تشهد الهند بدءاً من اليوم 19 إبريل، وحتى 4 يونيو 2024، انتخابات عامة، تُعد الأكبر في العالم، وذلك بالنظر إلى الفترة الزمنية التي تجري خلالها؛ إذ تتم عبر سبع مراحل تمتد لما يقرب من شهرين، وكذلك عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت، إذ يشارك فيها نحو 969 مليون ناخب لاختيار 543 عضواً في الغرفة الأدنى للبرلمان الهندي، والتي يُطلق عليها (لوك سابها)، فضلاً عن كونها تجري في الدولة التي تضم أكبر تعداد للسكان في العالم؛ ما يجعلها تحظى بأهمية كبيرة.
الأطراف المُشاركة:
تُعد التعددية الحزبية إحدى السمات والخصائص البارزة للنظام السياسي الهندي، والذي يتسم بوجود المئات من الأحزاب السياسية على المستويين الوطني والإقليمي. ومع ذلك، يسيطر حزبان رئيسيان في الوقت الحالي على المشهد السياسي الهندي، وهما: حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي، وحزب المؤتمر الوطني الهندي العلماني. ووفقاً للدستور الهندي، تُجرى انتخابات (لوك سابها) مرة كل خمس سنوات، لاختيار جميع النواب، البالغ عددهم 543 عضواً، في الدوائر الانتخابية الفردية عن طريق الأغلبية.
ويتنافس في الانتخابات الحالية ستة أحزاب على المستوى الوطني، وهي: حزب بهاراتيا جاناتا، وحزب المؤتمر الوطني الهندي، والحزب الشيوعي الهندي (الماركسي)، وحزب بهوجان ساماج، وحزب الشعب الوطني، فضلاً عن حزب آم آدمي، مع ملاحظة أن جميع الأحزاب المذكورة، باستثناء حزب بهوجان ساماج، تُعد جزءاً من أحد التحالفات.
1. تحالفان رئيسيان: بصفة عامة، يتنافس في الانتخابات العامة الهندية 2024، تحالفان رئيسيان، أحدهما بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، وهو التحالف الوطني الديمقراطي، National Democratic Alliance، والآخر بقيادة حزب المؤتمر الوطني الهندي، والذي يُمثل المعارضة الرئيسية في الهند، وهو التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل Indian National Developmental Inclusive Alliance، والمعروف اختصاراً باسم (INDIA).
بالنسبة للتحالف الوطني الديمقراطي، فهو تحالف سياسي كبير يعبر عن تيار يمين الوسط، تأسس في عام 1998، وهو يسيطر حالياً على الحكومة الاتحادية، بالإضافة إلى ترؤسه للحكومات الإقليمية في 17 ولاية هندية. وقد أدى زعيمه، ناريندرا مودي، اليمين كرئيس للوزراء في 26 مايو 2014. وحصل التحالف في الانتخابات العامة الأخيرة التي جرت في عام 2019، على 353 مقعداً.
أما التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل، فهو عبارة عن تحالف سياسي كبير يعبر عن تيار يسار الوسط؛ إذ عقدت العديد من أحزاب المعارضة عدّة اجتماعات في الفترة السابقة على الانتخابات العامة؛ بهدف تأسيس تحالف في مواجهة حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم. وقد تمخضت هذه الاجتماعات عن اتفاق 24 حزباً سياسياً على التكتل معاً لتكوين التحالف الوطني التنموي الهندي الشامل (إنديا). وقد حصل حزب المؤتمر الوطني الهندي والتحالف الذي يقوده على 91 مقعداً في الانتخابات العامة التي جرت في عام 2019.
2. أحزاب أخرى: بجانب التحالفين الرئيسيين السابقين، هناك بعض الأحزاب الأخرى المهمة. فقد أعلنت كوماري ماياواتي، زعيمة حزب بهوجان ساماج، الذي تأسس في عام 1984، أن حزبها سيخوض الانتخابات بمفرده في معظم الولايات الهندية، كما أنه سيتحالف مع الأحزاب الأخرى غير المتحالفة مع حزبي بهاراتيا جاناتا، والمؤتمر الوطني الهندي، في ولايتي تيلانجانا وهاريانا.
