• اخر تحديث : 2024-09-25 18:05
news-details
تقدير موقف

شخصنة الصراع الوجودي الفلسطيني – الإسرائيلي للإبقاء على النظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري


للإعلام تأثير يضاهي وربما يفوق القوة العسكرية. فهو لا يزودنا بالمعلومات عن الأحداث والتطورات التي تدور حولنا محليا وإقليميا ودوليا فحسب. وإنما يبني - عبر صوغها ونشرها - منظورا معينا اتجاهها. ويسهم في تشكيل فهمنا لها ووعينا بها كأفراد ومجتمعات. وفي ضوء ذلك يشكل منظومة التفكير التي تعيد ترتيب الأولويات. ويوظف الوعي الفردي والجمعي ويوجهه لخدمة أهداف استراتيجية تحفظ بنية النظام الذي بخدمه وتديم بقاءه.

والملفت في الإعلام الغربي والعبري وبعض الإعلام العربي وخصوصا منذ ملحمة طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023، المغالاة في شخصنة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. بتضخيم دور الجماعات والأفراد لحرف الأنظار عن أسباب الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي وطبيعته الوجودية. ولتوجيه التفكير عبر تشويه الوعي الفردي والجمعي وحرف مساره بالتركيز على الجماعات والأشخاص. والإيحاء بأن الحل يكمن في التخلص منهم. باعتبارهم المسؤولين عن الصراعات والتسبب في الويلات والكوارث الناجمة عن تفجرها.

ويستهدف الإعلام، بذلك، إبعاد النظام الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري عن دائرة الضوء، لإطالة أمد بقائه. بالرغم من مسؤوليته الرئيسة عن سلوكيات القادة الذين يفرزهم وفقا لاحتياجاته، وتبعا لمقدرتهم على تحقيق أهدافه بالسرعة القصوى والكلفة الدنيا. ولا يتورع عن التخلي عنهم عندما يصبح بقاؤهم في مواقعهم عبئا يهدد استقرار النظام. فيرفع الغطاء عنهم، ويروج لمرشحين آخرين ملتزمين بذات العقيدة والأهداف. وغالبا ما يأتي بهم من صفوف المعارضة لإرضاء الرأي العام والإيحاء بالتغيير. ما يحفظ أساساته ويعزز استقراره ويمكنه من المراكمة على ما تحقق من منجزات. والمضي قدما في تنفيذ ذات الرؤى والسياسات والأهداف الاستراتيجية التي يسعى لتحقيقها.

وقد برع الغرب في بناء النظام الرأسمالي وتثبيت مرتكزاته الاستعمارية الغربية العنصرية/ العسكرية والأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والإعلامية والإدارية إلخ…( الدولة العميقة) ، وابتدع سبل تجديد النظام وتطويره ذاتيا، بما يحفظ مرتكزاته. ويؤمن استقراره الداخلي. ويوسع نفوذه الخارجي لتأمين مستلزمات البقاء والنمو والتطور، وإدامة هيمنته على النظام الدولي.

كما نجح في بناء آليات تنظيمية ومؤسسية مرنة، تضمن تحييد تأثير تغير الأفراد على بنية النظام. وتتيح الفرصة لاستبدال القادة بسلاسة عندما يصبحون عبئا عليه.

وتظهر نتائج المراجعة السريعة لتاريخ الولايات المتحدة الأمريكية والمراكز الاستعمارية الغربية والكيان الصهيونى، قوة النظام فيها وتجذره وثبات أهدافه وسياساته. وعدم تأثره بتداول السلطة وتعاقب القادة والمسؤولين. واقتصار التغيير الذي يحدثونه على المناهج والأساليب للتكيف مع التحولات والتطورات المحلية والإقليمية والدولية. للحفاظ على بنية النظام الاستعماري العنصري وإطالة أمد بقائه ما أمكن.

