• اخر تحديث : 2024-11-15 12:27

ساد الحديث مؤخراً عن صعود اليمين المتطرف في بريطانيا (باعتباره الترجمة الحرفية لـfar–Right)، على خلفية تصويت أكثر من 4 ملايين مواطن بريطاني لحزب إصلاح بريطانيا، وهو ما استقبلته وسائل الإعلام والمحللون بشيء من الخوف والتشاؤم. وقد رفض حزب إصلاح بريطانيا نعت هيئة الإذاعة البريطانية له بأنه "يميني متطرف"، وهدد باتخاذ الإجراءات القانونية، وهو ما دفع هيئة الإذاعة البريطانية إلى الاعتذار وتعديل عناوين الأخبار حول حزب إصلاح بريطانيا. ومن الناحية العلمية، يمثل صعود حزب إصلاح بريطانيا بداية صعود اليمين الشعبوي في المشهد السياسي البريطاني، الذي يختلف، بشكل أو بآخر، عن اليمين المتطرف.
نفوذ متزايد
 
عند الحديث عن صعود تيار سياسي ممثلاً في حزب سياسي على الساحة، لا يُقصَد بذلك مجرد تشكيل هذا الحزب؛ وإنما يُقصد به قدرة هذا الحزب على الوصول إلى المشاركة في مؤسسات الدولة التشريعية أو التنفيذية، وهو ما يفترض ضمناً قدرة هذا الحزب على استقطاب أصوات المواطنين وتأييدهم. وفي هذا السياق نجح حزب الإصلاح في تحقيق مكاسب سياسية واسعة؛ حيث جاء حزب إصلاح بريطانيا في المركز الثالث، وحصل على مقعدين في المجالس المحلية، بعد أن خسر حزب المحافظين معقله بلاكبول ساوث لصالح حزب إصلاح بريطانيا بأغلبية 58.9% وبفارق هزيل في الأصوات، بينهما وصل إلى 0.06% من الأصوات وهو ما يعادل 117 صوتاً فقط؛ أي نجاحه في الوصول إلى المشاركة في المجالس المحلية البريطانية.
 
وفي الانتخابات البريطانية العامة جاء حزب إصلاح بريطانيا في المركز الرابع بعد أن تمكن من الحصول على 4,103,727 صوتاً (ما يعادل 14% من الكتلة التصويتية)، وهو ما ترجم إلى خمسة مقاعد برلمانية، وهو ما يعد فوزاً كبيراً لرئيسه نايجل فاراج الذي استطاع قيادة حزبه لدخول البرلمان لأول مرة والمشاركة في السلطة التشريعية. وبوجه عام ارتبط هذا الصعود بعدد من المتغيرات؛ وذلك على غرار ما يلي:
 
1– تأثير التضخم واستمرار الإضرابات العمالية: فقد بدأ الاتجاه التصاعدي لمستويات التضخم الاقتصادي في أواخر عهد بورس جونسون في فبراير 2021؛ حين كانت نسبة التضخم 0.4%، ثم وصلت إلى 10.1% في نهاية فترة رئاسته في سبتمبر 2022، ووصلت نسبة التضخم إلى أعلى مستوياتها 11.1% في نهاية فترة رئاسة ليز تراس القصيرة في أكتوبر 2022. وفي بداية فترة رئاسته، وعد ريشي سوناك بأن يجعل التضخم يصل إلى النصف، وأن يقلل من حجم الدين العام بما يحقق انتعاش الاقتصاد. وقد أظهرت التحليلات أن حكومة سوناك بالفعل تمكنت من تقليل حجم التضخم إلى النصف، لكنها كانت أقل حظاً فيما يتعلق بحجم الدين وانتعاش الاقتصاد.
 
وتزامناً مع ارتفاع مستويات المعيشة، شهدت بريطانيا عدداً غير مسبوق من الإضرابات العمالية والفئوية خلال عامي 2023 و2024؛ ففي أواخر ديسمبر 2023، أضرب الاستشاريون والتخصصيون من الأطباء، وسبقهم الممرضون. وفي يناير 2024، نفذ الأطباء الجدد الحديثو التخرج وكذلك أطباء الأسنان عدداً من الإضرابات.
 
