• اخر تحديث : 2024-05-03 21:39
news-details
ندوات وحلقات نقاش

حلقة نقاش: بعد طوفاني الأقصى والوعد الصادق: أي معادلات استراتيجية


مساء الثالث عشر من نيسان/ أبريل ردّت إيران على الاعتداء الصهيوني الذي استهدف قنصليتها في دمشق في الأول من نيسان/ أبريل 2024 الذي طال مواقع صهيونية استراتيجية في الجنوب والوسط والشمال... من النقب إلى الجولان... استعظم الكيان وأميركا الأمر، وفهما أن الكيان الصهيوني أعجز من أن يتحمل الرد الإيراني، فاستجمعت الولايات المتحدة قواتها وحلفاءها في الغرب والمنطقة للدفاع عن مستعمرتها في فلسطين، في المقابل برز القرار الإيراني حاسمًا لجهة الوقوف في وجه التوحش الصهيو أميركي، ومن معهما.

وما بين طوفان الأقصى الذي خلخل معادلة الردع الصهيوني جاءت عملية الوعد الصادق التي أُطلق عليها تسمية طوفان الاقصى 2”، وطوفان المسيّرات، وطوفان الوعد الصادق الذي أنهى صبر إيران الاستراتيجي ليكتب محور المقاومة المعادلات الجديدة في غرب آسيا، وفتح الباب واسًعا أمام سيل من التكهنات والتساؤلات:

ـ أي معادلات استراتيجية أمنية ـ عسكرية واقتصادية وسياسية أسّس لها طوفان الوعد الأقصى في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني في المنطقة والعالم؟

ـ ما هي خيارات الكيان الغاصب المؤقت الذي يسعى إلى ترميم صورته الدبلوماسية والعسكرية منذ السابع من تشرين الأول / أكتوبر 2023؟، ولماذا يواصل عزف نغمة التقليل من وطأة طوفان الوعد الصادق عليه، مشددًا على عودة التحالف العربي الصهيوني الأميركي لمواجهة إيران وضرب منشآتها الاستراتيجية وحضورها كما يدعو على لسان اعلامه ومسؤوليه؟

ـ ما هي خيارات الإدارة الأميركية؟، فهل تتجه أميركا إلى إصدار أوامر إلى الكيان الغاصب المحتل بالنزول عن الشجرة، وقبول حل الدولتين مكافأة للدول العربية التي ساندته في الرد بإسقاط المسيرات الإيرانية؟

ـ هل من دور للدول العربية في رسم معالم المرحلة الجديدة؟، ولماذا اصطف الغرب والعرب بهذه الحدة ضد إيران دعمًا للكيان المحتل؟

ـ هل يلجم توعّد إيران وتحذيرها كل من يشارك في الرد، أو في العدوان عليها (أميركا والكيان ومعهما كل الغرب والعرب)، خاصة مع تأكيد وزير الحرب الصهيوني يؤاف غالانت أن "الردّ حتمي، لكن بعد قيام تحالف دولي"؟

ـ كيف سيتعامل محور المقاومة مع المرحلة الجديدة عقب دخول إيران في الصراع مباشرة؟

هذا ما ناقشته الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين في حلقة نقاش بعنوان: "بعد طوفاني الأقصى والوعد الصادق: أي معادلات استراتيجية؟".

أولاً: معطيات أولية حول اللقاء:

الزمان

   نهار الثلاثاء  23/4/2024

المكان

 Zoom Meeting  

مدة اللقاء

من  الساعة  الحادية عشرة  صباحًا لغاية الواحدة ظهرًا بتوقيت بيروت.

 

المشاركون السادة

1

رئيس الرابطة د. محسن صالح.

2

عضو الهيئة الإدارية للرابطة. د. محمود الهاشمي (العراق).

3

عضو الرابطة د. حيان سلمان (سوريا)

4

عضو الرابطة د. هادي افقهي (إيران).

5

 مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية (CIGA) د. سامي العريان.

6

 العميد المتقاعد عمر معربوني ( لبنان).

7

الباحث والمحلل السياسي أ. صالح ابو عزة (فلسطين).

8

أمينة سر الرابطة د. وفاء حطيط.

 
ثانيًا: مجريات اللقاء

بداية رحّب رئيس الرّابطة د. محسن صالح بالمشاركين؛ مقدّمًا للنقاش بالإشارة إلى وجود معركة على الوعي والوجود الواعي والعاقل. وهذا ما جاء في المداخلات.  

المداخلات:

د. محسن صالح

 تحاول هذه الحلقة الإضاءة على أهم الأحداث والقضايا الاستراتيجية الكبرى التي تأخذ مكانها في المنطقة والعالم بوضوح من حيث الأصدقاء والأعداء في آن واحد؛ يبدو وضوح هذه الصورة في غاية الأهمية من أجل رسم معالم الحاضر والمستقبل، خاصة ما حصل في الأيام والأسابيع الأخيرة من فشل العدو الصهيوني المريع؛ ولعل أحد مؤشراته استقالة رئيس الاستخبارات العسكرية، وعدم ثقة الولايات المتحدة بإمكانية أن يكون هذا العدو ممثلًا حقيقيًّا قويًّا لمصالحها والمصالح الغربية عمومًا؛ وجاءت الضربة الإيرانية للعدو الصهيوني لتوضح الصورة أكثر. وستتضح مسألة ما تعانيه الولايات المتحدة نتيجة اخفاق أصدقائها أكثر خلال الأيام المقبلة.

يؤشر ما يحصل في الميدان والاستراتيجيا الميدانية والعسكرية والأمنية إلى انقلاب في الصورة؛ فمحور المقاومة أصبح جاهزًا للميدان والمعركة، وحسمت الجمهورية الإسلامية الموقف، والمقاومة في لبنان حسمت الموقف أيضًا، والمسألة في غزة أيضًا تحسم الموقف لجهة قدرة المقاومة في الاستمرار للتصدي للبربرية الصهيونية. ثمة معادلات كثيرة قد تطرح في هذا المجال: خياراتنا واضحة فيما خيارات العدو غير واضحة، خاصة الأميركي لجهة ما يطرحه: دولة فلسطينية، هدنة، والقضية الفلسطينية، والعلاقة مع شعوب المنطقة التي أصبحت بالنسبة إلى الولايات المتحدة أكثر تعقيدًا، ما دفعها إلى أن تعيد ترتيب خياراتها غير الواضحة فعليًّا نتيجة الإخفاقات؛ حتى مواقف معظم الدول العربية غير واضحة لغاية الآن، خاصة لناحية الأنظمة، والشعوب دائمًا في خندق المقاومة والتحرر إلى جانب قوى المناهضة للاستعمار والهيمنة؛ لكن الضغط الحكومي في معظم الدول العربية يمنع من الاحتجاز والاعتقال والضغط على الإعلاميين ووسائل التواصل الاجتماعي؛ فهم يخططون لشيء ومحور المقاومة يخطط لشيء أخر.  وأثبتت قوى المقاومة في المنطقة بعد هذه المعركة قدرتها ليس على المواجهة فقط؛ بل ارباك المخططات والسيناريوهات الأميركية من غزة إلى لبنان، واليمن، وسوريا، والعراق، والجمهورية الإسلامية.