وفي 11 مايو 2023، أعلن نافين باتنايك، زعيم حزب بيجو جاناتا دال ورئيس وزراء ولاية أوديشا، أن حزبه، الذي تأسس في عام 1997، وهو حزب سياسي إقليمي هندي يتمتع بنفوذ وتأثير كبير في ولاية أوديشا، سوف يشارك بمفرده في الانتخابات.
قضايا انتخابية:
هناك العديد من القضايا التي حظيت باهتمام كبير من جانب الحملات الانتخابية للأحزاب المشاركة في الانتخابات العامة الهندية 2024، وهو ما يمكن توضيحه في الآتي:
1. البطالة والتضخم: تُعد تلك المسألة إحدى القضايا الرئيسية التي ركّزت عليها الأحزاب السياسية الهندية في حملاتها الانتخابية، باعتبارها إحدى المشكلات الكبرى التي يعاني منها الاقتصاد الهندي؛ إذ أظهر استطلاع للرأي أن البطالة والتضخم يُعدان مصدريْ القلق الرئيسيين للناخبين الهنود، ولاسيما وأن عوائد النمو العالي الذي نجحت الهند في تحقيقه لا تتوزع بالتساوي على سكانها البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة، إذ لا يزال خلق فرص العمل، على الرغم من جهود مودي في مجال التصنيع المحلي على مدى السنوات العشر الماضية، يمثل تحدياً.
فقد ارتفع معدل البطالة إلى 5.4% في عام 2022-2023، من 4.9% في عام 2013-2014 قبل وصول مودي إلى السلطة مباشرة، وظل ما يقرب من 16% من الشباب الحضري في الفئة العمرية من 15 إلى 29 عاماً عاطلين عن العمل في 2022-2023، بسبب الفقر. وفي هذا السياق، انتقد تحالف المعارضة طريقة تعاطي حكومة حزب بهاراتيا جاناتا مع مسألة ارتفاع معدلات البطالة والتضخم.
2. تدشين المعبد الهندوسي في إيوديا: أثار قيام مودي، في يناير 2024، بتدشين معبد هندوسي في إيوديا، أُقيم في موقع مسجد تاريخي للمسلمين هدمه مُتشددون هندوس، حالة من الجدل في الهند، في ضوء توظيف هذا الحدث في العملية الانتخابية؛ إذ اعتبر مودي هذا الحدث بمثابة "حقبة جديدة" للهند، وانتصاراً لسياساته الهندوسية القومية، وانطلاقة فعلية لحملته الانتخابية. في المقابل، رفضت أحزاب المعارضة إضفاء الطابع السياسي على مراسم تدشين المعبد الهندوسي، ومحاولة حزب بهاراتيا جاناتا توظيفه في حملته الانتخابية؛ وهو ما دفع حزب المؤتمر المعارض وقادته إلى رفض دعوة لحضور الحدث؛ الأمر الذي أثار حالة من الجدل داخل الهند.
3. الإنفاق على الحملات الانتخابية: أصدرت المحكمة العليا في الهند، في 15 فبراير 2024، حكماً بعدم دستورية نظام السندات الانتخابية لتمويل الحملات الانتخابية الذي قدمته حكومة مودي في عام 2017، والذي يسمح للأفراد والشركات بالتبرع بالأموال للأحزاب السياسية بشكل مجهول ودون حدود. وقد بررت المحكمة قرارها بأن تلك المسألة تسمح للمتبرعين بالتأثير في عملية صنع السياسة. وفي 18 مارس 2024، أمرت المحكمة بنك الدولة الهندي بتقديم جميع السجلات المُتعلقة بالسندات الانتخابية إلى لجنة الانتخابات الهندية بحلول 21 مارس، من أجل مُطابقة الجهات المانحة الانتخابية مع المستفيدين منها.
