أثارت الاشتباكات التي وقعت في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان بين عناصر حركة فتح وتنظيم يُسمى "الشباب المسلم" أواخر شهر يوليو 2023، وازدياد حالات القتل وممارسات التطرف داخل مخيمي الهول وروج شمال شرق سوريا خلال العامين الأخيرين؛ النقاش بين جمهور الباحثين والخبراء حول أسباب تحول هذه المخيمات إلى بؤر حاضنة للعنف والتطرف، على نحو بات يشكل خطورة على أوضاع اللاجئين في داخلها، وعلى استقرار الدول الحاضنة لها، فضلاً عن تأثير ذلك إنسانياً في الفئات المهمشة مثل المرأة والطفل.
أوضاع مخيمات اللاجئين:
يمكن التطرق إلى عدد من السمات الحاكمة لأوضاع مخيمات اللاجئين في بعض دول الشرق الأوسط، كما يلي:
1- الشرق الأوسط بؤرة اللجوء في العالم: وفقاً لتقديرات "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين"، وصل عدد اللاجئين حول العالم في نهاية عام 2022 إلى 35.3 مليون نسمة، يقطن 78% منهم المدن، ومن هؤلاء اللاجئين 5.9 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون تحت ولاية "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (الأونروا). وتُعد دول الشرق الأوسط الأكبر من حيث تصدير اللاجئين، فقد أسفر الصراع في سوريا عن لجوء 6.5 مليون سوري، يعيش 75% منهم في دول الجوار مثل تركيا ولبنان والأردن، وكذلك من حيث استضافة اللاجئين، فتركيا تستضيف 3.6 مليون لاجئ، وإيران 3.4 مليون لاجئ.
2- تمركز عدد كبير من مخيمات اللاجئين في الإقليم: يضم لبنان 12 مخيماً للاجئين الفلسطينيين يُعد أكبرهم مخيم عين الحلوة جنوب مدينة صيدا، ويقطن به 80 ألف فلسطيني منهم 54 ألف لاجئ مسجل قانوناً من أصل 250 ألف لاجئ فلسطيني في لبنان، وفقاً لتقديرات "وكالة الأونروا". ويضم الأردن مخيمين يعيش بهما حوالي 17% من اللاجئين السوريين، وقُدر عدد المسجلين منهم في "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" بنحو 675 ألفاً في يوليو 2022، وهما مخيم الزعتري الذي يعيش فيه حوالي 80 ألف سوري، ومخيم الأزرق الذي يقطن به حوالي 38 ألف سوري، وفقاً لتقديرات "مفوضية الأمم المتحدة للاجئين" في يوليو 2022، وفبراير 2021 على التوالي.
وتضم منطقة شمال شرق سوريا، الخاضعة للإدارة الكردية، العديد من مخيمات اللاجئين التي تأوي النازحين من السوريين والعراقيين بالإضافة إلى أسر مقاتلي داعش المشتبه بهم وعائلاتهم، وأبرزها مخيم الهول بمدينة الحسكة الذي أقام به في نهاية عام 2022 حوالي 62 ألف شخص منهم ما يقرب من 10 إلى 11 ألف أجنبي (تُخفض بعض التقديرات عدد قاطني المخيم إلى 53 ألفاً)، ومخيم روج الذي يضم ما يقرب من 3 آلاف فرد من عائلات أفراد لهم صلة بتنظيم داعش.
ولا تُعد هذه المخيمات كبيرة العدد مقارنة بمخيمات كوتوبالونغ – بالوخالي في بنغلاديش (877.710 لاجئين)، وبيدي بيدي في أوغندا (232.697)، ومجمع داداب في كينيا (224.462)، ومخيم كاكوما في كينيا (204.309)، وفق تقديرات "مفوضية الأمم المتحدة للاجئين" خلال الفترة من ديسمبر 2020 إلى فبراير 2021، بيد أن المخيمات في الشرق الأوسط تتسم بالوجود في منطقة توصف بأنها "موطن للصراعات الممتدة في العالم"، وكذلك بالوجود في منطقة تعاني بعض دولها من التدخلات الخارجية كما في حالة لبنان، ومحدودية الموارد كما في الأردن، ومن معاناة كبيرة من إرث التنظيمات المسلحة كما في الحالة السورية، وهي أمور انعكست على أوضاع اللاجئين في مخيمات هذه الدول.
