لأول مرة في التاريخ حسمت الجالية اليهودية مصير الانتخابات الرئاسية الأميركية. اليهود توّجوا جو بايدن وحولوا ترامب إلى شخص مثير للشفقة، ينكر هزيمته. لولا اليهود لكان ترامب فاز في الانتخابات واحتفل بأربع سنوات إضافية في البيت الأبيض مع كل ما يعينه على ذلك.
مجموعات أُخرى، بينها نساء سود وشبان وشابات، وقفوا إلى جانب بايدن وصوّتوا بنسب قياسية، ومنحوه تفوقاً بخمسة ملايين صوت في مواجهة ترامب. لكن الأرقام لا تكذب. مع معدل تصويت لامس الـ80% أيضاً في أيام عادية، ومع تفضيل واضح لبايدن بنسبة 3 مقابل واحد، الاستنتاج الذي لا مفر منه: لولا الصوت اليهودي لما كان بايدن فاز.
في بنسلفانيا التي أوصلت بايدن إلى مستوى 270 ناخباً كبيراً وحسمت السباق، يعيش نحو 300 ألف يهودي من البالغين، معظهم حول فيلادلفيا. بحسب الفرز، نحو 249 ألفاً منهم شاركوا في التصويت، 180 ألفاً صوتوا لبايدن، و60 ألفاً لترامب. اليهود أعطوا بايدن فائضاً بـ120 ألف صوت في فيلادلفيا التي يتقدم فيها بنحو 45 ألف صوت فقط. الحساب بسيط.
في استطاعة بايدن أن يفوز أيضاً من دون بنسلفانيا، إذا أُعلن فائزاً في أريزونا وجورجيا. هناك أيضاً اليهود منحوه تقدماً. 100 ألف من يهود أريزونا أعطوا بايدن فائضاً بـ40 ألف صوت، وهو متقدم حالياً فقط بنحو 17 ألفاً. 130 ألف يهودي في جورجيا أعطوه فائضاً بـ50 ألف صوت، وهو يتقدم بنحو 11% فقط.
لا جديد في هذا. نحو 75% من الجالية اليهودية تصوت لمرشحين ديمقراطيين، لكن تأثيرهؤلاء كان أكبر في النشاطات والتبرعات، ولم يكن صوتهم حاسماً قط. هم يتمركزون في ولايات مثل كاليفورنيا ونيويورك، اللتين فيهما أغلبية ديمقراطية راسخة، ونسبتهم أصغر من أن تحسم الانتخابات في الولايات الأساسية حتى انتخابات 2020 التي هي ربما الأكثر مصيرية.
ترامب الذي شهّر بـ"خيانة" اليهود الذين يواصلون دعم الديمقراطيين على الرغم من كرمه مع إسرائيل، يمكن أن يشعر بأنهم طعنوه في الظهر. يهود يمينيون في أميركا وفي إسرائيل يشاركونه غضبه وخيبة أمله. وعدوا ترامب بأن اليهود سيدينون له بالفضل بسبب علاقته بإسرائيل، وسيتدفقون إلى صناديق الاقتراع لرد الجميل. بدلاً من ذلك، دق اليهود المسمار الأخير في نعشه السياسي.
لكن إسرائيل ليست في رأس اهتمامات يهود أميركا. ومع أن ترامب صديق بنيامين نتنياهو ومخلّص إسرائيل فإنه يُعتبر في نظر أغلبية اليهود خطراً واضحاً مباشراً على سلامتهم وسلامة بلدهم. فقد تمرد على الديمقراطية، وخرّب سلطة القانون، وأنكر العلم والطب، وخدم المسيحيين المسيانيين، وانتهك القيم الليبرالية، واستخف بالأقليات ونمّى العنصرية البيضاء التي هي جوهر العداء للسامية.
إسرائيليون كثيرون رأوا ترامب من خلال عيني نتنياهو، كهدية لم تتوقف عن العطاء. ولقد تأثروا بمبادراته الحسنة وبيده القاسية إزاء إيران، ولم يزعجهم محو الفلسطينيين عن جدول الأعمال، أو إطلاق يد نتنياهو لتخريب الديمقراطية الإسرائيلية التي لا تهمه فعلاً، بعكس أسلافه. ولم يتأثروا بالأضرار الهائلة التي تسبب بها ترامب لأميركا خصوصاً، وللعالم الحر والديمقراطي عموماً.
يهود الولايات المتحدة لم يترددوا. ظلوا أوفياء لقيمهم، وبفضل الظروف الخاصة لانتخابات 2020 كان من نصيبهم الدور التاريخي الحاسم. ربما هناك إسرائيليون يشعرون بالإحباط، لكن أنصار الحرية والمساواة والديمقراطية والنزاهة الإنسانية الأساسية التي يفتقر إليها ترامب، يدينون لهم بشكر كبير.