بالي الثالث” لضمان المشاركة والمساهمة النشطة للرابطة في القضايا العالمية الأساسية.

3- انعكاس التوترات الإقليمية على القمة: كان لافتاً أن قضية التوترات الإقليمية استحوذت على اهتمام ملحوظ من قبل المشاركين في قمة الآسيان؛ حيث جاءت القمة بالتزامن مع تصاعد الخلاف حول بحر الصين الجنوبي بعد انتقاد الفلبين وماليزيا وفيتنام بكين لنشرها خريطة بمنتصف أغسطس 2023 تؤكد سيادتها على كامل البحر وهو ما ترفضه دول “الآسيان” وتطالب بسيادتها على بعض الجزر والسواحل به. ويعد البحر من أهم الممرات الملاحية في المنطقة والعالم؛ حيث يمر خلاله 60% من حجم التجارة الدولية سنوياً. وفي هذا الصدد، جدد قادة “الآسيان” هدفهم الممثل في وضع “قواعد سلوك” موحدة للدول المشتركة في بحر الصين الجنوبي بحلول عام 2026، بيد أن بكين لم تؤكد مشاركتها في تلك القواعد.

4- انتقاد سياسات النظام الحاكم في ميانمار: فقد انتقد المشاركون في قمة “الآسيان” الممارسات غير الديمقراطية للمجلس العسكري الحاكم في ميانمار منذ انقلابه على الحكم عام 2021، الذي شهد توقيع “الآسيان” على خطة سلام لحل الأزمة بميانمار عبر وقف العنف والحوار بين جميع الأطراف، بيد أن المجلس العسكري لم ينفذ بنودها؛ ما شكك في فاعلية الرابطة في معالجة أزماتها الداخلية، ومؤخراً تعهد المجلس العسكري بتنظيم انتخابات عامة عام 2025 بعد إجراء إحصاء لعدد السكان بالدولة.

5- تأكيد المخاوف بشأن سياسات كوريا الشمالية: أثيرت أثناء القمة المخاوف بشأن محاولات كوريا الشمالية تطوير غواصات نووية؛ ما يهدد أمن المنطقة. وفي هذا الصدد، حذر رئيس كوريا الجنوبية “يون سوك يول” في تصريحات على هامش فعاليات “الآسيان” من أي محاولة للتعاون العسكري مع كوريا الشمالية بطريقة تضر بالسلام العالمي، ويقصد بذلك التعاون الصيني والروسي معها، كما أكد “يول” أنه سيعمل على “وحدة الصف” بين الآسيان وبلاده لمواجهة التهديدات النووية لكوريا الشمالية.

6- حضور صيني وأمريكي وروسي في فعاليات القمة: تضمنت فعاليات الآسيان الأخيرة انعقاد عدة قمم متتالية بين “الآسيان” وعدد من القوى الدولية المتنافسة يومي 6 و7 سبتمبر 2023؛ ما يؤكد تصاعد الأهمية الجيوسياسية والاقتصادية للرابطة في ظل انتقال ثقل الاهتمام الدولي إلى منطقة شرق آسيا والهندوباسيفيك؛ حيث شارك في القمة مسؤولون من روسيا والولايات المتحدة والصين؛ وذلك على غرار وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” الذي أكد – خلال قمة “الآسيان–روسيا”، التي عقدت على هامش قمة الآسيان – أهمية الحفاظ على آليات التعاون المتعددة الأطراف لرابطة “الآسيان”، وأهمية تعزيز الأنشطة البناءة في إطار قمة “شرق آسيا” بما في ذلك تنفيذ المبادرات الروسية في مجالات الاستجابة للتهديدات الوبائية، وتطوير قطاع السياحة.

وشهدت الفعاليات أيضاً مشاركة نائبة الرئيس الأمريكي “كامالا هاريس” التي تعهدت خلال القمة المشتركة مع “الآسيان”، بدعم الرابطة لحل الأزمة في ميانمار، وجددت حرص بلادها على استمرار العلاقات الهامة مع دول الرابطة، ودعم الرابطة للحفاظ على الأمن والاستقرار بالمنطقة.

ومن جانبه، صرح رئيس الوزراء الصيني “لي تشيانج” خلال قمة “آسيان – الصين”، التي عقدت على هامش قمة الآسيان، بأن بكين تعمل على “وضع الخلافات جانباً والسعى للسلام” ليصبح التعاون بين الصين والآسيان أكثر صلابة، ودعا القوى الكبرى إلى منع “حرب باردة جديدة”.

