• اخر تحديث : 2025-06-13 15:35
news-details
قراءات

في خضم التطورات المُتسارعة في قطاع الدفاع الجوي، أعلنت شركة الطائرات المتحدة الروسية "UAC" إضافة نظام للتشغيل بالذكاء الاصطناعي إلى المقاتلة الشبحية أحادية المقعد من الجيل الخامس سوخوي 57 "Su-57"، إذ ستضم المقاتلة نظام مساعد ذكياً مُتقدماً، يُعرف بـ"الطيار الإلكتروني الثاني"، والذي صُمم خصيصاً لدعم المهام الروتينية للطيران وتحليل البيانات مما يتيح للطيار التركيز الكامل على المهام القتالية، وعلى رأسها إطلاق الأسلحة والمناورة واتخاذ القرارات الاستراتيجية في أرض المعركة. وقد أكدت وكالة الأنباء الروسية ريا نوفوستي في 24 مايو 2025 أن طراز السوخوي المدعوم بالذكاء الاصطناعي سيكون متاحاً للتصدير الدولي.
 
وبالتوازي مع ذلك، نقلت شبكة روسيا اليوم في 19 مايو 2025م عن مصدر عسكري أن شركة الطائرات المتحدة الروسية تستعد لطرح نسخة جديدة أكثر تقدماً من مقاتلات السوخوي تحت مسمى "Su-57M1" ستكون مدعومة أيضاً بالذكاء الاصطناعي إلى جانب تعديلات في هيكلها بما يمنحها استقراراً أكثر فاعلية خلال السرعات فوق الصوتية مع مميزات شبحية للتخفي والمناورة العالية، وخصائص ديناميكية متطورة ستؤهلها لتمثيل الجيل السادس من المقاتلات الجوية. وفي ضوء التطورات التي تُجريها روسيا في قطاع الأتمتة العسكرية، ثمة رسائل نوعية حول توجهات موسكو إزاء السوق الدفاعية، ومآلات ذلك على سباق التسلح العالمي.
دلالات نوعية
 
ثمة رسائل عسكرية وسياسية يحملها إعلان روسيا دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في مقاتلات سوخوي، وهو ما يُمكن توضيحه على النحو التالي:
 
1- الردع الدفاعي وإبراز التفوق العسكري: سلطت شركة الطائرات المتحدة الروسية "UAC" الضوء على الدعم الذي ستُقدمه مقاتلات السوخوي المدعومة بنظام الذكاء الاصطناعي للطيارين في ميادين القتال، وذلك عبر تولي المهام الروتينية مقابل تعزيز تركيز الطيار البشري على تتبع الأهداف ومراقبة العدو واختيار وإطلاق الأسلحة المناسبة. بينما أفادت شبكة روسيا اليوم أن الإصدار المُطور من سوخوي "Su-57M1" قد صُمم لتحقيق تفوق نوعي في مجالات القتال الجوي متعدد المهام مع تعزيز قدرات الردع الدفاعي، إذ تستخدم المقاتلة جسماً مُسطحاً ومخازن أسلحة داخلية لتحسين التخفي عن طريق تقليل بصمتها الرادارية، مما يُعزز من قدراتها، خاصة مع تقنيات الذكاء الاصطناعي التي ستُحسن من الوعي الظرفي والميداني للطيارين، كما تعتمد المقاتلة على محركات جديدة يُرجح أن تكون من طراز Saturn AL-51F، والتي توفر قوة دفع أعلى وكفاءة مُحسنة في استهلاك الوقود.
 
غير أن زيادة عرض الهيكل الإنشائي للطائرة سيُسهم في توفير رفع ديناميكي هوائي أكبر لتحسين الاستقرار عند السرعات فوق الصوتية دون استخدام الحارق اللاحق، مما يَزيد مدى تشغيل المقاتلة ويُحسن من قدرتها على المناورة، ومن المقرر أن تضم الطائرة راداراً ومستشعراً جديداً مع دعم الأنظمة الداخلية بالذكاء الاصطناعي لتسهيل إجراءات الفحص قبل الطيران والاستعداد للقتال بضغطة زر واحدة؛ لزيادة تركيز الطيارين على التحكم في استخدام الأسلحة والذخائر وملاحقة الأهداف.
 