 كان يريد بنيامين نتنياهو أخذ الغرب والولايات المتحدة إلى حرب مع الجمهورية الإسلامية ومحور المقاومة ككل، وأخفقوا لأنهم يدركون تمامًا أن دخول هذه المعركة سيكون لها تأثير على الوضع العالمي ككل؛ فنحن لا نواجه الحركة الصهيونية التي هي جزء من فلسفة وثقافة وسياسات غربية أميركية تجاه المنطقة وثقافتها ودينها، وتجاه سياسات دول المنطقة، لاسيما دول محور المقاومة. فهم دجنوا، واستطاعوا انشاء دول لقوى كالصهيونية والوهابية وغيرها لتكون في مقدمة الدفاع عن الكيان والمصالح والهيمنة الغربية؛ وبالتالي نحن في معركة شاملة كما هم في معركة شاملة، والميدان في غزة وجنوب لبنان كله نقاط في المعركة التي تفصلنا عن هدم الكيان الصهيوني، أو ضرب أعمدته.

هناك إرادة وقوة في إيران على مواجهة واستمرار مواجهة هذا الكيان وحلفائه وداعميه، وهذا يتطلب من الجميع: العرب والمسلمين وأحرار العالم موقفًا واضحًا من الدول التي ساعدت الكيان الغاصب ـ مطبّعة أم غير مطبّعة ـ على المزيد من الذهاب في غيّه، خاصة في ما يتعلق بالمجازر التي ارتكبها ويرتكبها في غزة التي يندى لها جبين الإنسانية جمعاء. 

وقدر ما كانت قوة محور المقاومة تقوى وتتماسك، كانت هناك حملة أميركية لوضع التطبيع في مواجهة قوة محور المقاومة.  لكن قوة المقاومة، والرد الإيراني، وطوفان الأقصى، والجبهة في لبنان ومواقف قوى المقاومة تهشم صورة المطبّعين. 

 د. حيان سلمان:

أبدأ مباشرة لأقرأ ما يرتسم وراء الجدار من متغيرات اقتصادية وتحولات؛ وأبدأ بالمعادلة الكبرى لأقول إن أميركا لم تعد قدرًا والكيان الصهيوني لم يعد قدرًا، ومسلسل الانهيارات يمتد، وأميركا غارقة في ديونها. وعندما نقول إن الصراع مع الكيان الصهيوني الآيل إلى السقوط انشاء الله قريبًا يعني أنه مع القوى الحليفة له، بدليل ما حدث منذ أيام على التعاون الصهيو - أميركي الفرنسي البريطاني في مواجهة محور المقاومة في مقدمته سوريا وإيران بعد الاعتداء على القنصلية الإيرانية في دمشق.

هناك متغيرات دولية، ولم يعد ما قبل 7 تشرين الأول، وما بعد الوعد الصادق كما قبله، فقد بدأت الانهيارات الداخلية والخارجية، ولولا الدعم الخارجي لهذا الكيان اللقيط لما استمر.

لأول مرة تُطرح ما يسمى بـ "سندات يهود الشتات" التي هي عبارة عن دعم خارجي للكيان؛ والنقطة الثانية بدأت الخسائر هناك أكثر من 56 مليار حتى البارحة (الاثنين 22 نيسان 2024)، أي أكثر من 11 في المئة من الناتج الإجمالي الصهيوني. والنقطة الثالثة أن 25 في المئة من صادرات العام 2023 كانت إلى الدول العربية، وأكثرها أسلحة؛ ولكن تدمير "الميركافا" وغيرها سيترك بصمات على تراجع الصادرات بدليل أن 60 في المئة من مستوردات الكيان الصهيوني تراجعت، فهناك مقاومة في غزة شلّت ما يدعى محيط غزة الذي يمول الكيان الصهيوني بالمنتجات الزراعية بحدود 27 في المئة، ما وضع الأمن الغذائي الصهيوني في خطر حقيقي، يعني نحن أمام قضية أساسية هي أننا نتلمس نقاط ضعف هذا الكيان اللقيط التي باتت واضحة. فضلًا عن أن الصناعة التكنولوجية التي يخدع بها الكيان العالم ـ أغلبها في شمال فلسطين ـ هي شركات هايتك أتت من أميركا وبريطانيا وفرنسا، وكلها رحل أصحابها، أو تم استدعاؤه الى الاحتياط الالزامي الصهيوني.

يعيش الكيان الآن أصعب لحظاته الاقتصادية، والمساعدات الأميركية بدأت تشكل واقعًا، وترافقت مع عدم الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفي ذلك رسالة إلى العالم بأن أميركا هي دولة مارقة، ويجب ألا ننخدع بموقف بريطانيا وفرنسا اللتين ساهمت طائراتهما في التصدي للصواريخ والمسيرات الإيرانية المباركة، ولكنها وصلت.

والرد الإيراني جاء أكثر من المتوقع، ومعادلة التوازن الاستراتيجي انتهت، ومعادلة الردع انتهت، ومعادلة أن الكيان هو الأول في هذه المنطقة انتهت أيضًا، واقتصاديًا سجلت أرقام البنك المركزي الصهيوني زيادة كبيرة في النفقات وتراجع في الإيرادات، ويعاني الكيان من تراجع انتاجه، وبعدما كانت الشركات الأجنبية تعتبر الكيان واحة ديمقراطية فقد بدأ الكثير من الشركات يهاجر الكيان المصطنع، وتراجع الاستثمار إلى 75 في المئة لغاية تاريخ اول أمس (الأحد 21نيسان 2024)،  ولأول مرة يحدث تراجع الاستثمارات في الأصول الثابتة إلى حدود 67 في المئة، وارتفع الدين العام في الكيان الصهيوني أكثر من 35 في المئة.

