أولاً: الموقف:
أقدم المقاوم الشهيد مهند محمد العسود " من بلدة " إذنا " على تنفيذ عملية عسكرية بالقرب من الحاجز العسكري المقام على الشارع 35 بالقرب مفترق مدينة " ترقوميا / إذنا " غرب مدينة الخليل؛ مما أدى إلى مقتل ثلاثة من ركاب حافلة مدنية؛ تبين لاحقاً أن ثلاثتهم من كوادر أجهزة أمن العدو وشرطته. وعلى إثر العملية ؛ انحاز المقاوم الشهيد السعيد " محمد " ، والذي خدم في أمن الرئاسة لمدة سنة ، ثم ترك السك العسكري في العام 2017 لمزاولة العمل المدني ، انحاز إلى منزل في مدينة إذنا " ، حيث تمت محاصرته من قبل جيش العدو الذي استخدم تكتيك " طنجرة الضغط " للسيطرة على المجاهد الشهيد لتسليم نفسه أو تحييده ، مستخدماً - العدو في ذلك الأسلحة الفردية والمتوسطة ، وصاروخاً موجهاً يطلق عن الكتف ، ؛ الأمر الذي أفضى إلى ارتقاء الشهيد السعيد دفاعاً عن القدس والمقدسات.
ثانياً : قراءة الموقف والاسقاطات:
من المقولات والقواعد الحاكمة والناظمة للأعمال العسكرية، تلك القاعدة التي تقول " أن الجيوش تتدرب لتقاتل ، وتقاتل كما تتدرب" ، حيث يتناسب نزفها للعرق في ميادين التدريب تناسباً عكسياً مع نزفها للدماء في ميادين القتال ، وطردياً مع كفاءة الأداء والتنفيذ؛ فكلما زاد نزف العرق في التدريب والإعداد؛ قل نزف الدماء في ميدان القتال وبقعه ، وزادت كفاءة التنفيذ والأداء ؛ والعكس صحيح
.
وحيث أننا كنا وما زلنا نعرف العمل العسكري على أنه : أهداف ووسائل وطرق عمل ، لا يتقن دمجها ومزجها مع بعضها البعض إلا كل موفق ، مسدد ، معد، يرى أثر عمله في ساحة المعركة إثخانًا في العدو ، فيحقق أفضل النتائج بأقل الأكلاف . وهنا تحضر عملية رام الله في 22\3\2024 ؛ حيث اشتبك الشهيد السعيد " مجاهد بركيات " على مدار خمس ساعات مع جنود العدو في حرش غرب المدينة مسقطاً سبعة من جنود العدو جرحى يتخبطون في دمائهم ، ولم ينالوا منه إلا بعد أن حضر سلاح الجو ، حيث استهدف الشهيد السعد عبر مروحية بصاروخ جو أرض ، مما أدى إلى ارتقائه على طريق القدس شهيدًا سعيدًا . وفي التدقيق تبين أن الشهيد السعيد كان أحد منتسبي أجهزة سلطة الحكم الذاتي الأمنية : أي أنه نال قسطًا محترمًا من التدريب والتأهيل . وها نحن أمام شهيد سعيد آخر هو الشهيد " محمد " والذي كما قلنا خدم في صفوف أجهزة أمن السلطة مدة سنة ، ثم غادرها ، مما يعني أنه وفي هذه السنة نال من التدريب ما ممكنه من أن يمزج بين مكونات العمل العسكري بطريقة ترفع لها (العقل) ؛ ففي مركب:
الهدف ؛ اختار:
ـ هدفاً لين البنية والبدن ؛ سيارة مدنية غير مصفحة ولا مدرعة
ـ هدفاً صلب المضمون ، فمن كانوا في هذه السيارة ؛ ثلاثة ضباط من كوادر العدو الأمنية والشرطية ، حيث لا يمكن أن يكون هذا الهدف جاء صدفة ، أو ضربة حظ
ـ وحيث أن العملية تكللت بهذا المستوى من النجاح من حيث اختيار الهدف والقدرة على ضربه ، فلا يمكن إلا أن يكون الشهيد
السعيد على دراية معلوماتية - بغض النظر عن قدرها - عما هو مقدم على مواجهته من هدف ؛ من حيث البنية والمضمون.
وفي مركب الوسيلة : اختار:
ـ وسيلة قتال مناسبة للمهمة هي عبارة عن كلاشنكوف ، خفيف الوزن ، سهل الاخفاء - كما ظهر في صور الشهيد - فاعل الأثر ، لا يؤثر فيه غبار أو تراب ، قد يلحق به عند النقل أو التخزين أو التأمين.
ـ لم يثقل نفسه بكثير من الأحمال والأثقال؛ فلم يشاهد معه سوى قطعة السلاح ، ومخزن آخر باليد الأخرى . والسلام.
أما في مركب طريقة العمل ؛ فقد انتقى:
ـ منطقة عمليات قريبة من حاجز عسكري ثابت وعامل ، يفترض أنه محاط بإجراءات أمنية شديدة ، تشكل - الإجراءات - تهديدًا أو فرصة في نفس الوقت ؛ تهديد بفشل العمل إن لم يكن هناك إشراف معلوماتي على الجغرافيا والهدف ، وفرصة بحيث لا يخطر على بال العدو إمكانية التجرؤ على تنفيذ عملية عسكرية بالقرب منه .
ـ ضرب الهدف في مسار يُفترض أنه سيبطئ السير فيه ، حيث تم ضربه على منعطف ، كما بدا من الصور والأفلام المنتشرة عبر الاعلام المرئي والمقروء.
ـ تثبيت الهدف ، ومن ثم الإجهاز عليه ، وهذا يمكن استقراؤه من صور المركبة المستهدفة ؛ فقد تركزت رصاصتين من أصل أحدى عشرة رصاصة أطلقت على الهدف في زجاج المركبة الأمامي ، مما أدى إلى إصابة سائقها ومن ثم انحرافها إلى يمين الشارع وتوقفها ، الأمر الذي مكن الشهيد السعيد من اعتلائها ، مطلقاً على مستقليها تسع رصاصات ظهرت في سقف المركبة العلوي ، مجهزاً على من كان فيها من جنود وضباط.
ـ الانحياز إلى مكان بعيد عن المدنيين ، مكشوف الجوانب والمحيط ، بحيث يستطيع المجاهد أن يرى العدو في حال اقترابه ، ليشتبك معه بما تيسر له من قدرات قتالية ، لو توفرت له الوسائل الكافية للاشتباك والقتال.
ثالثاً: التقييم والتوصيات:
إن القراءة التعبوية لهذه العملية البطولية ، ومحاولة اسقاط مفاهيم مركبات العمل العسكري - أهداف ، وسائل ، طرق عمل – على مجرياتها ، تشير وبلا أدنى شك إلى أن هذا المجاهد الشهيد السعيد ، قد وظف ما اكتنزه من معارف وخبرات - ولو قلت - أثناء عمله في السلك العسكري ، وظفها أفضل توظيف ، فحقق أفضل النتائج بأقل الأكلاف - ثلاثة قتلى بأحد عشرة رصاصة - ، الأمر الذي يحملنا على القول أن الجهد الرئيسي لفصائل المقاومة في الضفة الغربية في هذه المرحلة ؛ يجب أن ينصب على رفع كفاءة مقاتليها ، فنياً وأمنياً وتعبوياً، لخوض صراع طويل مع هذا العدو المحتل ، الذي يفسد الدين والدنيا ، فبالقدر الذي تستثمر فيه الجهود والمقدرات في بناء المعارف والخبرات ، بالقدر الذي ندمي العدو ونثخن فيه . والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.