تتسارع المتغيرات في موازين القوة الاقتصادية العالمية منذ بداية سنة /2024/ وستترك أثارها على مستقبل الاقتصاد الدولي وستسيطر حالة (عدم اليقين)، أهمها ما يجري في الاقتصاد الأول عالميا وهو الاقتصاد الأمريكي من محاولات انفصال للعديد من الولايات الامريكية عن (الاتحاد الأمريكي) البالغ عددها /50/ ولاية على مساحة قدرها أكثر من /9،5/ مليون كم2 وعدد سكانها / 309/ مليون نسمة وناتجها الإجمالي أكثر من /27000/ مليار دولار أمريكي، فهل يستمر الاقتصاد الأمريكي في قيادة العالم؟، وخاصة مع زيادة الدعوات الانفصالية للكثير من الولايات الامريكية ومنها [كاليفورنيا وقد كتبنا عنها الأسبوع الماضي - تكساس - نيوهامشر...الخ]، وهنا نسأل هل مهدّت (بركسيت Brexit) وهي اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بتاريخ 24/1/2020، وبدأ العالم يسمع الآن بمصطلح (Texit) ويعني انسحاب (ولاية تكساس) من الاتحاد الأمريكي وتتبناها حركة (تكساس الوطنية TNM) التي تأسست سنة /2005/ يقودها (دانييل ميلر) المتخصص في دراسة الحركات الانفصالية العالمية.
وقال ميلر أن الحركة تضم مسؤولين جمهوريين وديموقراطيين، وتدعو الحركة إلى [أن يكون للولاية دستورها الخاص واستقلالها الذاتي وتتمكن من تنظيم اتفاقيات ومعاهدات مع الحكومة الفيدرالية والولايات الأخرى، ويمكن ان تبقى عضو في الاتحاد النقدي الفيدرالي ولكن أن يكون لها عملتها الخاصة مثل (اليورو) الأوروبي، وأيضا قال ميلر سنة /1996/ [عندما سئل هل ستصبح تكساس دولة مستقلة؟، أجاب نعم وبنسبة /100%/ وسيتحقق ذلك خلال/ 30 عاما / أي حتى سنة /2026/ وأعاد التذكير بهذا التصريح بتاريخ 26/1/2024]، و أكد لمجلة (نيوزويك) بأن تكساس ليست ملزمة بدفع جزء من الديون المتراكمة على الحكومة الفيدرالية الامريكية البالغة /33/ تريليون دولار أي اكثر من /122%/ من قيمة الناتج الأمريكي الإجمالي، ومؤخرا طالبت عضو مجلس النواب الأمريكي (مار غوري تايلور غرين) في شهر شباط /2023 / على ضرورة إجراء نقاش حول (الطلاق الوطني) الذي من شأنه أن يجعل أمريكا مقسمة بين [ولايات حمراء وأخرى زرقاء وتقليص دور الحكومة الفيدرالية]، وتتعمق هذه الدعوات عموديا وتتوسع أفقيا في ظل الخلافات الكبيرة بين الحزبين (الديمقراطي والجمهوري)، وأكدت مجلة (نيوزويك) الأمريكية الأسبوع الماضي بأن الدعوات الانفصالية في أمريكا تزداد، فهل نستيقظ لنسمع ان دولة جديدة تشكلت وهي (دولة تكساس) على الحدود مع المكسيك؟!
