• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
قراءات

لماذا تزايدت انتقادات الجمهوريين لوزارة الدفاع الأمريكية؟


واجهت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) مجموعة من المشكلات خلال العامين الماضيين، خاصة مع زيادة حدة الانتقادات التي تتعرض لها من جانب الجمهوريين، الذين عمل بعضهم على عرقلة الترقيات العسكرية بصورة تؤثر على أداء الجيش الأمريكي، فيما سعى آخرون إلى التقليل من جهود الإدارة بشأن نبذ التطرف والعنصرية داخل الجيش الأمريكي، فضلاً عن مكافحة التحرش الجنسي وحوادث الاغتصاب التي تتعرض لها المجندات دون أن يمتلكن القدرة على الإفصاح أو الشكوى.

مأزق البنتاجون

جاءت انتقادات الجمهوريين لوزارة الدفاع الأمريكية لاختلاف المواقف والرؤى التي تبناها البنتاجون خلال فترة حكم الرئيس جو بايدن، عن أفكار وتوجهات الجمهوريين المحافظين، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1. جدل حول مستويات الإنفاق العسكري: بينما يسعى الديمقراطيون لرفع الميزانية المخصصة للبنتاجون تماشياً مع التضخم الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية، وحاجة القوات الأمريكية لأداء المهام الموكلة إليها عالمياً، وتطوير ورفع القدرات العسكرية لتكون أكثر قدرة على مواجهة التطورات العسكرية الصينية والروسية؛ يعترض النواب المحافظون الجمهوريون داخل الكونجرس الأمريكي على الميزانية المقترحة ككل، وعلى مشروع قانون الإنفاق الدفاعي بشكل خاص الذي تبلغ قيمته 826 مليار دولار؛ حيث رأوا أن هناك حاجة لإعادة النظر في مخصصات وزارة الدفاع الأمريكية، وأن يتم تقديم مشروع قانون واحد يكشف عن الرقم الإجمالي الذي يتم تخصيصه للوزارة، وليس مشاريع قوانين منفصلة تصل إلى 12 قانوناً تثير الشكوك حول مقدار الأموال التي يحصل عليها البنتاجون ولو بطرق غير مباشرة.

2. سياسات البنتاجون لدعم إجهاض المجندات: بعدما ألغت المحكمة العليا حكم قضية رو ضد وايد الذي كان يكفل للنساء الحق في إجراء عمليات الإجهاض، تبنى البنتاجون سياسات تسمح للمجندات بالحصول على تعويضات وبدلات للسفر لإجراء عمليات الإجهاض خارج الولايات التي تمنع هذا الأمر، وهو الأمر الذي دفع الجمهوريين الذين يتبعون رؤية مؤيدة للحياة ترفض إجهاض و”قتل الأطفال” على وصفهم، لرفض هذه السياسات، وكان من بينهم السيناتور تومي توبرفيل عضو مجلس الشيوخ عن ولاية ألاباما، الذي رفض التصويت على ما يزيد على 300 مرشح للوظائف العسكرية بالبنتاجون، متسبباً في فراغ بعض الوظائف العسكرية الهامة، ومتمسكاً بموقفه لأشهر طويلة رفض خلالها الانصياع لضغوط الجمهوريين أنفسهم ممن عارضوا موقفه بشأن التصويت على المرشحين.

وهو الأمر الذي رد عليه وزير الدفاع في جلسة استماع عقدت في النصف الأول من عام 2023، موضحاً أن سياسة البنتاجون بشأن الإجهاض “ترتكز على أساس قانوني قوي”، وأنه من الضروري مراعاة الصحة الإنجابية لعشرات الآلاف من النساء اللاتي يعملن في الجيش الأمريكي.

3. رفض انضمام المثليين والمتحولين جنسياً إلى الجيش: يسعى الرئيس جو بايدن لدعم التنوع والإنصاف داخل مختلف المؤسسات الأمريكية، ويرى أن مجتمعات الميم التي تضم فئات مختلفة من بينها المثليون والمتحولون جنسياً، لا بد أن يكونوا من الفئات التي تنتفع من سياساته ورؤاه المختلفة.

وفي ضوء ذلك، تم دعم انضمام المثليين والمتحولين جنسياً إلى الجيش الأمريكي، وهو الأمر الذي يعارضه الجمهوريون المحافظون الذين يرفضون فكرة المثلية أو التحول الجنسي، ويرون أن انضمام تلك الفئات إلى الجيش الأمريكي سيؤثر على الصورة الذهنية للجيش الأمريكي على مستوى العالم، كما أنه قد يضعف قدراته، وهي الرؤية التي تدعمها استطلاعات الرأي داخل المجتمع الأمريكي؛ حيث وجد استطلاع أجرته مؤسسة ريجان غير الربحية في عام 2022 أن 50% من المشاركين شعروا بأن ممارسات “الصحوة” – ومن بينها سياسات التنوع داخل الجيش الأمريكي – تقوض بطريقة ما الفاعلية العسكرية.

4. إثارة جدل حاد حول قضية التطرف: يرى الجمهوريون أن السياسات التي سعى الديمقراطيون والإدارة الأمريكية إلى تطبيقها داخل البنتاجون، والتي كان من بينها تشكيل فريق عمل لبحث حوادث التطرف داخل البنتاجون، لا سيما التطرف الأبيض، مضيعة للجهد، وتركيز على قضايا فرعية لن تدعم الجيش.

