• اخر تحديث : 2024-05-15 19:58
news-details
مقالات مترجمة

التايمز: الموساد الجديد؟: سلطت جريمة القتل في كندا الضوء على شبكة التجسس الهندية


في ربيع عام 1993، أدت الانفجارات في 12 موقعًا في مومباي إلى مقتل 257 شخصًا وإصابة أكثر من ألف آخرين. وكان الجناة، وهم أعضاء في العالم السفلي بالتعاون مع المخابرات الباكستانية، يحتمون في باكستان. وبينما كانت مومباي تترنح تحت سفك الدماء، استعد قائد وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية ـ جناح البحث والتحليل (R&AW) للرد. لسنوات عديدة كان عملاء الوكالة يتسللون إلى باكستان للعمل كجواسيس على المدى الطويل. وكان رئيس وكالة&AW، بشبكته المتطورة من العملاء يعرف بالضبط مكان تواجد المسلحين. لكن عندما جاء الأمر من رئيس الوزراء، كان يقول ببساطة "تتبع وتقرير". والرد لم يأت أبدا.

على مدى العقود التي تلت تشكيل رئيسة الوزراء أنديرا غاندي لوكالة الاستخبارات (R&AW) في العام 1968 تسبب هذا التردد السياسي بالكثير من الإحباط داخل صفوفها، ولكنه ساعد الوكالة أيضًا على الحفاظ على مستوى منخفض مقارنة بأجهزة المخابرات الأجنبية الأخرى الأكثر عدوانية ظاهريًا. لكن في الأسبوع الماضي، تم تسليط الضوء عليها عندما قال رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إن هناك أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن عملاء هنود كانوا وراء جريمة قتل في إحدى ضواحي فانكوفر هذا الصيف.

هارديب سينغ نيجار، وهو كندي هندي شارك في حملة علنية من أجل انفصال السيخ، وكان مطلوباً بموجب قانون منع الإرهاب الهندي لعام 2002، تعرض لكمين نصبه له اثنان من المسلحين الملثمين في موقف للسيارات خارج معبده في ساري، كولومبيا البريطانية في الثامن عشر من حزيران/ يونيو..

وقال ترودو للبرلمان الكندي إن "أي تورط لحكومة أجنبية في مقتل مواطن كندي على الأراضي الكندية انتهاك غير مقبول لسيادتنا"، وقال إنه أثار بالفعل هذا الادعاء مع رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في قمة العشرين هذا الشهر.

وقد نفت دلهي هذه المزاعم بشدة، ووصفتها بأنها "سخيفة"، لكن القضية أثارت الفضول حول عمل R&AW وأساليبها وأهدافها، وما حقيقة وكالة الاستخبارات الخارجية الهندية؟، فهل هي المنظمة الحميدة نسبياً كما يوحي اسمها الحميد، أم أنها آلة قتل جيدة التجهيز تطارد أعداء البلاد خارج حدودها مثل الموساد الإسرائيلي؟؛ أعتقد أن الحقيقة تكمن في مكان ما بينهما، وفي الظلال الرمادية حيث تعمل الوكالة. وفي تاريخ الهند المضطرب، عملت R&AW وفقًا لمعتقدات القادة السياسيين في البلاد وسياساتهم. بعد الاستقلال عن الحكم البريطاني في العام 1947، رفض أول رئيس وزراء للهند جواهر لال نهرو إنشاء وكالة استخبارات خارجية متخصصة بسبب التجارب الاستعمارية المريرة والسعي إلى سياسة خارجية مبدئية.

ورأت ابنته وخليفته أنديرا غاندي أن هذا الموقف المعوق أعمى الهند عن التهديدات الأمنية. وفي أيلول/ سبتمبر 1968 أنشأت R&AW بأمر تنفيذي جعلها مسؤولة عن مهمة الاستخبارات الاستراتيجية والحفاظ على النفوذ في البلدان المجاورة، وخاصة باكستان. وتلقت الوكالة خلال فترة ولايتي غاندي، وفترة ولاية ابنها راجيف غاندي رعاية سياسية نشطة. ومع ذلك، لم يكن لديها ميثاق قانوني للواجبات قط. وبالتالي، فإن صلاحيات الوكالة يعتمد على معتقدات رئيس الوزراء وسياساته.

 وسعى بعض القادة إلى الحد من عمليات الوكالة؛ وكان للآخرين موقف أكثر حيادية. وقد دعم مودي، منذ أن أصبح رئيسًا للوزراء في العام 2014، الوكالة بنشاط في معركتها ضد تهديدات الهند الأمنية. وعلى الرغم من مواقفهم المتباينة، فإن كل السياسيين عارضوا الاغتيالات. ونتيجة لذلك، أصبحت الوكالة التي شعرت بالإحباط بسبب القيود، فلجأت إلى الابتكار والتسلل والمناورة بين الجماعات الإجرامية المرتبطة بالمنظمات الإرهابية، وتعمل وفق سياسة فرق تسد من أجل القضاء على أعدائها. ومع ذلك، فإن العامل الرئيس وراء عمليات القتل السرية هذه هو أن الوكالة لن تكون أبدًا هي الجاني الفعلي.