تكساس هي من أغنى الولايات الامريكية فهي [ثاني أكبر ولاية من ناحية المساحة بعد ولاية (ألاسكا) ومساحتها أكثر من /695/ الف كم2 بنسبة أكثر من /7%/ من مساحة أمريكا، ومساحتها أكبر من مساحة فرنسا مثلا، وعدد سكانها أكثر من /30/ مليون نسمة أي بحدود /10%/ من سكان أمريكا وهي ثاني ولاية بعدد السكان، وتمتلك /42%/ من صناعة النفط الامريكية وتنتج أكثر من /5/ مليون برميل يوميا و/27%/ من الغاز وناتجها الإجمالي بحدود /2800/ مليار دولار أكثر من دول متقدمة مثل كندا واسبانيا وإيطاليا وأستراليا، وصادراتها السنوية أكثر من /300/ مليار دولار وخاصة من السلع المصنعة الامريكية حيث تصدر أكثر من /22%/ من إجمالي هذه السلع، وهي الرائدة في خلق فرص عمل على مستوى أمريكا والعالم ومعدل البطالة بها منخفض جدا بحدود /4%/، ففي سنة /2023/ مثلا وفرت أكثر من /500000/ خمسمائة ألف فرصة عمل كما انها رائدة في توليد مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الريحية والشمسية والمائية، وفيها اكثر الصناعات تطورا كالطيران والطاقة والتكنولوجية والزراعة والصناعة وغيرها، وتقدم إغراءات للمستثمرين والعمال من خلال تدني مستوى الضرائب حتى أنه يقال (لا يوجد بها ضريبة دخل) ونتيجة ذلك قال السيناتور الجمهوري (تيد كروز) عندما سئل عن موقفه الشخصي من الانفصال في شهر تشرين الثاني سنة /2021/ [أنه ليس مستعدا للتخلي عن الولايات المتحدة بعد، ولكن إذا أنهى الديمقراطيون التعطيل ودمروا البلاد بشكل أساسي وحشدوا المحكمة العليا وجعلوا واشنطن ولاية وقاموا بإضفاء الطابع الفيدرالي على الانتخابات فقد نصل إلى نقطة يصبح فيها الأمر ميؤوسا منه، حينها سنأخذ وكالة ناسا، والجيش، والنفط] في اشارة الى الانفصال عن أمريكا ولها نفوذ سياسي كبير في الإدارة الامريكية، فهل سنشهد تفكك أمريكا وضعف للإمبراطورية الامريكية وتكون الدعوات الانفصالية مثل (كرة النار أو الثلج) كلما تدحرجت كلما كبرت كما حصل في الاتحاد السوفيتي السابق سنة /1991/؟!، أم ان ما يجري في (تكساس) مجرد زوبعة في فنجان وأضغاث أحلام؟!
واعتمادا على اللغة الرقمية يشعر سكان تكساس بأن أغلب الولايات الأخرى تعيش على حسابهم، وخاصة أن اقتصاد الولاية من اكبر الاقتصاديات في العالم وتحتل المرتبة /الثامنة 8/ عالميا، وهنا تجدر الإشارة إلى انه وللمرة الأولى في شهر حزيران سنة /2023 / أيد الحزب الجمهوري لولاية تكساس رسميا فكرة الانفصال بشكل رسمي، وأصدر تقريرا يطالب المجلس التشريعي بإجراء استفتاء ولا سيما أنه لا يوجد في دستور الولايات المتحدة ما يمنع تكساس أو أي ولاية أمريكية أخرى من ترك الاتحاد، والآن نشهد صراعا كبيرا بين الولاية ممثلة بحاكمها (جريج آبوت) من الحزب الجمهوري مع إدارة (جون بايدن) الديموقراطية حول قوانينها الداخلية وخلافها على الحدود مع (المكسيك)، ووصلت الخلافات إلى (المحكمة الامريكية العليا) التي انحازت للرئيس الامريكي تمت الدعوة خلال هذا الأسبوع لحكام الولايات الامريكية للاعتراض، وكانت النتيجة أن لبى الدعوة /15/ حاكم تضامنوا مع حاكم تكساس وفي مقدمتهم رئيس جمعية حكام الولايات الجمهوريين حاكم (ولاية تينيسي) وقال سنواصل ارسال مئات المتطوعين من سلطات تطبيق القانون إلى حدود ولاية تكساس!، فهل يساهم انفصال ( تكساس وغيرها من الولايات الامريكية) في الإسراع في ولادة نظام عالمي جديد والانتهاء من السيطرة الامريكية ودولارها، وتتقدم الصين وروسيا وخاصة إذا عادت تايوان إلى الصين وانتصرت روسيا في حربها مع الناتو وانسحبت بعض الدول الاوروبية من الاتحاد الأوروبي كما فعلت بريطانيا، وهذا سيؤدي إلى ضياع الديون العالمية الفعلية على أمريكا لكن تبقى مسجلة في البنوك والدفاتر على مبدأ المسلسل السوري (ضيعة ضايعة) عندما يسجل السيد (جودي أبو خميس الديون لصالح المسكين اسعد)، وبالتأكيد ستتغير مع هذه المتغيرات مراكز القوى العالمية بما فيها مجلس الامن وسيطرة حالة عدم اليقين على العالم بأكمله؟!.