4. التضييق على المعارضة: شهدت الفترة السابقة على إجراء الانتخابات العامة الهندية عدة مؤشرات كشفت عن تضييق حكومة حزب بهاراتيا جاناتا على المعارضة؛ بهدف التأثير في فرصها في الفوز بالانتخابات، ولاسيما فيما يتصل بتمويل حملاتها الانتخابية والتحقيق مع قادتها. فقد قامت إدارة ضريبة الدخل بتجميد حسابات مصرفية لحزب المؤتمر الوطني الهندي تحتوي على 2.1 مليار روبية (25.3 مليون دولار)؛ وهو ما يحد من قدرة الحزب على إدارة حملته الانتخابية بشكل مناسب، وفقاً لتصريح راهول غاندي. كما قامت السلطات الهندية أيضاً بإجراء تحقيقات مع مسؤولين حكوميين ينتمون إلى أحزاب المعارضة.
5. دور ومكانة الهند في العالم: أصبحت السياسة الخارجية والحديث عن دور الهند في العالم، إحدى القضايا المُهمة في الانتخابات العامة الهندية، في ظل سعي حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم إلى توظيف نجاحاته في مجال السياسة الخارجية لتعزيز شعبيته ومكانته لدى الناخبين.
كما يركز رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، على مكانة البلاد العالمية وسياستها الخارجية، لجذب أصوات الناخبين. فقد أشار استطلاع للرأي أجرته مجموعة "إنديا توداي"، إلى تأييد 19% من الذين شملهم الاستطلاع، لرئيس الوزراء لنجاحه في رفع المكانة العالمية للهند. ففي السنوات الأخيرة، استضافت الهند قمة مجموعة العشرين، ونجحت في تعزيز علاقاتها الدفاعية والاستراتيجية والتكنولوجية مع الولايات المتحدة، وأصبحت خامس أكبر اقتصاد في العالم، كما نجحت أيضاً في الهبوط على سطح القمر.
وعلى الجانب المقابل، تضمن بيان حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، توضيحاً لتصوراته بشأن الدور الخارجي للهند؛ إذ تعهد بالعمل على إصلاح الأضرار التي لحقت بصورة الهند في الخارج؛ بسبب عدم تسامح الحكومة الحالية مع المعارضة وقمع حقوق الإنسان، على حد وصف البيان.
ترجيحات مُحتملة:
أعلن التحالف الوطني الديمقراطي، بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا، أن مرشحه لرئاسة الوزراء في الانتخابات العامة 2024، هو رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي. فيما لم يفصح تحالف المعارضة عن مرشحه لرئاسة الوزراء، معلناً أنه سيتم تحديده بعد انتهاء الانتخابات. ووفقاً لاستطلاعTimes Now-ETG Research ، الذي صدر في 3 فبراير 2024، فقد اختار 64% من المشاركين ناريندرا مودي رئيساً للحكومة الهندية الجديدة، فيما جاء راهول غاندي في المرتبة الثانية بنسبة 17%.
في هذا الإطار، يمكن طرح التوقعات التالية بشأن النتائج المحتملة للانتخابات العامة الهندية 2024:
1. فوز مودي بولاية ثالثة: ثمّة اعتقاد كبير بأن رئيس الوزراء الحالي، ناريندرا مودي، سيتمكن من تحقيق فوز سهل في الانتخابات، وهو ما سيمنحه الاستمرار في منصبه كرئيس وزراء للهند لمدة خمس سنوات أخرى؛ ومما يعضد من إمكانية تحقق هذا السيناريو: الشعبية المتزايدة لرئيس الوزراء، وافتقاد حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض إلى القيادة الكاريزمية، بالإضافة إلى نجاح مودي في جعل بلاده قوة كبرى في النظام الدولي، وتحول الهند إلى خامس أكبر اقتصاد في العالم، وفوز حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات الإقليمية الأخيرة، والتأثير الإيجابي للبرامج الاجتماعية، فضلاً عن البرنامج الطموح للحزب. وسيصبح مودي في حالة فوزه بفترة ثالثة كرئيس للوزراء، ثالث رئيس وزراء في تاريخ الهند من حيث طول فترة الاستمرار في منصبه.
