• اخر تحديث : 2025-01-08 15:39
news-details
تقدير موقف

الاتجاهات المحتملة لمستقبل المقاتلين الأجانب في سوريا


تمثل قضية المقاتلين الأجانب في المشهد السوري الحالي واحدة من أهم القضايا المطروحة على الساحة المحلية، وعلى المستويين الإقليمي والدولي عموماً؛ نظراً إلى ما تحتويه من انعكاسات سلبية على النسيج المجتمعي السوري، بالإضافة إلى كونها تثير قلق أطراف خارجية من توجهات الإدارة السورية الجديدة بإعادة هندسة المجتمع وفقاً لنسق عقائدي أيديولوجي بعيداً عن مفهوم المواطنة وقبول الآخر المختلف. ووصل الجدل الذروة بعد قرار الإدارة السورية الجديدة في 31 ديسمبر 2024 بتعيين مرهف أبو قصرة رسمياً في منصب وزير الدفاع. وسبق هذا القرار الموافقة في 30 ديسمبر 2024 على منح رتب عسكرية كبيرة لعدد من المقاتلين الأجانب، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول تداعيات هذه القرارات، وانعكاساتها على مستقبل ملف المقاتلين الأجانب في الداخل السوري.
 
ملامح متعددة
رغم أن ظاهرة المقاتلين الأجانب ليست جديدة على الساحة السورية، فإن ذلك لا ينفي أنها بدأت تكتسب سمات جديدة، مع هيمنة هيئة تحرير الشام والفصائل الموالية لها على المشهد السوري بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر 2024، التي منحت المقاتلين الأجانب امتيازات غير مسبوقة، ويمكن بيانها على النحو التالي:
 
1– مأسسة الدور وخاصةً في هياكل القيادة العليا: عملت الإدارة السورية الجديدة على مأسسة حضور المقاتلين الأجانب من خلال منحهم أدواراً رسمية من بينها أدوار في هياكل القيادة العليا. وقد أصبح هؤلاء المقاتلون يمارسون أدواراً هامة داخل صفوف الإدارة، سواء من الناحية السياسية أو العسكرية؛ حيث بات يتم الاعتماد عليهم بشكل كبير في إدارة وتسيير أعمال الدولة السورية، وترتيب المرحلة الانتقالية، بالإضافة إلى حفظ الأمن وإعادة هندسة المجتمع.
 
2– تجنيس المقاتلين الأجانب احتفاءً بدورهم في إسقاط الأسد: تتجه هيئة تحرير الشام نحو تجنيس المقاتلين الأجانب، خاصةً بعد إعلان أحمد الشرع، في 18 ديسمبر 2024، عن أن المقاتلين الأجانب الذين ساهموا في إسقاط الأسد "يستحقون المكافأة، ويجب الاحتفاء بهم"، وأضاف: "إذا أخذنا في الاعتبار أن الذين كانوا في بلد آخر لمدة سبع سنوات يحصلون على الجنسية، فيجب أن يكون ذلك خارج نطاق المستحيلات، ويمكن إدماجهم في المجتمع السوري". وعلى ضوء ذلك، ووفقاً لاتجاهات عديدة، فإن الإدارة الانتقالية ستسرع وتيرة تجنيس المقاتلين الأجانب، خصوصاً في ظل التزامهم القوي من الناحية الفكرية والتنظيمية، أو ما يعرف بـ"السمع والطاعة" داخل بعض التنظيمات.
 
3– ترقية الرموز القيادية في صفوف وزارة الدفاع السورية: أعلنت الإدارة السورية الجديدة، خلال اليومين الماضيين، عن منح رتب عسكرية كبيرة لــ6 قيادات أجنبية في صفوف هيئة تحرير الشام لا يحملون الجنسية السورية، 3 منهم برتبة عميد، و3 آخرون على الأقل برتبة عقيد، أبرزهم المقاتل الألباني الأصل عبدل صمريز يشاري الملقب بــ"أبو قتادة الألباني"، والمصري علاء محمد عبد الباقي، فضلاً عن عدد من الإيجور، منهم عبد العزيز داوود خدابردي، الذي تم تعيينه عميداً، ومولان ترسون عبد الصمد وعبد السلام ياسين أحمد، اللذين حصلا على رتبة عقيد.
 