وفي مطلع مارس 2024، نظم مزارعو ويلز إضراباً قاموا فيه بقطع الطرق باستخدام الجرارات. ولم تكد الإضرابات العمالية تهدأ في بريطانيا في نهاية عام 2023 لتعاود البدء من جديد بعد احتفالات رأس السنة الميلادية الجديدة 2024، بما مثل عبئاً مضاعفاً على الاقتصاد القومي، وخسارة في مستويات الدخل الحكومية، وكانت من الناحية السياسية مسوغاً لقبول الحديث عن انفصال النخبة السياسية عن واقع الشعب المعيش الذي هو جوهر الخطاب الشعبوي لحزب إصلاح بريطانيا.
 
2– التداعيات الاقتصادية الناجمة عن الحرب الأوكرانية: فقد أدت الحرب الروسية الأوكرانية إلى زيادة الإنفاق الحكومي على الدفاع مقارنةً بالقطاعات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والزراعة؛ ففي عام 2020–2021، كان الإنفاق الحكومي على الدفاع 47.2 مليار جنيه إسترليني، ثم ارتفع عام 2021–2022 إلى 51.9 مليار جنيه إسترليني، وواصل الارتفاع ليصبح 55.5 مليار إسترليني عام 2022–2023. أما القطاع الصحي، فقد قُدِّر الإنفاق الحكومي فيه لعام 2020–2021 بـ231.3 مليار جنيه إسترليني، وانخفض عام 2021–2022 ليصبح 230.4 مليار جنيه إسترليني، ثم انخفض انخفاضاً كبيراً في 2022–2023 ليصبح 211.6 مليار جنيه إسترليني. وبالنظر إلى القطاع الزراعي، ففي عام 2020–2021 وصل الإنفاق الحكومي فيه إلى 6.32 مليار جنيه إسترليني، ثم انخفض في عام 2021–2022 إلى 6.02 مليار جنيه إسترليني، وعاود الارتفاع قليلاً عام 2022–2023 ليصل إلى 6.6 مليار جنيه إسترليني.
 
علاوة على ذلك، أدت هذه الحرب إلى اضطرابات في سلاسل إمداد السلع والخدماتـ وارتفاع غير مسبوق في أسعار الغذاء والمحروقات والطاقة؛ الأمر الذي أدى إلى تفاقم أثر التضخم الاقتصادي الذي استشعره المواطنون في انخفاض مستويات المعيشة.
 
3– زيادة مستويات الهجرة غير الشرعية: ففي عام 2021، وصل عدد اللاجئين الذين قدموا إلى بريطانيا في قوارب عبر القناة الإنجليزية من الجانب الفرنسي إلى 28526، وقد تضاعف هذا الرقم إلى 46000 في 2022، ثم شهد النصف الأول من عام 2023 تراجعاً بنسبة 10% مقارنة بالنصف الأول من عام 2022 بعد أن وصل بريطانيا 11500 لاجئ غير شرعي وفق مرصد الهجرة في جامعة أوكسفورد. إن التحدي الأساسي الذي تمثله مستويات الهجرة غير الشرعية هي قدرة بريطانيا على السيطرة على حدودها، وهي كلمة السر في مفهوم سيادة الدولة التي دفعت البريطانيين إلى التصويت للخروج من الاتحاد الأوروبي ابتداءً؛ الأمر الذي جعل قضية الهجرة غير الشرعية محور البرنامج الانتخابي لحزب إصلاح بريطانيا وحصانه الرابح.
 
4– فقدان الشعب الثقة بحزب المحافظين: فقد تولى سوناك السلطة بعد ليز تراس التي استقالت من منصبها بصفتها قائدةً لحزب المحافظين ورئيسة للوزراء بعد ستة أسابيع فقط من توليها مهامها بعد الأزمة السياسية التي نجمت عن خطة تقليل الضرائب التي أدت إلى اضطرابات في السوق وتفاقم الأزمة الاقتصادية واضطرار تراس إلى إلغائها. وقبل ذلك، جاءت ليز تراس خلفاً لبوريس جونسون الذي قاد البلاد خلال فترة كورونا، لكن حدثت في عهده عدد من الفضائح السياسية اضطرته هو الآخر إلى تقديم استقالته.
 