السؤال، إذا كان الغرب يعتبر الكيان قاعدة امبريالية متقدمة (ككلب حراسة)، فهل سينتهي دوره العضوي؟، هنا يجب أن نركز على عوامل قوته الإقليمية، وماذا لو فعّلنا المقاطعة؟ ودورها مع ما يعانيه الكيان من انكماش بلغ حدود الـ 21.2%، ويستهلك العدوان على غزة 10% من الناتج المحلي الإجمالي، وبدأت الموازنة الصهيونية تئن تحت وطأة نفقات الاحتياط الصهيوني واقامته، وفي حال أرفقنا المقاطعة بوقف صادراته إلى الدول العربية لانهار هذا الكيان الذي هو غدة سرطانية بكل معنى الكلمة.

ماذا غدًا؟، غدًا هو انتصار محور المقاومة الذي يمتد من إيران إلى العراق، واليمن، وسوريا، ولبنان، وفلسطين، غدًا يفتضح الموقف الأميركي والفرنسي والبريطاني، وسقطت الأقنعة التي كانت تغطيهم.        

تغيرات كبيرة علينا أن نلتقطها فقط، هناك تحولات دول البريكس، لقد ولّى عهد الاستغلال، وانكشفت الأمور وما علينا الا الاعتماد على قوانا الذاتية، فالمستقبل لنا، و(الفنتازيا) الصهيونية تتراجع تحت ضربات المقاومة، وهذا العدو الصهيوني لا يفهم الا لغة القوة.  

 العميد المتقاعد عمر معربوني:

باتت المرحلة حافلة بالقضايا والتعقيدات، وأشير بداية أننا في المرحلة الأولى بعد 7 أكتوبر اولًا و14 نيسان ثانيًا بتنا بحاجة الى أدوات تحليل وقياس مختلفة؛ وبالتالي هذا لا يمكن وصفه بالمرحلة العادية، فنحن أمام احتدام حقيقي يحمل في طياته الكثير من التحولات، ليس الاستراتيجية فقط بل الجيوسياسية، لأن جيوبولتيك الإقليم بشكل عام آيل إلى مرحلة جديدة من التحول.

وفي كلا حالتي طوفان الأقصى والوعد الصادق نحن أمام مسألة تؤكد في مكان ما أن الكيان الصهيوني آيل إلى السقوط لا محالة؛ ففي الحالتين احتاج هذا الكيان إلى أن يأتي كل الغرب الجماعي لمساندته والدفاع عنه بخلاف وظيفة الكيان الأساسية التي أنشئ من أجلها، وهي تأمين الحماية للمصالح الغربية؛ لذلك نحن أمام تحول، ولذلك قلت أننا نحتاج الى أدوات تحليل وقياس جديدة.

في طوفان الأقصى وطوفان المسيرات والصواريخ الباليستية والمجنحة، أصبحت أكثر قناعة أن هذا الكيان إلى زوال لفقدانه عناصر التأسيس الاثنين، وهما: التفوق العسكري والمظلومية؛ في التفوق العسكري نعلم جميعًا أن الغرب الجماعي منح هذا الكيان كل ما يلزم من التفوق في المجالات العسكرية والتقنية ليستطيع بشكل دائم اركاع المنطقة وابقائها خاضعة، وهذا ما لم يعد قائمًا؛ وفي مسألة المظلومية نحن الآن امام افتضاح امر هذا الكيان على مستوى الرأي العالمي بشكل عام، وهذا سيتبلور بخلاصات في المقبل من الأيام، واعتقد أنها ليست ببعيدة.

وفي عناصر وظيفة هذا الكيان أيضا نجد أنه فقد الردع بشكل كامل ونهائي والردع هو وظيفة الكيان الأساسية، وفقد أيضًا الرافعة الاساسية لإبقاء الردع قائمًا وهي الأمن، ونحن الآن أمام تحقق كامل لنظرية الحاج الشهيد قاسم سليماني والحاج الشهيد عماد مغنية التي ذهبت في اتجاه ضرورة محاصرة هذا الكيان بالنار، فهذا الكيان بات محاصرًا بالنار من اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان وفلسطين، وأخيرًا من إيران. إذًا اكتملت الصورة، وهذا التحول هو الذي يجب أن يُبنى عليه وأن يثبت كصورة، لأنه سينتج عنه مسألة لا مفر منها، وهي الهجرة اليهودية المعاكسة من فلسطين المحتلة.  وأمام هذا التحول الذي يجب البناء عليه يجب البدء بتعميم مقاربات حول واقعية زوال الكيان. فزوال الكيان بات واقعيًّا الان في تقديري، لأنه منذ تحرير خط الحدود العراقية السورية، بدأ طرح مسألتين هما: عامل الانقسام السائد في الإقليم، وهو في اللغة عامل سلبي، ولكن ربطًا بمجريات الأمور أصبح عاملًا إيجابيًا في استمرار الصراع، لأنه أنهى عملية الفرز وحسم التموضعات، وظهور الصورة بشكل أوضح يساعد في عمليات تقطير الموقف؛ وبالتالي اتخاذ القرار. فبعدما كان الإقليم خاضعًا ولايزال لعامل الانقسام، سواء على مستوى الشعوب، أو على مستوى الأنظمة، باتت الصورة واضحة الآن، فهناك أسود وأبيض.

العامل الثاني الذي بدأ يتمظهر بشكل كبير، وبشكل خاص في اليمن وسوريا هو انتقال قوة الردع إلى محور المقاومة، على سبيل المثال اليمن انتقل من مرحلة الصبر الاستراتيجي إلى مرحلة تنفيذ الضربات الاستراتيجية، وسوريا استعادت غالبية الجغرافيا الأساسية والحيوية، صحيح أن ثمة مشاكل في شرق الفرات وادلب، لكن أعتقد ان تحولات المرحلة المقبلة ستحسمها؛ والعراق لم يتحول بحسب رغبة الاميركيين إلى موطئ قدم تنطلق منه على احتلال المنطقة، ولبنان وفلسطين بخير؛ وهذا سينتج عنه تشكل القوى الاستراتيجية العالمية، وإذا ربطنا المسألة بما يجري في أوكرانيا والاحتدام القائم في تايوان، نجد أننا أمام تشكل قوى استراتيجية عالمية، ويمكن أن نسميها أيضًا العالم الجديد وتعدد الأقطاب.  وفي المحصلة فمحور المقاومة بدوله وقواه سيكون أحد أهم هذه القوى الاستراتيجية العالمية، وهذا ناتج أساسي يجب أن نتابعه بشكل دائم.

في غزة لم يستطع الإسرائيلي لغاية اللحظة من تحقيق أهدافه، وطالما أنه فشل في تحقيقها فهو مهزوم بالتأكيد، وعناصر النصر لم تتوفر له، وهناك تحول كبير في نظرة ورؤية قادة العدو، وهذا يجب البناء عليه.

قال نتنياهو "إننا في معركة وجود"، وهي المرة الأولى التي ينطق فيها أحد قادة العدو بأنها معركة وجود، فهذا مصطلحنا، وأن يذهب نتنياهو إلى تبني المصطلح فهذا امر جيد في تقديري، وقال يؤاف غالنت "إنها معركة نصر أو موت" في تأكيد على أنها معركة الكيان الأخيرة، والأهم ما قاله بيني غانتس حين قال "إذا هُزمنا في هذه المعركة فلا مكان لنا في المنطقة"، إذًا هم يدركون في عقلهم الباطن أن هذه الأرض ليست أرضهم، وهذا عامل مهم جدًا مقارنةً بالتضحيات التي يبذلها شعبنا المقاوم في ساحات محور المقاومة كلها.

المسألة الأهم هي دخول إيران على خط المواجهة بشكل مباشر، وليس كداعم، وهذا تحول كبير له العديد من المدلولات.

الضربة الايرانية متقنة ونفذت باحتراف شديد وليست مسرحية كما يحب بعض المتصهينين ان يصورها، وهي رسالة كبيرة ستترك اثرا كبيرا في المرحلة القادمة، ودفعت حزب الله الان الى مزيد من التصعيد وتوسيع من نطاق العمليات، لأنه من بركات الضربة الإيرانية انه تم اكتشاف احدى منظومات ارو3 وهي المتخصصة في التعامل مع الصواريخ الباليستية على اتجاه الشمال الغربي لفلسطين المحتلة ومن ثم تم استهدافها بمسيرتين وتدميرها بشكل كامل، وهذه منظومة ثمن الصاروخ الواحد فيها 3 ملايين دولار. 

الان نمتلك عناصر جديدة تؤكد حتمية زوال الكيان، والمطلوب ان نخرج بتوصيات لقيادات المحور، وتوضيح الصورة بتفاصيلها سواء السياسية او الاقتصادية او العسكرية، والتركيز كباحثين على متابعة مسألة الهجرة العكسية، لان الان مع فقدان عناصر الامن بشكل كامل ومع هذه الهزائم المتتالية التي تلحق بالعدو، من المهم ان نتابع هذه المسألة بشكل دائم وان نتابع عناصر الخلل في الكيان وبالتالي الخروج بتوصيات وخلاصات تنفيذية. 

كلا الطرفين الكيان الصهيوني والغرب الجماعي وعلى رأسه اميركا يرغبون في المعركة الشاملة ولكن يتهيبون، وانهم في حال دخلوا في هذه المعركة سيضطرون الى التعامل مع مسرح عمليات مساحته 3 ملايين كم2، وهم يحتاجون 40 ضعف ما يمتلكون، في حين ان مسرح عمليات المحور هو 3000 كم2 فقط، ونحن نملك 10 اضعاف ما نحتاجه للتعامل مع مسرح العمليات بهذا الحجم.  

 د. سامي العريان:

لا شك ان ما حصل في السابع من أكتوبر وما تلاه في 14 من نيسان أثر كثيرًا على الوضع الإسرائيلي من ناحية استراتيجية، وبصورة عامة يمكن أن نرى 10 خسائر استراتيجية على الاقل.

ففي البداية وعلى المستوى الاستراتيجي كان الحديث سابقًا عن هذه الدولة باعتبارها القوة المهيمنة أو الكبرى، ولكن أصبحت شرعيتها على المحك، وهناك حديث الآن عن تفكيك الدولة ليس داخل الحاضنة الإسلامية والعربية فقط، بل حتى في الخارج، وفي أميركا هناك من أصبح يشكك في شرعيتها بعد حرب الإبادة والتطهير العرقي الذي رأيناه طيلة 6 أشهر وأكثر.  وعلى المستوى المعنوي، هناك اهتزاز كبير لهذه الصورة ولهيمنتها ولاحترامها ولهيبتها ليس عالميًّا فقط، بل أمام شعبها حتى، ولأول مرة تُضرب في تاريخها ضربة استباقية، وهي أطول حرب منذ نشأة الكيان.

على المستوى العسكري، أثبتت الآلة العسكرية أنها غير قادرة على حسم المعركة، ومنذ 5 سنوات كانت مبيعات السلاح الإسرائيلية حوالي 2 مليون دولار، ثم أصبحت 4 مليون، ثم 8 مليون، وفي العام 2022 كانت بحدود 15 مليون دولار، وكانت تروج لآلاتها العسكرية، ورأينا دبابة الميركافا التي لا يقهرها شيء (6.5 مليون دولار)، ثم رأينا صواريخ ببضع مئات من الدولارات "الياسين" وغيره وهي تصهرها، وهذا أثر تأثيرًا كبيرًا على النظرة التي كانت تروج لها.

على المستوى الاقتصادي: ضُرب الاقتصاد ضربة قوية، فقد تفوق الخسائر حتى الان 100 مليون دولار، على مستوى التجارة والملاحة أيضًا لما يفعله أنصار الله في باب المندب، وعلى مستوى المقاطعة التي أصبحت تروج أكثر من السابق، وهذه ضربة استراتيجية أيضًا.  

على مستوى الاعلام، أصبح هناك سردية غير السردية الإسرائيلية التي سادت عبر عقود، وكانت ـتعتبر أنه لا يمكن دحضها، فقد أصبحت سردية واهية ومتواهيه وساقطة، وأصبحت مئات المواقع ومئات المعلقين الغربيين هم يتحدثون الآن كيف أن هذه السردية باتت واهية، وهناك سردية أخرى هي السردية الفلسطينية والحق الفلسطيني والعربي وأصبح الجميع يتحدث به، هذه طبعًا خسارة استراتيجية كبيرة جدًا.

على المستوى القانوني: محكمة العدل الدولية لأول مرة تجتمع وتناقش ولا تقول ان إسرائيل في موقف المدافع، بل تدان، وهناك شواهد كثيرة جدًا على ارتكابها المجازر الجماعية، وأصبح هناك شبه اجماع دولي حول هذا 14 صوت مقابل صوت واحد في قرار محكمة العدل الدولية، وستستمر هذه المسألة وتتوسع، خصوصًا عندما يصبح قادة العدو الصهيوني العسكريين والسياسيين من المطلوبين ومجرمي الحرب، أي أن هذه المسألة لن تقف عند حدود محكمة العدل الدولية.

على مستوى الدعم العالمي: رأينا كيف يتحول العالم، حتى من البدايات عندما كانت أوروبا كلها مع العدو الصهيوني سُجّل تراجع كبير في عواصم كبيرة (اسبانيا، بلجيكا، ايرلندا)، بالإضافة الى المظاهرات بالملايين، ولم تكن هناك قضية عليها اجماع دولي كقضية فلسطين.

الخسارة الاستراتيجية الثامنة: الانشقاق والانقسام بين يهود العالم، فالدعم اليهودي لم يصبح عليه اجماع داخل الجاليات اليهودية، بل وجدنا انقسامًا حقيقيًا، خصوصًا في الولايات المتحدة وبقية العواصم التي يوجد فيها جاليات يهودية كبيرة، هناك انقسام داخل هذه الجاليات اليهودية، وهذا مهم جدًا بالنسبة للمستقبل؛ فانقسامهم وعدم اجماعهم على الموضوع الصهيوني له أهمية كبيرة جدًا في مستقبل الصراع، بالإضافة الى الهجرة العكسية التي رأينا شواهدها الكثيرة.

الخسارة الاستراتيجية التاسعة: هي العملية السياسية، ففي الماضي كان التحدث أن سقف العملية السياسية هو حل الدولتين، وهو ما يؤمل به، بمعنى أن أقصى شيء ممكن أن يحققه الفلسطينيون هو حل مقارب لحل الدولتين، ولكن بلا سياسة وبلا استقلال، ولكن حل الدولتين الآن غير قابل للتحقيق ومنتهٍ تمامًا منذ أكثر من 25 عامًا، ولكن كونهم يتحدثون به والجميع يتحدث عن الدولة الفلسطينية عندما تنتهي هذه الحرب ممكن أن نعترف بها أو تكون عضوًا...، وهذه خسارة اسرائيلية استراتيجية على المستوى السياسي.

الخسارة الاستراتيجية العاشرة: الهيمنة الإقليمية التي كان يستعد لها الكيان الصهيوني، فأميركا كانت تريد أن تعيد تموضعها في هذه المنطقة حتى تتفرغ لاحتوائها للصين والمشاكل العالمية في أوروبا، كانت تريد أن تعطي مهمة حماية مصالحها في هذه المنطقة لإسرائيل والسعودية بعد التطبيع الذي كان يفترض أن يتم هذا الصيف، لكن هذه المسألة تقريبًا جمدت إن لم تنته تمامًا، وكانت إذا حدثت سيكون انتهاء وتجاوز القضية الفلسطينية بشكل تام، وكان سيتبعه التطبيع مع باكستان واندونيسيا؛ وبالتالي تنتهي القضية الفلسطينية، وتكون الهيمنة الإسرائيلية والقدرة على التحكم بكل الأمور الاستراتيجية في المنطقة، ويتم حصار محور المقاومة في هذه المنطقة، وهذه المسألة كلها ضربت، حتى الهيمنة الإسرائيلية أصبحت موضع شك لدى حلفائها العرب في الأنظمة المختلفة، وكشفت مسألة أن تحالف هذه الأنظمة في المنطقة مع العدو الصهيوني اصبح واضحًا لدى الشعوب، ولم يعد الخفاء، ومن ثمرات وبركات طوفان الأقصى أيضًا أن احدًا الآن لا يشكك في أنك تتحدث عن حلف استراتيجي بقيادة اميركا والكيان الصهيوني ومن أعضائه هذه الأنظمة التي طبعت ووقعت معاهدات سلام، وهذه أصبحت إشكالية كبيرة جدًا لهذه الأنظمة (الأنظمة في واد والشعوب في واد اخر)، مع أن تحرك الشعوب ونخبها فيه الكثير من الخذلان وخيبة الامل، ولكن هذا جزء من التحضر للمستقبل، بمعنى أن الشعوب في حالة ذهول الآن مما يحدث، ولكن عندما تستعيد عافيتها سيكون هناك ردود بمستوى الطوفان.  

على مستوى نظرية الأمن القومي والعقيدة الأمنية الإسرائيلية: هذه ضُربت أيضًا، فنظرية الأمن الإسرائيلي كانت تعتمد على 5 أعمدة: الرد الفعال، والانذار المبكر، والدفاع القوي، والحسم السريع، والضربات الاستباقية، وكل واحدة من هذه ضُربت من خلال طوفان الأقصى والوعد الصادق.

الكيان الصهيوني يريد أن يحقق أهدافه ويستعيد الصورة التي ضربت، لأنها ضربة كبيرة وهزيمة، ويحاول أن يقضي على المقاومة ويجردها من قدراتها العسكرية، وأن يعدم الحياة في غزة حتى يستطيع أن ينفذ نكبته الثانية بإبعاد أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من القطاع وتحرير الاسرى من دون اثمان، ولكن كل ذلك لم يستطيع تحقيقه.

تحاول الأنظمة المحيطة بغزة معاونة الإسرائيلي على تنفيذ خططه، وهناك حديث كبير عن وجود عشرات الألوف من المساكن قد تتجاوز الـ 10 الاف مسكن حتى يكون هناك اجتياح لرفح، وهناك ادخال من السلطة لمئات العناصر الأمنية حتى تستطيع ضبط الوضع، وهناك حديث عن سجن كبير لرجال المقاومة، هذه كلها ستكون من التحديات، ولكن لا أتوقع ان يستطيعوا النجاح به.    

المقاومة لديها 5 اهداف لم تتنازل عنها وتريد تحقيقها على الرغم من المآسي والمعاناة والمجازر التي حدثت، ولكن لا سبيل للتراجع عنها، وهي: وقف الحرب والاعتداء والمجازر، والانسحاب الكامل من قطاع غزة، وعودة النازحين خصوصا في الشمال، والاعمار والمساعدات وفك الحصار، وتحرير الاسرى الفلسطينيين.

نحن أقرب من السابق الى زوال الكيان الصهيوني، ونحن لا نتحدث عن حل الدولتين، بل نتحدث عن انهيار وزوال هذا الكيان أو تفكيكه، والعمل العسكري والميداني الذي نشهده الآن هو عنصر من العناصر التي من الممكن أن تدمر هذا الكيان.

المشاكل والانقسامات الداخلية داخل الكيان لا تجعله ينهار، وما يجعل الكيان ينهار هي الاعمدة التي يعتمد عليها، وبالتالي نحن بحاجة إلى أن ننتقل الى مرحلة أخرى في هذا الصراع تتجاوز العمل الميداني والعسكري على الرغم من أهميته، نحن بحاجة الى امرين: الاول دعم الشعب الفلسطيني حتى يبقى على ارضه، لأنه من دونه لن يكون هناك صراع، والثاني الاشتباك مع الحركة الصهيونية في كل مكان في العالم سياسيًا ودبلوماسيًا واقتصاديًا وتجاريًا وثقافيًا واجتماعيًا وحقوقيًا وقانونيًا وتكنولوجيًا وفنيًا وعلى كل المستويات، هذا هو الجانب الآخر الذي يجب أن نهتم به، وهو ممكن.

نحن نشهد تحولات حقيقية جذرية سببها هذا الدعم الأعمى للعدو الصهيوني، ويجب أن يستفاد من هذه المسألة من خلال الاشتباك المتواصل مع الحركة الصهيونية في الوقت الذي تصبح فيه قضية فلسطين هي الرمز والميزان والمسطرة والبوصلة التي يمكن أن تعيد تشكيل النظام العالمي والدولي، وهذه مسألة يمكن أن تتحقق الآن، ولكنها بحاجة إلى وضع استراتيجيات كاملة.   

إن محور المقاومة أقوى مما كان عليه في السابق، ونحن نتحدث الآن عن محور كله مشتعل تقريبًا، وكله دخل في هذه المعركة، وأصبح أمام الشارع العربي والإسلامي، بل العالم أجمع؛ فأنت تتحدث عن مجموعة من الحلفاء المصممين على مواجهة هذا العدو الصهيوني ومحاصرته على الرغم من أننا لم نصل إلى لحظة المواجهة الشاملة، والمسألة تحتاج إلى استعدادات كبيرة ، فالمسألة الميدانية والعسكرية معقدة أكثر، والوضع الإقليمي معقد، ولكن أصبحت المسألة واضحة جدًا امام الشارع العربي والإسلامي، فنحن نتحدث عن محورين المحور الأول مصمم على تفكيك هذا الكيان وإزالته، وعلى تغيير الصورة وارجاع الحقوق، ومحور أخر أصبح تحت السقف الأميركي وتحت الهيمنة الإسرائيلية، وأصبح معزولًا أكثر على الرغم من سطوته على شعوبه؛ ولكن الاتجاه العام في ضرب هذا التحالف يحتاج إلى الكثير من التخطيط والامكانيات، وأي أمر حتى يتحقق لا بد له من أربعة  أمور: الأول هو الرؤية الكاملة، وأتصور أن هذه المسألة أصبحت واضحة جدًا؛ فهناك تصميم وعزم على إزالة هذا الكيان وتفكيكه وعدم القبول به بأي حال من الأحوال بما فيه حل الدولتين؛ فنحن نتحدث عن ارجاع الحقوق، والثاني هو الإرادة وقد أصبحت متحققة، والثالث هو العمل ونراه، ولكن نريد أن يكون أكثر اتساعًا حتى يشمل كل هذه المجالات، ويكون في كل الساحات وحول العالم، والامر الأخير هو الإمكانيات وهو ما يجب توفيره.

د. هادي افقهي:

أبدأ حديثي بلقاء سماحة القائد السيد علي خامنئي بالقادة العسكريين وطرح فيه ثلاث نقاط أساسية: النقطة الأولى أن هذه عملية أدت الى أن يعترف العالم ويحترم مجد وعظمة وقوة وقدرة رد الشعب الإيراني وقدرته الردعية، والنقطة الثانية أكد سماحته أن موضوع عدد الصواريخ والمسيرات التي أطلقت وأصابت أم لم تصب هو موضوع ثانوي، فالموضوع الأساس أنها حققت قوة الردع، وهذه القوة ستستمر في مواجهة العدو.

هذا الموضوع تجاوز عمليًا دور إيران في الإقليم، لأنه قال إن العالم كله يعرف ماذا يجري في المنطقة، ويعرف ماذا فعلت إيران والمتابع لأحداث المنطقة، والدور الإيراني، وخصوصًا هذه الضربة الاستراتيجية. 

أكد العميد حاجي زاده أن العدوان مستمر منذ أكثر من 20 عاما على مواقعنا وعلى مواقع محور المقاومة، خصوصًا في داخل الأراضي السورية، وصحيح أنه كان هناك رد غير مباشر من خلال تقوية محور المقاومة، ولكن هذا أدى الى طغيانه وغطرسته التي تمادت إلى أن يضرب القنصلية الإيرانية في سوريا.

 أكد العميد زاده أنه لم يكن في حساباتي أن ترد إيران، وبعدها أعلن السيد خامنئي أننا سنرد وأن الضربة ستكون موجعة وأنها ستكون بأيدي ابنائنا البواسل.   وصلت الأهداف المرجوة وكان المحدد أن تكون الضربة تحذيرية، وليس ضربة متنوعة اقتصاديًا على الرغم من أن الصواريخ كانت تمر فوق المباني الحكومية والمراكز الاقتصادية والبنى التحتية وحتى المناطق السكنية، ولكن لم تتعرض إيران الا لثلاث او أربعة اهداف أساسية وابعدها هي قاعدة نيفوطيم وقاعدة ريمون وكذلك في الجليل الأعلى وحققت إصابات مباشرة بالرغم من ان الاعلام الغربي حاول ان يقلل او يسخف من هذه الضربة الاستراتيجية.  

ما بعد هذه الضربة وهذا الحجم المرعب والمخيف الذي فاجأ الجميع، سئل العميد زاده فيما لو كانت إسرائيل ترد كيف كانت إيران سترد، قال: "نحن كنا مستعدين انه إذا ردت إسرائيل بضربة ضد منشأتنا النووية او اهداف حيوية او بنى تحتية، فكان نحضر ونجهز لـ 1500 مسيرة وصاروخ للمرة الثانية كي يندم ويتوب للأخر العدو الصهيوني وحتى حلفائه.    

ثبت ان بعض الدول المطبعة وبعض الدول التي لها علاقات طيبة مع إيران شاركت استحداثيًا وامنيًا وتنسيقًا وساعدت العدو الصهيوني.  والضربة العكسية الإسرائيلية هي ضربة ساخرة وهزلية، وقد ادعى العدو عن ضرب بعض المواقع في حين اقتصرت العملية على بعض المسيرات الصغيرة واسقطتها دفاعاتنا الجوية.

سئل العميد زاده هل انتهت المواجهة بيننا وبين العدو الصهيوني، أكد العميد زاده "أن المواجهة الآن على مستوى الضربات المباشرة ربما يتوقف العدو لحسابات كثيرة على مستوى الداخل، على مستوى الهشاشة، على المستوى الأمني، على المستوى العسكري، على المستوى الاقتصادي، وخصوصًا على المستوى النفسي والاجتماعي والانشقاقات العمودية التي تحصل بين القيادات العسكرية والقيادات السياسية والمجتمع الصهيوني خصوصا العوائل التي تطالب بصفقة تبادل اسرى، والحريديم كقنبلة موقوتة، كل هذه تحسب الجمهورية الإسلامية لها حسابًا ولكن في النهاية المقاومة مستمرة.

الجرعة المنشطة التي أتت بها الضربة الإيرانية لسائر حلقات محور المقاومة والمسار التصعيدي ضد العدو الصهيوني كي لا يستعيد انفاسه مرة أخرى لأي مغامرة وأي حماقة.

د. محمود الهاشمي:

نحن نبحث عن ما بعد طوفان الأقصى والوعد الصادق إلى أين ذاهبة المنطقة والعالم بشكل عام باعتبار هي استراتيجيات مستقبلية.  فأي معركة، وأي ثورة، وأي نشاط انساني ما لم تتوفر له الظروف الموضوعية لا يمكن له أن ينجح، على مدى العالم نجد ثورات قد فشلت واخرى نجحت، ومعارك نجحت وحققت أهدافها وأخرى فشلت.

معركة طوفان الأقصى لم تأت في ظرف تاريخي خارج الظرف التاريخي الذي اعد لها، فقد سبقتها الأحداث الآتية: اميركا اللاتينية كانت تشهد صعودًا يساريًا جديدًا لم تشهده منذ أقل من قرن بسبب الضغط الأميركي عليها، وهي الخزين التحرري والقومي الموجود في هذه القارة، وقد أعيدت إليها الروح وهي في خصومة مع اميركا، ومن يختصم مع اميركا يعني مناصر للقضية الفلسطينية، وهذه القارة فيها خزين من الشخصيات الثقافية والفكرية ومن الشعب العربي من فلسطين وبقية دول الشام، وبدأوا اجتماعاتهم بمعنى كانت هناك ظروف قد سبقت المعركة ايجابية لصالح المعركة.

الصين تمددت في اميركا اللاتينية التي هي الحديقة الخلفية لأميركا الشمالية، وهذا يصب في صالح القضية الفلسطينية. وتحول الانقسام الحاد في الولايات المتحدة من انقسام سياسي الى انقسام اجتماعي وهو خطوة الى ضعف الولايات المتحدة المناصر القوي والفاعل للكيان الصهيوني، وهذا لصالح القضية الفلسطينية. 

في منطقة آسيا بدأت حالة من النمو ضد الولايات المتحدة، وربما بدأت برئيس الوزراء اليابان شيزو ابي الذي حاول بشكل أو بآخر أن يتزحزح عن الضغط الأميركي، أو الإرادة والهيمنة الأميركية، وتم اغتياله بسبب انه أراد غرفة امنية بعيدة عن الولايات المتحدة.  

في القارة الافريقية صعود لتيارات يسارية ونزعة ضد فرنسا وانحسار النفوذ الفرنسي والأميركي شيئًا فشيئًا، وتمددت روسيا والصين داخل القارة وهذا في صالح القضية الفلسطينية.  كما بدأت عملية صراع في دول أوروبا بين الأحزاب اليمينية والأحزاب اليسارية، وجزء من هذا الصراع كان يصب في صالح القضية الفلسطينية.

كان العرب قبل معركة طوفان الأقصى تشكيلين: الأول هو الدول العربية التي عصف بها الربيع العربي وخلق فيها نوعًا من الفوضى، بمعنى ليس هناك تجربة واضحة المعالم، الثاني الدول العربية ذات النزعة إلى التطبيع.

عندما حدثت معركة طوفان الأقصى في مثل هذه اللحظة الحرجة من التاريخ هل كان اجتهادًا من حماس أم امتدادًا لمعارك سابقة؟، معركة طوفان الأقصى المعركة السادسة التي حدثت في غزة، بمعنى أن أهالي غزة والمقاومة دخلت في معركة سادسة، ومن يدخل في 5 معارك سابقة يكون قد أسس لنفسه جيدًا ليخوض السادسة؛ وفعلًا كانت المعركة دقيقة في التفصيل فقد خلقت صدمة لدى العدو. هل كنا جاهزين لهذه المعركة؟Kأقول إن الكثير من الأوراق لصالحها.

السيد علي خامنئي قال "اميركا ستنهار وإسرائيل الى زوال بعد 25 عام"، معركة طوفان الأقصى حدثت في هذا المفصل التاريخي، إذًا هناك تباشير لدى القادة والمفكرين بأن إسرائيل وأميركا أحدهما إلى الانهيار والثاني إلى الزوال. فالمستقبل الآن هو مستقبل المقاومة، وكما قال السيد حسن نصرالله "لم تعد المقاومة في بعدها العسكري بل تحولنا إلى أمة المقاومة"، أمة المقاومة هي التي ستؤسس ان شاء الله لمشروع المنطقة الجديد.

أ. صالح أبو عزة:

هناك معركة قراءة ومعركة صورة، بمعنى أن الإسرائيلي يتحدث كثيرًا عن الخسائر الاستراتيجية والعقبات التي تواجهه بشكل عام؛ ولكن نجد أن الخسارة الأبرز هي التي يمكن أن نضعها تحت عنوان خسارة معركة القراءة والتصور والتنبؤ، لذا لا عجب أن نجد أن اول استقالة عسكرية سياسية داخل الكيان الإسرائيلي كانت مرتبطة برئيس الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، وهذا الجهاز الذي أنشئ ما بعد العام 1973 والفشل في التنبؤ في أكتوبر 1973، اهم وظيفة لهذا الجهاز هو قراءة العدو وتقديم كافة السيناريوهات أيهما اقرب إلى التطبيق والواقع والحدوث.

قبل 7 أكتوبر 2023 كنا نلحظ على الكيان الإسرائيلي غياب السيناريوهات المرتبطة بالواقع الحقيقي، وظهرت هذه الظاهرة بشكل جلي بعد معركة سيف القدس عام 2021، وفي أضعف الساحات لدى الكيان الإسرائيلي وهي الضفة الغربية، أنشئت كتيبة تسمى كتيبة جنين ولم يكن فيها سوى 4 او 5 مقاومين فقط، ووفقًا للسيناريو والقراءة الإسرائيلية  لواقع الضفة المحتلة التي كان يراها منغمسة بالاقتصاد والهموم اليومية، كانت القراءة الإسرائيلية بأن عملية خاطفة ضد أي رأس مقاوم في الضفة الغربية ضمن سياسة جز العشب ستؤدي الى انهاء هذه الظاهرة، وما حصل بانه كلما مضى الوقت، كلما قتل مقاومًا كلما ازداد عدد الافراد الذين ينتمون الى كتيبة جنين، والفكرة أنه تم استنساخ كتيبة جنين في عدد من محافظات شمال الضفة المحتلة، لذا الفشل الأول في القراءة كانت عبر زاوية مهمة، يعتقد الإسرائيلي أنه على الرغم من خطورة الجبهات التي يتعامل معها أن وقع السخونة الميدانية غالبًا ما يكون في الضفة الغربية بحكم التداخل اليومي بين المواطنين الفلسطينيين وكتلة المستوطنين في الضفة.

تعددت صور هذا الفشل في القراءة في أكثر من محطة من المحطات المركزية والهامة وصولًا الى طوفان الأقصى. الفشل الأول الذي قاد في نهاية المطاف إلى قراءة خاطئة لحركة حماس ودخولها الهموم الاقتصادية ووقع الحصار على قطاع غزة جعل معركتين قام بهما الاحتلال ضد حركة الجهاد الإسلامي مع وجود حماس خلف هذه الصورة بأن يعتقد بأن أولويات حماس ليست عسكرية، لذا كانت المفاجأة الكبرى، ولم يكن في حسبان الإسرائيلي أبدًا تُقدم كتائب القسام على هكذا عملية.

القراءة الخاطئة الثانية كانت في 8 أكتوبر، كان السؤال المركزي هل سيكون هناك مشاركة من جبهات أخرى؟، هل سيكون هناك مشاركة من الجبهة اللبنانية تحديدًا حزب الله؟، كانت غالبية القراءات بأنه لن تكون هناك مشاركة، ولكن تفاجأنا في 8 أكتوبر دخل حزب الله في هذه المعادلة، في 17 أكتوبر دخل اليمنيون، في 18 أكتوبر دخل العراقيون، وصولًا الى 14 نيسان.

في الأمس حاولت الصحافة الإسرائيلية أن تركز على: لماذا استقال رئيس الاستخبارات العسكرية في جيش الاحتلال، وكان يقال إن 14 نيسان هي القشة التي قسمت ظهر البعير، بمعنى نحن أمام سلسلة من الأخطاء في القراءة والتصورات والتنبؤات لأجهزة الامن الإسرائيلي في الشاباك وامان والموساد أوصلت الكيان الإسرائيلي ضمن ما نسميها القراءات الخاطئة بالمجمل، بمعنى أصبحنا امام كيان قراءته السياسية والميدانية والعسكرية والواقع أقرب الى الخطأ دائمًا، وهذا يقودنا إلى أن محور المقاومة بدوله واحزابه وتكتلاته لديه قراءة صحيحة للأحداث وللإسرائيلي والتحالفات وللطريق الذي سيوصل في لحظة ما الى لحظة التحرير الشامل. 

القراءة الإسرائيلية بعد 1 ابريل: لا رد ايراني مباشر، ومن ثم وصل الى قناعة ضمن تصريحات قيادة الجمهورية الإسلامية السياسية والأمنية والعسكرية توصل إلى قراءة بأن ثمة عقاب سيتلقاه الكيان الإسرائيلي، وكانت السيناريوهات الإسرائيلية المطروحة كلها بعيدة عن تفكير القيادة الإيرانية؛ لذا وجدنا أن استراتيجية هذه الضربة أنها كانت من عمق الجمهورية الإسلامية إلى عمق الكيان، وافقدت الإسرائيلي صوابه في التحليل المرتبط بالوقائع.

تعرض جزء من مصالح الجمهورية الإسلامية في إيران للاستهداف، خاصة في الساحة السورية وجزء من قياداتها للاستهداف في عدد من الساحات، وهذا الانكفاء اعطى صورة تضليلية للإسرائيلي بأنه لا يمكن ان تكون احدى القراءات، أو السيناريوهات بأن يكون هجمة مباشرة من الجمهورية الإسلامية.    

ربما نحصي الكثير من الفشل الاستراتيجي الإسرائيلي، ولكن أضع الفشل الاستنتاجي والتحليلي والفشل في القراءة هو الرقم واحد في الاكلاف التي تكبدها الكيان الإسرائيلي، فهذه معركة يجب ان تدار بحكمة من قبل محور المقاومة، بمعنى ان تبقى صورة محور المقاومة غير واضحة الاتجاهات.

صحيح هناك سياسة عامة الانتصار وتحرير فلسطين ونهضة الامة، هذه عناوين عامة، ولكن في الوسائل المفترض أن لا يكون أحد من الأعداء قادر على تصور أين سيذهب، وما هي خياراته وأدواته. فوصول ذاك الكم الهائل من المسيرات وعبورها أجواء فلسطين المحتلة والفرحة التي بدت على وجوه الفلسطينيين وعكسوها كان لها الدور البارز في تظهير هذه العملية، وهذا التصوير الكبير للعملية من أقصى شمال الضفة في جنين الى أقصاها في الجنوب، والحديث في غزة عن غياب الطائرات وغيره، وتصوير مشهد المسيرات فوق المسجد الأقصى المبارك، هذه المشاهد كلها شكلت صورة نصر حقيقية ظهّرت عملية الوعد الصادق بالطريقة التي يجب أن تظهر به، وعلى المستوى الرسمي كان هناك دور حقيقي لكل وسائل الاعلام والنشطاء والكتاب والمحللين السياسيين لتظهير هذه المعركة، ولكن في الجانب الاخر كانت هناك عملية تسخيف كبيرة جدًا مورست ضد هذه العملية، وشيطنة ضخمة جدًا تولتها إسرائيل وأميركا وأوروبا بالإضافة الى أدواتها ومرتزقتها على خلفية وجوب  تهشيم صورة النصر والقضاء عليها، لذا رأينا كل تلك الهجمة، وحاول الإسرائيلي على الرغم من رده الذي لا يمكن وصفه برد تظهير الرد الإسرائيلي عبر الصورة، بمعنى لم يقم بشيء على ارض الواقع ولكنه كان بحاجة بهذا الرد تحديدًا الى امبراطوريات إعلام حتى تظهر صورة رد حقيقي على الجمهورية الإسلامية.

معركة طوفان الاقصى هل ستبقى مستمرة ؟، هل هناك تبديل حقيقي ومعركة كبرى؟ أم أنها ستنتهي؟، لو انتهت هذه المعركة في أي لحظة من اللحظات فستبدأ معارك أخرى بأساليب أخرى لمواجهة محور المقاومة، ربما يكون الاعلام والصورة اولها، وضمن هذه المعركة الثانية نقول يجب علينا أن نفكر جديًا كمحور المقاومة بدراسة جدية لكل وسائل اعلامنا وادواتها، وطرق تعاطيها، وكيفية تحسينها لمواجهة المعركة المقبلة في حال وضعت هذه الحرب أوزارها.