7- حرص أطراف إقليمية ودولية على تطوير التعاون مع الآسيان: فقد شارك رئيس الوزراء اليابانى “فوميو كيشيدا” بقمة “آسيان–اليابان” المنعقدة على هامش قمة دول الآسيان. واتفق الطرفان على تعزيز التعاون بمختلف المجالات بينهما، وأعلنت طوكيو عن استضافة قمة خاصة مع رابطة آسيان تعقد خلال الفترة (16–18) ديسمبر 2023 بطوكيو بمناسبة مرور خمسين عاماً على إقامة علاقات الصداقة بين اليابان ورابطة "آسيان".

كما كشف رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي”، خلال مشاركته في فعاليات القمة، عن خطة من 12 نقطة لتعزيز التعاون الاقتصادي وتعميق المشاركة الاستراتيجية بين أعضائها. ووصف “مودي” القرن الحالي “بالقرن الآسيوي” الذي يتطلب إنشاء نظام عالمي بقواعد جديدة، وبذل جهود مشتركة لتعزيز سيادة جميع الدول وسلامتها الإقليمية.

وفي سياق ذي صلة، عُقد يوم 6 سبتمبر 2023 أول قمة مشتركة بين “الآسيان” وكندا بحضور رئيس الوزراء الكندي “جيستين ترودو”، وتم خلالها المصادقة على اتفاقية شراكة استراتيجية مع الرابطة بغية الإعداد لإبرام اتفاقية تجارة حرة بينهما. وأكدت “الآسيان” أن كندا شريك استراتيجي لها في بناء الأمن الغذائي، وتطوير الصناعة التحويلية. وتسعى كندا إلى تعزيز تعاونها الاقتصادي مع المجموعة للاستفادة من الفرص الاستثمارية والسوق الضخمة التي تضم أكثر من 660 مليون نسمة، وتعد دول الرابطة رابع أكبر شريك تجاري لكندا، وبلغ حجم التبادل التجاري بين الطرفين 40 مليار دولار عام 2022. وهذه الاتفاقية ستعزز جهود كندا لاحتواء الصين في منطقة الآسيان والهندوباسيفيك (المحيطين الهادي والهندي).

تحديات جيوسياسية

تواجه دول رابطة “الآسيان” عدة تحديات جيوسياسية مستقبلية، من أبرزها:

1- الانقسام بين دول الآسيان: تختلف دول “الآسيان” حول آليات معالجة أزماتها؛ فرغم اتفاق دول الرابطة على منع قادة المجلس العسكري بميانمار من حضور اجتماعات “الآسيان” فإن تايلاند عقدت لقاءات منفصلة معهم؛ الأمر الذي ربما يفجر خلافات بين تايلاند وإندونيسيا التي تتبع نهج “الدبلوماسية الهادئة” لمعالجة الأزمة عبر الحوار، كما تنقسم توجهات السياسة الخارجية لدول الرابطة؛ حيث تعد الفلبين حليفاً استراتيجياً لواشنطن في المنطقة، وأعلن رئيسها الذي زار واشنطن مؤخراً ببناء قواعد عسكرية أمريكية جديدة ببلاده ليرتفع عددها إلى تسع قواعد، بينما تعد كمبوديا وميانمار حليفتين للصين، والأولى هي أكثر دولة بالعالم استقبالاً لمشاريع “مبادرة الحزام والطريق” الصينية، فيما تتبع إندونيسيا وماليزيا سياسة خارجية متوازنة للتعامل مع القوى الكبرى ولتجنب حالة الاستقطاب بالمنطقة، بينما تركز سنغافورة على السياسة الخارجية الاقتصادية لتعزيز موقعها مركزاً لوجيسيتياً عالمياً بالمنطقة. وهذه الخلافات ستقوض أيضاً فاعلية الرابطة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

2- تصاعد الخلاف بين “الآسيان” والصين: حذر الرئيس الفلبيني “فرديناند ماركوس جونيور” يوم 5 سبتمبر 2023 من أطماع “الهيمنة” على الممر المائي المتنازع عليه ببحر الصين الجنوبي، بيد أن البيان الختامي لقمة “الآسيان” لم يوجه أي انتقادات لبكين خشية إثارة غضبها؛ نظراً إلى أن الصين وفق التقديرات العسكرية هي الدولة الوحيدة بالمنطقة القادرة على فرض سيطرتها عسكرياً وسياسياً على بحر الصين الجنوبي؛ ولذا دعت “الآسيان” بكين إلى تفعيل “المنتدى الملاحي” لحل النزاعات بين الصين وعدد من دول الرابطة، وتطبيق “مسودة قواعد السلوك” في بحر الصين الجنوبي التي وقعت عليها بكين ودول الرابطة في نوفمبر 2002، على أن يتم التوصل إلى اتفاقية مُلزمة تضم قواعد سلوك في البحر الذي تشترك فيه معظم دول آسيان مع بكين.