واللافت مؤخرا إيغال الإعلام عموما، والغربي والإسرائيلي خصوصا في شخصنة الصراعات الداخلية والخارجية. لحرف الأنظار عن أسبابها البنيوية الكامنة في جوهر النظام الرأسمالي الاستعماري العنصري المهيمن على النظام الدولي. على مستوى الرؤى والأهداف والمناهج والسياسات والآليات. والتي يتعذر حل الصراعات المدمرة التي يتسبب بها دون تقويض مرتكزاته البنيوية، ودون تفكيك منظومته الفكرية والسياسية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والإدارية القائمة. وإعادة بناء منظومة جديدة متكاملة مغايرة للنظام النيوليبرالي الاستعماري العنصري الإلغائي، الذي بات يهدد استمرار الحياة الإنسانية على كوكب الأرض/ الحروب والأوبئة والجوع والتغير المناخي الخ…/.

أبرز الأمثلة على شخصنة الصراع الوجودي الفلسطيني - الإسرائيلي، السعي لاختزال مسؤولية الكيان الصهيوني عن جريمة الإبادة الجماعية المحتدمة منذ عام في قطاع غزة ومخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية ضد الشعب الفلسطيني، غير المسبوقة في همجيتها ووحشيّتها للإنسان والمكان والذاكرة. وحصرها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو وحكومته اليمينية المتطرفة. لتبرئة النظام الاستعماري الصهيوني العنصري الإلغائي وإبقائه خارج الضوء. ولحرف النقاش الدولي وتطويق تأثير التعاطف العالمي المتنامي اتجاه القضية الفلسطينية.

ومحاصرة تداعيات الحراكات الشعبية وخصوصا في الغرب. وعرقلة عمل المؤسسات الدولية المعنية بالأمن والسلم والعدالة، ومنعها من أداء دورها التخصصي. وتعطيل تنفيذ قراراتها

(مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية) وحصر تأثيراتها - إن تعذر منعها - برئيس الحكومة نتنياهو وائتلافه. وتصويرهم وكأنهم نبت شيطاني مغاير للنظام والمجتمع الإسرائيلي "المتحضر"، ومخالف لقيم "الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط".

والملفت تنامي وتواتر الدعوات الأمريكية والغربية عموما، والإسرائيلية خصوصا، لإنقاذ إسرائيل منهم. رغم أن المجتمع الصهيوني/ العلماني والديني/ وكافة التيارات السياسية / اليمين واليسار والوسط/ يشاركون نتانياهو وائتلافه اليميني ذات الأيديولوجيا الاستعمارية الاستيطانية العنصرية الفاشية الإلغائية. باعتراف العديد من الكتاب والصحفيين في المستعمرة الصهيونية أمثال رئيس تحرير صحيفة هآرتس ألوف بن، والكاتب الصحفي جدعون ليفي في مقاله الصريح بتاريخ 25/8/2024 المعنون "الأيديولوجيا هي التي تحرك نتنياهو، وليس السلطة فقط". ومقاله الأجرأ صباح اليوم 15/9/2024 الذي يسأل فيه يهود المستعمرة الصهيونية عن إمكانية مواصلة العيش في" بلد يعيش على الدم".

وعشرات الكتاب الذين يؤكدون بأن نتنياهو لا يختلف أيديولوجيا عن الآباء المؤسسين والقادة الإسرائيليين، ولا عن أي من السياسيين الساعين لخلافته أمثال: إيهود أولمرت، وإيهود باراك، ويوآف غالانت، وبيني جانتس، وغادي آيزنكوت، ونفتالي بينيت، وأفيجدور ليبرمان، وجدعون ساعر، ويوسي كوهين، ويائير جولان ويائير لابيد وغيرهم. والغالبية الساحقة من يهود إسرائيل. فجميعهم ينتمي إلى ذات العقيدة الاستعمارية الاستيطانية الصهيونية العنصرية الإلغائية. ويتفقون معه على "الحل النهائي" للمسألة الفلسطينية بالإبادة والتطهير العرقي والتهجير. وعلى السيطرة العسكرية على كامل فلسطين الانتدابية. وعلى الحق الحصري لليهود بالسيادة بين البحر والنهر. ويتنكرون للحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني. ويعارضون قيام دولة فلسطينية مستقلة على أي جزء من أراضي فلسطين الانتدابية. ويرفضون المساواة السياسية والقانونية لمواطني دولة إسرائيل الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، بمن فيهم الدروز والبدو. وحتى أولئك الذين يخدمون منهم في الجيش. وممن يتساوقون مع سياساتهم الاستعمارية وسلوكياتهم العنصرية أمثال منصور عباس /الحركة الاسلامية "الشق الجنوبي".