3- سوء الأوضاع المعيشية للاجئين داخل المخيمات: يأتي ذلك بالنظر إلى الاكتظاظ السكاني لهذه المخيمات والنمو المضطرد في أعداد اللاجئين فيها، ومحدودية توافر الخدمات الأساسية لهم خاصةً تلك المتعلقة بالتعليم وفرص العمل. فعلى الرغم من جهود المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في معالجة مشكلة نقص الكهرباء في مخيمات الزعتري والأزرق بالأردن وإقامة محطة للطاقة الشمسية، والعمل على توفير الحد الأدنى من الرعاية الصحية والغذاء والمياه النظيفة وخدمات الصرف الصحي بالإضافة إلى فرص التعليم وسبل العيش؛ ثمة صعوبات تتعلق بعدم كفاية الكهرباء إلا لمدة 11.5 ساعة بمخيم الزعتري تقل إلى 9 ساعات في فصل الصيف، وعدم صيانة كارافانات السكن (Caravans) التي حلت محل الخيام داخل المخيم نفسه، وبعدم شمول الالتحاق بالتعليم الأطفال كافة داخلها، إذ يخرج 20% من المدارس في مخيم الأزرق، هذا فضلاً عن غياب أي فرص جادة للتعليم الجامعي للشباب داخل معظم هذه المخيمات. يُضاف إلى ذلك، تضاؤل فرص العمل المتاحة بهذه المخيمات واقتصارها على المحلات التجارية والمهن اليدوية، وارتفاع نسب الفقر والاستدانة واللجوء إلى الوظائف عالية الخطورة بداخلها.
غير أن واقع غالبية مخيمات اللاجئين في الشرق الأوسط يُعد أفضل قليلاً من حالة المخيمات التي يتم تشييدها بصفة مؤقتة في أعقاب الحروب والصراعات المسلحة الطارئة، والتي يغلب على طابعها الخيام، ونقص العيادات الطبية المجهزة، وغياب مرافق الصرف الصحي بصورة تُعتبر شبه كاملة في بعض الأحيان، وهو أمر يؤدي إلى ازدياد الأمراض ولاسيما المنقولة عن طريق المياه مثل الكوليرا. وتزداد وطأة معاناة اللاجئين في هذه المخيمات مع الكوارث الطبيعية، فقد ترك الزلزال الذي ضرب تركيا في فبراير 2023 عشرات العائلات في مخيم أورفة جنوبي تركيا من دون مأوى. وتشير تقديرات "منظمة أطباء بلا حدود" إلى احتمالية تزايد حالات الإصابة بالملاريا بين اللاجئين السودانيين الذين يعيشون في أكواخ هشة في مدينة أدري على الحدود السودانية التشادية مع قرب موسم سقوط الأمطار في تشاد.
4- الطبيعة الفتية لسكان هذه المخيمات: اتساقاً مع الطفرة الشبابية التي تعيشها غالبية دول الشرق الأوسط، تتسم مخيمات اللاجئين في المنطقة بغلبة النشء والشباب على تكوينها السكاني. ولا توجد تقديرات دقيقة لهذه النسب في جميع المخيمات، إلا أن تقديرات "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" تشير إلى أن 61% من سكان مخيم الأزرق بالأردن هم من الأطفال تحت سن 18 سنة، وتزيد النسبة لتبلغ حوالي 65% في مخيم روج شمال شرق سوريا، ولتتراوح بين 60% و64% في مخيم الهول غالبيتهم تحت سن 12 سنة، وهي نسب تزيد عن متوسط نسب النشء بين صفوف اللاجئين في العالم، والتي بلغت 41%، حسب تقرير الاتجاهات العالمية الصادرة عن "المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين" عام 2022.
ولا يقتصر الأمر على النسب الكلية لعدد النشء والشباب، فالسمات النفسية لهذه الأجيال الناشئة تجعلها أكثر قلقاً من فئات اللاجئين الأخرى بحكم جملة أمور، أهمها طبيعة مرحلتها العمرية وتطلعها إلى تحقيق الذات من خلال الاستماع لها والتشاور معها، وضعفها العاطفي والنفسي، ومعاناتها من محدودية فرص التسجيل في المدارس الثانوية والجامعات، والتي بلغت 34% في المرحلة الثانوية، و5% للتعليم العالي خلال الفترة 2019-2020 وفقاً لتقرير "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" عن التحديات التي تواجه تعليم اللاجئين في 2021، وكذلك من ضعف المهارات الخاصة المتعلقة ببناء وتطوير قدراتها. أضف إلى ذلك، شعورها بقصر ذات اليد جراء اعتمادها على المعونات الإنسانية ومحدودية فرص العمل المتاحة لها في القطاع الرسمي للدولة. وتزداد حدة هذه المشاعر بين النشء والشباب داخل المخيمات بالنظر إلى طبيعة تكوينها، ومتطلبات العيش داخلها، وغموض المستقبل بشأنها.
