• اخر تحديث : 2024-05-08 00:17
news-details
تقدير موقف

التداعيات المحتملة لتأجيل الانتخابات الرئاسية في السنغال


جاء إعلان الرئيس السنغالي ماكي سال، في 3 فبراير 2024، عن تأجيل الانتخابات الرئاسية في البلاد – قبل ساعات من إطلاق الحملة الانتخابية لمرشحي الرئاسة – التي كان مقرراً إجراؤها في 25 فبراير الجاري، ليعكس بوادر أزمة سياسية حادة في المشهد السياسي السنغالي، وسط احتجاجات واسعة من جانب المعارضة السياسية التي تصر على إجراء الانتخابات في موعدها، لا سيما أنها تنظر إلى هذه الخطوة باعتبار أنها تمثل انقلاباً دستوريّاً وتراجعاً ديمقراطيّاً غير مسبوق في البلاد، وتقويضاً للديمقراطية الأكثر بروزاً في منطقة غرب أفريقيا، خاصة أنها السابقة الأولى التي يتم فيها تأجيل الانتخابات في البلاد منذ استقلالها في ستينيات القرن الماضي.

وذلك بالرغم من مساعي الرئيس سال، في خطابه الأخير، إلى طمأنة الرأي العام السنغالي حول نيته بدء حوار وطني من أجل تهيئة الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة، وتأكيده عدم ترشحه للانتخابات المقبلة التي قد يوافق البرلمان على مشروع قانون آخر يحدد موعداً جديداً لإجرائها في 25 أغسطس المقبل، بما يعني تمديد ولاية الرئيس سال لمدة أربعة أشهر إضافية بعد انتهائها رسميّاً في أبريل 2024 وفق الدستور، بما يثير المزيد من الشكوك لدى المعارضة السياسية حول احتمال التفاف سال على الدستور للترشح لولاية ثالثة في الانتخابات القادمة بما يخالف الدستور السنغالي ووعوده بأن ولايته الحالية هي الأخيرة؛ الأمر الذي قد ينذر بمستقبل محفوف بالمخاطر ويدفع البلاد نحو المزيد من التوترات التي ربما تعصف باستقرارها وأمنها خلال المرحلة المقبلة.

أبعاد القرار

يأتي قرار سال بتأجيل الانتخابات في سياق داخلي يتسم بالتوتر والاضطراب، ويمكن الإشارة إلى أبرز أبعاده على النحو التالي:

1اتهامات المعارضة للنظام بتبني سياسات إقصائية: أدى إقصاء بعض المعارضين البارزين من الترشح للانتخابات المقبلة، مثل عثمان سونكو زعيم حزب باستيف المنحل، الذي يحظى بشعبية كبيرة وسط الشباب، ويقبع في السجن بتهمة الاعتداء الجنسي، وكريم واد الذي يواجه نفياً في قطر وتم استبعاده من الانتخابات لكونه مزدوج الجنسية بما يخالف قانون الترشح للانتخابات الرئاسية في البلاد، إضافة إلى بعض المضايقات الأمنية لقوى المعارضة مثل المرشح المحتمل خليفة سال، إلى تصاعد التوتر في المشهد السياسي وسط مخاوف من تكرار اضطرابات مارس 2021 ويونيو 2023، لا سيما في ضوء اندلاع تظاهرات تضم مئات الأشخاص في العاصمة داكار عقب إصدار قرار تأجيل الانتخابات واحتمال توسعها في أرجاء البلاد، خاصة بعد اعتقال السلطات الأمنية بعض مرشحي الرئاسة، مثل أنتا بابكر نجوم، وبعض رموز المعارضة مثل أميناتا توري بتهمة التحريض على العنف.