ولم يخف إيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق هذه الحقيقة. فذكر في الندوة الحوارية التي عقدت في 11/5/2024 تحت عنوان "بعد سبعة أشهر على الحرب، كيف يمكن إحداث اختراق" بمشاركة الصحفي الأمريكي الصهيوني توماس فريدمان، ووزير الخارجية الفلسطيني الأسبق ناصر القدوة. (الذي أصبح شريكا له في مقترح جديد لحل الصراع، تم الكشف عنه في 17/7/2024. ويرتكز على مقترح سابق لأولمرت - عندما كان رئيسا للوزراء عام 2008. لم يكتب له النجاح، آنذاك، لأن الرئيس محمود عباس لم يجرؤ وفقا لأولمرت على التوقيع عليه. فقاما بتحديثه في ضوء مستجدات حرب الإبادة الجماعية المتواصلة للشهر الثاني عشر على التوالي في قطاع غزة والضفة الغربية وعلى امتداد فلسطين الانتدابية). فقد أقر أولمرت في الندوة، بانعدام فرص الحل التفاوضي للصراع. وقال إنه "لم يجد ولا واحدا من المعارضين في إسرائيل يريد إحداث تغيير، أو يطرح الموضوع الفلسطيني".

بكلمات أخرى، فإن التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري - عبر شخصنة الصراع الوجودي وحصر مسؤولية الكوارث الناجمة عن سلوكياته بحرب الإبادة الجماعية الراهنة. وتحميل المسؤولية لنتنياهو وائتلافه من اليمين الديني والقومي. إنما يهدف إلى حرف الأنظار عن الطبيعة الإجرامية للنظام الاستعماري الاستيطاني الصهيوني العنصري الإلغائي، الذي يعيش على الدم كما وصفه بحق جدعون ليفي . ولم يكن لينشأ في فلسطين عام 1948, ويدوم بقاؤه 76 عام حتى الآن، لولا حروب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتهجير المتواصلة ضد الشعب الفلسطيني للقرن الثاني على التوالي (منذ دخول وعد بلفور الصادر عام 1917 حيز التنفيذ العملي عام 1922. وشروع سلطات الانتداب البريطاني التي فوضها النظام الدولي الذي استحدثته القوى الغربية المنتصرة في الحرب الكونية الأولى(صك الانتداب) باستبدال فلسطين بإسرائيل، واستبدال شعبها العربي الفلسطيني الأصيل بالغزاة المستوطنين اليهود المستقدمين من مختلف بقاع الأرض). ويسعى التحالف لتسريع استكمال آخر مراحله بذريعة حق إسرائيل بالدفاع عن النفس.