اتجاهات مستقبلية
تشير اتجاهات تعامل هيئة تحرير الشام والإدارة الانتقالية الجديدة حيال ملف المقاتلين الأجانب إلى أن ثمة ثلاثة مسارات محتملة بشأن مستقبل ملف "الجهاديين" في سوريا، ويتمثل أبرزها فيما يلي:
 
1– مواصلة تعزيز الدور في هياكل الدولة المحورية: تشير تقديرات عديدة إلى صعود واسع خلال المرحلة المقبلة للعناصر "الجهادية" المنتمية إلى الفصائل السورية التي أسقطت الأسد، وبخاصة هيئة تحرير الشام، من خلال إدماجها في الهياكل المؤسساتية للدولة السورية الجديدة. ويبدو هذا السيناريو مرجحاً؛ لعدة اعتبارات: أولها ترقية العناصر الوازنة بين الجهاديين، وخاصة الإيجور المحسوبين على الحزب الإسلامي التركستاني، وثانيها تأكيد هيئة تحرير الشام أن أحد المبادئ التأسيسية لها هي أن الهيئة لن تخون المقاتلين الأجانب في صفوفها، ولن تسلمهم إلى بلدانهم الأصلية، وثالثها توصُّل الإدارة الانتقالية الجديدة، بقيادة أحمد الشرع، إلى اتفاق لحل الفصائل المسلحة، وإدماج كافة عناصرها، ومنهم المقاتلون الأجانب، تحت مظلة وزارة الدفاع، ورابعها يرتبط بقناعة الشرع بأهمية المقاتلين الأجانب في تعزيز القدرات القتالية لهيئة تحرير الشام، التي من المحتمل أن تدخل في مواجهات ضد خصومها المحليين خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد رفض قوات اللواء الثامن – الذي يقوده أحمد العودة جنوب سوريا، وبعض الفصائل الموالية لتركيا – حلَّ نفسها والاندماج تحت مظلة وزارة الدفاع الجديدة؛ إذ ترفض هذه الفصائل الطريقة التي تُتَّخذ بها القرارات في المرحلة الجديدة في سوريا بشكل أحادي ومن دون التشاور.
 
2– تهميش دور المقاتلين الأجانب: تشير بعض التقديرات إلى احتمال توجه هيئة تحرير الشام نحو تهميش المقاتلين الأجانب خلال المرحلة المقبلة، وتلمح إلى أن محاولة استيعابهم في التوقيت الحالي، هو إجراء تكتيكي، ولا يُعبِّر عن توجه عام، بالنظر إلى حالة السيولة الأمنية التي تشهدها البلاد، وحاجة السلطة الانتقالية إلى كافة قواتها العسكرية لتعزيز حالة الاستقرار. ويغذي هذا السيناريو ثلاثةُ اعتبارات مهمة: أولها التململ الحاصل في أوساط المكون المدني السوري، وخاصةً الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، والمجلس الوطني السوري، وغيرهما من القوى المدنية، التي تدعو إلى بناء جيش وطني مدني احترافي، وتُعارِض انخراط أجانب ضمن الهياكل المؤسسية للدولة السورية.
وثانيها رغبة هيئة تحرير الشام في معالجة الشكوك التي تتهمها بالارتباط بجماعات متشددة، لا سيما بعد ظهور عناصر أجنبية ضمن مكونات الهيئة مطلوبة قضائياً في دولها؛ لاتهامها بارتكاب جرائم وعمليات إرهابية. وفي ظل حاجة الشرع إلى طمأنة هذه الدول، وتأكيد عدم تصدير ما حدث في سوريا إلى دول الإقليم، فربما يتجه نحو التخلي عن ورقة المقاتلين الأجانب، وثالثها أن الدور المجتمعي في إعادة الإدماج الناجح للمقاتلين الأجانب، واستيعاب هويتهم الأم، قد لا يروق للمجتمع السوري، الذي ينظر قطاع واسع من طوائفه وأعراقه إلى هؤلاء بشك وريبة، وباعتبارهم مصدر تهديد للسلم المجتمعي. وعلى ضوء ذلك، لا يرجح أن تكون الإدارة الانتقالية قادرة على القيام بذلك.
بيد أن هذا السيناريو ربما يكون غير مرجح في التوقيت الحالي، بالنظر إلى القوة العددية للمقاتلين الأجانب في الداخل السوري؛ فعلى سبيل المثال، فإن لدى الحزب الإسلامي التركستاني مئات المقاتلين في سوريا، كما أن حالة التوتر الأمني في سوريا، والمخاوف من تحرك نوعي لبعض العناصر الموالية للأسد من إحداث اضطرابات داخلية، خصوصاً بعد الاحتجاجات التي شهدتها مناطق تركز الأقلية العلوية في 25 و26 ديسمبر 2024، تدفع الهيئة إلى عدم التخلي عن ورقة المقاتلين الأجانب، أو على الأقل تهميشها في التوقيت الحالي.
 