ومن ثم يُعد الإعلان عن نسخة الذكاء الاصطناعي من "Su-57" إلى جانب الخصائص الشبحية المتقدمة للمقاتلة "Su-57M1" بمثابة رسالة ردع دفاعي روسي في مواجهة التهديدات المتقدمة والتطورات التكنولوجية الغربية، كما أن جاهزية الشركة المُصنعة لتصدير هذه الفئات خلال الفترة المقبلة سيوسع من دائرة الردع داخل معسكر حلفاء موسكو.
 
2- تعزيز القدرات التنافسية للمقاتلات الروسية عالمياً: إن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في النسخة الأحدث من مقاتلات سوخوي "Su-57" يستهدف تعزيز جاذبيتها للتداول في سوق التصدير الدفاعي، إذ تسعى موسكو إلى دعم القدرات التنافسية للمقاتلة بين إصدارات الجيل الخامس، وتتضمن الفئات المنافسة لهذا الطراز؛ الطائرة الأمريكية متعددة المهام والمزودة بالذكاء الاصطناعي "لوكهيد مارتن إف-35 لايتنينغ 2" أو "Lockheed Martin F-35 Lightning II" والتي تتميز بقدرات تخف عالية، والمقاتلات الصينية "J-20 Mighty Dragon" و"J-35A"، فيما يتزامن الإعلان عن النسخة الجديدة من سوخوي مع تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مايو 2025 حول دراسة تطوير المقاتلة "F-22 Raptor" التي تعد من أوائل مقاتلات الجيل الخامس التي دخلت الخدمة العسكرية، إلى جانب وصول المقاتلة الكورية الجنوبية " KF-21 Boramae" إلى مراحل التجميع النهائي. وعلى الرغم من عدم انتمائها للجيل الخامس، إلا أنها تتمتع بميزات هيكلية وسعرية وكذلك سياسية تُعزز من منافستها للطرازات المتطورة وخاصة الآسيوية.
 
وإلى جانب ما يُضيفه الذكاء الاصطناعي من جاذبية لتصدير المقاتلات الروسية، فإن الحظر الذي تفرضه الولايات المتحدة على تصدير مقاتلات "إف-35 لايتنينغ 2" لبعض الدول يُعزز من فرص رواج المقاتلة في السوق الدفاعية، وهو ما تُعول عليه موسكو، إلى جانب استغلال حوادث سقوط المقاتلة الأمريكية في بعض الوقائع والمشكلات البرمحية التي تُحيط بمحركها واستهلاكه للوقود، فيما أكدت الشركة الروسية أن أنظمة الذكاء الاصطناعي بالطرازات الحديثة من سوخوي قابلة للتخصيص حسب احتياجات العملاء ما يجعلها أكثر مرونة وجاذبية.
 
3- مواكبة زيادة الاعتماد على الاشتباك الجوي في الصراعات: شهدت السنوات الأخيرة زيادة في الاعتماد على التفوق الجوي كعنصر حاسم في الصراعات العسكرية المفتوحة، وهو ما ظهر في حرب روسيا وأوكرانيا، وكذلك القتال الأخير بين الهند وباكستان، إلى جانب الصراعات متفاوتة القوة مثل حرب غزة وتبعاتها الإقليمية في لبنان واليمن. وبالتالي، تسعى غالبية الحكومات إلى تعزيز قدراتها الدفاعية في هذا القطاع عبر تحديثات مستمرة تستثمرها الدول الكبرى مثل روسيا والصين والولايات المتحدة الأمريكية لحماية نصيبها من السوق التجارية للمقاتلات الجوية.
 
وبدوره، أدى إضافة الذكاء الاصطناعي إلى المقاتلات الحديثة إلى إعادة النظر في عوامل نجاح الاشتباك الجوي الذي اتسعت متغيراته لتشمل إلى جانب كفاءة الطيار المقاتل قدرات الطائرة الشبحية على تحليل البيانات ودعم اتخاذ القرار بما يُقلل الفجوة بين الطيارين المبتدئين والمخضرمين.
 