ويحاكي ذات النهج في الشخصنة عند التعامل مع القضية الفلسطينية، لكن لتحقيق أهداف مناقضة لمثيلتها الإسرائيلية. وتتصل أساسا بتبرير حرب الإبادة للشعب الفلسطيني. فعبر اختزال حركة التحرر الوطني الفلسطيني بحركة حماس وشيطنتها، يسعى لتشريع استهداف الشعب الفلسطيني بالإبادة والتدمير والتهجير. وقد عبر عن ذلك رئيس الكيان الصهيوني إسحق هرتسوغ بوضوح عندما قال في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر/ 2023 في تعليقه على عملية طوفان الأقصى التي تبنتها حركة حماس "هناك أمة كاملة تتحمل المسؤولية "مضيفا: "ليس صحيحا أن المدنيين غير ضالعين في الأمر" وكرر ذلك كافة القادة السياسيين والعسكريين ووسائل الإعلام . وتساوق معهم قادة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري الذين توافدوا تباعا لدعم حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني ، وزودوه ،وما يزالون، بالسلاح والعتاد والمال لإنجاز مهمته. ومنحوه حصانة من نفاذ القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي. ويواصلون دعمه وتوفير الغطاء السياسي له للقضاء على امكانية استمرار الحياة الفلسطينية في قطاع غزة، ومخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية بذريعة التفاوض لإنهاء الحرب، الذي يسعى التحالف عبر إطالة أمده ما أمكن، حسم الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي باجتثاث الوجود الفلسطيني من كامل فلسطين الانتدابية، بما في ذلك فلسطينى العام 1948. يدلل عليه تصعيد التطهير العرقي في النقب والجليل وتكثيف الجرائم في عكا واللد والرملة ويافا وحيفا.

ولتورية مقاصده الحقيقية، يسعى التحالف - عبر شخصنة الصراع واختزاله حاليا بحركة حماس ورئيسها يحيي السنوار- إلى تكرار ما حدث سابقا مع حركة فتح وزعيمها ياسر عرفات، عندما انقلب شارون بدعم أمريكي على اتفاق أوسلو واجتاح مناطق الحكم الذاتي الفلسطيني عام 2002 لإنهاء انتفاضة الأقصى (التي اندلعت بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 لحل الصراع بفرض الشروط الأمريكية/الإسرائيلية) فتم تحميل عرفات مسؤولية الفشل لاستعصائه على الخضوع والقبول بتأبيد الحكم الذاتي. وسارع الرئيس الأمريكي جورج بوش الإبن للإعلان في خطابه الشهير بتاريخ 24/6/2002 عن تأييده لإقامة الدولة الفلسطينية عند استبدال القيادة الفلسطينية "الارهابية والفاسدة" التي يرأسها عرفات، بقيادة فلسطينية "مسالمة ونزيهة ". وأذن لشارون باغتياله لإعادة هندسه النظام السياسي الفلسطيني بنيويا تحت إشراف أمريكي إسرائيلي.

غير أن استبدال النظام الفلسطيني المقاوم بآخر مسالم ومهادن ومتعاون، لم يؤد إلى قيام الدولة الفلسطينية العتيدة. بل تسارع تقويض فرص قيامها منذ تولي الرئيس محمود عباس مهامه في كانون الثاني 2005. فأقر الكنيست في شباط/ فبراير/ خطة شارون للانسحاب الأحادي من قطاع غزة، دون تنسيق مع السلطة الفلسطينية المتجددة استجابة للشروط الأمريكية والإسرائيلية. وبدأ تنفيذها في 15/8/200، وخلال ثمانية أيام تم إخلاء المستوطنات وإعادة نشر جيش الاحتلال على حدود القطاع. ولاستكمال فصل الضفة الغربية عن قطاع غزة، تم استدراج حركة حماس لخوض الانتخابات التشريعية التي حاول عباس التملص منها، وفرضتها عليه الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وإسرائيل، للتأسيس لانقسام النظام السياسي الفلسطيني. (لعلمهم بإمكانية فوز حركة حماس المعارضة بسبب الإحباط الفلسطيني من فشل عملية التسوية السياسية. وإخفاق السلطة في وقف تهويد القدس والتمدد الاستيطاني في الضفة الغربية. وعجزها عن حماية الشعب الفلسطيني من اعتداءات المستوطنين واستباحة مقدساته. علاوة عن سوء الإدارة وتفاقم المعاناة الاقتصادية والاجتماعية). ثم الانقلاب على نتائج الانتخابات بمقاطعة حكومة الوحدة الوطنية، ومحاصرتها بذريعة عدم التزام حماس باتفاق أوسلو. ودفعها للاستفراد بحكم قطاع غزة. وتوظيف انقسام النظام السياسي الفلسطيني/ حكومة غزة وحكومة رام الله/ لاستكمال واقع الانفصال الجغرافي والديموغرافي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، بانفصال سياسي. بالتوازي مع تسريع تهويد وأسرلة القدس الشرقية، وتكثيف الاستيطان في الضفة الغربية. ثم وقف المفاوضات مع السلطة الفلسطينية عام 2014. وإخراج قضايا الحل النهائي من دائرة التفاوض، باعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بالقدس الموحدة عاصمة لإسرائيل. وتمدد المشروع الاستعماري الاستيطاني الصهيوني جغرافيا وديموغرافيا واقتصاديا وأمنيا في كامل فلسطين الانتدابية. وإطلاق صفقة القرن، والشروع بتطبيع العلاقات الإسرائيلية - العربية /اتفاقات أبراهام/ . وإزالة القضية الفلسطينية من جداول الأعمال العربية والاقليمية والدولية. ففاجأهم طوفان الأقصى في السابع من تشرين الأول/أكتوبر/ 2023 بحضور فلسطيني صاخب أربك الكيان الصهيوني وهز أساسات النظام الاستعماري الغربي الذي استغرق بناؤه في المنطقة قرابة قرنين.