2. استمرار تراجع حظوظ المعارضة: تُشير نسب التأييد الضعيفة التي تحصل عليها المعارضة في استطلاعات الرأي إلى احتمال تعرضها لخسارة كبيرة، ربما تفوق خسارتها في الانتخابات العامة التي جرت في عامي 2014 و2019؛ إذ يعاني حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض الرئيسي، الذي قاد نضال الهند من أجل الاستقلال ثم حكم البلاد لعقود، من الضعف والتراجع، إذ تضاءلت نسبة مساهمته في السلطة في البلاد؛ إذ يتولى رئاسة الحكومة في ثلاث ولايات فقط، من أصل 28 ولاية هندية.
ومن شأن خسارة حزب المؤتمر الوطني الهندي للانتخابات العامة للمرة الثالثة على التوالي، أن تؤدي إلى استمرار حالة التراجع التي يعاني منها، وفقدان الثقة من جانب الناخب الهندي في الحزب، وهو ما قد يدفع الحزب إلى إجراء عملية إعادة تقييم وتصحيح شاملة؛ بهدف التعرف إلى الأسباب الحقيقية وراء تراجع دوره ومكانته في المشهد السياسي الهندي خلال السنوات الأخيرة.
3. تقويض الديمقراطية الهندية: يطمح رئيس الوزراء الهندي الحالي، ناريندرا مودي، إلى حصول حزبه بهاراتيا جاناتا على 370 مقعداً؛ أي بزيادة 67 مقعداً عن حصته في انتخابات عام 2019، كما يطمح أيضاً إلى نجاح التحالف الذي يقوده في الحصول على 400 مقعد.
وفي حالة نجاح حزب بهاراتيا جاناتا في تحقيق طموحات زعيمه مودي، وفوزه بأغلبية كبيرة، فإنه سيتمكن من السيطرة بشكل شبه كامل على المؤسسة التشريعية في الهند، فضلاً عن تشكيل حكومة متماسكة وتجنب الخضوع للضغوط من جانب حلفائه التقليديين من الأحزاب الإقليمية. وهو ما قد يترتب عليه نجاح الحزب في السيطرة شبه الكاملة على مقاليد السلطة في الهند؛ مما قد يجعل النظام الحزبي الهندي يتحول من نظام الثنائية الحزبية إلى ما يشبه نظام الحزب الواحد، في ظل التراجع المحتمل لدور ومكانة حزب المؤتمر الوطني الهندي الذي يمثل المعارضة الرئيسية في الهند؛ وهو ما قد يؤدي إلى التأثير في المكانة التي تتميز بها الهند كدولة ديمقراطية. وهو ما قد يفسر انتقادات البعض بأن استمرار حزب بهاراتيا جاناتا في السلطة لولاية أخرى، يمكن أن يقوض مكانة الهند كدولة علمانية وديمقراطية، خاصة وأن السنوات العشر التي قضاها الحزب في السلطة تسببت في وقوع هجمات من قبل القوميين الهندوس على الأقليات في البلاد، وخاصة المسلمين، وقلّصت مساحة المعارضة ووسائل الإعلام الحرة. كما قد يُفسر أيضاً تعهد حزب المؤتمر الوطني الهندي بالخروج مما يعتبره انزلاقاً نحو الاستبداد، واتهامه لمودي بتقويض الديمقراطية في الهند وتفضيل مصالح الأغنياء.
وفي التقدير، يُمكن القول إن الانتخابات العامة الهندية لعام 2024، تحظى بأهمية خاصة في ظل مكانة الهند كأكبر ديمقراطية في العالم، ويتنافس فيها حزبان رئيسيان هما: حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم وحزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض، وسيطرت القضايا الداخلية مُقارنة بالقضايا الخارجية على الحملات الانتخابية لمرشحي الحزبين. وتُشير غالبية التوقعات إلى أن حزب بهاراتيا جاناتا والأحزاب الإقليمية المتحالفة معه لن تواجه أدنى صعوبة في تحقيق فوز سهل ومُريح في ظل حالة التراجع التي يعاني منها حزب المؤتمر الوطني الهندي المعارض وحلفاؤه؛ وهو ما يعني أن الطريق بات ممهداً أمام مودي لتحقيق انتصار تاريخي يضعه في مصاف كبار قادة وزعماء الهند، رغم ما قد ينطوي عليه هذا الانتصار من احتمال حدوث تراجع للديمقراطية في بلاده.