4- تحسين القدرات القتالية للطيارين المُبتدئين: إن أنظمة الذكاء الاصطناعي المُخصصة في طائرات السوخوي التي تُجهز للتصدير يُمكن أن تدعم تطوير أداء الطيارين المبتدئين، وتختصر سنوات من الخبرة في التعامل مع المقاتلات نظراً لقدرتها على إنجاز مهام الطيران الروتينية ومساعدة الطيار على رصد الأهداف، والتركيز على توجيه الأسلحة ودعم اتخاذ القرارات في البيئات الجوية المضطربة أثناء المعارك أو التدريبات لقدرتها الفورية على تحليل البيانات، مما يجعل من هذه الأنظمة مساعداً افتراضياً لتبسيط المهام المُعقدة بما يُعزز الجاهزية القتالية للطيار المبتدئ ويُقلل من نسب أخطائه.
 
5- تدارك تداعيات العقوبات الغربية على القطاع الدفاعي: إن استمرار الإنتاج العسكري المتقدم في روسيا وكذلك القدرة على التصدير يُبرز تدارك موسكو لأثر العقوبات الغربية التي استهدفت إبطاء قدراتها الدفاعية، خاصة وأن العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي قد طالت في كثير منها شركات التكنولوجيا المحلية أو التي تتعاون مع موسكو لتقديم برمجيات متطورة أو رقائق إلكترونية أو أشباه الموصلات والمعدات البصرية والرادارية التي تستخدم في تصنيع المقاتلات.
 
ففي أكتوبر2024، على سبيل المثال، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أكثر من 150 شركة داخل روسيا تعمل في مجال الدفاع والمواد ذات الصلة بتكنولوجيا التصنيع الفضائي والجوي سواء التي تنتج أو تشتري معدات عسكرية نهائية أو مكونات رئيسية أو مواد أولية تساعد موسكو في تدشين أو صيانة الأسلحة.
 
6- توظيف وقائع الحرب الأوكرانية في تطوير السياسات الدفاعية: تتضمن العلاقة بين الحرب الروسية-الأوكرانية وتطوير الدفاع الجوي الروسي عدة متغيرات، إذ تسعى موسكو إلى البناء على تفوقها الجوي في بعض المعارك التي شهدتها هذه الحرب لإضفاء ميزة تسويقية على مقاتلاتها بما يشمله ذلك من احتمالات استغلال الوقائع الميدانية للحرب في تطوير الطائرة بشكل أكثر عملية وسط خبرات قتالية متراكمة، إلى جانب أن التقنيات المتطورة للطائرة قد تدعم موقف موسكو في الصراع.
 
تداعيات استراتيجية
 
يبقى الإعلان عن تطوير نسخة جديدة من السوخوي المدعومة بالذكاء الاصطناعي إلى جانب تسريبات عسكرية حول نسخة أكثر تطوراً لمواكبة الجيل السادس عاملاً مُحفزاً لبعض التداعيات الاستراتيجية المرتبطة بهذا الشأن، وذلك على النحو التالي:
 
1- تعزيز علاقات روسيا مع الدول الحليفة: توفر روسيا مصدراً منخفض الشروط سياسياً لتصدير أسلحتها المتطورة، وبالتالي فهي ستُمثل متنفساً للدول الحليفة الساعية نحو امتلاك قدرات جوية متقدمة. وعلى الرغم من خطورة ذلك في بعض الأحيان نتيجة المحاذير الأمريكية تجاه صفقات السلاح الروسية، فإن ما ستُقدمه موسكو من تقنيات عسكرية متطورة سيُضفي مزيداً من التأثير على دوائر التحالفات السياسية، وسيدفع نحو تعزيز التقارب مع موسكو لإبرام الشراكات الدفاعية الذكية بما تتضمنه من نقل الخبرات التكنولوجية. ومن جانبها تستفيد إيران من التعاون الدفاعي مع روسيا في هذا القطاع، فيما تدرس الهند مشروعاً لإنتاج "Su-57E" بالتعاون مع روسيا، فيما تستعد الجزائر لتسلم دفعة من مقاتلات السوخوي، وفي الوقت نفسه فإن ثبات القدرات العسكرية الروسية يُعزز من تعاونها مع القوى الكبرى في المنطقة وخاصة الصين وكوريا الشمالية ضمن حلقات تكامل لمواجهة التحركات الأمريكية المُستهدفة لهذا المعسكر.
 