فاندفع التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري وأتباعه بكل قواهم لشن حرب إبادة جماعية غير مسبوقة في همجيتها ووحشيتها لاجتثاث قطاع غزة وعموم الشعب الفلسطيني من الجغرافيا والديموغرافيا والتاريخ. وجعله عبرة لكل من يتجرأ على تحدي هيمنة التحالف الاستعماري الغربي الصهيوني العنصري على النظام الدولي".

وأربكتهم جرأة وقدرة وبسالة المقاومة الفلسطينية، والصمود الأسطوري لحاضنتها الشعبية على امتداد عام، رغم هول الخسائر البشرية والمادية غير المسبوقة تاريخيا في حدتها وكثافتها. وهالهم استعصاءه على الاستسلام.

وسارع التحالف إلى حشد حاملات الطائرات والغواصات النووية، وانخرط كامل جيش المستعمرة الصهيونية المعزز بالدعم الأمريكي والبريطاني والفرنسي والألماني /العسكري والأمني والاستخباراتي والسياسي والمالي والإعلامي/ بحرب الإبادة الجماعية لاجتثاث الشعب الفلسطيني بذريعة القضاء على حركة حماس وتعقب قائدها يحيى السنوار.

ورغم نجاحه في قتل عشرات الآلاف من الأطفال والنساء والشيوخ والمدنيين، وجرح مئات الآلاف وتهجير أكثر من مليوني فلسطيني وتدمير المستشفيات والمدارس والجامعات والمباني السكنية والكنائس والمساجد وتجريف الطرقات وقطع الإمدادات الغذائية والدوائية والماء والكهرباء عن قطاع غزة. فشل في تحقيق أهدافه، ولم تسعفه شخصنة الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي واختزاله بحركة حماس وقادتها في تحقيق مآربه:

-بحرف الأنظار عن جوهر النضال التحرري الفلسطيني العادل المتواصل للقرن الثاني على التوالي من أجل بلوغ الحقوق الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير على أرض وطنه.

-والتغطية على جريمة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية المتواصلة بكثافة منذ عام والساعية للقضاء على مقومات استمرار الحياة الفلسطينية في قطاع غزة وعلى امتداد فلسطين الانتدابية.