أسباب تزايد العنف:
أدى توافر عناصر البيئة الناضجة داخل مخيمات اللاجئين في منطقة الشرق الأوسط إلى انتشار ممارسة أعمال العنف، وتبلور عمل التنظيمات المتطرفة داخل بعضها، وساعد على ذلك ما يلي:
1- الطبيعة المغلقة لهذه المخيمات، والتي نتجت من تحولها من مخيمات مؤقتة عند إنشائها إلى مخيمات دائمة للعيش والإقامة بفعل استمرار الحروب والأزمات في الدول الأصلية لهؤلاء المهاجرين، وتحولها إلى مدن غير رسمية بحسب وصف "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" للوضع داخل مخيم الزعتري بشمال الأردن، على سبيل المثال. فقد أدت هذه الطبيعة إلى زيادة أنشطة الجماعات المتطرفة بداخلها، خاصةً بين أوساط المراهقين والشباب الذين يعيشون في بيئة صعبة، وتحول هذه المخيمات إلى بؤر للإجرام بإيوائها لعدد كبير من الهاربين من العدالة، وتسجيلها لعدد كبير من الجرائم وصلت إلى 126 جريمة قتل و41 محاولة قتل بمخيم الهول في عام 2021، فضلاً عن بعض حالات الاعتداء الجنسي الذي تعرضت له فتيات داخل المخيم، ونتج عنه قطع رأس فتاتين وإلقاء رأسيهما داخل خندق للصرف الصحي في نوفمبر 2022.
2- أثر الشبكات الاجتماعية لأسر مقاتلي داعش، خاصةً في مخيمات اللاجئين بشمال شرق سوريا، وتحديداً مخيم الهول، والذي تنشط فيه عناصر أسر داعش ولاسيما من زوجات المقاتلين في التلقين العقائدي لـ"أشبال الخلافة" على أفكار التنظيم ومبادئه، وتدريبهم على نماذج محاكاة لقطع رؤوس البشر من خلال الدمى وقطع رؤوس القطط والكلاب، وفرض بيئة مثبطة تجاه زوجات المقاتلين الأخريات اللاتي يعربن عن ندمهن من ارتباطهن بالتنظيم، ويرغبن في العودة إلى بلادهن، ومعاقبتهن من خلال وحدة مخصصة للحسبة أو الشرطة الدينية.
وعلى الرغم من تفاوت التقديرات تجاه نسب هؤلاء النساء المتطرفات وتراوحها ما بين 20 إلى 30%، فإن استمرار دورهن ينذر بتحول المخيم إلى "دولة خلافة مصغرة"، ونشأة جيل جديد من المقاتلين الجهاديين يعملون على استمرارية "أيديولوجيا داعش" في الوجود. وحسب إشارة مجلس الأمن الدولي، هناك "حالات عديدة لوقوع أعمال تطرف وجمع الأموال وتدريب وتحريض داخل مخيم الهول"، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى سوء الأحوال المعيشية والإنسانية داخل المخيم، واقترانها بأفكار التطرف والإرهاب.
3- دور الفصائل المسلحة، فعندما يضم المخيم عناصر منتمية لتنظيمات عسكرية مسلحة مزودة بأسلحة ثقيلة مثل المدافع الرشاشة والقاذفات الصاروخية، تزداد احتمالية نشوب أحداث عنف، وذلك على النحو الذي شهده مخيم عين الحلوة في لبنان بين عناصر من حركة فتح وعناصر من مجموعات متشددة تنتمي إلى جماعة "الشباب المسلم" في أواخر يوليو وبدايات شهر سبتمبر 2023، والتي أسفرت عن سقوط ما يقرب من 13 قتيلاً و6 جرحى. ويزداد دور هذه الفصائل حين تتولى مسؤولية الأمن داخل المخيمات وينزوي دور الدولة الوطنية. فبموجب اتفاق بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات اللبنانية، لا تدخل قوات الجيش اللبناني هذه المخيمات، وتتولى الفصائل مسؤولية الأمن الذاتي فيها، وذلك من خلال هيئة تنسيقية تحمل اسم "هيئة العمل الفلسطيني المشترك".
في ضوء ما سبق، تحتاج مخيمات اللاجئين إلى رؤية متكاملة لإخراجها من براثن العنف والتطرف، بحيث تنهض في المقام الأول على تحسين الظروف المعيشية والحياتية بداخلها من خلال تكثيف المساعدات الإنسانية الموجهة إليها من المؤسسات الدولية والجهات المانحة، وإتاحة مستقبل أفضل لأجيال النشء والشباب الذين يشكلون السواد الأعظم فيها، وتضامن المجتمع الدولي من أجل إيجاد حلول لمشكلة أسر المقاتلين الأجانب لتنظيم داعش، وإعادة الأطفال منهم إلى دولهم الأصلية. ويسبق ذلك كله، العمل على الوصول إلى "تسويات معقولة" لمسببات الصراع في الدول المُصدرة للاجئين، وإعادة اللاجئين طوعياً إلى دولهم بشرط ضمان أمنهم وسلامتهم واحترام حقوق الإنسان.