• اخر تحديث : 2025-06-13 15:35
news-details
قراءات

ما أبعاد تزايد التعاون الدفاعي بين تركيا وفنلندا؟


وقَّعت تركيا وفنلندا، في 2 يونيو 2025، اتفاقية جديدة للتعاون الدفاعي، أثناء زيارة المسؤول عن سياسات الموارد في وزارة الدفاع الفنلندية "أولي روتو" إلى إسطنبول. وبحسب رئيس هيئة الصناعات الدفاعية التركية، فإن الاتفاقية تهدف إلى تطوير التعاون في قطاع الصناعات الدفاعية بين الدولتين، وتفتح الباب أمام مرحلة جديدة في مجالات الإنتاج المشترك، وتبادل التكنولوجيا، وتطوير القدرات، كما تأتي الاتفاقية بعد مرور نحو عامين على موافقة أنقرة للحاق فنلندا بعضوية الناتو في مؤشر على تنامي التقارب بين البلدين.

محفزات التعاون
 
يرتبط التوقيع على مذكرة التعاون الدفاعي المشترك بجملة من الدوافع الرئيسية لكلا البلدين، والتي يتمثل أبرزها فيما يلي:
 
1- تعزيز الصناعات الدفاعية بين البلدين: أشار الإعلان الخاص بالتعاون الدفاعي بين البلدين إلى أن الاتفاق يستهدف تعزيز القدرات الدفاعية والتعاون في مجالات الإنتاج الدفاعي المشترك، وتبادل التكنولوجيا العسكرية، بهدف استكشاف تطوير واكتساب القدرات الدفاعية المتقدمة. كما يستهدف التعاون -في جانب آخر منه- تعزيز وصول البلدين إلى الموارد وسلاسل التوريد التي تؤسس لصناعة دفاعية تنافسية ومرنة، وكذلك تكثيف الجهود للاستثمار في التقنيات العسكرية الجديدة والابتكار بهدف تعزيز القدرات الدفاعية. بالتوازي، فإن الاتفاق التركي-الفنلندي لا يقتصر على تبادل الخبرات، بل يتضمن تدشين عملية تصنيع مشترك لأسلحة ذكية، وتطوير منصات قتالية جديدة، بحيث تمتلك الدولتان القدرة لاحقاً على إنتاج أنظمة دفاعية وهجومية متقدمة خاصة بهما.
 
2- دعم التنسيق الدفاعي بين أعضاء الناتو: يأتي الاتفاق في سياق تقوية التنسيق الدفاعي بين أعضاء الحلف، خاصة بعد انضمام فنلندا للناتو بدعم من أنقرة، ففي رؤية البلدين، فإن دفع التعاون الدفاعي المشترك في التوقيت الحالي، سيعزز من قوة الردع لدى الناتو، لا سيما أن ثمة اهتماماً ملحوظاً لدى دول الحلف برفع الميزانيات الدفاعية لأعضاء الناتو، وهو ما تؤكده مؤشرات عديدة، من بينها تأكيد الأمين العام للحلف "مارك روته" في 5 يونيو 2025 أن "الناتو" سيزيد إنفاقه العسكري ويعزز إنتاجه من الأسلحة خلال المرحلة المقبلة. كما من المحتمل أن يطالب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أعضاء الحلف بالاتفاق خلال الاجتماع المقرر في 24 و25 يونيو 2025 في هولندا على زيادة الميزانيات المخصصة للدفاع لتشكّل 5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل دولة. وفي ضوء ذلك، فإن التعاون الدفاعي بين أنقرة وهلسنكي قد يوفر أرضية خصبة لدعم حضورهما في الاستراتيجية العسكرية للناتو، بجانب توثيق علاقاتهما مع إدارة ترامب.
 
3- تحديث القوة الدفاعية التركية في مواجهة التهديدات: حيث تحاول أنقرة من خلال تلك الصفقة تعزيز قدرتها على تحديث منظومتها الدفاعية، خاصة أن تقارير عسكرية وتصريحات كثيرة تشير إلى أن ذلك يكتسب أهمية خاصة في ضوء التهديدات العديدة التي باتت تفرضها التطورات الإقليمية المحيطة بها، وخاصة استمرار الأزمة الأوكرانية، بالإضافة إلى حالة السيولة الأمنية التي تعانيها سوريا منذ إسقاط نظام الأسد، وكذلك تداعيات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
 
4- تحييد الضغوط الخارجية على هلسنكي: يعد الاتفاق جزءاً من جهود فنلندا لمواجهة النفوذ الروسي، وتحييد ضغوط موسكو، والتي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة بعد انضمام فنلندا إلى الناتو في مارس 2023. كما أظهرت صور للأقمار الصناعية في مايو 2025، نشر روسيا قوات قتالية وجواسيس على حدودها مع فنلندا، وهو ما يثير قلق الأخيرة. وبالتالي، ربما تسعى فنلندا التي تجمعها حدود بطول 1340 كم مع روسيا، عبر التقارب الدفاعي مع تركيا لتوسيع تحالفاتها الإقليمية من جهة، وتعزيز وجودها الأمني في محيطها الإقليمي من جهة أخرى، بما يحد من تأثير التحركات الروسية المضادة لـفنلندا. ويضاف إلى ذلك، أن الاتفاق قد يحد من قدرة الاختراقات الأمنية الروسية لمصالح فنلندا في منطقة البلطيق، حيث تمارس روسيا عمليات استخباراتية مكثفة، تستهدف الإضرار بالأمن القومي في فنلندا.
 
5- تحقيق مكاسب داخلية في تركيا وفنلندا: قد يُوظّف توقيع الاتفاق بين البلدين داخلياً من قِبَل حكومتي البلدين كإنجاز استراتيجي يُعزز من شرعيتهما السياسية أمام الرأي العام، خاصة في ظل أجواء من الاستقطاب والتحديات السياسية الداخلية. ففي تركيا، يمكن للرئيس أردوغان وحكومته تقديم الاتفاق كدليل على نجاح سياستهم الخارجية في تحقيق تقارب مع أوروبا وتعزيز دور البلاد داخل الناتو. أما في فنلندا، فإن الحكومة قد تستفيد من الاتفاق كأداة لطمأنة الشعب إزاء التهديدات الخارجية، ولا سيما الروسية، وتأكيد قدرتها على بناء تحالفات أمنية فعّالة، ما يُكسبها دعماً أوسع ويقلل من ضغط المعارضة.
 
تداعيات محتملة
 
يرجح أن يسفر التطور الحاصل في المجال الدفاعي بين تركيا وفنلندا عن مجموعة من التداعيات الهامة، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
 
1- تعزيز موقع تركيا داخل حلف الناتو: تتيح هذه الشراكة لأنقرة توسيع شبكة علاقاتها الدفاعية مع أعضاء الحلف، وتعزيز قدرتها على المساهمة في الاستراتيجية العسكرية الجماعية للناتو، فالتقارب مع فنلندا، العضو الجديد في الحلف، يمنح تركيا دوراً أكثر تأثيراً في منظومة الردع الأوروبية، ويعزز من فرصها للوصول إلى تكنولوجيا عسكرية متقدمة من خلال الإنتاج المشترك وتبادل الخبرات. كما يُظهر الاتفاق التزام تركيا بالمعايير الدفاعية للناتو، في وقت يشهد فيه الحلف جهوداً متزايدة لرفع جاهزيته العسكرية، مما يعيد ترسيخ أنقرة كطرفٍ فاعلٍ لا غنى عنه في معادلات الأمن الأوروبي والأطلسي.
 