-وتصوير اغتيال قادة المقاومة ورئيس حركة حماس القائد الشهيد إسماعيل هنية، وتعقب قائدها يحيى السنوار. وإبرازه -عند حدوثه – (وهو أمر ممكن ومتوقع لقادة وابطال المقاومة الذين يفتدون حرية وطنهم وشعبهم بأرواحهم وأرواح أبنائهم وأحبتهم) وكأنه إنجاز "النصر الكامل". بعد أن بات نتانياهو وجميع قادة المستعمرة الصهيونية وحماتهم الأمريكيون والغربيون يعلمون علم اليقين، بأن الانتصار على الشعب الفلسطيني بات أكثر استعصاء من أي وقت مضى. وأن حرب الإبادة الجماعية وقتل الأطفال والنساء والشيوخ وتدمير مقومات استمرار حياة الشعب الفلسطيني على أرض وطنه، لن تحقق نصرا، ولن تجلب أمنا واستقرارا للغزاة الصهاينة وداعميهم الأمريكيين والغربيين والمتواطئين المحليين والإقليميين.

وأن تكرار حرب الإبادة في مخيمات وقرى ومدن الضفة الغربية والقدس الشرقية التي تتعرض منذ عقود لهجمات جيش الاحتلال ومستوطنيه المسلحين الذين يقتلون السكان العزل ويحرقون بيوتهم ومحاصيلهم ويسرقون أموالهم لترويعهم وإجبارهم على النزوح، لن يزيد الشعب الفلسطيني إلا إصرارا على الخلاص ببلوغه حقوقه الوطنية والتاريخية الثابتة غير القابلة للتصرف ومرتكزها الحرية والعودة وتقرير المصير على ارض وطنه.

ويعي الشعب الفلسطيني أن محاولة البعض اختزال الإخفاق الفلسطيني في بلوغ الأهداف التحررية، بالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدمها على امتداد أجياله المتعاقبة، وما يزال. بسوء الإدارة وتدني مستوى الأداء، والإيغال في البحث عن مخارج من المآزق الوطنية المتتابعة بحلول سطحية، بعيدا عن الأسباب الجوهرية التي يفرضها الصراع الوجودي. والاستعاضة عن تحمل أعباء النضال بحرف البوصلة عن السياسة وتوجيهها نحو الإدارة. والمفاضلة بين الأشخاص عوضا عن السياسات والبرامج.

ومع أهمية الاعتبارات المتعلقة بكفاءة ونزاهة القادة. إلا أن تجارب استبدال الأشخاص في الحالة الفلسطينية لم تفض إلى فوارق جوهرية في الأداء يجنب الشعب الفلسطيني تكرار الإخفاقات. إذا تواصل التهرب من توفير موجبات حل الصراع الوجودي بتفكيك النظام الاستعماري الصهيوني العنصري. واذا استمرّت الطبقة السياسية بالسعي وراء سراب التسويات السياسية بمهادنة العدو واقتسام الوطن معه.

ويدرك الشعب الفلسطيني خطر تساوق البعض الفلسطيني مع العدو باختزال الصراع الوجودي بصراع حدودي. والتوافق معه بشخصنة الصراع، وانتظار حله بالتخلص من نتنياهو وائتلافه اليميني. والانغماس بالبحث عن شركاء مدانين بالفساد، من النظام الصهيوني الآيل للسقوط، مثل إيهود أولمرت. عوضا عن التحالف مع شركاء إسرائيليين وازنين أمثال إيلان بابيه وميكو بيليد وغيرهم، ممن يؤمنون مثل غالبية الشعب الفلسطيني، بأن حل الصراع الوجودي الفلسطيني- الإسرائيلي ممكن، فقط، بهزيمة الصهيونية وتفكيك النظام الاستعماري الصهيوني العنصري. واستبدال الدولة القومية العنصرية بالدولة الوطنية الديمقراطية، التي يخضع جميع مواطنيها لحكم القانون. ويتساوون في الحقوق والواجبات، ويعيشون معا بأمن وسلام، كما عاشوا على مدى قرون قبل بدء الغزو الاستعماري الغربي الصهيوني لبلادنا منذ قرنين.