2خلاف مكتوم داخل الائتلاف الحاكم: ثمة تنافس شرس داخل المعسكر الرئاسي بين الدائرة المقربة من الرئيس سال، وبين مرشحه المفضل للانتخابات المقبلة أمادو با؛ حيث يبرز عداء واضح من جانب الحرس القديم في الحزب الحاكم تجاه المرشح المحتمل با، وسط مساعٍ لتقويض ترشحه للانتخابات خلال الشهور الأخيرة؛ ما يعكس غياب التوافق داخل معسكر مرشح الحزب الحاكم. وقد تجلى ذلك في موافقة 120 برلمانياً على المقترح الذي طرحه الحزب الديمقراطي السنغالي بشأن تشكيل لجنة تحقيق في شروط المصادقة على الترشيحات للانتخابات الرئاسية بالرغم من امتلاك الحزب 24 نائباً فقط في البرلمان السنغالي، بما يعني أن هناك عدداً كبيراً من النواب الموالين للحزب الحاكم أو ائتلاف الموالاة ينشطون ضد با، وهو ما اعتُبر بمنزلة رسالة له أنه ليس مرشحاً توافقياً داخل الائتلاف الحاكم؛ الأمر الذي دفع الرئيس سال إلى اتخاذ القرار بتأجيل الانتخابات لحين إعادة ترتيب الصفوف الداخلية لحزبه، خوفاً من الانقسام خلال عملية التصويت بما قد يسمح لمرشح المعارضة بالفوز في الانتخابات المقبلة.

3نشوب أزمة دستورية في البلاد: وهي الأزمة التي يزعم الرئيس سال أنها أحد الأسباب الرئيسية لتأجيل الانتخابات؛ فقد اندلعت تلك الأزمة عقب تشكيل البرلمان السنغالي لجنة للتحقيق مع قاضيين ينتميان إلى المجلس الدستوري بشأن ملف الاستحقاقات للمرشحين المحتملين، وهي الأزمة التي فجرها المعارض كريم واد الذي تم رفض ملف ترشحه؛ ما دفعه إلى اتهام القاضيين بتلقي رشوة، وقام نواب الحزب الديمقراطي السنغالي الذي يرأسه والده عبد الله واد الرئيس الأسبق، بتقديم مقترح لتشكيل اللجنة. ويبدو أن هذه الخطوة قد جاءت في مصلحة الرئيس سال الذي استغلها ذريعة للإعلان عن تأجيل الانتخابات أملاً في تعزيز موقف مرشح حزبه خلال الاستحقاقات الرئاسية المقبلة.

4رغبة سال في إعادة ترتيب صفوف حزبه: يصب السياق الراهن – برغم كل ما يعتريه من توترات قد تهدد استقرار الدولة السنغالية – في صالح الرئيس سال الذي يسعى إلى كسب المزيد من الوقت لتسوية الخلافات داخل معسكره والتوافق حول مرشح حزبه الحاكم من أجل تعزيز فرص خليفته المحتمل في الانتخابات الرئاسية المقبلة، للحيلولة دون صعود أي مرشح من المعارضة إلى السلطة؛ ما قد يعرضه لأزمات مستقبلية مثل الملاحقة القضائية والسجن، وهو ما دفعه إلى طرح بدء حوار وطني شامل تمهيداً لإجراء الانتخابات في سياق مواتٍ يضمن نزاهتها بحسب زعمه، بالرغم من رفض المعارضة خطوة تأجيل الانتخابات واعتبارها بمنزلة انقلاب دستوري من الرئيس سال.

5تنامي شعبية مرشح المعارضة باسيرو فاي: وهو الذي يمثل الخطة البديلة لحزب باستيف بعد اعتقال عثمان سونكو واستبعاده من الترشح للانتخابات المقبلة؛ حيث تبرز مؤشرات بأنه يحظى بوزن سياسي ودعم واسع في المشهد السياسي الداخلي، وربما ينافس مرشح النظام الحاكم بقوة، كما قد يلقى دعماً من بعض نواب الأغلبية نكايةً في مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با في ظل الانقسامات الداخلية بالمعسكر الرئاسي؛ وذلك بالرغم من اعتقاله في عام 2023 إلا أنه يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى المعسكر الرئاسي؛ الأمر الذي يزيد من مخاوف الرئيس سال بشأن احتمال خسارة مرشحه المفضل الانتخابات المقبلة، وتكرار السيناريو الذي تبناه ضد الرئيس عبد الله واد في أعقاب انتخابات عام 2012 من ملاحقة قضائية ومساءلة قانونية بتهم الفساد.