ركز توسع الوكالة R&AW الخارجي في البداية على التهديدات العسكرية من باكستان والصين، وتهديدات الجماعات الانفصالية. وبحلول العام 1970، كان ل"R&AW " محطات في الدول المجاورة للهند، وباريس وبون وإسطنبول وهانوي وبنوم بنه وموريشيوس وفيجي وترينيداد تعمل على مراقبة التطورات العسكرية المتعلقة بباكستان والصين.

مع تزايد التهديدات من البنجاب وكشمير وتهديد نمور التاميل خلال الثمانينيات، وسّعت R&AW شبكاتها إلى أميركا الشمالية وجنوب شرق آسيا وأستراليا ودول الخليج. كما أدى الدعم النشط للانفصال بين الشتات السيخ والكشميري والتاميل إلى توسيع R&AW. لكن اقتصرت العمليات على المراقبة وليس القتل.

ومع تزايد التهديد الذي تمثله الجماعات الإرهابية أوائل التسعينيات، انبهر مجتمع الاستخبارات الهندي على نحو متزايد بنجاح سياسة إسرائيل في الاغتيالات المستهدفة: حيث قُتل مجرمي الحرب النازيون ومهندسو الأسلحة المصريون بالرصاص، أو سقطوا من الشرفات، أو سُمّموا من بلجيكا إلى البرازيل.  لكن خف حماس الوكالة نتيجة الافتقار إلى الدعم السياسي. وبعد منعها من الرد على تفجيرات عام 1993، بدأت في اختراق العصابات. وعلى الرغم من أن هذه العقيدة ليست مكتوبة، إلا أنها تدين بأصولها إلى الفكر الاستراتيجي الهندي القديم. وتشمل الإقناع، والرشوة، والتقسيم والغزو، والعنف المباشر، كملاذ أخير. وباستخدام الوسائل الثلاث الأولى، نجحت الاستخبارات الهندية في إدارة العديد من حركات التمرد الداخلية، وفي نهاية المطاف، نجحت في استمالة القادة الانفصاليين إلى السياسة السائدة في الهند. وكان الخيار الرابع محبطًا دائمًا.

وكانت سياسة فرق تسد من وجهة النظر التشغيلية لـ R&AW مثالية لأنها يمكن أن تؤدي إلى قتل أهدافهم المحتملة من دون الكشف عن تورط الوكالة. وبما أن جرائم القتل هي القاعدة في هذه البيئات الإجرامية، فلم يكن على الوكالة إلا استغلال ذلك لصالحها. وقد اتبعت هذه السياسة في البلدان المجاورة. تساعد تجارة العملات المزيفة في نيبال على استمرار الإرهاب في الهند، ويشارك أفراد العصابات المتنافسون للسيطرة على التجارة المربحة في عمليات قتل متبادلة. لقد وفرت حروب العصابات هذه لـ R&AW وسائل لتفكيك شبكات الإرهاب، وهو الأمر الذي لا يتطلب موافقة سياسية دائمًا.

ومع ذلك، فإن الحوادث المميتة مثل الهجمات الإرهابية في مومباي عام 2008 التي قُتل فيها 175 شخصًا بعد سلسلة من الهجمات المنسقة التي شنتها جماعة "لاشكر طيبة" Lashkar-e-Taiba، وهي منظمة إرهابية من باكستان، أتاحت فرصًا للتشكيك بالتحفظ السياسي على عمليات القتل المستهدف. بعد ذلك مباشرة، عززت R&AW تعاونها مع الموساد لتعلم المهارات المطلوبة للقيام اغتيالات في الخارج.  ومع ذلك، بدا هذا بمثابة رد فعل غير محسوب، ولم يسفر عن نتائج فورية.

عندما قام مودي بتعيين أجيت دوفال (الرئيس السابق لمكتب الاستخبارات، وكالة مكافحة التجسس الهندية) مستشارًا للأمن القومي في العام 2014 أثارت سمعته العامة باعتباره جيمس بوند في الهند تطلعات جامحة حول أن تصبح الهند إسرائيل الجديدة. وضاعت في هذه النشوة حقيقة أن دوفال كان ينتمي إلى ثقافة الاستخبارات التي نجحت في تنفيذ تكتيك فرق تسد في الماضي. لقد قام مودي ودوفال بتعزيز R&AW من الناحية التشغيلية من خلال تطوير المزيد من الموظفين والمهارات. ومع ذلك، فإن الإجابة عن ما إذا كان المبدأ القديم المتمثل في استغلال الانقسامات داخل الأهداف لايزال مستمراً، أو ما إذا كانت الهند قد تبنت نهجاً على غرار الموساد في التورط المباشر في عمليات القتل المستهدف في الخارج يكمن في الأدلة التي تزعم كندا أنها تمتلكها. فإذا نشرت كندا أدلة موثوقة تثبت تورط R&AW فعليًا في إطلاق النار المميت على نيجار فإن أنصار مودي سوف يتمكنون أخيرًا من الابتهاج بأن الهند هي بالفعل إسرائيل الجديدة. فيما بقية العالم مشغول بالفعل بإعادة ضبط تفكيره بشأن الدولة الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم.