شبكة "بلومبرغ" تنشر مقالاً للكاتب أندرياس كلوث، تحدّث فيه عن ازداوجية المعايير التي تنتهجها واشنطن حيال قضايا المحكمة الجنائية الدولية، ويقول إنّه لا ينبغي على الرئيس الأميركي رفض الحكم الذي قد يصدر بحق قادة "إسرائيل". وفي ما يلي نص المقال منقولاً إلى العربية:
لقد جاء الأمر بمثابة صدمة، إن لم يكن مفاجأة. يسعى المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي إلى إصدار أوامر اعتقال، بتهمة ارتكاب جرائم حرب، لاثنين من قادة "إسرائيل"، أحدهما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.
وقال الرئيس الأميركي جو بايدن "إنّه أمر شائن". ولكن إذا ازدرت الولايات المتحدة الآن المحكمة التي ساعدت في إنشائها في التسعينيات، فإن هذا من شأنه أن يقوّض النظام الدولي للقانون والنظام الذي تدّعي الدفاع عنه.
وينتقل بعد ذلك طلب المدعي العام كريم خان إلى لجنة من القضاة المستقلين. وحتى لو أصدروا أوامر الاعتقال، فليس هناك احتمال كبير لاعتقال أي شخص مدرج في القائمة. فبادئ ذي بدء، لم توقّع الولايات المتحدة ولا "إسرائيل" على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، ولا تشعر أي منهما بأنها ملزمة به.
وقال خان هذا الأسبوع نيابة عن المحكمة الجنائية الدولية إنّه "إذا لم نظهر استعدادنا لتطبيق القانون على قدم المساواة، وإذا نُظر إليه على أنه يطبّق بشكل انتقائي، فسوف نخلق الظروف لانهياره".
ويدور الجدل حول التهم الموجّهة ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت. وهم متهمون بالتسبّب عمداً في التجويع والمعاناة والاضطهاد والعقاب الجماعي وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية - كما هو محدّد في المادتين 7 و 8 - ضد السكان المدنيين في قطاع غزة، وتشمل التفاصيل تقييد توصيل الغذاء والدواء، وقطع المياه والكهرباء، وقتل المدنيين وحتى عمّال الإغاثة.
وإدراكاً منه للرفض الذي سيواجهه، عرض المدّعي العام خان الأدلة الدقيقة التي جمعها محامو محاكمته، على العقول القانونية المهيبة التي قدّمت المشورة في هذه العملية. ولن تمنع هذه الأدلة، الولايات المتحدة، من استعراض دعمها لحليفتها "إسرائيل" والطعن في شرعية المحكمة بأكملها.
وأوضحت إدارة بايدن أنّها تنفي اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في هذه المسألة ولن تحترم نتائجها. وكان بعض المشرّعين على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك؛ حيث أرسل عشرات من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين رسالة إلى المحكمة الجنائية الدولية كتبوا فيها إلى خان: "استهدف إسرائيل وسوف نستهدفك"، مهدّدين "بإنهاء كل الدعم الأميركي للمحكمة الجنائية الدولية، ومعاقبة الموظفين والشركاء، ومنع خان وعائلته من دخول الولايات المتحدة".
لن تكون هذه أول مضايقة أميركية لهذه المحكمة. وكانت الولايات المتحدة، باعتبارها من كبار مهندسي نظام روما الأساسي، قد انقلبت بعد ذلك ضدّ إنشائها، خشية أنّ تلجأ المحكمة الجنائية الدولية إلى محاكمة الجنود أو القادة الأميركيين. وفي عام 2002، أقرّت واشنطن "قانون لاهاي للغزو"، وهو قانون يسمح نظرياً للرئيس بإرسال قوات لتحرير الأميركيين من الاعتقال. وفرضت إدارة دونالد ترامب في وقت لاحق عقوبات على قاضي المحكمة الجنائية الدولية ومحامٍ كانا يحقّقان في مزاعم ضد جنود أميركيين في أفغانستان.
ومع ذلك، تتعاون الولايات المتحدة أيضاً مع المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها في الفظائع الروسية في أوكرانيا. إنّ هذا الانتقاء تقوم به قوّة تطمح أن تكون زعيمة العالم الحرّ!
تبدو الولايات المتحدة منافقة، حيث تتذرّع "بنظامها القائم على القواعد" ضدّ خصومها، من روسيا إلى الصين، ولكنها تتجاهل ذلك عندما يتعلّق الأمر بحليفتها "إسرائيل". كما أنّ حكمها بشكل استباقي في احترافية المحكمة وموضوعيتها سيكون بمثابة إشارة كارثية ترسلها واشنطن. ولا يمكن للولايات المتحدة أن تقول إنّها تلتزم بالقانون فقط عندما يناسب سياستها.