2- دعم جهود أنقرة بالانضمام للاتحاد الأوروبي: يُمثل الاتفاق فرصة لدعم جهود أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، في ظل ما تشكله فنلندا من أهمية استراتيجية للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن تأثيرها في عملية صنع القرار داخل الهياكل المؤسسية للاتحاد، باعتبارها مركزاً للعمليات في منطقة البلطيق، ونقطة استناد استراتيجية في مواجهة روسيا. وبالتالي، فإن تقارب أنقرة الدفاعي مع هلسنكي قد يدعم جهود تركيا للحاق بالعضوية الأوروبية، التي تعد فنلندا أحد أطرافه الرئيسية. وفي رؤية تركيا، فإن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي يمثل خطوة مهمة للتكامل مع الصناعات الدفاعية الأوروبية من خلال استفادة الشركات التركية من التكنولوجيا والبنية المؤسسية الأوروبية بجانب الترويج لمنتجاتها الدفاعية في كافة الدول الأوروبية.
 
3- التوسع في تصدير المنتجات الدفاعية المشتركة: من المحتمل أن يساهم التعاون الدفاعي بين تركيا وفنلندا في بناء خطوط إنتاج مشترك لبعض المنظومات التسليحية الجديدة، خصوصاً وأن الاتفاق الدفاعي الأخير بين البلدين ينطوي على مشاريع تصنيع دفاعي مشترك، أبرزها تعاون شركة "باتريا" الفنلندية مع الشركات التركية "أسيلسان" و"روكيتسان" في مجال تطوير الأنظمة القتالية. كما من بين المبادرات الرئيسية للاتفاق، دمج أنظمة الأسلحة التركية التي يتم التحكم بها عن بُعد في مدرعات باتريا 6×6 و8×8، بهدف تصديرها إلى أسواق دول أمريكا الجنوبية والشرق الأوسط.
 
4- تعزيز فرص التعاون الاقتصادي بين الدولتين: يمثل التعاون الدفاعي المتنامي بين البلدين فرصة إضافية للجانبين لتطوير وتعزيز فرص التعاون الاقتصادي، وذلك من خلال تهيئة مناخات أفضل لتطوير التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية، بما قد يُضاعف حجم المبادلات التجارية بين البلدين، والتي وصلت بنهاية العام 2024 إلى أكثر من 2, 2 مليار دولار، وبزيادة قدرها نحو 6 في المائة مقارنة بالعام 2023، والتي من المرجح أن تصل إلى 5 مليارات دولار خلال المرحلة المقبلة، بفضل توسيع التعاون في مجالات متنوعة، أهمها الدفاع والسياحة والإلكترونيات.
 
5- عدم استبعاد توتر العلاقة بين أنقرة وموسكو: ترتبط موسكو وهلسنكي بعلاقات متوترة، وبالتالي فإن انخراط أنقرة في علاقات دفاعية مع الأخيرة قد يثير توتراً محتملاً مع موسكو، التي ربما تنظر إلى الاتفاق الدفاعي الأخيرة بين أنقرة وهلسنكي على أنه تهديد مباشر لمصالحها الأمنية، واعتباره محاولة لمحاصرة روسيا استراتيجياً. وفي ضوء ذلك، يرجح تراجع مستوى التنسيق بين أنقرة وموسكو في عدد من الملفات الحيوية، وربما منها الوساطة التركية في الحرب الروسية الأوكرانية.
 
ختاماً، يمكن القول إن الاتفاق العسكري الأخير بين تركيا وفنلندا يمثل خطوة مهمة نحو تعزيز شراكتهما الاستراتيجية في مجال الدفاع والأمن وغيره، وهو ما يعكس -بصورة جليَّة- التوجه بوتيرة متسارعة نحو تعزيز التقارب في ظل وجود إرادة سياسية في كلا البلدين لترسيخ فرص التعاون التي تمثل أولوية ضرورية لمواجهة التحديات الجيوسياسية الراهنة، وفي إطار مساعي أنقرة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.