2- تنامي سباق التسلح في منطقة الهندوباسيفيك: تُعزز الإصدارات الروسية القتالية الجديدة من سباق التسلح في منطقة الهندو باسيفيك خاصة مع زيادة الصراعات الجيوسياسية والتنافس حول النفوذ الاقتصادي والعسكري بالمنطقة بين المعسكرين الأمريكي والصيني وحلفائهما، إذ إن دخول منصة روسية من الجيل الخامس مزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي سيُعزز من مكانة موسكو كمزود بديل للتقنيات العسكرية المتقدمة وخاصة بالنسبة للدول الراغبة في تنويع مصادر تسليحها، وهو ما سيدفع الولايات المتحدة وحلفاءها نحو تسريع خططهم وتوسيع استثماراتهم في برامج الذكاء الاصطناعي العسكري والتفوق الجوي سواء عبر الطائرات المأهولة أو المُسيرات، إذ سينظُر المعكسر الأمريكي للسوخوي كجزء من منظومة التعاون العسكري الروسي–الصيني التي تستهدف تحدي التفوق الجوي الغربي في المحيطين، ما سيدعم زيادة عمليات الانتشار العسكري المتقدم، وفتح الباب أمام تحالفات تسليحية جديدة لتعزيز الردع المتبادل في المنطقة.
 
3- تصاعد الإنفاق على منظومات الدفاع الجوي: أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 مايو 2025 إطلاق مشروع دفاعي جديد باسم "القبة الذهبية" أو "Golden Dome"، ويتضمن إنشاء نظام دفاعي أرضي وفضائي لحماية الولايات المتحدة من التقنيات الجوية المتطورة بما فيها الصواريخ، فيما يشبه نظام القبة الحديدية لدى إسرائيل، وهو ما يأتي في إطار زيادة الإنفاق الدولي على منظومات الدفاع الجوي. وفي أبريل 2025، أعلنت سويسرا نيتها شراء أنظمة دفاع جوي من الطراز الألماني متوسط المدى "IRIS-T SLM "، فيما خصصت الدنمارك 7 مليارات دولار في مارس 2025 لتتمكن من حيازة منظومة للدفاع الجوي بحلول عام 2026. ونظراً لتنامي ملفات المنافسة السياسية والاقتصادية بين القوى الكبرى، فمن المتوقع أن يَزيد التطور العسكري الروسي من زيادة إنفاق الخصوم على أنظمة الدفاع الجوي.
 
4- زيادة الاستقطاب بين روسيا والكتلة الغربية: تنظُر الدول الغربية إلى التفوق العسكري الروسي كتحدٍّ استراتيجي مُعقد، ما قد يدفعهم إلى احتواء موسكو سواء عبر مُقاربات سياسية أو فرض المزيد من العقوبات وخاصة على الشركات الصينية التي تدعم القطاع العسكري الروسي، ومع ذلك فإن تراجع النتائج المرجوة من العقوبات الغربية قد يُعزز من احتمالات لجوء الغرب إلى صفقة تسوية مع موسكو لأن سياسة العقوبات تُحفز التعاون بين روسيا وبكين وحلفائهما بما في ذلك استخدام العملات المحلية وليس الدولار في صفقات التعاون المشترك، ومن المتوقع أن تنعكس هذه التشابكات على الجهود الأمريكية لإبرام صفقة للتهدئة بين روسيا وأوكرانيا، وكذلك مستوى العلاقات الأمريكية-الأوروبية.
 
ختاماً، يُمكن القول إن استمرار التحديث العسكري الروسي يتضمن برهاناً جديداً على عدم جدوى العقوبات الغربية في التأثير على القطاعات الدفاعية والاقتصادية لموسكو، كما أن إنتاج نسخة السوخوي المدعومة بالذكاء الاصطناعي يعكس رغبة روسيا في الحفاظ على حصتها من هذه السوق في إطار مواكبة الطلب العالمي المتزايد على أنظمة القتال الجوي وسط تسارع المنافسة في قطاع الأتمتة العسكرية بما سيحمل انعكاسات على مستقبل الاستقطاب الدولي وبؤر الصراع.