أما خلال فترة رئاسة ريشي سوناك، فقد ظهرت خلال فترة رئاسته عدد من المشكلات، مثل تصريحات وزيرة داخليته آنذاك سوليفان حول العلاقة بين الجرائم والمهاجرين، ثم مطالبتها الشرطة بالتعامل العنيف مع المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية، واصفةً إياهم بالمتطرفين، وهو ما دفع سوناك إلى إقالتها. علاوةً على ذلك، دافع سوناك عن خطة رواندا لترحيل اللاجئين غير الشرعيين إلى رواندا، وهي خطة لم يكن لها قبول مجتمعي أو سياسي وعالية التكلفة. وكانت إدارة حكومة سوناك للملف الاقتصادي والتعامل غير المرن مع مطالب الإضرابات القطاعية في التعليم والصحة والسكك الحديدة التي توالت حتى باتت الإضرابات الصناعية والفئوية نشاطاً مستمراً طوال العام، وعدم الرضا عن الموقف البريطاني من الحرب على غزة؛ عوامل تضافرت لزعزعة الثقة بقدرة حزب المحافظين على الاستمرار في قيادة الدولة.
 
5– السلوك التصويتي للناخب البريطاني: ففي الانتخابات المحلية، اعتمد الناخب البريطاني على التصويت العقابي ضد حزب المحافظين، وعليه فقد تقاسم حزب المحافظين أصوات مؤيدي اليمين السياسي مع حزب إصلاح بريطانيا، بعد أن أبى ثلث أصوات اليمين الرافضة لسياسات حزب المحافظين التصويت لصالح اليسار، وآثر التصويت لحزب إصلاح بريطانيا الأقرب أيديولوجياً لحزب المحافظين. أما في الانتخابات العامة في يوليو 2024، فقد خسر حزب المحافظين 252 مقعداً، في حين كسب حزب العمال 214 مقعداً إضافياً، وتوزعت المقاعد المتبقية من خسارة حزب المحافظين (38 مقعداً) بين الأحزاب الصغيرة التي وصل إجمالي مكاسبها إلى 14 مقعداً، بالإضافة إلى الفارق بين حزب الديمقراطيين الليبراليين وحزب إصلاح بريطانيا (24 مقعداً).
 
توجهات رئيسية
 
يرتبط هذا الصعود لحزب الإصلاح أيضاً بالتوجهات الخاصة بالحزب، التي يمكن تناول أهم ملامحها فيما يلي:
 
1– مساعي الحزب للتمايز السياسي عن اليمين المتطرف: وذلك لأن أحزاب اليمين المتطرف ترجع جذورها التاريخية في السياق الأوروبي إلى الفاشية الإيطالية والنازية الألمانية، وتتبنى اتجاهاً رافضاً للنظام الديمقراطي، ولا تتوانى في المجاهرة بالرغبة في تغييره متى وصلت إلى السلطة. والأهم من ذلك أن أحزاب اليمين المتطرف تبرر توظيف استراتيجيات عنيفة من أجل التغيير، وتميز بين أفراد الدولة الواحدة بحسب العرق والإثنية. أما الأحزاب الشعبوية، فأنصارها غالباً ما يؤكدون تجاوزهم الفاشية والنازية، وعدم ارتباطهم أيديولوجياً بهما، بل يؤكدون دائماً التزامهم بالقيم والمبادئ الديمقراطية.
 
وغالباً ما ترتبط هذه الأحزاب بسرديات الوطنية وأولوية مصالح المواطنين أصحاب الوطن على الأغيار من دون المواطنين والأجانب على أرضها، خاصةً فيما يتعلق بالتوظيف وسياسات الرفاهة الاجتماعية التي تقدمها الدولة. وهنا نقطتان للتفرقة بين أحزاب اليمين الشعبوي مقابل المتطرف: الأولى أن اليمين الشعبوي لا يميز بين الأفراد على أساس العرق أو الإثنية، بل على أساس المواطنة. أما النقطة الثانية فهي أن الأساس الشعبوي لأحزاب اليمين الشعبوي الراديكالي يقوم على أساس التمييز بين الشعب والنخبة الفاسدة التي تحاول الالتفاف على إرادة الشعب. ووفق مفردات هذا التصنيف، فإن حزب إصلاح بريطانيا هو حزب يميني شعبوي وليس حزب يمينياً متطرفاً.
 
