• اخر تحديث : 2024-11-22 10:05
news-details
مقالات مترجمة

قد تقوم طهران ببساطة بإحياء حركة “حماس” أو استبدالها بوكيل إرهابي آخر، لذلك من الضروري أن تعمل واشنطن وشركاؤها على تعطيل تدفق الأسلحة الإيرانية والدعم المالي غير الرسمي إلى العناصر المتطرفة في الضفة الغربية وقطاع غزة.

في غضون أسابيع، قد تنهي إسرائيل هجومها البري في جنوب غزة. فقد أصبح الحديث في العواصم الغربية يتمحور أساساً حول “اليوم التالي”، أي ما يتطلبه الوضع لإعادة بناء غزة. وفي غضون ذلك، ستركز إيران على إعادة بناء “حماس” والاستعداد للحرب المقبلة. وإذا كانت إسرائيل وحلفاؤها يهدفون إلى منع تكرار هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، فيجب عليهم مواجهة طهران.

لقد واجهت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا السيناريو من قبل. ففي تموز/يوليو 2006، هاجمت جماعة “حزب الله” الإرهابية التي تتخذ من لبنان مقراً لها، وهي الوكيل المفضل لإيران، إسرائيل في عملية أشبه بصورة مصغرة بتلك التي وقعت في 7 تشرين الأول/أكتوبر (حيث شملت اختطاف جنديين إسرائيليين). وقد أدى رد القدس إلى تدهور قدرات “حزب الله” بشدة، لكن مع ذلك اعتبر الحزب أن استمراريته هي بمثابة “نصر إلهي”.

وبعد التفكير في الأمر، ربما كان “حزب الله” على حق. فهو اليوم أقوى مما كان عليه قبل عام 2006 وعاد إلى مهاجمة إسرائيل. ومن الممكن أن تتبع شبكات “حماس” في الضفة الغربية ولبنان وحتى غزة مساراً مماثلاً، حتى لو نجحت إسرائيل في تفكيك قيادتها في غزة.

وكما توضح الهجمات الصاروخية اليومية التي يشنها “حزب الله” على إسرائيل، يُعتبر الحزب كبيراً بما فيه الكفاية ومسلحاً بشكل جيد لإحداث ضرر حقيقي على الرغم من أنه تم إضعافه بشدة منذ ثماني سنوات. وكان هذا التعافي ممكناً جزئياً نظراً لضعف إنفاذ عقوبات الأمم المتحدة وضعف منافسي “حزب الله” المحليين. لكن الاستثمار الإيراني كان حاسماً بنفس القدر، حيث تدعم إيران العديد من الجماعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، ومن بينها تلك التي تتهمها الولايات المتحدة بقتل أفراد الخدمة الأمريكيين في الأردن في 28 كانون الثاني/يناير. وبعد عام 2006، أثبت التزام طهران بإعادة بناء وكيلها المدمَّر “حزب الله” أنه أقوى بكثير من إرادة الغرب في المقاومة.

غير أن حركة “حماس” ليست “حزب الله”. ففي حين أن هذا الأخير هو ذراع افتراضية “للحرس الثوري الإسلامي الإيراني”، فإن العلاقة بين إيران و”حماس” كانت أكثر صعوبة بكثير. ومع ذلك، فعلى مدى العقد الماضي، كان الدعم الإيراني حاسماً بالنسبة لـ”حماس” أيضاً. فقد زودت طهران الجماعة الإرهابية بالدعم المالي، حيث كانت تقدم لها ما بين 70 و120 مليون دولار سنوياً، خلال التقلبات المرتبطة بالعقوبات التي قادها الغرب ضد إيران. وقد أدى الدعم الفني والتدريبي الذي قدمته طهران إلى تحويل “حماس” من ميليشيا متضعضعة معروفة بالتفجيرات الانتحارية إلى جيش إرهابي مدرب جيداً ويمتلك مجموعة واسعة من الصواريخ وأنفاقاً متطورة جداً وقيادة لامركزية خارج غزة.