6ترقب الرأي العام السنغالي تحركات السلطة: يعزز التحول في موقف الرئيس سال عقب قراره بتأجيل الانتخابات المقبلة، الذي جاء عقب تخليه عن الترشح لولاية ثالثة جديدة، حالة الجدل لدى قطاعات كبيرة في المشهد السنغالي؛ فلا تزال الشكوك قائمة لدى المعارضة حول عدم رغبة سال في التخلي عن السلطة، وتمديد حكمه لولاية رئاسية ثالثة بعكس ما ينص عليه الدستور السنغالي، في ظل عدم الاقتناع بالأسباب التي عرضها الرئيس حول وجود أزمة دستورية راهنة قبيل عقد الانتخابات الرئاسية، وهو ما قد يعزز حالة الاستقطاب السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة، بما يهدد مستقبل أمن واستقرار البلاد.

تداعيات محتملة

تحمل هذه الخطوة العديد من التداعيات المحتملة على الصعيدين الداخلي والدولي التي قد تهدد مستقبل الاستقرار في البلاد، ويتمثل أبرزها في:

1تراجع النموذج السنغالي: أدى عدم التزام الرئيس سال بالتقاليد الديمقراطية في البلاد إلى تقويض الديمقراطية السنغالية في المنطقة، التي مثلت على مدار عقود طويلة نموذجاً يحتذى به في منطقة غرب أفريقيا المضطربة، وهو ما قد يؤثر على صورة السنغال على المستويين القاري والدولي، وربما يعرضها للمزيد من الانتقادات الدولية خلال المرحلة المقبلة.

2توسع الاحتجاجات ضد تأجيل الانتخابات: من المتوقع أن تدعو المعارضة السياسية إلى توسيع رقعة التظاهرات الشعبية في أنحاء البلاد للضغط على الرئيس سال للتراجع عن قراره الأخير بشأن تأجيل الانتخابات، خاصة مع قرار مرشحي المعارضة تجاهل قرار الرئيس سال والبدء في إطلاق حملتهم الانتخابية، وهو ما قد يؤدي إلى صدام محتمل بين المتظاهرين والسلطات الأمنية ربما يترتب عليه تصاعد أعمال العنف في البلاد الذي ربما يخلف العديد من القتلى والإصابات.

3تراجع شعبية الحزب الحاكم: وذلك في ظل الاعتقاد السائد بأن الرئيس سال يتلاعب بمستقبل البلاد؛ الأمر الذي يهدد شعبية الائتلاف الحاكم قبيل إجراء الانتخابات، وربما يدفع قطاعاً كبيراً من الناخبين السنغاليين للتصويت العقابي ضد مرشح السلطة في حال إجراء الانتخابات المقبلة؛ ما يعزز مخاوف سال من هزيمة مرشحه المفضل أمادو با الذي يحظى بشعبية متواضعة ويفتقر إلى الكاريزما، لصالح مرشح المعارضة الأبرز باسيرو فاي.

4انقسامات محتملة داخل حكومة سال: ربما يترتب على استمرار الأزمة السياسية انسحاب بعض الوزراء من حكومة سال احتجاجاً على قراراته الأحادية، على غرار استقالة عبد اللطيف كوليبالي الأمين العام للحكومة السنغالية، وهو ما قد يعمق الأزمة الداخلية في الحزب الحاكم، بما قد يؤثر سلباً على حظوظه في الانتخابات المقبلة.

5تغيير تكتيك سال بشأن الانتخابات المقبلة: ربما تدفع التطورات الراهنة في المشهد الانتخابي السنغالي الرئيس سال إلى تبني عدة سيناريوهات محتملة؛ منها إعادة تفكيره في الترشح مجدداً لولاية ثالثة متجاوزاً الدستور وخلافاً لما أكده سابقاً من عدم الترشح للمنصب، وربما يلجأ إلى تغيير خليفته المحتمل أمادو با أو الدفع نحو دخول أكثر من مرشح في سباق الانتخابات بالرغم من وجود 20 مرشحاً يحق لهم خوضه، كما قد يتم السماح للمعارض كريم واد بخوض السباق الانتخابي، في حين أنه ربما يتم استبعاد كل من باسيرو فاي وعثمان سونكو من السباق ليكون الطريق ممهداً لمرشح السلطة للفوز بالانتخابات، خاصة أن معظم المرشحين لا يحظون بشعبية كبيرة؛ وذلك في إطار انقسام المعارضة وتشرذمها وغياب موقف موحد بينها حول دعم مرشح واحد في الانتخابات المقبلة.