2– تركيز الحزب على خطاب القومية البريطانية: فقد تعهد الحزب بالالتزام بوضع حد للهجرة إلى بريطانيا. بعبارة أخرى، عزف حزب إصلاح بريطانيا على وتر الوطنية والقومية البريطانية وسياسات الهوية والثقافة. وحسبما أوضح استطلاع YouGov حول نوايا التصويت قبيل انتخابات العامة البريطانية 2024، فإن خصائص مؤيدي حزب إصلاح بريطانيا لا تختلف عن خصائص من صوَّتوا لصالح حزب البريكست في انتخابات 2019؛ فأغلبهم من كبار السن، والطبقة العاملة والمتوسطة.
 
وفي مايو 2023، ظهرت تصريحات "نايجل فاراج" على رؤوس الصحف الرئيسية، التي أشار فيها إلى أن "خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد فشل"، وهو ما يتفق مع ما ذكره 63% من البريطانيين المبحوثين. ولا يخفى على متابعي السياسة البريطانية أن أعضاء ورئيس حزب إصلاح بريطانيا كانوا في السابق أعضاء في حزب استقلال بريطانيا الذي استطاع آنذاك أن يفوز بـ1.8% من الكتلة التصويتية بما يقرب من 600 ألف صوت من دون أن يترجم ذلك إلى مقاعد برلمانية، غير أن ظهور اتهامات بالتطرف لحزب استقلال بريطانيا دفعت فاراج وأغلب أعضاء حزب الاستقلال إلى الاستقالة وتكوين حزب إصلاح بريطانيا لإعادة تقديم أنفسهم وسياساتهم للمواطنين البريطانيين.
 
3– رفض الحزب الانقسام المجتمعي والإسلاموفوبيا: فقد عبر نايجل، في إحدى المقابلات، عن قلقه إزاء ظهور الانقسامات في المجتمع البريطاني، مؤكداً أنه ضد الإسلاموفوبيا، ويشعر بأن أكثر الجماعات قلقاً وخوفاً من الانقسامات المجتمعية الطائفية هم المسلمون البريطانيون؛ لأنهم يعملون بجد، ويدفعون ضرائبهم ويريدون تربية أولادهم، وهم أكثر المتضررين من الانقسام الطائفي متى حدث.
 
4– الاتفاق مع سياسات حكومة المحافظين السابقة في ملف الهجرة غير الشرعية: ووفق ما جاء في برنامج الحزب، فإن من أولوياته وقف قوارب الهجرة غير الشرعية إلى بريطانيا خلال المائة يوم الأولى من وصوله إلى السلطة، وسوف يعلن خروج بريطانيا من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، وهو في ذلك لا يختلف عن سوناك حينما سعى إلى تطبيق خطة رواندا.
 
5– تبني بعض السياسات اليسارية في المجالين المجتمعي والاقتصادي: هناك بعض النقاط في برنامج حزب إصلاح بريطانيا تعتبر أكثر يساريةً مما جاء بها حزب العمال نفسه، باعتباره ممثل اليسار السياسي في بريطانيا؛ ففي مجال الصحة العامة، وعد برنامج الحزب بإنهاء قوائم الانتظار عن بكرة أبيها خلال عامين، وإعفاء مقدمي الخدمة الطبية والخدمة الاجتماعية (وهم نحو مليوني مواطن) من ضريبة الدخل لمدة ثلاثة أعوام، كما قدم نايجل خططاً لإعفاء قرابة 6 ملايين مواطن من ضريبة الدخل عن طريق رفع الحد الأدنى للضريبة إلى 20 ألف جنيه إسترليني، ورفع الحد الأدنى لضريبة الميراث إلى مليوني جنيه إسترليني؛ بالإضافة إلى خفض ضريبة القيمة المضافة على فواتير الطاقة.
 
وفي المقابل، تعهد نايجل بخفض مستويات الإنفاق الحكومي بمقدار 50 مليار جنيه إسترليني سنوياً. أما عن التعليم، فقد أشار نايجل إلى ضرورة تقديم "مقررات وطنية"، ومنع تدريس مقررات الوعي والتحول الجنسي في المدارس. وبالمخالفة مع حزب العمال الذي خطَّط لزيادة الضرائب على المدارس الخاصة، تعهَّد نايجل بخفض ضرائب المدارس المستقلة بنسبة 20%.
 