وبالنسبة لإيران، كان الاستثمار بمثابة صفقة رابحة. ويبدو أنه يتم الإبقاء على “حزب الله” لردع الهجمات الأمريكية أو الإسرائيلية ضد إيران نفسها. أما “حماس”، من ناحية أخرى، فيمكن التضحية بها مع أنها قوة فتاكة. وبعد “نجاح” “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر، ستزداد القيمة الاستراتيجية للحركة بالنسبة لطهران. فقد أرغمت “حماس” إسرائيل على إنفاق مواردها حيث لا تُفضل ذلك، وعزلت إسرائيل على الساحة العالمية وقد تدق إسفيناً بين خصمي إيران الرئيسيين، واشنطن والقدس.

ولو كان من الممكن تدمير “حماس” كما نعرفها اليوم بشكل كامل، لكانت إيران قد وجدت متطرفين آخرين يرفعون رايتها، ثم قامت بتمويلهم وتجهيزهم. وستكون إيران أيضاً متيقظة في مواجهة الفلسطينيين الذين يتحلون بالقدر الكافي من الشجاعة للدفاع عن السلام. فطهران ستسعى إلى قتلهم وإدامة الفوضى التي ثبت أنها مكلفة لإسرائيل. وبالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، لا يعني التحرر من “حماس” هزيمة الحركة نفسها فحسب، بل إحباط الجهود الإيرانية لإحيائها أو تكرارها أيضاً.

وسيتطلب تحقيق ذلك العمل على مسارين. يجب أن يركز المسار الأول على تعطيل تدفق الأموال والأسلحة من إيران إلى الضفة الغربية وقطاع غزة. فقد أُتيح لطهران مجالاً واسعاً جداً لشحن الأسلحة والأموال إلى وكلائها. وبدون مقاومة تُذكر، قام المتطرفون الحوثيون المدعومون من إيران بتعطيل الشحن العالمي بشكل فعال من خلال عرقلة حرية الملاحة عبر مضيق حيوي. ومن الضروري قطع خطوط إمدادات إيران إلى وكلائها – عبر البر والبحر والجو.

بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تركز الجهود المبذولة لمنع دعم إيران المالي لوكلائها من خلال اعتماد طهران على تحويل الأموال خارج النظام المالي الرسمي. وهذا ما فعلته الإجراءات الأمريكية والإسرائيلية الأخيرة على وجه التحديد، ولكن بما أن هذا النوع من الإنفاذ كان متقطعاً، فلا تزال الكثير من الأموال تصل إلى الجماعات الإرهابية. ومن الضروري بذل جهود متضافرة ومنسقة لاستهداف هذه التحويلات المالية.

أما المسار الثاني فلا بد من أن يركز على منع غزة من السير على خطى لبنان وسوريا، حيث سمح فراغ السلطة لإيران باكتساب النفوذ. وفي النهاية، ستتمثل العقبة الأعظم التي قد تَحول دون عودة ظهور “حماس” في إنشاء قوة أمنية فلسطينية شرعية في الضفة الغربية وقطاع غزة يمكن للدول العربية والغرب توجيه المساعدات والدعم إليها. ويسلط ذلك الضوء على معضلة رئيسية بالنسبة للقدس: فمع انسحاب الجيش من غزة، قد تتردد إسرائيل في دعم إنشاء أي سلطة فلسطينية في القطاع. ومع ذلك، كلما طال انتظارها للقيام بذلك، كلما زاد المجال الذي ستمنحه لإيران لملء الفراغ الناتج عن إعادة بناء “حماس” أو نشوء مجموعات جديدة تماماً تحت إشراف طهران.

وحذر مسؤولو “حماس” من أنهم سيكررون هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر مراراً وتكراراً. وإذا تُركت إيران لتتصرف كما تُريد، فسوف تحرص على أن يكون هؤلاء قادرين على القيام بذلك.