3– الاحتواء التكتيكي لوجود المقاتلين الأجانب: تشير بعض الاتجاهات إلى أن هيئة تحرير الشام، قد تتجه خلال المرحلة المقبلة إلى تبني مقاربة تكتيكية في التعامل مع ملف المقاتلين الأجانب، من خلال احتواء عناصرهم بشكل مرحلي ومؤقت؛ لضمان تحييد تحركاتهم الفردية، أو على الأقل ضمان عدم إخلالهم بالأمن العام في هذه المرحلة الحرجة، كما أن ثمة تقديرات تشير إلى أن خيار الاحتواء التكتيكي يرتبط بمخاوف كامنة تحت السطح لدى هيئة تحرير الشام، من انتقال بعض الجهاديين المحسوبين عليها إلى مناطق محلية طرفية أو مناطق صراع أخرى قريبة من سوريا، وهو ما يمثل بشكل أو آخر مصدر تهديد للإدارة السورية الجديدة.
وعلى ضوء ذلك، يبدو هذا السيناريو محتملاً بصورة أو بأخرى؛ إذ تعي قيادات الهيئة صعوبة إدماج المقاتلين الأجانب في المجتمع السوري، بالنظر إلى إصرار قطاع منهم على التمسك بمنهجية أيديولوجية متشددة، وهي لا تواكب التحولات البرجماتية التي يسعى الشرع إلى ترسيخها بعد وصوله إلى السلطة، كما تجدر الإشارة إلى أن المقاتلين الأجانب الذين تركزوا في إدلب طوال السنوات الماضية تحت لواء هيئة تحرير الشام، كانوا يعيشون في مناطق معزولة وتحت رقابة مشددة، ناهيك عن عدم اختلاطهم بالسكان المحليين، وهو الأمر الذي خلق بعداً اجتماعيّاً معقداً فيما يتعلق بإمكانية إدماجهم في المجتمع السوري مستقبلاً، كما تدرك الإدارة الانتقالية السورية الجديدة أن الوضع القانوني لكافة المقاتلين الأجانب قد يكون معقداً.
 
التأثيرات العكسية
في الختام، يمكن القول إن ملف المقاتلين الأجانب في سوريا، برغم حرص هيئة تحرير الشام على تثبيت حضوره، فإن ذلك لا ينفي قلق الهيئة من التأثيرات العكسية المحتملة للمقاتلين الأجانب على الساحة السورية، لا سيما أن ثمة مخاوف من أن يؤدي الاستمرار في الحفاظ على شبكة المقاتلين الأجانب، وتوسيعها إلى دفعها نحو تبني مقاربات مناوئة لهيئة تحرير الشام إذا ما تعارضت المصالح، بالإضافة إلى وجود مخاوف من أن يؤدي توقف الحرب في سوريا إلى تحول ولاء هؤلاء المقاتلين إلى تنظيمات راديكالية أخرى، تحمل عداءً للهيئة والفصائل الموالية لها.