وفي هذا الصدد، قال النائب الجمهوري في مجلس النواب مايكل والتز إن هناك أكثر من مليوني جندي في الخدمة الفعلية وقوات الاحتياط في الجيش. ووجدت مراجعة البنتاجون 211 ادعاءً بالسلوك المتطرف عند التحقيق في المسألة وفقاً لتوجيهات أوستن، بما يدعم فكرة أن هناك “تركيزاً مفرطاً” على بعض القضايا الهامشية بدلاً من التركيز على القضايا ذات الأولوية المتعلقة بالتهديدات القادمة من الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية والإرهاب العالمي، وهو ما قد يؤثر على مسار عمليات التجنيد داخل الجيش.

5. معارضة قانون تفويض اللقاح: كان هناك خلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين بشأن تفويض اللقاح المضاد لفيروس كوفيد-19، الذي يجبر أفراد الخدمة العسكرية على الحصول على اللقاح – إلا إذا كانت هناك اعتبارات دينية أو صحية – وإلا تعرضوا للفصل من الجيش الأمريكي، وهو الأمر الذي رأى الجمهوريون فيه تقويضاً لفاعلية القوات الأمريكية، وتعدياً على حريتهم بشأن اللقاح، لا سيَّما أنه بموجب هذا التفويض تم تسريح آلاف المجندين لرفضهم التطعيم، وفقًا لبيانات البنتاجون.

تبعات عديدة 

إن استمرار الجمهوريين في توجيه الانتقادات للمؤسسة العسكرية الأمريكية قد يكون له تداعيات عدة على فاعلية الجيش الأمريكي، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:

1. تسييس المؤسسة العسكرية: إن إقحام المؤسسة العسكرية في الخلافات بين الجمهوريين والديمقراطيين، ومحاولة كل منهما فرض أفكاره وتوجهاته داخل البنتاجون، قد يكون له آثار طويلة المدى على المؤسسة العسكرية؛ حيث يدفع الخلاف الحزبي نحو تسييسها، بدلاً من الحفاظ على كونها مؤسسة مستقلة لا تتأثر باختلاف الإدارات الأمريكية.

2. الإضرار بالأمن القومي الأمريكي: رأى الديمقراطيون وأفراد الإدارة الأمريكية – وعلى رأسهم وزير الدفاع لويد أوستن، فضلاً عن بعض الجمهوريين، ومن بينهم زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل – أن عملية تعطيل الترقيات العسكرية تضر بالأمن القومي الأمريكي، وقد تم إرسال رسالة خلال شهر مايو 2023 من أوستن إلى السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارين من ولاية ماساتشوستس، أعرب خلالها عن قلقه بشأن تأخير تأكيدات المرشحين للوظائف العسكرية، وأن ذلك سيؤثر على ما يصل إلى 650 مرشحاً تتراوح رتبهم العسكرية بين نجمة واحدة وأربع نجوم، حتى نهاية العام الجاري.

وأضاف أن “التأخير يشكل خطراً واضحاً على الاستعداد العسكري الأمريكي”، موضحاً أن فراغ العديد من المناصب، خاصة القيادية منها "سيولد حالة من عدم اليقين والارتباك؛ ما يعرض العمليات العسكرية الأمريكية للخطر".

3. زيادة الاستقطاب الحزبي: إن استمرار الانتقادات والانقسامات حول السياسات ومشاريع القوانين المتعلقة بالبنتاجون داخل الكونجرس بين أفراد الحزب الواحد، من شأنها أن تذكي الاستقطابات الحزبية، لا سيَّما داخل الحزب الجمهوري، الذي لا يتفق أفراده على سياسات واحدة.

فبينما يسعى رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي لمناقشة مشروع قانون الإنفاق الدفاعي، يعيق المحافظون داخل الحزب الجمهوري العملية. وعلى صعيد آخر، هناك خلافات حول الوسائل التي يستخدمها السيناتور توبرفيل لإعاقة تمرير الترقيات العسكرية؛ حيث يرى قطاع واسع من الجمهوريين أن موقفه يؤثر على الأمن القومي الأمريكي.

4. احتمالات إغلاق الحكومة في 30 سبتمبر 2023: إن استمرار الخلاف على قانون الإنفاق الدفاعي، يعيق عملية توصل النواب داخل الكونجرس الأمريكي إلى صيغة للموافقة على الميزانية الوطنية للعام المالي 2024؛ الأمر الذي يهدد بإغلاق الحكومة بحلول 30 سبتمبر الجاري، وهو ما دفع رئيس لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب الجمهوري مايك روجرز لانتقاد الجمهوريين الذين صوتوا ضد مشروع قانون التمويل العسكري؛ حيث يزداد الخلاف بين فصيلين متنافسين من الحزب الجمهوري؛ أحدهما يميني متشدد والآخر وسطي حول برامج الإنفاق الحكومي.

والأمر هنا غير متوقف على الجمهوريين وحدهم؛ إذ يرفض الديمقراطيون أيضاً التعديلات التي أدخلها رئيس مجلس النواب كيفين مكارثي على مشروع قانون تمويل البنتاجون، التي تتضمن أحكاماً محافظة تهدف إلى الحد من الوصول إلى الإجهاض والعلاج الطبي للمتحولات جنسياً وكذلك جهود التنوع.

وختاماً، يمكن القول إن إقحام وزارة الدفاع الأمريكي في الجدال السياسي أمر غير محمود العواقب؛ لأن محاولة تسييس المؤسسات العسكرية أو القضائية، يضعف المؤسسات الأمريكية، ويقوض الديمقراطية. ويحاول الجمهوريون تشويش الرأي العام بشأن جهود الديمقراطيين لدعم قضايا التنوع والشمول داخل الجيش، مشيرين إلى أن الديمقراطيين يركزون على القضايا الاجتماعية على حساب القضايا ذات الأولوية بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية وما يواجهها من تهديدات أمنية داخلية وخارجية؛ وذلك في إطار محاولات الحصول على مكاسب سياسية خلال انتخابات عام 2024.