6الضغط لإطلاق سراح رموز المعارضة: قد تمارس المعارضة المزيد من الضغوط مدعومة بكثافة الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية من أجل إجبار السلطة الحاكمة على الإفراج عن المعتقلين السياسيين، وفي مقدمتهم عثمان سونكو وباسيرو فاي، لتنتقل الأزمة السياسية إلى مرحلة جديدة من الصدام حول الخلاف بشأن أحقية سونكو في الترشح للانتخابات المقبلة؛ ما يعني استمرار حالة الاستقطاب السياسي في البلاد.

7احتمالية توريط الجيش السنغالي في المشهد السياسي: ربما يدفع التوسع المحتمل لرقعة الاحتجاجات وأعمال العنف في البلاد من جراء تأجيل الانتخابات إلى مطالبة الرئيس سال للجيش بالنزول إلى الشوارع لاستعادة الأمن والاستقرار؛ ما قد ينذر بتفاقم الوضع الأمني في الداخل.

8تنامي مؤشرات القلق الإقليمي: تتزايد المخاوف الإقليمية، لا سيما في جامبيا، إزاء التطورات الأخيرة في السنغال، وتداعيات تصعيد الأزمة الداخلية؛ فهناك إدراك لدى النخبة الجامبية أن عدم الاستقرار في الداخل السنغالي يؤثر سلباً بشكل مباشر على الداخل الجامبي، لا سيما أن السنغال تحيط بجميع الحدود البرية لجامبيا، بجانب ساحل المحيط الأطلنطي.

9تدخل قوى أجنبية في أزمة السنغال: قد تتحول البلاد إلى ساحة صراع إقليمية ودولية في ظل تنافس بعض القوى الفاعلة ومحاولة تأثيرها في الأزمة السنغالية؛ فقد تمارس واشنطن ضغوطاً على الرئيس سال من أجل تقديم المزيد من التنازلات على حساب حليفه الرئيسي فرنسا التي قد تلعب دور الممانعة فيما يتعلق بالتصدي للضغوط الدولية والأمريكية على حكومة سال باعتباره حليفاً رئيسياً لها بعد فقدها العديد من حلفائها الرئيسيين في المنطقة؛ ما قد يعني الانخراط في مرحلة من التوتر وربما الصدام نتيجة تضارب المصالح الدولية في السنغال والمنطقة، وهو ما ينعكس سلباً على الأمن والاستقرار الداخلي في البلاد.

إجمالاً، ربما تدفع الأزمة السياسية الراهنة البلاد نحو المجهول، وهي التي يُنظر إليها على أنها واحة للاستقرار وسط بيئة إقليمية مضطربة؛ وذلك في ضوء التكهنات بتوسع رقعة الاحتجاجات الشعبية التي تدعمها المعارضة السياسية، والتي ربما تزيد من الانقسامات داخل معسكر الرئيس سال، بما قد يشكل فرصة واعدة للمعارضة للوصول إلى السلطة إذا تم التوافق على دعم مرشح واحد عند إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة.

إلا أنه من المتوقع أن تتدخل بعض القوى الإقليمية والدولية للوساطة بين الأطراف السياسية السنغالية، وربما يواجه الرئيس سال بعض الضغوط الدولية للتراجع عن قراره الأخير، ما لم يدخل في تفاهمات ومواءمات مع بعض القوى الفاعلة للمضي قدماً نحو تنفيذ أجندته بشأن تأجيل الانتخابات المقبلة، مستغلاً موقف فرنسا الصعب في الساحل وغرب أفريقيا، وعدم تحملها أي ضربة جديدة بشأن خسارة أحد حلفائها الرئيسيين بالمنطقة.