بدوره، أكد رئيس الوزراء الماليزي “أنور إبراهيم” أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة آسيان وتعزيز الثقة مع الصين لضمان الأمن في حماية مصالح الطرفين، وهو ما يعكس مخاوف دول المنطقة من تمدد النفوذ الصيني بجنوب شرق آسيا؛ ما دفع الرئيس الإندونيسي “ويدودو” إلى دعوة “كل زعيم إلى تحمل مسؤولية متساوية عن عدم إحداث صراعات، وعدم إثارة توترات جديدة”؛ ما يعكس خشيته من انقسام دول المنطقة إلى محورين أحدهما تابع لواشنطن والآخر لبكين، وهو ما سيؤدي إلى مواجهات سياسية وربما عسكرية بين دول الآسيان، فضلاً عن الخلاف حول تنفيذ اتفاقية منطقة التجارة الحرة بينها لتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.

3- انعكاسات التنافس بين بكين وواشنطن: أصبح واضحاً حالة الاستقطاب الدولي الراهن، وهو ما دفع إندونيسيا إلى تأكيد أن “الآسيان” لن تتحول إلى ساحة تتنافس فيها القوى الكبرى، كما تعمل “الآسيان” على إبقاء منطقتها خالية من السلاح النووي، بما في ذلك إبحار الغواصات النووية الصينية والغربية، والحفاظ عليها آمنة ومستقرة ومفتوحة للتواصل الاقتصادي مع جميع الدول، وهو ما يصعب تحقيقه. من جهة أخرى كثفت بكين وواشنطن جهودهما لتعزيز تعاونهما مع حلفائهما بالمنطقة؛ ما يعزز التنافس بينهما؛ حيث اشتركت الفلبين في دوريات عسكرية أمريكية نفذت ببحر الصين الجنوبي، بينما تخشى بكين استخدام القوات الأمريكية بالفلبين للدفاع عن تايوان إذا هاجمتها الصين.

في المقابل، اشتركت سنغافورة في تدريبات بحرية مع الصين تزامناً مع تدريبات فلبينية أمريكية في أبريل الماضي. وأكدت واشنطن غير مرة دعم دول الآسيان في النزاع مع الصين حول بحر الصين الجنوبي، لا سيما بعد وقوع عدة حوادث منتصف العام الحالي بين سفن فلبينية وصينية؛ حيث تسعى بكين إلى إنشاء منطقة “حماية بحرية” في بحر الصين الجنوبي وإقامة قواعد عسكرية به، وهو ما اعترضت عليه دول الآسيان واليابان وكوريا الجنوبية. وبخلاف ذلك فإن الصين تدعم دولاً أخرى بالمنطقة، ومنها كوريا الشمالية التي تهدد أمن المنطقة بالسلاح النووي، وميانمار وروسيا؛ ما يقسم المنطقة إلى محورين: أمريكي وصيني.

4- مساع أمريكية لعسكرة الآسيان: أصدر حلف شمال الأطلسي “الناتو” قراراً بفتح مكتب اتصال له في طوكيو العام المقبل سيكون الأول في آسيا؛ الأمر الذي فُسر على أنه لمواجهة التنافس مع الصين وروسيا، وهو ما أكده وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” الذي اتهم واشنطن بالعمل على “عسكرة” منطقة الآسيان وشرق آسيا عبر تغلغل “الناتو” فيها، وبناء المزيد من القواعد العسكرية، وإقامة تحالفات سياسية؛ منها تحالف (أوكوس) العسكري بين أستراليا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة؛ لأن ذلك سيؤدي إلى إمكانية نشر أسلحة نووية تابعة “للناتو” بالمنطقة ، ويهدد أمن المحيطين الهادي والهندي “الهندوباسيفيك”.

خلاصة القول أن رابطة “الآسيان” تعد من أهم المنظمات الإقليمية الآسيوية، بيد أنها تواجه نقطة تحول في تاريخها في ظل التغييرات الجيوسياسية الراهنة إثر الصراع العسكري بين موسكو وواشنطن، والتنافس الإقليمي لبسط النفوذ بين واشنطن وبكين؛ الأمر الذي يرشح منطقة الآسيان لتصبح مسرحاً لنزاع عسكري مقبل حول بحر الصين الجنوبي أو تايوان أو جزر الهندوباسيفيك؛ الأمر الذي سيهدد أمن واستقرار المنطقة وسيقلص معدلات نموها الاقتصادي؛ ولذا فإن عليها معالجة ملفاتها الخلافية مع القوى الكبرى عبر الحوار للحفاظ على أمنها.