فرص واسعة
 
بعد دخوله البرلمان، أصبح حزب إصلاح بريطانيا مؤهلاً للحصول على ما يعرف باسم "المال القليل" short money، وهو مبالغ مالية تخصصها الدولة لأحزاب المعارضة لتتمكن من الاضطلاع بمهامها البرلمانية، ويتم احتسابها بناءً على عدد المقاعد التي حصل عليها الحزب. ولأن حزب إصلاح بريطانيا تمكَّن من الحصول على خمسة مقاعد برلمانية، فمن المتوقع أن يصل حجم ما يتلقاه من المال العام إلى 354 ألف جنيه إسترليني، وهو ما يفتح الباب أمام الحزب ليصبح أكثر مؤسسيةً من خلال تعيين موظفين أكثر بحيث يتسنى لهم التحضير للأسئلة البرلمانية وقراءات الموازنات الحكومية ومشروعات القوانين والتواصل الإعلامي بشكل أكثر احترافيةً. لقد تمكن فاراج – الذي يمتلك الحصة الأكبر في تمويل هذا الحزب من العمل بالقليل من الموظفين في ظل ميزانية متواضعة مقارنةً بحزبَي المحافظين والعمال – من أن يحصل على أصوات 4 ملايين مواطن وخمسة مقاعد برلمانية. أما بعد أن حصل على مزيد من التمويل العام، وخمسة أصوات برلمانية، فمن المتوقع أن يعمل على استعراض كافة إمكانياته داخل البرلمان للحصول على مزيد من الدعم الشعبي وتأمين فوز أكبر في انتخابات 2029.
 
وعليه، فإن من المتوقع أن تصبح الانتخابات العامة لعام 2029 أكثر شراسةً؛ حيث يسعى حزب العمال إلى الحفاظ على موقعه في السلطة، ويسعى حزب المحافظين إلى استعادة السلطة ومنع تقدم حزب إصلاح بريطانيا ممثلاً لليمين البريطاني، في حين يسعى حزب إصلاح بريطانيا إلى السلطة وإن لم يفعل، فسوف يكون مرشحاً لمنصب الحزب المعارض الرئيسي بدلاً من حزب المحافظين.
 
وبذلك يمكن القول إن صعود حزب إصلاح بريطانيا ووصوله إلى البرلمان قد يكون بادئة تحول المشهد السياسي في بريطانيا من سيطرة الحزبين الكبيرين إلى تعددية الأحزاب، وهو ما يعني الانفتاح على احتمالات تشرذم الأصوات وظهور ائتلافات انتخابية مستقبلية.
 
والخلاصة: تأسيساً على أيديولوجية الحزب وبرنامجه السياسي وتصريحات فاراج، فإن وصول حزب إصلاح بريطانيا إلى البرلمان البريطاني يمثل صعود اليمين الشعبوي في بريطانيا، إلا أن الثقافة السائدة داخل الحزب وتصريحات أعضائه، تشير بأصابع الاتهام إلى الحزب واحتمالات تطرفه في المستقبل إذا ما تُرجِمت هذه التوجهات الشخصية إلى سياسات عامة. علاوةً على ذلك، فإن سياسات برنامج الحزب تحمل سمات من حزبَي المحافظين والعمال، وهو ما يجعل من الخطأ أن يُفهَم فوز اليسار في بريطانيا على أن الناخب البريطاني مناهض بالضرورة للشعبوية؛ بل على العكس، لقد صوَّت البريطانيون للشعبوية منذ أن صوتوا بالموافقة على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإنما تشير أسباب صعود اليمين الشعبوي في ظل فوز اليسار إلى أن البريطانيين معنيين بالأداء الحزبي، وأن التزامهم تجاه الأحزاب الكبرى لا يزال قوياً. ورغم أنه ليس متوقعاً أن يكون لحزب إصلاح بريطانيا أثر كبير على مستوى صنع السياسات أو القوانين في بريطانيا خلال السنوات الخمسة القادمة، فإن أثر صعوده سوف يظهر جلياً على تشكيل المشهد الانتخابي والحزبي في انتخابات 2029 إذا ما تمكن الحزب من تطوير نفسه والمراكمة بثقل سياسي على ما وصل إليه في 2024.